الجمعة, 01-نوفمبر-2024 الساعة: 05:24 ص - آخر تحديث: 01:40 ص (40: 10) بتوقيت غرينتش      بحث متقدم
إقرأ في المؤتمر نت
المستقبل للوحدة
صادق‮ ‬بن‮ ‬أمين‮ ‬أبوراس - رئيس‮ ‬المؤتمر‮ ‬الشعبي‮ ‬العام
حروف موجوعة في رحيل الإعلامي الجميل حسن عبدالوارث
أ.د عبدالعزيز صالح بن حبتور
ثورة الـ "14" من أكتوبر عنوان السيادة والاستقلال والوحدة
بقلم/ يحيى علي الراعي*
14 أكتوبر.. الثورة التي صنعت المستحيل
قاسم‮ محمد ‬لبوزة‮*
زخم الثورة وحاجته لسلوكٍ ثوري
إياد فاضل*
خواطر في ذكرى تأسيس الموتمر الشعبي العام
د. أبو بكر عبدالله القربي
المؤتمر الشعبي رائد البناء والتنمية والوحدة
عبدالسلام الدباء*
شجون وطنية ومؤتمرية في ذكرى التأسيس
أحمد الكحلاني*
ليبارك الله المؤتمر
راسل القرشي
الجديد في ذكرى التأسيس الـ"42"
شوقي شاهر
ميلاد وطن
نبيل سلام الحمادي*
رؤية وطنية تلبّي احتياجات الشعب
أحلام البريهي*
المؤتمر.. حضور وشعبية
أحمد العشاري*
قضايا وآراء
د.محمد خالد الأزعر** -
حزب الله يجمد مشروع الشرق أوسطيين
كلنا مع المقاومة شعار رفعه متظاهرون مصريون احتجاجا على مذبحة قانا 30 يوليو 2006

لم يقتنع كثيرون بأن الحرب الإرهابية المفتوحة التي شنتها إسرائيل على لبنان، برًّا وبحرًا وجوًّا، وأخذت فيها بمبدأ الأرض المحروقة، غداة عملية "الوعد الصادق" لحزب الله، هي مجرد عقاب يستهدف الانتقام من هذا الحزب واستعادة المؤسسة العسكرية لهيبتها الجريحة.

وقبل أن يتصاعد الجدل بشأن إمكانية نجاح هذه الحرب في تحقيق أهدافها المعلنة من جانب إسرائيل والتي يفترض أن تقضي على ما وصف بتغيير قواعد اللعبة مع حزب الله، وربما مع لبنان على حدودها الشمالية؛ إذ بوزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس تفصح عما هو أعمق من ذلك.. فما يجري في لبنان بالنسبة لواشنطن هو "مخاض لولادة شرق أوسط جديد"!.

بهذا التصريح، كشفت رايس بفجاجة تفتقر إلى الكياسة الدبلوماسية عما يفترض إخفاؤه من أهداف الحملة الإسرائيلية، وهو تغيير قواعد اللعبة ليس مع حزب الله ولا مع لبنان فقط، وإنما على الصعيد الإقليمي الأوسع: الشرق الأوسط برمته.

ونحسب أن أكثر المعنيين بتحري الأسباب الحقيقة لهذه الحملة الجبارة والمسعورة، لم يطمعوا في التوصل سريعًا إلى هذه النتيجة، فقد قصرت رايس الطريق أمامهم ووضعتهم في الصورة الشاملة لكُنْه ما يجري على الجبهتين الإسرائيليتين، الشمالية ضد حزب الله ومجتمعه، والجنوبية ضد حماس ومجتمعها، وما يجري هو أن الشرق الأوسط المطلوب، أمريكيًّا وإسرائيليًّا، سوف يصبح سهل المنال بعد التخلص جذريًّا من قوى المقاومة المسلحة.

