عاقبوهم بالتأهيل .. يرحمكم الله!! قيل أن "سبلة العيد" اختراع يمني خالص.. وقيل ليس اختراعاً بل هو اكتشاف وقد سجل باسمنا وسواء أكان هذا أم ذاك فلا بد من مراجعة أنفسنا في قيمة ومضمون المصطلح، ولو استطعنا التخلص منه ونسبته إلى قوم غيرنا يكون أفضل فليس فيه ما يدعو للتفاؤل أو يبعث على الفخر وهل في الكسل والتسويف وتعطيل الأعمال فضيلة أو بطولة؟!. اليوم يبدأ الدوام الرسمي ويفترض أن يعود الجميع إلى مكاتبهم وأعمالهم بعد إجازة طويلة - نسبياً- أكلت اسبوعاً بحاله زائداً قبلها بيومين، فهي عشرة أيام أكثر من كافية لإقناعنا بأن تعطيل الحياة والمؤسسات والإدارات التنفيذية والحكومية والمحلية والخدمية لأكثر من اسبوع، لابد وأن يجر نتائج كارثية وسلبية على واقع عملية التنمية وإيقاعاتها المختلفة. احترام الوقت جزء أساسي من فلسفة شاملة تقوم عليها أو تتقوم بها فلسفة التنمية المحلية والوطنية والعمل هو الركن الأول في مدماك التطوير والتحديث، وبعدها يمكن أن نسأل ونناقش حول نوعية العمل وكفاءته ومردوداته على كلية العملية التنموية ومن ثم أيضاً نتحدث عن فلسفة التدريب والتأهيل وإكساب الخبرات للموظفين والجهاز الإداري للدولة. هناك مئات بل آلاف الموظفين يعيشون وضعاً إدارياً ووظيفياً مأساوياً بكل المقاييس ذلك أن علاقتهم بالوظيفة ليست أفضل حالاً من علاقة غريب وجد نفسه فجأة وسط الزفة! أو قل أنها ليست أفضل من علاقتي - أنا شخصياً- بمادة الرياضيات ودرس اللوغاريتمات!! فمهما حاولت أو أردت أن أتمرد على نفسي وعليها لا أفهم ولن أفهم شيئاً منها إلا كما يفهم الأعمى من لوحة تشكيلية مرسومة بعشرين لوناً!!. المعنى أن هناك رتابة ونمطية قاتلة ولم يتلق موظفون أية دورات تدريبية أو تأهيلية منذ وفقهم السميع العليم وحصلوا على "شبر مع الدولة" أو وظيفة حكومية مهما تكن درجتها ومستواها ومردوداتها. والحال أن هناك موظفين مضى على توظيفهم أكثر من عشرين وربما ثلاثين عاماً وهم هم، لم يحضروا ورشة عمل ولا شاركوا في دورة تنشيطية ولا تدريبية ولا تأهيل بل ولا طلب منهم أن يفيدوا ويستفيدوا شيئاً من الخبرات الذاتية والوظيفية!!. وتخيلوا جهازاً إدارياً ووظيفياً يسير أمور المؤسسات والدولة والخدمات والمجتمع الحديث والمنفتح بنفس تلك الخبرات والمواهب المحدودة التي كان يعمل بها قبل عقود من الآن؟ هل عاد أحد يتحدث عن التنمية الآن بمعزل عن تنمية الكادر البشري وتأهيل الإنسان وتحديث عقله وتطوير كفاءاته وخبراته؟!. بالتأكيد ليس الذنب على الموظف، بل على الفلسفة الإدارية برمتها، والتي تفتقر لأبسط وأول مقومات أي فلسفة على الإطلاق لأن مجرد زج العشرات والمئات والآلاف من الناس في علب ساردين محكمة الإغلاق تسمى مكاتب وإدارات ليس حلاً من أي نوع. ولكن على ذلك مشكلة مضاعفة ويحتاج الأمر إلى إعادة غربلة هرمية للوظيفة الحكومية وإعادة هيكلية الجهاز الوظيفي والإداري لمختلف الجهات والوزارات والمؤسسات ضمانة لإعادة إحياء معنى العمل والوظيفة والإنتاج النوعي والانتصار لجزء ولو يسير من مقومات التنمية الإدارية والوظيفية كمقدمة للتنمية الشاملة. ولا أنسى صديقاً لي موظفاً منذ ربع قرن من الزمان وهو لا يعلم ما هي الوظيفة أو الخدمة التي يؤديها لمجتمعه؟! باستثناء أنه يذهب إلى المكتب متأخراً، ويخرج منه مبكراً.. ولا يجد مقعداً أو عملاً يشعر معه أنه لا يزال كائناً حياً ومفكراً وصاحب رسالة من أي نوع!. على كل حال .. انقضى العيد، كما انقضت أعياد وأعياد وتبدأ ظاهرة السبلة في التكرار والخدمة المدنية تحذر من عقوبات صارمة بحق المخالفين والمتخلفين عن الدوام وأنا أتمنى من عميق قلبي أن تلجأ الخدمة المدنية هذه المرة إلى أسلوب عقابي منتج وعملي ومفيد كأن تلزم المخالفين والمتخلفين عن اللحاق بوظائفهم ومكاتبهم بحضور دورات تدريبية وتأهيلية وإكسابهم مهارات جديدة وخبرات مفيدة، بدءاً من الطباعة والتعامل مع الحاسوب والانترنت وانتهاء بالذكاء الإداري والمهارات العقلية وكيف تكون منتجاً؟. لو فعلتها الخدمة لخدمتنا خدمة العمر ولانتشلت أحياء كثراً من بين الركام والإهمال والموت البطيء والمنسيين في الأرض. عيدكم مبارك.. وبالتوفيق [email protected]. |