انقلب السحر على الساحر كانت لدى الإدارة الأمريكية، كعهدها في إعداد خططها، تهم لا تملك عليها دليلاً، وأهداف تمتطي إليها وسائل مزيفة، وثأر يرتد في آثاره إليها. وقد برز ذلك في حربها على العراق، وفي معاملتها لأوروبا خلالها، وفي مشروعات اصلاحها للعالم. لكن سرعان ما انقلب السحر على الساحر. وليس تقرير مجلس الشيوخ الذي يتهم شخصيات عالمية بتسلم رشى من النظام العراقي السابق استثناء لهذا النمط. فقد أراد المحافظون الجدد أن ينتقموا ممن عادى مشروع حربهم على العراق، فتركزت الاتهامات على شخصيات بريطانية وفرنسية وروسية ناهضت الحرب، ورغبوا في صرف النظر عن حقيقة الغزو وعن مقدماته الكاذبة. لكن سرعان ما خابت الظنون، وانقلبت الأمور. فقد قبل التحدي أول المتهمين جورج جالواي، الذي جاء مسرعا إلى واشنطن ليقيم محاكمة للحرب، وليضع من خاضها في قفص الاتهام. فالحرب، كما يقول، قامت على حزمة من الأكاذيب كان ثمنها أرواح مائة ألف عراقي من الأبرياء. ومن زعم لها أهدافا انسانية فقد كان يمول النظام الذي أطاحه بأدوات الدمار لقتل شعبه وجيرانه. ومن يحاسب الناس على الفساد ها هو يجري على يديه في العراق. فالشركات المقربة من المسؤولين الأمريكيين الكبار تحظى بالعقود من دون رقيب أو حسيب، والمال العراقي يضيع بالبلايين ولا يعرف أحد في أي المصارف سال، والنفط العراقي يتدفق ولا أحد يعد البراميل أو يدري بالجهات التي تذهب إليها. وبعد ذلك تتحدث الإدارة الأمريكية عن الشفافية، ومحاسبة الفساد. كانت تلك مرافعة شهد له بفعاليتها حتى خصومه. وحار رئيس لجنة الاستماع في كيفية مواجهتها سوى بالابتسامة الباهتة. كما تهرب الأعضاء الجمهوريون الآخرون والديمقراطيون ممن أيدوا الحرب عن حضور الجلسة. وزاد الطين بلة أن الديمقراطيين نشروا تقريرا في أثنائها يوثق كيف أن إدارة بوش كانت على علم بمبيعات النفط وإيرادات النظام السابق منها، لكنها لم تفعل شيئا لوقفها. بل إن البحرية الأمريكية تواطأت حينما سمحت لناقلات تهرب النفط بالإبحار، مما حدا بالسناتور الديمقراطي ليفن عضو اللجنة إلى القول إنه “يجب النظر إلى أنفسنا ولا نكتفي باتهام الآخرين”. حقيقة الأمر أن الولايات المتحدة في ورطة حقيقية في العراق. وبدلا من البحث عن مخارج منها، مازالت تسعى عبثا لتلهي الأنظار الأمريكية عن تبعاتها. فكما عجزت عن أن تغطي أكاذيبها في أسباب الحرب، فهي أعجز عن أن تفسر نتائجها المريرة لشعبها. وهي لذلك تحاول إلهاء الناس بقضايا زائفة أو حقيقية ليست ذات صلة من أجل تبرير ما سبق منها من تصرفات وما يجري على أيديها من أفعال. غير أنها لا تدرك أنها وضعت نفسها في رمال متحركة، كلما تحركت ازدادت غوصا فيها. |