كأن لسان حال السياسية الأمريكية يقول بصيغة أخرى بأنه لا مكان لقوى الممانعة والمقاومة في الشرق الأوسط المزمع، جديدًا كان أم كبيرًا، وأنه طالما فشلت السياسات الالتفافية لإزاحة هذه القوى من الطريق عبر القرارات الدولية (كالقرار 1559) ومشروعات التسوية (كخريطة الطريق..) والضغوط المالية والسياسية (كتلك التي تمارس ضد حماس وعلى مؤازريها ومؤازري حزب الله الإقليميين: إيران وسوريا)، فليس من سبيل إلى تحقيق عملية الإخلاء والتطهير هذه سوى اللجوء للقوة العارية. هنا تبدو إسرائيل الحليف المتضامن بالأصالة والإنابة، الجاهز لأداء المهمة.

دحض نظرية المغامرة

من حيث لا تدري ولا تريد، قدمت رايس خدمة مجانية لحزب الله بالذات ولبقية قوى المقاومة العربية على المستويين الفكري والحركي بعامة.. فاستطرادها إلى الأبعاد الشرق أوسطية للفعلة الإسرائيلية الإرهابية، أعفى الحزب من الشروحات والدفوع التي خاض فيها مع المجادلين في حصافة عملية الوعد الصادق من جهتي التوقيت والمبادرة. وكان هؤلاء المجادلون قد أوشكوا على اكتساب أنصار لنظريتهم القائلة بأن الحزب إنما وقع في خطأ ظاهر جراء المبادرة بخطف الجنود الإسرائيليين، وعدم دقة حساباته لردود الأفعال الإسرائيلية التي جرت ويلات على لبنان، الشعب والدولة، وأنه يمارس أعمالاً أقرب إلى المغامرة والمقامرة منها إلى المقاومة الرشيدة.

المراد، أن رايس قدمت تفسيرًا لقسوة الحملة الإسرائيلية يتجاوز قضية الأسيرين، ويعزز صدقية الحزب بأن المسألة تتعدى الانتقام منه واسترداد الأسيرين إلى مصير الأمة العربية ونظامها الإقليمي وخرائط القوة والمكانات (جمع مكانة) في طول الشرق الأوسط وعرضه. ويمكن الاعتقاد باطمئنان إلى أن رايس أسهمت بتصريحها العابر حول قضية الأسيرين، بل وحول الأهداف الإسرائيلية المعلنة ذاتها، في تبهيت وربما دحض نظرية "حزب الله المغامر المقامر" لصالح ما يقول به الحزب من أنه يقف في طليعة الذائدين عن حياض ليس لبنان الدولة والمجتمع فقط وإنما المصير العربي كله.

ولقد تعزز خطاب الحزب بهذا الخصوص أكثر وأكثر، بالنظر للتوسع الإسرائيلي في استخدام الآلة العسكرية ضد مكونات الدولة اللبنانية بلا استثناء.. فهذا التكتيك أكد الشكوك في أن الحزب هو المستهدف وحده، ووضع معظم خصوم الحزب المحليين ظهرهم إلى الحائط حتى إنهم تلعثموا عند محاولة إنكار تصرفات الحزب وخطواته الانفرادية.. كيف لا والمشروع المتوخّى يتعلق بما هو أبعد من حزب الله ولبنان؟!.

وكذلك أسبغ التكييف الأمريكي للسلوك الإسرائيلي على حزب الله قوة مضافة تتعدى طاقته الذاتية ولم يَعُد خطاب الحزب وزعيمه عن الدور الملحمي الذي يضطلع به مجاهدوه في صد الهجمة الشرق أوسطية، مجرد خطاب تعبوي دعائي يبغي توسيع دائرة الأنصار، بل بات تعبيرًا عقلانيًّا ومحسوبًا عن واقع الحال وما ينتظر المنطقة من مستقبل ومآل. ويصح القول بأن مساندة الحزب ولبنان الدولة والمجتمع بات مطلبًا مُلحًّا، ولعلّه فرض عين أو على الأقل فرض كفاية، على منظومة تحوي كل العاملين على صيانة النظام الإقليمي العربي، المناوئين للمشروع الشرق أوسطي البديل العاكف على أبواب العرب بالمعنيين النظامي والحضاري، المتطلعين لمنع استقرار السيادة والمكانة الأولى في العالم العربي بين يدي إسرائيل.

