الأحد, 28-أبريل-2024 الساعة: 09:21 م - آخر تحديث: 08:56 م (56: 05) بتوقيت غرينتش      بحث متقدم
إقرأ في المؤتمر نت
المتوكل.. المناضل الإنسان
بقلم/ صادق بن أمين أبوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام
المؤرخ العربي الكبير المشهداني يشيد بدور اليمن العظيم في مناصر الشعب الفلسطيني
أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور
بنك عدن.. استهداف مُتعمَّد للشعب !!!
راسل القرشي
7 يناير.. مكسب مجيد لتاريخ تليد
عبدالعزيز محمد الشعيبي
المؤتمر بقيادة المناضل صادق أبو راس
د. محمد عبدالجبار أحمد المعلمي*
«الأحمر» بحر للعرب لا بحيرة لليهود
توفيق عثمان الشرعبي
‏خطاب الردع الاستراتيجي والنفس الطويل
علي القحوم
ست سنوات من التحديات والنجاحات
أحمد الزبيري
أبو راس منقذ سفينة المؤتمر
د. سعيد الغليسي
تطلعات‮ ‬تنظيمية‮ ‬للعام ‮‬2024م
إياد فاضل
عن هدف القضاء على حماس
يحيى علي نوري
14 ‬أكتوبر.. ‬الثورة ‬التي ‬عبـّرت ‬عن ‬إرادة ‬يمنية ‬جامعة ‬
فريق‮ ‬ركن‮ ‬الدكتور‮/ ‬قاسم‮ ‬لبوزة‮*
‬أكتوبر ‬ومسيرة ‬التحرر ‬الوطني
بقلم/ غازي أحمد علي*
أخبار

الجانب السوري رفض تضمينها في المسلسل

المؤتمر نت -
(المؤتمرنت) ينشر نص الرؤية التاريخية التي كتبها الأستاذ مطهر الإرياني لمسلسل (سيف بن ذي يزن)(الحلقة الاولى)

حصل (المؤتمرنت) على نسخة من الرؤية التاريخية التي كان الأستاذ مطهر الإرياني قد كتبها بهدف إدراجها ضمن سيناريو مسلسل (سيف بن ذي يزن)الذي عرض على شاشة الفضائية اليمنية وشاشة الفضائية السورية والمنتج من قبل شركة (لين) السورية بالاشتراك مع المؤسسة العامة اليمنية للإذاعة والتلفزيون ولاقى رفضاً قويا من قبل اليمنيين بسبب تشويهه لتاريخ بطل يمني هو سيف بن ذي يزن.
مطهر الإرياني انتقد المسلسل بشدة واوضح أن الجانب السوري تعمد الإساءة الى سيف بن ذي يزن وانه رفض اخذ مضمون ما كتبه في هذا الجانب.
(المؤتمرنت) ينشرنص الرؤية التاريخية التي كتبها الأستاذ مطهر الإرياني في حلقات.
- تواكب الكاميرا فارسين يزيهما الدال على أنهما من كبار القوم، وهما يسيران بجواديهما هرولة – لا سيراً بطيئاً ولا عدواً- والحديث الدائر بينهما يدل على أنهما التقيا في الطريق قبل قليل، والمناظر المحيطة بهما تمثل البيئة اليمنية خير تمثيل، ونسمع ما يدور بينهما من حديث:
- الأول: أسمع يا "هعان" يا "ابن ذي يزن" يا "أنني لا أعرف وجهتك.
- هعان: وأنا أيضاً أعرف وجهتك يا "مرثد" يا "ابن ذي سحر".
يضحكان معاً ويقولان: إذن فكل واحد منا يعلم ويعلم أن الآخر يعلم.
مرثد: إن هذا الاجتماع الذي يعقده عدد من الأقيال في "مضنعة كدور"، لهو لقاء له ما بعده.
هعَّان: إنه لكذلك، فإما اتحاد الأقيال على كلمة سواء، يستعيد بها اليمن عزته وكرامته من يد العزاة الأحباش، وإما – لا قدر الرحمن – فرقة يدوم بها عار الإحتلال، حتى يأتي من يوحد الصف،ويرفع عن كاهل اليمن هذا الذل.
