|
نص محاضرة الامين العام المساعد د بن دغر في ندوة هيكلة جهاز الشرطة قال الدكتور احمد عبيد بن دغر الامين العام المساعد للمؤتمر بأن تنفيذ المبادرة الخليجية يمثل بداية لتحول سياسي أعمق ستشهده اليمن في السنوات المقبلة عقب نجاح مؤتمر الحوار الوطني وتحديد كيف وأين ومتى تبدأ عملية بناء الدولة المدنية الحديثة. ونوه الدكتور أحمد عبيد بن دغر في محاضرة ألقاها الاحد أمام قادة وزارة الداخلية نوه بالاطار القانوني لكامل نصوص وبنود المبادرة الخليجية والمتمثل في الحفاظ على اليمن موحداً ومستقراً وآمناً. محذراً في الوقت ذاته من ان دوافع الصراع مازالت قائمة على المستوى السياسي والعسكري. وأشار بن دغر إلى دور المؤتمر الشعبي العام في اخراج اليمن من أزمته حيث قدم التنازلات حفاظاً على وحدة البلاد وأمنها كما نجح في الحفاظ على كيانه كقوة فاعلة في الساحة الوطنية. وفيما يلي نص المحاضرة: دائماً يطرح السؤال التالي ما الذي يجري في بلادنا؟ وكثيراً ما تأتي الإجابة على النحو التالي "إنه صراع على السلطة" وإلى حد كبير هذا توصيف دقيق للذي يحدث الآن في اليمن. لكن هذا ليس سوى جانب واحد للظاهرة. ربما أنه الجانب الأبرز، لكن جوانب أخرى لا يمكن إغفال مؤشراتها الكثيرة. يمكن القول أنه صراع قبلي أيضاً، ويمكن أن ترى بعض ملامح صراع طائفي. لكننا لن نجد ما يكفي من أدلة تؤكد هذا التعريف للظاهرة. كما نجدها عندما نصف هذه الظاهرة بالصراع السياسي. تدعم هذه المقولة التجربة التاريخية لشعبنا اليمني، ولشعوبنا العربية وللإنسانية كافة. إذاً فموضوع الصراع السياسي.. هو السلطة السياسية وللأسف الشديد بني هذا الصراع في الوطن العربي، وعندنا في اليمن على قاعدة إما نحن، وإما هم. وهذا هو الذي يفسر معنى وجود هذا التحول الكبير في بعض الأقطار العربية. يتجه هذا النوع من الصراع إلى رفض أي نوع من أنواع المشاركة السياسية مع الآخرين. وأكثر من ذلك إذا استطاع الغالب فيه إلغاء المغلوب سياسياً بصورة تامة، فإنه لا يتردد. في البلدان التي حلت إشكالية السلطة. بما هي حق، وأداة للنهي والأمر حل التنافس على السلطة محل الصراع، إنه طريق آخر مختلف للوصول إلى السلطة. إنه تنافس بين فريقين أو أكثر بحسب قواعد وشروط معينة لا تقتضي بالضرورة استبعاد الآخر أو إلغاؤه. إنه تسابق سلمي على السلطة. يعطي لكل فريق حصة منها في مواقع معينة من هرمها، إنه أشد مطابقة مع المفهوم المتقدم للسلطة. يستبعد الصراع، ويؤسس محله التنافس.. وهو أكثر مرونة وسلمية، ويوفر حلولاً عن طريق التسوية. إنه تصارع أو صراع مهذب ولدته التجربة الإنسانية في سياق البحث عن حلول لإشكاليات السلطة بعيداً عن التناقض والعنف. أو التناقض العنيف. قال بعضهم إنه "عملية شبيهة بعملية طلب المال والربح في السوق الاقتصادية الحرة". إنها (السلطة) قيمة جذابة، ومخيفة، عالية وغير مستقرة، مسببة للارتياح والرضا، ومثيرة للانزعاج والنقمة. إنها قيمة ساحرة