منازلة بين مشروعين

مما يقال في ذلك: إن التعجل الأمريكي في إظهار مكنونات الحملة الإسرائيلية بدا سلوكًا غبيًّا لا ينطوي على حكمة من يريد الاستفراد بحزب الله، وهذا صحيح إلى حد كبير.. ففي غمرة التصدي لهذه المكنونات والنيات المعلنة والمبيتة، لم يَعُد مهمًّا لدى قطاعات سياسية وشعبية مدنية واسعة، دون استثناء بعض القوى الرسمية عربيًّا، الاستغراق في التفصيلات التي ساقت إلى المعركة الجارية، وما إن كان حزب الله أخطأ أم أصاب. ما طغى وطفا على هذه التفصيلات هو القناعة بالدلالات والمعاني الإستراتجية العليا لصلابة هذا الحزب وصموده في المعركة، وبشيء قليل من المبالغة، فقد أضحت هذه القطاعات ترى في دعم هذا الحزب وانتصاره وفي الحد الأدنى منع الهزيمة عنه، حائلاً دون مرور المشروع الشرق أوسطي بعجره وبجره.

نود الإشارة إلى أن حزب الله في معركته اكتسب جراء إطلالة الشرق أوسطية والشرق أوسطيين، رمزية وطنية وقومية، ولا مانع من القول رمزية إسلامية حضارية، عالية، رمزية لا تقل بالنسبة للمشروع التحرري العربي وصد الهجمة الطغيانية الأمريكية (الغربية؟!)، قياسا بما تمثله إسرائيل من رمزية لدى القائمين بهذه الهجمة. لا شيء يمنع هنا أيضًا من الاعتقاد بأن قطاعًا عريضًا من التيارين القومي والإسلامي أصبح يستبطن النظر إلى حزب الله بصفته وكيلاً رياديًّا متقدمًا لرؤاهم التحررية والتضامنية.. وهذا منظور يمكن مقارنته بالتكييف العربي العام للدور الإسرائيلي على الجانب الآخر من المواجهة.

وأغلب الظن، أن دحر حزب وإخراجه من المعادلة اللبنانية الإسرائيلية لموازين القوى، وبالتداعي إزاحته من مشهد المقاومين الممانعين للمشروع الشرق أوسطي سينظر إليه، ولعله سيكون حقًّا، كدليل قوي على انكسار إرادة هؤلاء الممانعين ومكون مشروعهم المقاوم المضاد لأجل يصعب تحديده.

وتقضي طبائع الأمور أن يكون عكس ذلك صحيحًا. فصمود الحزب واستعصاؤه على الاندحار بالمفهوم الإسرائيلي سيعني طي الشرق أوسطيين مشروعهم إلى مناسبة أخرى في وقت آخر ربما كان بعيدًا هذه المرة.

وتتعين ملاحظة الحيثية التي يدير بها الحزب معركته. ففي هذا الإطار فقد التقطت قيادته بذكاء مدهش طرف الحبل الذي ألقته الهرولة الأمريكية الهوجاء خلف المشروع الشرق أوسطي وصلته بالحرب الدائرة في لبنان أو على الساحة اللبنانية، واستخدمته في خطابها لتجنيد الدعم الشعبي، والرسمي إن أمكن، خلف إستراتيجية المقاومة.. نلحظ ذلك في المساحة التي شغلها الحديث عن هذا المشروع ودوره في إشعال الساحة ومطاردة حزب الله بين يدي إطلالة الزعيم حسن نصر الله الإعلامية الثالثة (منتصف ليل 26 يوليو 2006)، قياسًا بإطلالاته السابقة.

ولا يقل عن ذلك استدعاء للاهتمام والتأمل مغزى الهرولة الأمريكية ذاتها على منظورات الدولة الإقليمية المركزية الداعمة لحزب الله وبقية قوى المقاومة، إيران وسوريا بخاصة؛ إذ لا بد أن تكون الإشارة الأمريكية حول دلالات المعركة المتفاعلة، ولا سيما صلة حزب الله بهذه الدول، حافزًا فاعلاً يدعوها لنصرة الحزب وتمتين ساعده وصولاً إلى عدم السماح بهزيمته على نحو قاطع، بمعنى أن هذه الدول صارت مدعوة أكثر لاعتبار هزيمة الحزب أو انتصاره المؤزر أو النسبي، تنطوي حتمًا على نتائج سلبية أو إيجابية بالنسبة لمكانتها الإقليمية وخطابها السياسي وحدود نفوذها "الشرق أوسطي" مقارنة بإسرائيل.

