ريما خشيش وطوني صوت عربي دافىء مقلّة الفنانة اللبنانية ريما خشيش في إطلالاتها ومقتصدة في نشاطاتها الموسيقية. لكن جمهورها، خصوصاً أبناء جيلها من الشباب، الذين استطاعت بجدارة أن تسحبه من معمعة «الفن التجاري» وتجذبه إلى الطرب الأصيل والموشّح والموال والقصيدة، بعدما اعتقد البعض أنها ولّت إلى غير رجعة، كان ينتظرها بفارغ الصبر منذ ثمانية أشهر لتحيي حفلة في بيروت على هامش مهرجان «أيام بيروت السينمائية» خصّصت لأغاني الأفلام العربية القديمة. غنّت ريما خشيش السبت والأحد الماضيين على خشبة مسرح «مونو» في بيروت، في حفلتين من تنظيم جمعية «عُرب» وأثبتـــــت مرّة جديدة أنها فنانـــة حقيقية قادرة في كل إطــــلالة على تأكيـــد إمكانات صوتهــــا الآسر الذي يحمل في طياته تقنيات وعلماً موسيقياً وجمالية تطريبية نادرة اختمرت خلال سنوات طويلة من الجهد الشخصي والتجارب المضنية. في كل مرّة تُفاجئنا ريما خشيش الصبـــية الثلاثينيـــة الخجولـــة، بنمط جديد من الأداء المرهف. فتارة تغني عبدالوهاب والقصبجي والرحابنة على موسيقى الجاز برفقة الساكسوفون والدرامز والكونترباص، وتـــارة تتجـــرّأ على تحدّي سيد درويش ودرويش الحريري ووديع الصافي من خلال تأدية أغانيهم بتوزيع جديد وأداء عصري من دون أن تخترق قواعد اللعبة وأصولها الصارمة. فنانة مغامرة. راهنت على التجريب وإضفاء روح معاصرة على أعمال تراثية ونجحت، كما راهنت على مزاوجة الموسيقى الشرقية وروح الجاز ونجحت أيضاً. في الحفلتين قلبت المقاييس، بمحاورتها كونترباص العازف الهولندي الفريد والمتميّز طوني أوفرووتر. كان الاختيار غريباً وموفّقاً في الوقت نفسه. فالهولندي الذي يسحرك بأنامله «الشرقية» على آلته الغربية، يرتجل محاوراً أوتار الكونترباص بـ«العربية الفصحى» كأنه يعزف على العود أو البزق. من الصعب نسيان اندماج الثنائي خشيش وطوني أوفرووتر في هاتين الحفلتين، حيث رفعا جمهورهما من على كراسيه إلى عالم الزمن الجميل «المعصرن». يقول بيتهوفن إن «الموسيقى هي الحرية، قبل كل شيء وفوقه»، واستطاعت ريما خشيش أن تثبت ذلك، خصوصاً بأدائها أغاني صنعت خصيصاً لصوتها من ألحان وكلمات فؤاد عبدالمجيــــد المستكاوي (حرّم النوم عليّنا وغفــــى، عشقـــت مهـــى، لاه تيّاه، أتمنى)، إضافة إلى أغنية «فُتن الذي» من كلمات نور ثابت وألحان المستكاوي أيضاً. كما تخلّل البرنامج أداء موشّح «عاطني بكر الدّنان» من كلمات وألحان الخلعي، و«حبي زرني ما تيسّر» ألحان درويش الحريري وتوزيع عصام الحاج علي، و«بكفيني» كلمات وألحان ربيع مروّة. ولم تنسَ خشيش تلوين الحفل بموال «ولوّ» لوديع الصافي، ومقاطع من آخر أغنية لحّنها زكريا أحمد لأم كلثوم قبل وفاته «هوّ صحيح الهوى غلاب». وبما أن غالبية الحاضرين من جيل الشباب المولع بموسيقى الجاز، أمتع العازف الهولندي عشاق هذه الموسيقى بقطعة موسيقية بعنوان «راوند ميدنايت». ولأنــك تشعـــر أن صوت ريما خشيـــش المثقل بإحساس قوي باللحن، يحرّر النفوس ويكسر القضبان من حولك ليطلق لروحك العنان فتسبح في سماء صوتها الرحب، لا تكتفي من برنامج يقتصر على تأدية 9 أغان، فترى الأيادي وحدها تصفّق بحرارة في نهاية الحفلة لتعود ريما خشيش إلى المسرح وتشفي غليلك بأغنية إضافية ليست على جدول البرنامج، فتختم بأغنية «الشيطان» لسيد درويش. |