إعدام صدام وإشكالية الموقف في ضوء إعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين ، بإرادة أمريكية وأياد( عراقية ) تختلط المشاعر ،وتصطرع الأفكار ، فكل ينظر من زاويته الخاصة ، وهنا أقدم بعض الأفكار ؛ لعلها تسهم في تقريب الرؤية في هذه الإشكالية الناجمة عن طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم في بلادنا وبشكل عام . يستمد الحاكم شرعيته من الأمة التي يحكمها ؛ فهو يمثل إرادتها ، ويحكمها بما تؤمن وبما يؤمن ، تنتخبه ؛ لأنه الأكثر تمثلا لأفكارها ، والأصدق إخلاصا لها . ولا أبالغ إن قلت إن فساد هذه العلاقة بشقيها ، هو السبب في هذا الاختلاط ، وتلك العداوة المستحكمة بين الشعوب والحكام في بلاد العرب ، فلا حكامنا من اختيارنا ، ولا أحكامهم أحكامنا ، فكل منهما ، أي الشعب والحاكم ، يتوجس من الآخر ، والكل غريب عن الآخر . وضحية ذلك الخلل الأول هو سلطان الأمة التي يتمزق من فرط التجاذب ، هذا إن وجد ، أقول إن وجد ؛ لأننا لا نستطيع إغفال الحالة التاريخية القريبة التي أفضت إلى وقوع البلاد العربية تحت الاستعمار العسكري المباشر ، فاغتصبت تلك الدول الأجنبية السلطان ، ثم بنت في بلادنا دولا على عين بصيرة ، وأقامت أنظمة تبث الروح فيها ؛ فتصبح شرعية ! ثم تنزعها منها إذا شاءت . وبالرغم من هذه التبعية ، فإن الحكام العرب بحكم وجودهم الفعلي والمباشر ، وتحكمهم بمقدرات البلاد فإنهم قادرون _ إن هم أرادوا _ على الانعتاق من تلك التبعية ، والأمة ملأى بالمخلصين المتعطشين إلى ذلك والمستعدين ، لأن يفدوا التحرر بأرواحهم . ولكن وللأسف الشديد فإن نوعية ( الرجال ) الذين مكنتهم تلك الدول منا ساقطة خائرة ، وتتجلى فاعليتهم في البطش بالشعوب والاستبداد والتسلط ، يتوسلون لذلك أجهزة القمع والإرهاب . ولما وصلت العلاقة بيننا وبينهم إلى هذا الحد من العداوة والبغضاء ، ولما طال مكثهم ، واستطال ظلمهم ، لم يستطع بعض المحكومين الصبر على التغيير الطبيعي ، فضاقت أخلاقهم ، و لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ولكنّ أخلاق الرجال تضيق والعراق مثال على ذلك ، إذ اندرج قسم من أولئك الذين ضاقت أخلاقهم ، حتى انحطت ، في المعارضة ، وما كل المعارضين مثلهم ، وراحوا يعرضون أنفسهم رخيصة ، واتخذوا أوطانهم جسرا لمآربهم الدنيئة ، فعرضوا أنفسهم لمن يشتريها ، وادعوا تمثيل شعب العراق ، فصدقتهم أمريكا بكذبهم ، وحملتهم على ظهور دباباتها ، ونفخت فيهم من روحها الشريرة الخبيثة ؛ فاستحالوا عملاء خسة ونذالة ، لا يرون صوابا ، وليس لهم إرادة ، فدولتهم من دستورها إلى اختيار قضاتها أمريكية . والمفارقة بل الفاجعة أن ذاك الاحتلال ليس من النوع الحريص على التجمل أو التزين ، بل يظهر للناس بأقبح الوجوه ، وأشنع الأوصاف ، فمرة يغدو قاتلا مدمرا، ومرة يغدو مدنسا للمقدسات مستهترا ، وتارة يغدو منتهكا للأعراض متهتكا ، وتارة يتآمر لإشعال الفتن ، وهو من قبل ذلك كاذب في ادعاءاته التي استخدمها لفعلته التي أشبه ما تكون برمي حجر في بئر... ، وهم بعد ذلك مصرون على البقاء في العراق ، حتى لو استتب الأمر للحكومة العتيدة ، وبفضل هذا الاحتلال الأمريكي وحكومة العراق الصدى دخل العراق في حالة غير معقولة ، تستعصي على الوصف ؛ لأنها مفجعة إلى حد يفوق طوق العبارة ! في ظل تلك الظروف ، وفي ضوء تلك المعطيات أعدم صدام في ملابسات مشتبكة ؛ فانفتح باب الأسئلة ، ولم يغلق عن شرعية المحكمة وحياديتها ، وعمن هو الأجدر بالمحاكمة والمساءلة والمحاسبة ، وما الأولويات ؟ مع الإقرار بأن نظام العراق السابق لم يكن مختلفا جوهريا عن سائر أنظمة العرب . وإذا كان صدام قد مات ، فقد أُسلم إلى ربه ، والسؤال عن الأحياء ، أو الذين يحاولون الحياة ، فهل كان في هذا المشهد فوائد لأمة باتت بأمس الحاجة إلى الالتفات إلى هذا الخلل البنيوي لإصلاحه ؛ حتى لا تتسابق إلى فنائها ، ولا تستجير من الرمضاء بالنار . |