بما تمنحه وما تأخذه، فلا غرابة في أن تتعارك الإرادات الخاصة حولها، وفي أن يتمسك القابض عليها ببقائها بين يديه أطول مدة ممكنة. اعتلال السلطة وإذا اعتبرت السلطة " الحق في الأمر والنهي " فإن هذا الحق له مصدر وحيد هو الشعب، هي الإرادة الشعبية المجسدة في نتائج صناديق الاقتراع، وأي محاولة لتزوير هذه الإرادة أو تغليفها بأي حجج ايدلوجية أو أي مسوغات أخرى هي اغتصاب للسلطة. حتى لو بدا وكأن الناس قد قبلوا بها. أي صمتوا عن الطريقة التي وصل بها الحاكم إلى السلطة. إن سوء استخدام السلطة يمثل عاملاً باعثاً على رفض الحاكم.. ويبدو استخدام السلطة في أشكال متعددة. سياسية واقتصادية، وإدارية، فمثلاً فإن اختيار الأسوأ مع وجود الأفضل في قيادة مؤسسات الدولة. هو أنموذج ظاهر في تجربتنا كما في تجربة البلدان العربية جميعها تقريباً. هذا يؤدي إلى اختلال السلطة واعتلالها. وبمعنى آخر اعتلال في مرتكزات الدولة. لقد حدث التغيير لدينا في اليمن، ولسنا هنا بصدد البحث في أسباب التغيير، فهذا ليس موضوع محاضرتنا اليوم، كما لا يمكننا الحديث إن كان ذلك ثورة، أو حركة، أو انتفاضة أو أزمة، إنها أمور يمكن تركها للمستقبل ليقول الناس رأيهم بصددها. عادة الثورات تحدث قطيعة كاملة مع الماضي السياسي، هذا لم يحدث في بلادنا ولا يمكنه أن يحدث إلا على نهر من الدماء وهو الأمر الذي أدركه اليمنيون ومنعوا حدوثه وهنا تجلت الحكمة. نحن هنا بصدد الحديث عن قانون التحول وضوابطه وإطاره. وأنا لا أتكلم عن القانون الطبيعي، أنا أتكلم هنا عن القانون السياسي الذي يحدد إيقاع المجتمع اليمني وحركته السياسية نحو التغيير في هذه المرحلة الانتقالية، وأعني بها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية. فهي هنا الضابط لحركة المجتمع اليمني نحو المستقبل القريب، وهي الضابط للعلاقة بين أطراف العمل السياسي. والحاكم لمخرجات هذه العلاقة القائمة لقوى الحكم الحالية. والناظم لعملية التحول التي تجري على مضامين ونصوص هذه المبادرة التي تهدف إلى إرجاع السلطة إلى صاحبها، وأكثر من ذلك فإن المبادرة "القانون" تذهب بوضوح إلى قضية رئيسية ومحورية ضابطة لبقية النصوص. هي الحفاظ على اليمن موحداً، ومستقراً وآمناً. إن ما حدث من تغيير في قمة هرم السلطة، رئيس جديد منتخب انتخاباً ديمقراطياً، وحكومة ائتلافية بين عناصر الفعل السياسي في ذروة الأزمة، ليس سوى البداية لتحول أعمق في السنوات القادمة. لكن هذا التحول لم توضع بعد قواعده وأسسه ومرتكزاته الدستورية والقانونية. ولم يتم الاتفاق والتوافق على مضامينه وأشكاله. هذا الأمر أنيط بمؤتمر الحوار الوطني الذي مثل آلية من آليات التحول، ووسيلة لجمع الخصوم على طاولة واحدة. ليقرروا كيف وأين ومتى تبدأ عملية بناء الدولة اليمنية، أو بالأصح عملية إعادة بناء الدولة اليمنية الحديثة. المفترض أن تكون دولة مدنية بكل ما في الكلمة من معنى. لنكن واقعيين، ليست الأمور