الأحد, 19-مايو-2024 الساعة: 05:50 ص - آخر تحديث: 02:02 ص (02: 11) بتوقيت غرينتش      بحث متقدم
إقرأ في المؤتمر نت
المتوكل.. المناضل الإنسان
بقلم/ صادق بن أمين أبوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام
صديقي بن مساعد بن حسين سجل تاريخه الوطني بأحرف من نور في اليمن العظيم
أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور
ضبابية المشهد.. إلى أين؟
إياد فاضل*
شوقي هائل.. الشخصية القيادية الملهمة
راسل القرشي
7 يناير.. مكسب مجيد لتاريخ تليد
عبدالعزيز محمد الشعيبي
المؤتمر بقيادة المناضل صادق أبو راس
د. محمد عبدالجبار أحمد المعلمي*
«الأحمر» بحر للعرب لا بحيرة لليهود
توفيق عثمان الشرعبي
‏خطاب الردع الاستراتيجي والنفس الطويل
علي القحوم
ست سنوات من التحديات والنجاحات
أحمد الزبيري
أبو راس منقذ سفينة المؤتمر
د. سعيد الغليسي
عن هدف القضاء على حماس
يحيى علي نوري
14 ‬أكتوبر.. ‬الثورة ‬التي ‬عبـّرت ‬عن ‬إرادة ‬يمنية ‬جامعة ‬
فريق‮ ‬ركن‮ ‬الدكتور‮/ ‬قاسم‮ ‬لبوزة‮*
‬أكتوبر ‬ومسيرة ‬التحرر ‬الوطني
بقلم/ غازي أحمد علي*
قضايا وآراء
المؤتمر نت - عزت القمحاوي- المؤتمر نت - ارشيف
. -
فتنة الإعدام ..........بقلم: عزت القمحاوي
تنفذ الأسطورة عادة من ثقوب التاريخ. وقد عبرت إلينا أسطورة صدام حسين بالضبط من عورات شانئيه وشانقيه في يوم العيد.



فوّت صدام فرص ميتات أسطورية عديدة، كان عليه أن يتخذ قراره الذاتي بالموت فيها، علي الأقل يوم سقوط بغداد ويوم العثور عليه في الحفرة، وقد تقاسم في يوم الغزو الخزي مع الغزاة، ويوم الحفرة تركه لهم وحدهم، عندما عرضوه بأثر التخدير الواضح في هيئة مزرية أثارت استياء العالم، لكنه عاد ليسترد صورته عبر ثباته في المحاكمة الهزلية، بالغاً الذروة يوم الإعدام.

اخترق صدام بتماسكه لحظة الإعدام تاريخية التاريخ، ليصنع أسطورته، المتسامية فوق خطاياه الكثيرة، وليس هذا أوان الحديث عنها، فقد صار صدام ملكاً لنا جميعاً، ملكاً لمعارضيه ومؤيديه، لحلفائه وضحاياه، مثلما تؤول كل الأساطير إلي شعوبها.

لم تغب رمزية النحر في يوم العيد عن كل من تناولوا حفل الإعدام الفظ حتي الآن؛ فهو تضحية بكل العرب علي مذبح الاحتلال.

والقراءة المتعجلة وضيقة النظر تقول بأنها تضحية بالسنة من العرب خاصة مادام هناك من يتحدث عن جنة وجحيم في غرفة الإعدام، لكنها في الحقيقة تضحية بالأمة كلها، وإعادة نحر العراق المنحور أصلاً، إعادة التأكيد علي أن الذبح تم من الوريد إلي الوريد؛ فالشعارات الشيعية تم تسريبها عمداً لتصب مزيدا من الزيت علي النار.

والمأمول من العراقيين جميعاً أن يرتفعوا علي هذا الخلط والتلبيس، فلا يجب النظر إلي خطايا صدام بوصفها تحكم السنة في الشيعة، ولا النظر إلي انتقام المالكي بوصفه قصاصاً شيعياً، فالدكتاتور، أي دكتاتور، لايصلح لتمثيل دين أو طائفة أو شعب، الدكتاتور لايمثل إلا نفسه.

هزلية المحاكمة ورفض مطلب الأسير بالأعدام بالرصاص، والتنفيذ يوم العيد، وهرج لحظات التنفيذ الحقود، وقائع أعادت تظهير الصورة البشعة للمحتلين الديمقراطيين وعكازهم العراقي (الحكومة الديمقراطية تحت التمرين).