مرثد: ظنك يا "ابن ذي يزن" قادماً من أسافل وادي "مرخة" أو من أحواز "شبوة" فديارك أقرب إلى "العبر" و"مصنعة كدور" وأنا قادم من "مأرب" وهي أبعد، أفلا تخبرني باسماء من تعرف من الأقيال الذين استطاعوا تلبية النداء، ووصلوا إلى "كدور".
- هعان: نعم: من "بني جُرة" سمعت عن وصول كبير الأقيال "جُرَت ذي سمهر" و"مازن ذي ذمْري"، وآخرين. ومن "بني ذي يزن وصل قيلنا الأكبر "معدي كرب بن السميفع" ووالده كما تعلم هو آخر الملوك الحميريين. وهأنا أيضاً قادم نحوهم، ومن "بني ذي سَحْر" و"بني ذي خليل" وصل" مرة ذو سحر" و"ثمامة ذو سحر" و"حنش ذو سحر" و"حنيف ذوو خليل". وها أنت يا "ابن ذي سَحْر" في الطريق إليهم، ومن حضرموت وصل "يزيد بن كبشة الكندي"، وهو من تعلم شجاعة وحماسة لتعجيل الثورة، وهناك آخرون من "بني ذي رعين" وبني "ذي همدان" و"بني ذي معافر" و"بني ذي الكلاع" و"بني ذي معاهر" إلاّ أنني لم أسمع عن وصول كبار الأقيال من هذه الأذوائيات الخمس، ولا شك أنه لم يمنعهم إلا مانع شديد.
مرثد: لا علم لي يا "ابن ذي يزن" إلاّ بما تعلم، ومن لم يستطع إلى هذا اللقاء سبيلاً ممن ذكرت، هم حاضرون كمن حضر، لأن الخلاص من ربقة الأحباش هي غاية الجميع، مالم تدب عقارب المكر الحبشي المعزز بالمكر الروماني بين الصفوف.
تواكب الكاميرا الفارسين، وقد وصلا إلى مرتفع من الأرض شاهدا من قمته سهلاً منبسطاً وفي نهايته سلسلة جبلية تقع "مصنعة كدور" على إحدى قممها. تصور الكاميرا القعلة من منظور الفارسين، ثم تقترب حتى تبرز تفاصيل القلعة، ونسمع أحد الفارسين يقول للآخر:
- مرثد: لقد وصلنا في موعدنا، ولكن الواصلين من الأقيال، قد سبقونا فلنسرع يا أخا "ذي يزن".
- هعان: نعم فلنسرع لنلتحق بهم في الوقت المناسب.
ينطلق الفارسان بأقصى السرعة ويدخلان من بوابة القلعة.
بعد قطع لمدة مناسبة، تعود الكامير لترينا النشاط والحركة الدائبة داخل القلعة، ونشاهد الأقيال يتوجهون إلى أحد الأبنية.
وتنقلها الكامير إلى قاعة واسعة وقد اجتمع فيها الأقيال- عدا "ذو سمهر" وهم يتداولون الراي فيما بينهم:
- مرة ذو سحر: ايها القوم الكرام إن "جرت ذا سمهر" هو أكبر سنا، وأكثرنا غنىَ بالخبرات والتجارب، وهو معروف لنا بالشجاعة والحكمة وسداد الراي، فلنكبره ونجعله مرجعنا المتصدر لاجتماعنا الذي سينعقد بعد قليل.
- معدي كرب بن السميفع: أصبت كبد الحقيقة يا"ابن ذي سحر"، وإن هذا لهو الرأي السديد.
- الأقيال بصوت عميق: إن هذا لعين الصواب، وهو عقد بيننا ونعاهد الرحمن على الوفاء به.
- حنيف ذو خليل: ومن تمام الرأي أن نوْكل أمر الجهر بهذا الرأي إلى القيل "معدي كرب اليزني" فهو ابن آخر ملوك حمير، فإذا التأم عقد اجتماعنا، يقف "معدي كرب ويصرخ بما اتفقت عليه كلمتنا.
- الأقيال: موافقون.
- معدي كرب: وإنه لفضل منكم أن توكلوا إلي هذا الأمر، فهيا بنا إلى ساحة الاجتماع.