على هذا النحو من البساطة ولا تمضي الأمور كما قد يتصورها البعض بسهولة ويسر. إن دوافع الصراع ما زالت قائمة رغم التحول الذي حدث، وواقع هذا الصراع ليس سياسياً بل وعسكرياً، وفي جانب منه اجتماعياً واقتصادياً. اطراف الصراع في اليمن إذا أردنا أن نتعرف على ملامح المشهد السياسي الحالي في بلادنا، ونحاول تبيان أطراف وقوى هذا الصراع سنجد أطرافاً رئيسة فاعلة فيه وأطرافاً ثانوية أو تابعة. الطرف الأول: المؤتمر الشعبي العام الذي قدم أو أضطر إلى تقديم تنازلات مهمة في سعيه للبقاء قوة فاعلة في الساحة الوطنية. وقد نجح في الحفاظ على كيانه، بما أبداه من مرونة، بغية الحفاظ على وحدة البلاد وأمنها. الطرف الثاني: المشترك. وإن كان المصطلح لم يعد دالاً على ذات القوى التي تحالفت ضد النظام فهذا التحالف قد بدأ بالتآكل الآن. لكنه تحول من معارض قوي إلى شريك قوي في السلطة. الطرف الثالث: الحوثيون. والحوثية حتى الآن حركة تمرد مسلح تعتمد ايدلوجية مذهبية، تستقطب المزيد من الأنصار في الوسط الزيدي، وهي حركة لم يعد بالإمكان تجاهلها من جانب الأطراف الأخرى مستقلة عن الجميع، ومتحالفة مع البعض. وقد قررت الدخول في الحوار، والتعاطي مع عناصر المشهد الأخرى. الطرف الرابع: الحراك الجنوبي، بتياراته المختلفة، والذي يدعو بعضه للانفصال. وبعضه الآخر إلى فيدرالية بين شطرين، وثالث أكثر موضوعية يقبل بدولة موحدة، ولكن على أسس مختلفة. عن دولة 1990م. وهذه الأطراف الأربعة تبدو متضامنة، ومتصارعة في وقت: - صراع مؤتمري، مشتركي في الحكومة. - صراع حوثي إصلاحي. دموي أحياناً. كان متحداً في مواجهة النظام. - صراع بين وحدويين، وانفصاليين في الجنوب. اختلطت فيه الأوراق. وحتى عميت الأبصار. - صراع آخر يتداخل مع هذه الصراعات هو صراع الدولة والمجتمع مع "القاعدة" المنظمة الإرهابية التي حاولت تأسيس وجود لها في الجنوب. وبعض مناطق الشمال. وهو الأمر الذي استدعى تدخلاً خارجياً مباشراً أو غير مباشر. في هذه الأجواء ينعقد مؤتمر الحوار الوطني، نحن نعرف الآن أن الائتلاف الحاكم (المؤتمر وحلفاؤه والمشترك وشركاؤه)، والحوثيين، وبعض أبناء الجنوب ذاهبون إلى الحوار. ويقبلون مبدئياً بقواعده، وأخلاقياً بمخرجاته. ونعرف الآن أن هناك قضايا ستكون محل نقاش وأخذ وعطاء. وأن عدد الأعضاء الذين سيمثلون القوى المختلفة (أحزاب، وتنظيمات، وفعاليات، ومنظمات، وشخصيات) سيصل إلى 565 عضواً.. هؤلاء سوف يتوزعون على مجموعات تسع أهمها: 1- مجموعة القضية الجنوبية. 2- مجموعة قضية صعدة. 3- مجموعة أسس بناء الدولة. 4- مجموعة الحقوق والحريات. 5- مجموعة الحكم الرشيد. 