هل يستطيع الغرب ترويض الحركات الإسلامية؟ اشتغل كثير من الكتاب والباحثين على موضوعة العلاقة بين الغرب وبين الحركات الإسلامية وذلك على خلفية التصريحات المتبادلة بين الطرفين في الآونة الأخيرة مثل الوثيقة التي تعاطاها وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الذين أسفوا على تفضيلهم السابق للتيار الليبرالي. غالب هذه التعليقات جاءت في سياق التأكيد على براجماتية الطرفين، الغرب الذي يبحث عن مصالحه ولو عبر بوابة خصوم الأمس، وجماعات الإسلام السياسي التي تطمح للسلطة لتحقيق يويتيبا الخلافة ولو من خلال استجداء الوحش الكاسر ومطالبته بالعدالة، هناك من تحدث عن تاريخ هذه العلاقة ورصدها من زاوية الاستخدام الأميركي لورقة «الإسلاميين» في الحرب على الشيوعية أو الاحتواء الفرنسي للثورة الإيرانية في حوادث تفصيلية يراد الاستدلال بها على فضائحية هذه العلاقة غير الشرعية من وجهة نظر راصديها. يمكن القول ان تصريحات وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي جاءت خطابية وفضفاضة لم تلمح إلا للجماعات المعتدلة في تعميم يمكن وصفه بالتسويق الدبلوماسي للاستراتيجية الجديدة في التعامل مع الإسلاميين لكن تصريحات وزيرة الخارجية الأميركية كوندليزا رايس جاءت صريحة وقاطعة بأن وصول الإسلاميين للسلطة مرهون بتناولهم للديمقراطية نظرية وممارسة في رسالة واضحة لـ«الإخوان المسلمين» الجماعة الأم كما تصفها بقية الجماعات. هذه الرسالة التي جاء الرد عليها سريعاً من قبل الجماعة حيث أيد تيار الصقور داخل الجماعة من الصف الثاني الذي لا تروقه كثيراً دبلوماسيات الرعيل الأول ومحاولته الدائمة للتأكيد على ولاءه للسلطة وأنه لن يجلس على مائدة التفاوض مع الغربيين من دون علمه ومباركته في حين أن الثائرين من داخل الجماعة يؤكدون على ضرورة أن يسارع النظام بتبني الإصلاح وإلا فإنه مستهدف من الخارج، طبعاً مفهوم الإصلاح يعني الاعتراف بشرعية الجماعة وأحقيتها في اللعبة السياسية باعتبارها الراعي لمصالح الأمة، هكذا بكل إطلاقية متعالية بل مع الوعد بدعم مسألة الترشيح وتوريث السلطة في حال استجاب النظام للإصلاح بمذاقه الإخواني الخاص! إعادة الإنتاج لمفهوم ضخم كالإصلاح السياسي وفق إيدلوجية الجماعة يقودنا للتساؤل بحذر عن ماهية هذه العلاقة المحتملة مع الغرب؟ وربما كان هذا السؤال الشغل الشاغل للنخب السياسية، التي تصر الجماعة الأم على ترك حدود فاصلة وواضحة المعالم بينها وبين تلك النخب، فمن جهة، الاستراتيجية الغربية الجديدة تتجه إلى محاولة خلق علاقة جديدة مع التيارات الأكثر حضوراً على الأرض بشرط تقليم أظافرها الثورية معتبرة أن نجاح ذلك ممكن، وكل الداعمين لهذا الاتجاه يرفعون عقائرهم بالتجربة التركية ويصفونها بالرائدة متناسين أن الحركة الإسلامية التركية انسلخت من جلدها الثوري في حين أن ذلك شبه مستحيل بالنسبة للإخوان المسلمين أو حركات الإسلام السياسي التي اعتمدت مشروعيتها ومبرر كينونيتها على خطاب الدعوة والتغيير الذي يعتبر مفهوم «الخلافة» وممانعة «الغرب» أحد أهم مفردات بنيته الثقافية التي يستطيع من خلالها حشد الجماهير الغاضبة والمحتقنة ضد الغرب بسبب الأوضاع السياسية في المنطقة. ان انتقال العلاقة بين الطرفين من التداول الاسختباراتي الخفي إلى التحالف في العلاقات السياسية الخارجية ليس بالأمر السهل .. هو مثل اللعب بالجينات أياً تكن نتائجه لا بد أن يسفر عن خلق آخر وملامح قد تستهجنها الوجوه التي ألفتها. |