بعد قطع مناسب تعود الكاميرا لتطل على الساحة- التي نلاحظ أنها قد أعدت جيداً لهذه الغاية. ففي مقدمتها منصة للجلوس على شكل هلال وخلفها منصات أخرى، وفي صدر الساحة منصة مفردة على شكل كرسي. وترينا الكاميرا أن الاقيال قد اتخذوا مجالسهم على المنصة المتقدمة وتركوا في وسطها فراغاً بمقدار مجلس رجل، بينما جلس مرافقو الأقيال في المنصات الخلفية، أما المنصة المفردة في الصدر فلا يجلس عليها الآن أحد. ونسمع "معدي كرب بن السميفع" يخاطب "يزيد بن كبشة":
- معدي كرب: ألا تذهب يا أخا كندة فتخبر كبير الأقيال "جُرت ذا سمهر" بأن مجلسنا في انتظاره.
- يزيد: سأفعل وكرامة يا "ابن ذي يزن".
- ينصرف "يزيد" ويدخل من باب جانبي خلف المنصة، وبعد قليل يخرج رجل من ذلك الباب. رجل ذو زي خاص ونعرف أنه "المظهَّر"، ويواجه الحاضرين؛ منادياً بصوت جهير.
- المظهَّر: يا معشر المقاول، هذا هو قيل الأقيال، ابن الأذواء العباهل، وسليل الملوك الأوائل "جرت ذو سمهر الجرتي" فليباركنه ذو السمات.
يدخل "ذو سمهر" فإذا بشيخ جليل في نحو السبعين من العمر. طويل القامة عريض المنكبين، مهيب الطعلة، له لحية بيضاء مرسلة على صدره، وشعر رأسه الأبيض مرسل، يتجاوز شحمتي أذنيه، متوشحاً سيفاً يمانياً بغمده المذهب والمطرز بالأحجار الكريمة، ومتمنطقاً بوشاح من الحرير المذهب مطوي على خصره طيات عديدة، وقد ثبث فيه خنجر طويل من النوع المعروف بـ "السبيكة" وعند دخوله يقف له الجميع، فيتجه بوقار وبخطوات قوية، فيجلس في المكان الذي خصص له ويجلس بعده الجميع. ولأن "ذا سمهر" يعرف أنه رئيس السن، فإنه يقف بعد برهة ويتقدم خطوات إلى الأمام، ثم يستدير ليقابل القوم متحدثاً إليهم ومفتتحاً للاجتماع.
- ذو سمهر: باسم إلهنا الرحمن الذي له ملكوت السماوات والأرضين، رب اليمانيين الأحناف أهل الحكمة والإيمان، وبقوة وبعون ربنا الأحد، نلتقي اليوم لإبرام عقد اليمانيين المؤكد، لليوم والغد وإلى الأبد.
أيها الأذواء والأقيال، تعلمون ما حل باليمن على يد.....
يلاحظ "ذو سمهر" وقوف "معدي كرب بن السميفع" ناظراً إليه نظرة من يريد الكلام، فيقول:
- ذو سمهر: وقبل الخوض فيما عقدنا عليه العزم، ومن كان له قول فليقل، فقل ما تريد ولك الكرامة يابن الأكارم من "بني ذي يزن".
- معدي كرب: على اسم الرحمن إلهنا وإله أبينا إبراهيم، وعلى دين الحنيفة القويم، الذي لم يعتوره تعدد ولا تجسيم، ولتأذن لي أيها القيل العظيم، أن أعبر بالمقال، عما في صدور هؤلاء الرجال، فإننا جميعاً عن معرفة باك، ودراية بأحوالك، وبعد رويّةٍ وتشاور في غيابك، وبلا ترغيب بالمال، أو ترهيب بالسلطان، نبايعك ملكاً لليمن. لنا عليك أن تشاورنا في مهمات الأمور، وتشركنا في تدبير الورود قبل الصدور، فإذا تسدَّد الأمر بالتجاور، وأُحكم الرأي بالتشاور، فأنت الذي تبرم، وتعقد وتحكم، ولك علينا بعدها حسن الطاعة على كل حال. لا ننقض ما أبرمت، ولا نحل ما عقدت، ولا نرتاب فيما أحكمت، عهداً نعاهدك عليه ما أطلتنا الزرقاء، وأقلتنا الغبراء.
