بدون شطط عند الحديث عن أمن واستقرار الوطن وسكينة المجتمع وطمأنينته لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون تناول هذه النقطة الجوهرية إلاّ في السياق الذي ينصف حقوق المواطنين ويؤكد على حرمة دمائهم وكرامتهم وفي نفس الوقت يصون الواجبات الدستورية والقانونية المناطة بالمؤسسة الأمنية وأجهزتها المعنية بتوفير مناخات الأمن والسلم الاجتماعي. ولأننا نعايش الكثير من الحوادث والقضايا الأمنية والجنائية المتعاقبة في أكثر من منطقة من مديريات ومحافظات الجمهورية لاشك أننا نشهد في التداعيات المترتبة على كل قضية جملة من ردود الأفعال التي يعبر عنها شفهياً في أحاديث الناس وكتابياً عبر المقالات والتقارير والتحليلات والصياغات الخبرية التي تطالعنا بها الصحافة الحزبية والأهلية والرسمية، والتي تختلط فيها الحقائق والمطالب المشروعة والقانونية مع تلك الرؤى والمواقف المتشنجة والمتعصبة والتي في أحيان كثيرة بدلاً من أن تحد من التعاطي القبلي والمناطقي والقروي إزاء كثير من القضايا نجدها تؤجج وتصعد لهجة التعصب المقيت وتصبغها بمواقف حزبية وتصفية حسابات لا تخدم بالمطلق الحقوق المشروعة والمطالبات القانونية بالاحتكام للقضاء العادل والمستقل والنزيه الذي يقتص للدماء المهدورة بغير حق ويصون كرامة المجني عليهم ويضع حداً لأي نزعات تلجأ إلى طرق وأساليب أخرى تعتمد الثأرات وداعي القبيلة والتعصب. ليس هناك خلاف على أن المطلوب هو أن يكون الاحتكام لسلطة الدستور والقانون والقضاء هو السبيل الوحيد للتعاطي مع كل قضية أو حادثة جنائية تقع في أي بقعة من بقاع الوطن اليمني، سواء كان ذلك في المهرة أو صعدة أو في مأرب أو تعز أو الجوف أو ذمار أو غيرها من المحافظات اليمنية وأن يكون حجم وطبيعة ومعايير المهام التي تنفذها الأجهزة الأمنية والقضائية واحدة إزاء جميع القضايا باختلاف زمانها ومكانها ولذلك دائماً ما نؤكد أن تجسيد الحقوق المتساوية للمواطنين لا يمكن أن يصبح واقعاً ملموساً إلاّ في ظل بسط نفوذ الدولة وسلطتها على كافة المناطق بلا استثناء وفي ظل تطبيق صارم لقانون حمل وحيازة السلاح لا يستثني شخصاً أو قبيلة أو منطقة بعينها وبحيث لا يبقى هذا السلاح سنداً وأداة بيد البعض لمجابهة سلطة القانون وإظهار سلطة الدولة. وفي القضية الأحدث المتعلقة بشرعب والتي بدأت مع حادثة استشهاد الشيخ عبدالسلام حمود القيسي مطلع شهر رمضان الماضي برصاص أفراد من الأمن بتعز، لا شك أن الجميع يعرف تفاصيلها وتطوراتها، وموقفنا إزاءها لا يختلف عن موقف أولياء الدم وهو أن تأخذ العدالة مجراها بنزاهة واستقلالية وتقتص من الجناة وتجسد سلطة النظام والقانون والقضاء بعيداً عن العواطف والتعصبات والأحقاد وبعيداً عن التعاطي بشعور دوني أو متعال. ولذلك فإن تناول هذه القضية لم تخل منه أي مطبوعة صحفية سواء كانت حزبية أو أهلية أو مستقلة بشيء من التوافق حول الحقائق أو الحد الأدنى منها وبشيء من المبالغة أو العواطف المتشنجة في عديد من تلك الصحف مغلفة بمواقف وأحكام مسبقة لا تخلو من المهاترات الحزبية والسياسية. وكان لافتاً في بعض الكتابات والمقالات الصحفية لزملاء أعزاء ومنها في صحيفة "الثوري" تحت عناوين مختلفة مثل "تعز الخائفة أدخلوها بسلاح آمنين" أو "بعد صعدة والجنوب هل يتعثر النظام في شرعب" عرض لحقائق ومطالب مشروعة نتفق معها بالمطلق مع حشر لقضايا وإسقاطات لجوانب نختلف معها سواء في كونها تستهدف الإساءة لشخصيات مسئولة بتعمد أو في مجملها تذهب إلى تصوير القضية من كونها لا تنحصر في جناة بعينهم أو قبيلة تتعصب خلفهم وإنما في سلطة وحكومة تساندهم وتقف إلى جانبهم في إطار تمييز ومواطنة غير متساوية وتعصب قبلي وليس تعاطيا مسؤولا وفق مرجعية النظام والقانون والدستور والقضاء. والحقيقة أن موقفنا لا يختلف عن موقف الزملاء الأعزاء إلى جانب الحق ومع أولياء الدم في الاقتصاص لقتيلهم وأن يكون هناك إنصاف من القضاء وليس مجرد أحكام مراضاة أو توافقية.. وجميعنا لا نختلف في رفض أي تصرفات همجية تقوم على التعصب الفئوي أو المناطقي الذي يقلل من شأن هذا المجني عليه أو ذاك أو هذه المنطقة أو تلك. لكن في المقابل من المعيب أن يكون هناك استغلال لقضية وحق مشروع والدفع بها في إطار مماحكات سياسية وحزبية تنهش في أعراض ومكانة هذا المسئول أو ذاك وتصوره على أنه مجرد عبد مأمور لتنفيذ توجيهات تقوم على تواطؤ ونظرة غير متساوية. ولا يجوز أن نذهب بعيداً لإحداث شرخ في اللحمة الوطنية وتعبئة الناس بشعور من الاضطهاد والقمع والتعسف. [email protected] *عن الثورة |