هذا الغل الذي لم يتمكنوا من الإرتفاع فوقه كبشر، وقوانين الحرب والسلم التي داسوها بأحذيتهم، وكرامة شيخ أسير حاولوا النيل منها، كل هذا جاء بما لايشتهونه.. أخذوا من خطايا صدام ووضعوها في ميزان خطاياهم، وخلقوا قبولاً إرادياً لأسطورته. لم يرتد صدام القناع كعادة المحكومين بالإعدام، بل ارتداه جلادوه، وهذه المفارقة كانت موضوعاً لتعليقات ذكية كثيرة خلال الأسبوع المنقضي.. ظهر صدام ثابتاً في اللحظة التي يخرأ فيها أشد الرجال جسارة، فرحل كأسطورة استدعت من التاريخ أساطير تتقوي بها. لم يفت البعض تشبيهه بالحلاج الصامد علي صليبه، وتشبيه الحكام العرب برجال السلطان بوش، علي ما في هذه المماهاة من تجاوز لقوانين التاريخ، لكن من قال إن الأسطورة تلتزم بالتاريخ؟! إنها علي الضد منه تماماً، مثلما يقف الاحتلال علي الضد من مستقبل العراق.

وإذا ما تأملنا قسمة الأقنعة بين صدام وشانقيه، سنكتشف أنها لم تكن قسمة خاصة باللحظة الأخيرة في حياة البطل التراجيدي، بل تنسحب علي علاقة الطرفين خلال مسيرته السياسية كلها؛ فالقوي الكبري دأبت علي لبس الأقنعة، وتشجيعه علي السير سافراً إلي حروب عبثية.

ويبدو أن أعداءه وضحاياه أشفقوا عليه من هذا السفور، فكانت الأساطير عن حياته الشخصية وتأمينه، وبينها أسطورة البدلاء الذين يشبهونه ويظهرون في المواكب والمناسبات الاجتماعية نيابة عنه!

وأياً كان حظ هذه الشائعة من الحقيقة، فإن الرجل الذي رفض الأقنعة في مواجهاته ومغامراته العسكرية، كان مفرطاً في ارتداء الأقنعة الاجتماعية والسياسية من عباءة العشيرة إلي حلة المقاتل إلي عباءة الإسلام، وهذه لاتحسب علي الدهاء السياسي بقدر ما تحسب علي الطبيعة الإلهية التي يتصورها الدكتاتور لنفسه، فهو المحارب والزارع والعالم والمعلم والراعي!

حلل أحمد عكاشة أستاذ الطب النفسي ثبات صدام حسين لحظة الإعدام بنوع من التسامي جعل روحه تحلق عالياً بعيداً عن جسده، ووصف ذلك بأنه نوع من الفصام. ويمكننا أن نستبدل لفظ الثبات بـ الصمود لنكون أقل خيانة للغة الزعيم الذي بدأ رحلة الصمود في مواجهة كامب ديفيد، ثم في الحرب مع إيران، ثم التخلي عن الصمود بعد ثماني سنوات من دون ذكر الأسباب ومن دون الاعتذار للضحايا، لينتقل سريعاً إلي غزو الكويت والصمود علي احتلالها، فالخروج منها إلي صمود تحت الحصار، وتحت الغزو، ثم الصمود في الحفرة، فالصمود في المحاكمة الهزلية، وانتهاء بصمود حفل الإعدام الفظ!

وقد ذهب صدام إلي كل تلك المواجهات بتسام فصامي، عائشاً في زمن الآلهة اللانهائي، غير مدرك لمتطلبات اللحظة التاريخية، ومن دون احترام لقانون السياسة الأساسي كفن للممكن. والمأساة التي خلفها هذا التسامي أن صموده كان ينتهي إلي ما هو أدني من اللاشيء.

قد يري الكثيرون كلامي مفتقراً إلي اللياقة، علي الأقل لأننا مأمورون بذكر محاسن الموتي اكتفاء بمخازي الجلادين، لكننا لسنا بصدد رجل ميت، بل بصدد أسطورة، و تراجيديا إنسانية كبري أياً كان موقفنا السياسي من الرجل.

جرب صدام كتابة الرواية من دون نجاح يذكر، بينما كان يواصل عبر خياراته السياسية والعسكرية تدوين سيرته التي ترتقي إلي مستوي التراجيديات الإغريقية.

كان هذا قدر الزعيم، وكان الزعيم قدر بلد يقترب من الفردوس بنهرين من الماء وبحر من النفط، فانتهي إلي ما نراه من أوضاع هي الجحيم بعينه.

كان صدام قدر شعب وأمة لم تستطع أن تزحزح حياته أو موته لحظة (خطؤه يا تري أم خطؤها؟) بينما تمكن هو من جرها لألف فرسخ وراء العالم، ولم ينجح في شيء قدر نجاحه في الحفاظ علي وضعيته معبوداً بالجبر لنحو ربع قرن، ومعبوداً بالاختيار لحظة رحيله!








أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "قضايا وآراء"

عناوين أخرى متفرقة
جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024