السخيف في لعبة النووي وفطائر بروكسل في كتابه الموسوم «الأفكار التي قهرت العالم» يروي مايكل ماندلباوم قصة فتاة صغيرة تتناول طعام العشاء في بيت صديقة لها، وتسأل والدة الصديقة عما اذا كانت الفتاة تحب فطائر بروكسل. فتجيب الفتاة «نعم، بالطبع أحب فطائر بروكسل». غير أن الأم تلاحظ ، بعد العشاء، ان الفتاة لم تتناول قطعة واحدة من الفطائر. وقالت الأم «اعتقدت انك تحبينها» فأجابت الفتاة «نعم، ولكن ليس الى الحد الذي يكفي لتناولها فعلا». وروى السيد ماندلباوم تلك القصة لي خلال حديث حول الخطرين العظيمين للانتشار النووي اللذين نواجههما في الوقت الحالي: كوريا الشمالية وايران. ويعرف قرائي أنني نادرا ما أكتب عن الانتشار النووي. ولا يعود السبب الى انني غير مهتم أو لأنني لا أرى فيه خطرا مهلكا ، وإنما يعود الى الحل الواضح الى حد مضحك ، بمعنى أنه لا يوجد الكثير مما يمكن للمرء ان يقوله. واليكم ما أعنيه. يمكن ايقاف برنامج كوريا الشمالية النووي غدا من جانب البلد الذي يزودها بما يقرب من نصف طاقتها وثلث حاجاتها من الأغذية، وهو الصين ، فكل ما يتعين على الصين قوله لكيم ايل جونغ الثاني هو: «أوقف برنامج أسلحتك النووية، وضَعْ كل مفاعلاتك تحت رقابة دولية، وإلا أطفأنا أنوارك، وقطعنا عنك الحرارة ووضعنا بلادك بأسرها تحت نظام غذائي صارم. أواضح موقفنا ؟». شيء واحد نعرفه عن الصين، انها تعرف استخدام كل الوسائل للوصول الى غاياتها عندما تريد ذلك، واذا ما مارست الصين هذه اللعبة مع كوريا الشمالية فان خطر انتشار بيونغ يانغ النووي سينتهي. وهكذا الحال بالنسبة لأوروبا مقابل ايران. فاذا ما قال الاتحاد الأوروبي للايرانيين:«أوقفوا برنامج أسلحتكم النووية، وضعوا كل مفاعلاتكم وما يرتبط بها من مشاريع تحت رقابة دولية، وإلا واجهتم مقاطعة اقتصادية شاملة من أوروبا. أي جزء من هذه الجملة لا تفهمونه ؟» صدقوني ان ذلك النمط من التهديد الواضح هو الذي سيثير اهتمام طهران. أما ما هو أقل من ذلك فسيجعل الايرانيين يساومون على سجاجيدهم النووية الى الأبد. فلماذا إذن لا تقول الصين وأوروبا هذه الأشياء ؟. قال السيد ماندلباوم انه «مثل تلك الفتاة وقصتها مع فطائر بروكسل فان الصينيين والأوروبيين كلهم الى جانب مكافحة الانتشار النووي، ولكن ليس في الواقع الى الحد الذي يكفي للقيام بشيء حول ذلك». والسؤال : هل يتصرف الأوروبيون والصينيون على نحو يثير السخرية والارتياب ؟ بالطبع، فهذه الدول هي ذاتها التي تشكو باستمرار من «الهيمنة» الأميركية وتدعو الى «عالم متعدد الأقطاب». غير أن الشيء الوحيد الذي تهتم به هذه الدول هو أن تكون قطباً في مواجهة الولايات المتحدة، ليس، في الواقع، للقيام بعمل شاق من اجل استقرار النظام العالمي. ويتمثل الافتراض السائد في واشنطن بأنه، واذا ما سارت الأمور في اتجاه خاطئ، مثل ان تتحول كوريا الشمالية وايران الى دولتين نوويتين، فلا بد أن يكون ذلك بسبب ان اميركا ارتكبت خطأ. أجل لقد كانت سياسة بوش في مجال الحد من الانتشار النووي عاجزة الى حد ما، غير ان المشكلة الحقيقية هي أن تلك الأطراف التي تتمتع بنفوذ للقيام بخطوات دبلوماسية ترفض استخدام ذلك النفوذ. (نحن الآن نعزل ايران وكوريا الشمالية الى حد كبير. وليس هناك ما يمكن لأميركا أن تفعله أكثر من هذا باستثناء استخدام القوة). هذه ليست نكتة. فاذا ما تحولت كوريا الشمالية وايران الى دولتين نوويتين فان تلك الخطوة قد تؤدي الى اعادة اصطفاف كبير في الاطار الجيوسياسي، وهو ما لم يحدث مثيل له منذ نهاية الحرب الباردة. واذا ما شرعت كوريا الشمالية باجراء اختبار نووي فإلى أي مدى ستواصل اليابان اعتمادها على الولايات المتحدة لحمايتها نوويا ؟ وما الذي ستفعله كوريا الجنوبية وتايوان ؟ واذا ما تحولت اليابان وكوريا الجنوبية الى دولتين نوويتين فكيف سيكون رد فعل الصين القلقة ؟ واذا ما أصبحت ايران الشيعية قوة نووية، بالتوافق مع عراق يحكمه الشيعة، فان العالم العربي السني سيصاب بالجنون ناهيكم من الاسرائيليين؟. نحن نتحدث عن ألعاب دومينو نووية. الأمر إذن واضح ، فما لم تكن الصين وأوروبا جادتين، فلن يتم الوصول لحل، أقرب ما يكون حالهما كحال تلك الفتاة مع فطائر بروكسل |