- يبدو على القيل "ذي سمهر" دهشة المفاجأة. وقبل أن يتكلم، يقف جميعاً الأقيال، ويقولون بصوت وقور، كأنما يرددون كلَّ ما اتفقوا عليه:
- الأقيال: أيها الملك العظيم، ما قاله "ابن ذي يزن" هو ما نقوله وإنه لأمر رأيناه بالأمس، ونراه اليوم، وسنراه غداً، وعليه بايعناك، وعلى الوفاء به عاهدناك، فامض لما قدّر لك، وكتب عليك، فإننا مقدمون على أمر جلل، وأنت على النهوض به قدير، ونحن معك.
يعود الأقيال إلى مجالسهم ويميل "جرت ذو سمهر" بجسمه قليلاً، مرتكزاً على عصاه، ويبدو عليه الاستغراق في تفكير عميق.
طفل من الصفوف الخلفية يقف على منصة الجلوس ويهدف بصوت واضح:
- الطفل: اقبل أيها الملك الجليل "اقبل" وإنني باسم الأطفال، والصاعد من الأجيال، أبايعك بما بايعك الأقيال عليه...
فأقبل أيها الملك.
همهمة إعجاب تسري بين الأقيال، ويلتفون ليشاهدوا الطفل وفي عينيه بريق الذكاء وقوة العزم، وفي وقفته وهندامة مخائل النجابة وكرم المحتد، ويقف قيل "ذي يزن معد كرب بن السميفع" ويلتفت إلى الطفل قائلاً:
- معدي كرب: اجلس. فدىً لك أبي وأمي.. اجلس يا "سيف" فقد أحسنت وبلَّغت.
الأقيال يقفون ويقولون بوقار وصوت واحد.
- الأقيال: إيها الملك. نقسم بالرحمن الديان، ألانجلس حتى تقبل، ولن نناديك منذ الآن إلا بـ "الملك" كما ناداك هذا الطفل بشير الخير ميمون النقيبة "سيف.."
ويترددون قليلاً ناظرين إلى "معدي كرب" فيرفع صوته بكثير من الحب والفرح وبشيء من الفخر.
- معدي كرب: "سيف بن ذي يزن".
- الأقيال: نعم.. ونعمَّا هو. لن نناديك إلا بـ "الملك" كما ناداك، فانظر لنفسك ولنا ولقومك أيها "الملك".
ينتصب "الملك" وقد برقت عيناه وظهرت على وجهه ملامح الصرامة والعزيمة، ويحول عصاه – الشبيهة بالصولجان- من مرتكزه عليها في اليمين، إلى نقطة أمامه مرتكزاً عليها بقوة. وقبل أن يتجه إلى حيث كان يجلس، ينهض الأقيال "مرة ذو سحر" و"حنيف ذو خليل" و "يزيد بن كبشة الكندي" و"معدي كرب بن السميفع" ويتجهون نحو المنصة المفردة في صدر المجلس، ويقف منهم اثنان على يمين المنصة، واثنان على يسارها، ويلتفت إليهم "الملك فيقول أكبرهم سنّاَ "مرة ذو سحر" بطلعته المهيبة وشعره الأبيض وزيه الباذخ:
- مرة ذو سحر: هذا هو مجسك أيها الملك، لتقابلنا فترانا ونراك وأنت تتكلم عما نحن عازمون عليه، وعن مسالكنا إليه، وعن بصائرنا في تقحُّم هذه المسالك، للبلوغ إلى تلك الغاية. هلم فاجلس هنا، وليباركنّك الرحمن.
يتوجه الملك إلى المنصة، فيجلس عليها، ويميل عصاه مستندة إلى يمنيه، ويحني رأسه قليلاً لإحساسه بثقل ما يحمل على كاهلة، ثم يمر بيمناه على لحيته ويرفع رأسه قليلاً قليلاً حتى يواجه السماء كأنه يستمد من الرحمن قوته وعونه، ثم يعتدل وينظر إلى الأقيال ومن معهم بكل قوة وعزم وصرامة ويستهل كلامه قائلاً:
- الملك: باسم الرحمن استهل، وعليه اتكل، وإنه لأمر عقدتم عليه الخناصر، فما لي عذر إلى إلهنا الرحمن، ولا إليكم، ولا إلى أضرابكم من الأقيال، ولا إلى قومنا أهل اليمن.. إلا أن أقبل.
- الأقيال: ليباركنّك الرحمن وليمتدنّك بعونه وهداه، ولينصرنك على أعدائك الأحباش البغاة الطغاة.