6- مجموعة أسس بناء الجيش والأمن. في الشأن الجنوبي. سوف يجري جدال حاد حول مفهومين رئيسيين، مفهوم القضية الجنوبية، ومفهوم الهوية الجنوبية. وللتأكيد مجدداً. فإن الأطروحات السياسية الغالبة التي تطرح الآن وتستقطب حولها المزيد من الأنصار في المحافظات الجنوبية والشرقية للأسف الشديد، قامت وتقوم على مفهوم الهوية الجنوبية. غير اليمنية. وهذه القناعات تحاول أن تستمد جذورها من ماضي غير موجود. ومن واقع يتنافي وأطروحات أصحاب هذا المفهوم، وأصحاب هذه القناعات. الهوية اليمنية هي الأصل لنتذكر أن المناضلين قد خاضوا في الخمسينات صراعاً حول الهوية اليمنية للجنوب، وقارعوا الحجة بالحجة، والموقف بالموقف حتى ترسخ المفهوم في الأدبيات السياسية. وفي قناعات اليمنيين في عدن والمحميات الشرقية والغربية وقد لاحظنا كيف تراجع مفهوم الجنوب العربي أمام منطق التاريخ وحقائق الواقع، وانتصر مفهوم الجنوب اليمني المحتل في أدبيات الحركة الوطنية وتعديلاته اللاحقة "اليمن الجنوبية الشعبية" اليمن الديمقراطية الشعبية" وهو ما أتاح للمناضلين السعي بثبات لتحقيق الوحدة اليمنية، وأفسح المجال أمام تثبيت هوية الجنوب اليمنية. إذا أردنا أن نغوص في مكونات المفهوم، سنجد أمامنا بعض الحقائق لا نستطيع نكرانها أن اليمن بلد ذو تاريخ انقسامي في معظم تاريخه القديم والحديث والمعاصر وقد وضعت الوحدة حداً لهذا الانقسام نعتقد بإمكانية ثباته على مدى زمني طويل. فاليمن بما هو هوية جامعة شاملة لليمنيين يحمل في طياته هويات صغيرة ترتكز على ثقافة محلية. وعادات وتقاليد خاصة. تطبع هذه الهويات بطابعها المميز. وهو الأمر الذي يعيدنا إلى مفهوم "التنوع في إطار الوحدة" والوحدة المرتكزة على نطاق واسع من التعدد المحلي. لكن هذا التنوع لم يمنع ظهور وتقدم الهوية اليمنية على بقية الهويات المحلية بل وانصهار هذه الهويات في الهوية الأم. تلك كانت عملية تاريخية واجتماعية طويلة. لقد أراد بعض المثقفين والسياسيين قلب الحقائق، وتحويل الخاص إلى عام، وتشويه ما هو مشترك ثم البناء على ذلك مقولات ومفاهيم سياسية.. ما أنزل الله بها من سلطان. ومع ذلك يجب الاعتراف أن الدولة التي أقمناها في 1990م لم تعد قادرة على البقاء، وعلى الصمود لتحافظ على هذه الهوية الجامعة، كما إنها لم تعد قادرة على احتواء التطلعات المتجددة لشعب عاش فترة طويلة يعاني من الانقسام تاريخاً وواقعاً. إن بقاء الدولة اليمنية الموحدة المعاصرة هي قضية محورية لحاضر اليمن ومستقبله. والحديث عن مستقبل زاهر خارج نطاق الوحدة، هو حديث لا تدعمه حقائق التاريخ. ووقائعه. لقد بقي لدينا أمل في الحفاظ على دولة الوحدة، وبالتالي الحفاظ على هويتنا اليمنية المشتركة والمتمثل في إيجاد صيغة مرنة للدولة. صيغة غير مركزية، صيغة تجمع بين التناقضات وتوحد المختلف فينا بصورة إبداعية وطوعية. وفرض الدولة المركزية أو محاولة الإبقاء على الوضع على ما هو عليه هو نوع من المخاطرة بكل إنجازات الحركة الوطنية. وتضحيات الشعب اليمني. لكننا بنفس الوقت لا نستطيع التقدم بحلول ناجحة دون الاعتراف بوجود مشكلة في المحافظات الجنوبية والشرقية تستدعي حلاً عاجلاً، وحلاً من هذا النوع لابد له أن يبحث في أسباب وجذور المشكلة وأن يقف مجدداً أمام