بل ولنا أن نتصور كيف أن دولاً عربية مركزية أخرى، من التي لا تستمرئ خطاب حزب الله ولا تنحاز إلى أهدافه ووسائله، ربما تأثرت بالمداخلة الأمريكية - الإسرائيلية عن الشرق الأوسط الذي يصنع في لهيب الحرب على الحزب ولبنان، ولعلها تأبطت أو ستتأبط شرًّا من هذا التوجه، بما يسوقها إلى التخفيف من غلوائها ضد هذا الحزب، صيانة لمكانتها في وجه التوحش الإسرائيلي المتربص وليس هيامًا به.

انطلاقًا من هذا التحليل، يمكن تفهم التنظيرات والرؤى التي تتبصر تطورات القتال الميدانية في لبنان في ضوء تجلياتها وإشعاعاتها الإقليمية والدولية. هذه التنظيرات التي تدرج المنازلة الجارية بحسبها جولة، قد لا تكون الحاسمة ولكنها مهمة، من جولات التدافع التاريخي المرير بين مشروعين ومستقبلين للمنطقة العربية.. مشروع أصيل وآخر وافد يروم فرض ذاته بالحديد والنار والدم.

ليست الجولة الأخيرة

وفي تقديرنا أن أخبار هذه التطورات لا تشي باحتمال تصفية حزب الله على قياس الطموح الإسرائيلي أو الأمريكي الإسرائيلي المشترك. ولا تسمح عوامل كثيرة بالظن بأن الحزب بوسعه إيقاع هزيمة بائنة بإسرائيل. هذا يعني بغض النظر عن التفصيلات، أننا لسنا بصدد الجولة الأخيرة الفاصلة بين المشروعين، وأن محصلة هذه الجولة ستفضح بصورة قاطعة كم كانت الوزيرة الأمريكية، ومن خلفها دعاة الشرق أوسطية، متعجلين حين صرحوا أنهم إزاء ولادة هذا المشروع على وقع المعركة ضد حزب الله ومناصريه.

فإذا كان هذا الحزب أثبت بتكتيكاته وأدائه ميدانيًّا كم هو عصيّ على الانكسار وكم هو قادر على إيلام العسكرية الإسرائيلية، فإنه وأشياعه المباشرين وغير المباشرين سيظلون شوكة في حلق الفكرة الشرق أوسطية. لكن المدهش أن أصحاب هذه الفكرة (المشروع) لا يملون الكمون ثم الإطلال على فترات زمنية متفاوتة.. وهكذا فإن علينا ألا نفترض أفول هؤلاء القوم ولا طي مشروعهم إلى الأبد طالما أن هزيمة نهائية لم تحط بهم، وطالما أن الأمة العربية، بعمقها الحضاري العربي الإسلامي، لم تلتقِ بشكل نهائي على المشروع البديل، مشروع المقاومة بمعناه الشامل.

على أن واحدة من فضائل صلابة حزب الله وصموده وأدائه في هذه الجولة، هي التعبير -المعمد بالدم والتضحوية الرفعية- عن حجم الممانعة التي تنتظر البديل الشرق أوسطي المتضمن للهيمنة الإسرائيلية على العالم العربي وضفافه الإقليمية. ولنا أن نتخيل أي حجم ستصل إليه هذه الممانعة إذا ما قدر لقطاعات أوسع من الأمة، خارج الدائرة العراقية والفلسطينية واللبنانية، الاقتداء بهذه الصلابة وتعبيراتها. ولنا أن نتخيل عندئذ أي مصير ستلقاه الشرق أوسطية ودعاتها!.


-----

** كاتب ومحلل سياسي /اسلام اونلاين









أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "قضايا وآراء"

عناوين أخرى متفرقة
جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024