- الملك: يا معشر الأقيال، ليس لقبولي من شروط إلاّ أَلاَ أضع على مفرقي تاجاًَ، وألاّ أغير من سمتي شيئاً، بل أكون كواحد منكم، وعند حلول موعد الثورة، ألا أكون في الحروب على ربوة بمنجاة أدير رحاها ولا أخوض غمارها، بل أكون معكم في وطيس المعارك.
الأقيال يتشاورن بسرعة، ثم يوْكلون إلى "مرة ذي سحر" لينطق باسمهم.
- مرة: نوافق على شروطك أيها الملك، وسنفديك بالأرواح في ساحات القتال.
- الملك: يا معشر الأقيال العباهل، تعلمون ما حل باليمن على يد الأحباش الغزاة وقائدهم السفاح "أرياط" من قتلٍ للرجال، واستباحةٍ للحرمات، وتدمير للمدن والقصور والحواضر والقرى، وتخريب لمعابد الرحمن، وطمً للعيون، وردم للآبار، وإتيان لكل الفظائع والمنكرات.
- يزيد بن كبشة: يا لثارات اليمن.. يا لثارات العرب.. لننحرنّ الأحباش وهم مقبلون، ولنذبحنّهم وهم مصرعون، ولنشقن ظهورهم عن أكبادهم وهم مدبرون، ولندفننّهم في وجارات الوحوش طعاماً لنمور اليمن وضباعها وذئابها، ولنلقين بهم وليمة لأسماك البحار.. الثورة.. الثورة.. الحرب .. الحرب.
الملك ينظر إلى "يزيد" ويبتسم إبتسامه إعجاب، ثم يمرر بيده على لحيته تعبيراً عن كبح جماح حماسه الذي لا يقل عن حماس "يزيد" ودلالة على عودته إلى التكفير، ثم يستقر نظره على "ذي سحر" الناطق باسم الأقيال، فيفهم "ذو سحر" أن الملك يأذن له بالكلام وينظر إليه الأقيال واثقين بحكمته، قيقف ويقول:
- مرة ذو سحر: بوركت يا "يزيد"، وبورك حماسك، وبوركت شجاعتك. أيها الملك لنقل إن في الحاضرين من يرى تعجيل الثورة. والإسراع في خوض الحرب. وفي هذا التشاور عبر "يزيد" عن رأي من يرون ذلك، على أن في القوم أيها الملك من يرى – وأنا منهم- أن كل أمر جلل له عدته وعتاده واستعداده في الزمان والمكان والرجال، بلا تعجل يورث الأسف، ولا تسويف يؤدي إلى الندم.
أما الآن أيها الملك، فإن الأمر إليك فانظر بما تأمر ونحن حضور مجلسك فيلزمنا ما يستقر عليه رأيك.
- الملك: يا معشر الأقيال إن لكل حدث – من الأزمنة- زمنه المناسب، ومن الأمكنة مكانه الملائم، وأهل الحكمة وسداد الرأي، هم من يطوعون الأزمنة والأمكنة للإرادة الحكيمة فلا يختارون منها إلاّ ما يكفل لهم النجاح والفلاح، وما آراه هو أن لنا من الزمان مندوحة – وإن قصرت- تتيح لنا الإعداد والاستعداد ثم الاختيار، ولنا من الأماكن سعة لنختار بموجب ما تأتي به الأيام، فأنا مع الثلبث بلا تطويل ومع التريث بلا تسويف، فماذا ترون أيها الرجال؟
- الأقيال: نحن معك أيها الملك الجليل فيما استقر عليه رأيك.
- الملك: أما الآن يا معشر الأقيال، فإن أول عمل للإعداد لهذا الأمر هو أن نكتب إلى الأقيال الذين عاقتهم العوائق عن الحضور بما تم الاتفاق عليه، ليلتزموا به، ويترك لهم أن يعملوا بمبدأ أن الحاضر يرى ما لا يراه الغائب، فيتصرفون بموجب ذلك، فماذا ترون؟
- الأقيال: نوافقك أيها الملك الحكيم،وبعد هذا الاجتماع نحرر الرسائل وننتدب الرسل، ونبعث كل واحد منهم إلى غايته.
