الجاحدون!! على الرغم من ذلك الضجيج والصخب الذي لازم أحزاب المعارضة أثناء قيام سلطات الدولة بواجباتها القانونية والدستورية في التصدي لفتنة التمرد بمنطقة مران في محافظة صعدة وهي الفتنة التي شكلت في بواعثها خروجا على النظام والقانون والدستور فإن ما يبعث على الدهشة والاستغراب أنه وبعد أن تم وأد تلك الفتنة وكذا إخماد سعيرها أن نجد تلك الأحزاب بشخوصها الذين استبدت بهم نوازع حب الظهور وهم من استهوتهم العودة إلى أساليبهم الملتوية التي اعتادوا أن يمارسون من خلالها ألاعيبهم المكشوفة وكأنهم بتلك التصرفات الهوجاء قد أغاضهم أن تستعيد محافظة صعدة أمنها واستقرارها وسكينتها العامة وأن تتجه نحو البناء والإعمار. ولذلك فلم تجد تلك الأحزاب من وسيلة للتعبير عن غضبها وحقدها سوى العودة إلى ذلك الأسلوب من الضجيج والصخب بهدف خلق بذور تمرد جديد في نفوس أولئك الذين شملهم قرار العفو العام الذي أصدره فخامة رئيس الجمهورية ليتيح أمام أولئك ألمغرر بهم الذين انغمسوا في تلك الفتنة وأفعالها فرصة العودة إلى جادة الصواب كمواطنين صالحين لهم ما عليهم من الحقوق والواجبات لتثبت تلك الأطراف الحزبية بأنها قد أدمنت عادة إثارة الفتن والصراعات ولا يحلو لها العيش دون ذلك. ومثل هذا التعامل هو من يقدم الدليل على أن هذه الأحزاب مع الأسف الشديد هي من لا تزال أسيرة لذهنية ونفسية عليلة غير قادرة على التمييز بين الخطأ والصواب وبين العمل المفيد والعمل الضار بالوطن، وتتجلى هذه الحقيقة في ما يصدر عنها وما تبديه من مواقف لا يمكن تفسيرها إلا في إطار الإصرار العجيب على مخاصمة الوطن وكأن هذا الوطن ليس وطنها ولا علاقة لها به مع أنها التي تنعم بخيراته وتستظل بأجواء الحرية والديمقراطية التي منحها لكل أبنائه بمن فيهم أولئك الذين قابلوا فضله عليهم بالعقوق والجحود والنكران. وأمام هذه الحالة المستعصية التي يصعب على أي فهم أن يرى أحزابا سياسية يفترض فيها أن تمثل القدوة في حب الوطن والولاء له وهي من تتمترس وراء مصالحها وأهدافها النفعية حتى وان كان ذلك على حساب سقوط المزيد من أشلاء أبناء مجتمعها الذين تزايد باسمهم وتطلق الشعارات بأنها تعمل من أجل مصلحتهم. وما يبعث على الرثاء أكثر أن يصبح لهذا النهج امتداداته الإعلامية والتنظيرية وهو ما يتضح في دور هذه الأحزاب في الأيام الأولى لفتنة التمرد بمحافظة صعدة، حيث لم تكتف بتأجيج سعير الفتنة وتشيجع مقترفيها والتعاطف وتأييد أفعالها التي تستهدف زعزعة السلم الاجتماعي والاضرار بمصالح الوطن وسكينته وأمنه بل أن تلك الأحزاب هي من ذهبت إلى أبعد من ذلك حينما اتجهت إلى التبرير لتلك الممارسات الخارجة على النظام والقانون وتحريض أصحابها على مواجهة تسامح الدولة بالمزيد من العناد والحماقات التي قادتهم إلى تكرار خطاياهم ودون الاستفادة من ذلك الموقف النبيل والحليم للقيادة السياسية بزعامة فخامة الرئيس علي عبدالله صالح الذي جعل من مبدأ العفو عند المقدرة مبدأ حاضرا على الدوام في كل الأحداث والتطورات سواء منها العارضة أو الطارئة. وعليه فإذا كان التباين في الآراء والتوجهات هو أمر مشروع ومقبول طالما تم ذلك في إطار المسؤولية الوطنية وأخلاقيات الحوار والحرص على مصلحة الوطن فإن هذا التباين يصبح مرفوضا على الإطلاق عندما يتحول إلى أداة للتكسب والتمصلح ووسيلة يستخدمها البعض لتغذية الأمراض والنوازع المتعفنة التي تجاوزها شعبنا ولفظها من حياته وأهال عليها التراب ولم يعد لها موقعا في اليمن الجديد يمن الجمهورية والوحدة والديمقراطية وكان الأحرى بأولئك الذين عجزوا عن تطبيع أوضاعهم ومجاراة التحولات العظيمة التي يشهدها هذا الوطن أن يسارعوا إلى إصلاح أنفسهم والخروج من خنادقهم الضيقة وتجاوز أفكار الماضي التي مازالت تعشعش في عقولهم وثقافتهم وايديولوجياتهم الحزبية حتى يتسنى لهم اللحاق بركب مسيرة العمل الوطني متلاحمين مع صفوف مجتمعهم بدلا من الإنغماس في أوضاعهم المزرية والسير في الاتجاه المعاكس للاجماع الوطني وبالفعل فقد آن الأوان أن يدرك هؤلاء أن اليمن اليوم هي من تعبر ضفة التغيير نحو المستقبل في ظل استقرار أمني وسياسي وتلاحم اجتماعي يتطلع فيه الجميع إلى نهضة بنيوية شاملة تتجسد فيها كل الآمال والتطلعات في التقدم والازدهار وأن يعوا أيضا بأن هذه المسيرة المتميزة بعطائها لم يعد بوسع أحد زرع الأشواك في طريقها أو اعاقتها أو عرقلتها لأنها من أصبحت محصنة بإرادة الجماهير والإنجازات التاريخية التي جعلت من أوضاعنا الداخلية أكثر قوة واستقرارا ومكانتنا الخارجية أعظم تميزا وإشراقا. ووحدهم فقط القابعون وراء التاريخ هم من يتعامون عن هذه الحقائق الساطعة التي لا ينكرها إلا جاحد. «فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ» صدق الله العظيم. |