تجلياتها. وأبرز هذه التجليات حالة العزوف الشعبي عن الوحدة، وعن الدولة الموحدة، بعدما كانت في أولويات مطالب أبناء الجنوب في الخمسينات وحتى نهاية القرن الماضي. مسألة صعدة المسألة الثانية هي مسألة صعدة. وصعدة هي اختزال للحركة الحوثية التي بدأت كرد فعل لتلك المحاولات التي أسست بعض المراكز الدعوية في قلب كرسي الزيدية ومعقلها. استقطبت حولها الأنصار من أتباع المذهب الزيدي، والزج بهم في أتون صراع مع أتباع المذهب الوهابي، الشافعي، السني. وبسبب من عقلية الإقصاء لدى طرفي الصراع المذهبي هذا تحول الخلاف المذهبي إلى صراع دموي. ينمو ويتطور باتجاه صراع طائفي. يمثله الحوثيون من جانب، ومن جانب آخر يمثله الإصلاحيون والسلفيون، وهو صراع يتغذى بفعل عوامل إقليمية بدت واضحة الآن أكثر من أي وقت مضي. وهي عوامل لا يبدو في الأفق بأنها سوف تكف عن التأثير في هذا الصراع. إلا في حالة واحدة هو نجاح اليمنيين في مؤتمر الحوار، والاتفاق على أسس الدولة المدنية الحديثة ووضع مفاهيم العدالة والمساواة والحقوق محل التطبيق. حينها يصبح تأثير العامل الإقليمي محدوداً. ويمكن تجنب آثاره السلبية. مخاوف من الصراع الطائفي إن مخاطر الصراع المذهبي، الطائفي تنمو باستمرار. حيث تبدو الأمور للوهلة الأولى، وكأنها صراع في الأطراف، وهذه ليست كل الحقيقة. لقد بدأ استقطاب حقيقي سني شافعي - وشيعي - زيدي. ينمو باضطراد، يغزو المدن والأرياف حيث يحاول كل طرف الاتكاء على الموروث الديني، والذي يقسم اليمن إلى قسمين. والمخاوف من امتداد هذا الصراع، واتساعه هي مخاوف حقيقية. ولم يعد بالإمكان نكرانها. ولا شك أن بناء الدولة ستمثل القضية المحورية في المؤتمر. ومن وجهة نظر مغايرة لما ذهبت إليه وثائق اللجنة الفنية فإنني اعتقد أن هناك تداخلاً حقيقياً بين مفهوم أسس بناء الدولة اليمنية الحديثة، والقضية الجنوبية. يعتقد البعض ولهم الحق في هذا الاعتقاد على اعتبار القضية الجنوبية مدخلاً وحيداً لإعادة بناء الدولة. هذا الإصرار يتناغم في حقيقة الأمر مع مشاعر أهلنا في الجنوب بل ويسير خلف هذه المشاعر. وفي ظل عمل دعائي وسياسي مكثف يغذى بالمال من الخارج. هناك أولوية للقضية، هذا أمر يبدو منطقياً لكن هذه الأولوية لا تلغي عند النظر لحجم التعقيدات الأهمية القصوى لمسألة الدولة. إشكالية الدولة اليمنية الإشكالية الرئيسية في اليمن هي أننا منذ قيام دولة الوحدة بل ومنذ قيام الثورة، والنظام الجمهوري لم نضع أيدينا على جوهر التناقضات في بنية النظام السياسي. وكثيراً ما ذهبت القوى القابضة على مقاليد الحكم في الجنوب والشمال معاً نحو هدف واحد هو تحصين السلطة، كان مفهوم بناء الدولة غائباً أو مغيباً. في الواقع حاولنا إقامة القواعد العامة لهذه الدولة والأشكال المعبرة عنها. سلطات سياسية، وبرلمانية، وتنفيذية، وقضائية. ولكن هذه الأشكال المادية والمعنوية للدولة لم تكن قادرة على التعبير عن المصالح العليا للشعب