- الملك: يا معشر الأقيال. تعلمون كما أعلم أمر الخلاف الذي دب في معسكر الأحباش، وكان مبدؤه ما أبداه قائدهم "أرياط" من نزوع إلى القتل وسفك الدماء ومن ميول همجية إلى التخريب وتدمير كل مظاهر الحضارة، فاستاء من ذلك بعض قادته، وقال له أحدهم وهو المسمى "أبرهة أبو بكسوم": "ما لهذا بعثنا" "النجاشي" يا "أرياط" وهل تريد أن تورثه أرضاً خراباً وقوماً كلهم أعداء محنقون" فغضب عليه "أرياط" وخاشنه بالكلام.
وتعلمون ما كان من قتل الملك الحميري من آل ذي يزن وهو "سميفع أشوع"، لقد اعتنق هذا الزعيم اليمني النصرانية لقربها من ديانته الحنيفية فرضي به الأحباش ملكاً بظاهرِ يسترضون به الناس، وباطنٍ يريدونه له وهو أن يكون أداة لهم يمارسون باسمه ومن ورائه طغيانهم، وقبل هو الملك بظاهرٍ ملاينٍ للأحباش، وباطنٍ يسعى به إلى تخفيف البلاء عن قومه، فلما أحس "أرياط" باستعصاء الملك وحَدَبه على قومه، قام بعزله ثم قتله، فزاد ما بينه وبين معارضيه من الأحباش تباعداً، وأصبح كل فريق يتربص بالآخر.
- وهذا أيها الأقيال، شقوق في الصف الحبشي يجب أن تدخل أيدينا فيها لنزيدها اتساعاً وتفاقماً وسنخرج من ذلك بما نحب، فماذا ترون؟
- الأقيال: نعم الرأي ما تراه أيها الملك الحكيم، فإن أول الحرب مصاولة بالعقول والآراء، ومجاولة بالمكر والمكيدة.
- معدي كرب بن سميفع: ليأذن لي الملك فأقول
- الملك: قل ما تريد يا "ابن ذي يزن"
- معد كرب: لينصرنّ الرحمن الملك وليباركن أقياله. أيها الملك الجليل: لقد حاول هذا الحبشي "أبرهة" أن يمد إليً حبالاً لم أبال قبل اليوم بتلقفها ولا بعقد طرفها من ناحيتي.. ومبدأ الأمر أن هذا الحبشي تعمد في مجلس يحضره رجال يعلم أنهم سينقلون حديثة إلي، فأبدى أولاً استنكاره لما يأتيه "أرياط" بمشورة من معه من القسس "الرومان".. وقال إبرهة " أنه لو كان الأمر بيده لجعل من "سميفع أشوع" تُبعاً يمانياً جديداً.. وتعهد أنه لو تولى قيادة الجيش الحبشي، لجعل أمر اليمانيين إلى أنفسهم يبايع من يبايعونه ملكاً ويخلص له فلا يملي عليه ولا يغدر به، وتحدث عن شرف محتده وأنه "جعزي" أشرف من "أرياط، وأن دماء "الجعز" اليمانية لا تزال تجري في عروقه، وقال أنه لو أنه كان له من الأمر شيء لقطع صلته بـ "الأصبحة" ملك الأكسوم والحبشة.. وقال كلاماً كثيرا كشف عن مطامحه ومطامعه لا في تولي قيادة الأحباش فحسب بل في ملك اليمن.. ولقد نبذت أيها الملك ما ألقي إلي لأنني مثلكم لا اثق بحبشي قط.. أما اليوم ونحن نعمل بخطة تعرف بفضلها مواردنا ومصادرنا.. وما نأتي وما ندع.. وما يفيدنا وما لا يفيدنا لتحقيق غاياتنا وهي قتال الأحباش وقتلهم وطرد فلولهم من بلادنا، فإن الأمر متروك لك أيها الملك الحكيم فانظر فيما تأمر ونحن مطيعون.
يجلس "معدي كرب" وقد ملأت الابتسامة وجه الملك، ثم يعود الملك إلى التجهم الحازم ويمرر يده على لحيته مفكراً ويقول:
- الملك: لله أنت يا "ابن ذي يزن"، وأقسم أنك ما عدوت وافي نفسي. والرأي هو أن تتلقف ما ألقي لك، وأن يعلم "أبرهة" بذلك، ثم أن الأمر إليك في اتباع ما تراه من السبل لجر هذا الحبشي إلى ما نريد من شق صفوفهم.