والمجتمع، وكانت في الغالب. وخلال العقود الخمسة الماضية أشكالاً داعمة للسلطة القائمة مع تغير وتبدل هذه السلطات في الجنوب والشمال وتعددها أكثر مما هي أشكال لدعم بناء، وبقاء الدولة واستمراريتها. لهذا سرعان ما انهارت هذه الدولة مع أول اختبار حقيقي وأعني به هذا الانقسام الاجتماعي، والانقسام البنيوي في عناصر ومكونات الدولة. فظهر اليمن كمجتمع منقسم على ذاته، بين من يريد بقاء الدولة، ومن يعمل على تقويضها، من يدعو إلى التغيير دون مراعاة لواقع الحال، ومن يرفض هذا التغيير أيضاً دون اعتبار للتحولات الداخلية، والتأثيرات الخارجية. فانقسمت الأحزاب، وانقسم الجيش، وانقسم الأمن وظهرت المليشيات القبلية، والحزبية، وعصفت بالبلاد أزمة مازالت قائمة حتى اليوم. وأن بدت في طريقها للحل. انقسام المجتمع. ثم تفتت الدولة، وانقسام الجيش كلها مظاهر لأزمة الدولة في اليمن، والتي تسببت بها النخب السياسية الحاكمة على مدى العقود الخمسة الماضية، لأن هذه النخب لم تعمل على بناء الدولة، بل عملت على بناء السلطة، ومحاولة الاحتفاظ بها لأطول فترة زمنية في ظل قمع وإلغاء للآخرين. إذاً فبناء الدولة أو إعادة بناء الدولة هي الأخرى قضية محورية في مراثون الحوار الوطني الطويل الذي يعتقد بأنه سيستمر لشهور قادمة، وربما لأكثر من ذلك، ما عدا ذلك من قضايا فهي قضايا لا تبدو معقدة، ولا يبدو أننا سنختلف كثيراً حولها، وهناك أمل في الاتفاق على نصوص دستورية تحافظ على بقاء الدولة، وتصون الحريات والحقوق، خصوصاً في ظل ازدياد الوعي الوطني بها. أسس هيكلة الجيش الآن لنقف قليلاً أمام الأسس التي يفترض أن تشكل القواعد التي يتم على أساسها توحيد الجيش والأمن وإعادة الهيكلة. أذكر ونحن نناقش هذا النص في المبادرة الخليجية أن شكوكاً قد انتابت البعض من استخدام هذا المفهوم للقيام بتصفية الجيش والأمن. لصالح المليشيات القبلية والحزبية، ولم تكن لشكوك هذا البعض مسوغات منطقية وإن كان لها ما يبرر وجودها في بلد مضطرب تظهر فيه المليشيات الحزبية والقبلية كعنصر من عناصر الأزمة. كانت حقيقية إن الجيش والأمن المنقسم على نفسه كان أمراً واقعاً، ووقوعه في حالة الانقسام هذه كان يكفي لجعل الأزمة في مرحلة من مراحلها دموية، ومخاطر هذا الانقسام كانت ومازالت قائمة، وأولها تهديد كيان الدولة، وتقويض السلم الاجتماعي، وفشل المبادرة. لن أتحدث عن المنهج الذي سوف يعتمده مؤتمر الحوار الوطني في معالجة هذه الأزمة، ولا أدري تماماً كيف يفكر الرئيس، إلا إنني أعلم أن جهود توحيد الجيش من قبل اللجنة العسكرية تحظى بدعم الرئيس، والأحزاب الموقعة على المبادرة، والمجتمعين الأقليمي والدولي. نحن بحاجة إلى جيش وطني، مهني، لا يتحكم بمصيره. فرد أو حزب أو جماعة سياسية أو قبيلة، جيش يلتزم الحياد وينأى بنفسه عن الحياة السياسية. وبالتالي جيش يحمي اليمن من مخاطر الانقسام الداخلي، أو التهديد الخارجي. صنعاء 9 ديسمبر 2012م |