يتوقف "الملك" قليلاً ثم يقول:
- أهذا هو ما ترونه يا معشر الأقيال؟
ينظر الأقيال إلى "مرة ذي خليل" فيقول:
- ذو خليل: أنه لرأي أفضت حكمة الحديث بنا إليه.. فنعم الرأي.
"معدي كرب" يقف، ويأذن له "الملك" فيقول:
- معدي كرب: إن من تمام الرأي وإحسان المشورة أن أذكر لكم ما أنا عازم عليه بإجمال وبلا تفاصيل إنني أيها "الملك" ويا معشر الأقيال، لعازم على الانطلاق غدا إلى معسكرات الأحباش في "حقل شرعة" وفي أحوز" ظفار" وما حولها، وأن خطتي في الكيد لهم لبيئته لي حتى لاكاد أرى اليوم ما سأعمله غداً.
يقول "معدي كرب" كلماته بحزم وجزم ويتوقف بصرامة ناظراً إلى الملك في تلهف على موافقته فيبتسم الملك قائلاً:
- على بركة الرحمن وفي حفظه فلتنطلق، وفي طريقك لتعملون على تحشيد الناس في كل مكان وتبليغهم ، بما تم الاتفاق عليه.
وينظر الملك إلى الصفوف والخلفية نظرة تفيض بالحب والحنان، وتتسع ابتسامته مكتسية طابعاً أبوياً يقول:
- وليكن معك ذلك الصبي بهي الطعلة ميمون النقيبة فصيح اللسان "سيف" فهو رجل في سمت صبي وسيفيدك دون أن يلفت الأنظار ، ودعه يتمرس بفنون الحرب من إعْمال الرأي والمكيدة، إلى خوض المعارك واقتحام الصفوف.
يبتسم الأقيال بحنان ظاهر ويلتفتون إلى الخلف ، ويقف "سيف" على المنصة ويهتف بفرح طفولي قائلاً قبل أن يأذن له الملك.
- سيف: إرم بي أيها الملك إن شئت فإنني لسهم صائب ، بل سيجد الأعداء مني خطباً ومصيبة من المصائب.
- ويضحك الملك والأقيال إلى حد القهقهة بحب وإعجاب ، ويقف "حنيف ذو خليل" ويأذن له الملك فيقول:
- ذو خليل: أيها الملك أيها الأقيال.. تعلمون أن في معسكرات الأحباش عدداً من أقيال اليمن ورجالاته، نجو من القتل، لما ألانوه من القول للأحباش، وإنني لأعرف منهم القيل "ذو معاهر" وهو داهية من دهاة الرجال، وأرى أن يمد القيل "معدي كرب" حباله إلى هذا الرجل وأمثاله، فسيجد منهم أعواناً بل شركاءً له.
- الملك: نعم الرأي ما رأيت يا "ابن ذي خليل" فادخله في خطتك يا "ابن ذي يزن" وآخر ما أوصيك به "يا معدي كرب" هو الحذر.. الحذر.. وإن أنت حذرت من الأحباش مرة، فأحذر من أولئك "الرومان" ألف مرة. ففي معسكرات الأحباش أعداد منهم، يلبسون مسوح الرهبان، وينطقون باسم المسيح، وهم زبانية الرومان، وأداتهم لبسط النفوذ والسلطان، فحذار حذار فهم ذوو أخلاق خسيسة منحطة، يتجسسون على اليمنيين للأحباش، وعلى الجميع لبيزنطة.
يتوقف الملك قليلاً ثم يختتم قائلاً:
- هذا ما اتفق عليه الملك والأقيال من أمر "الإعداد اللثورة على الأحباش، ويُشطَّر ذلك في نقش من نقوش المسند بحول الرحمن ورحمته وبتاريخ شهر "ذي داوان" في عام خمسين وست مئة من سنيَّ حمير. (535م).
الملك "جرت ذو سمهر" يختتم اللقاء قائلاً:
- يا معشر الأقيال الكرام على اسم الرحمن كان هذا اللقاء، وعلى اسمه يكون الانتهاء، لينصرف كلٌّ على ما أوكل إليه، وسلام على ملكوت حمير.








أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "أخبار"

عناوين أخرى متفرقة
جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024