السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 01:49 م - آخر تحديث: 01:43 م (43: 10) بتوقيت غرينتش      بحث متقدم
إقرأ في المؤتمر نت
المستقبل للوحدة
صادق‮ ‬بن‮ ‬أمين‮ ‬أبوراس - رئيس‮ ‬المؤتمر‮ ‬الشعبي‮ ‬العام
البروفسور وهيب عبدالرحيم باهديله في رحاب العُلماء الخالدين
أ.د عبدالعزيز صالح بن حبتور
ثورة الـ "14" من أكتوبر عنوان السيادة والاستقلال والوحدة
بقلم/ يحيى علي الراعي*
14 أكتوبر.. الثورة التي صنعت المستحيل
قاسم‮ محمد ‬لبوزة‮*
زخم الثورة وحاجته لسلوكٍ ثوري
إياد فاضل*
خواطر في ذكرى تأسيس الموتمر الشعبي العام
د. أبو بكر عبدالله القربي
المؤتمر الشعبي رائد البناء والتنمية والوحدة
عبدالسلام الدباء*
شجون وطنية ومؤتمرية في ذكرى التأسيس
أحمد الكحلاني*
ليبارك الله المؤتمر
راسل القرشي
ميلاد وطن
نبيل سلام الحمادي*
رؤية وطنية تلبّي احتياجات الشعب
أحلام البريهي*
المؤتمر.. حضور وشعبية
أحمد العشاري*
دين
المؤتمر نت-رشيد الخيُّون -
إنصاف إسلامي لليهود على مر العصور
ليس هناك تاريخ يحدد ابتكار نظام العزل الجماعي، فمثلما استخدم لعزل المرضى والأسرى استخدم لعزل الغرباء والمختلفين في الدين والقومية والمذهب. هناك نوعان من العزل، هما: العزل الطوعي، وهو مساكنة أهل ديانة أو قومية أو مذهب معين في حي أو حارة محددة، حدث مثل هذا في أغلب البلدان، فظهرت حارة النصارى أو اليهود، أو تحدث مساكنة الناس على أساس المهنة، مثلما شاع في المدن الإسلامية: البصرة والقاهرة وبغداد وفاس وغيرها. والنوع الآخر هو العزل الاجباري، أي يُسَكنْ جماعة معينة في حي أو حارة بأمر حكومي، وفي هذا النوع من العزل مأربان: الأول أن تجبر الدولة فئة السكن في مكان محدد لغرض حمايتهم من الاعتداء أو النهب، بسبب الخصومة القومية او الدينية أو المذهبية. أما الأمر الآخر وهو العزل بدافع التعالي وعدم التداخل مع المجتمع، وهذا ما حصل لليهود بأوروبا بداية من السنة 1516م. عرف هذا الأسلوب من العزل بالغيتو، وتعريفه: «منطقة حكومية لعزل اليهود، أول ما ظهرت بفنيسيا من إيطاليا، ثم انتشرت في أنحاء أوروبا». جاء في قاموس أكسفورد للأديان العالمية «ظل نظام الغيتو يطلق على مناطق سكنى اليهود، ثم أخذت تطلق مناطق سكن الأقليات حتى من غير اليهود. بدأت من جديد مع حكم النازي، قال هتلر: أخرجوهم من كل الوظائف، وابعثوا بهم إلى الغيتو، أحصروهم في مكان حتى يموتوا في الطريقة اللائقة». بطبيعة الحال أسفر الغيتو عن أخلاقية الأنطواء والعزلة، والشعور بنظرة الآخرين الدونية، أنهم غير راغبين فيهم، وهذا يشجع على القبول في العزلة (قاموس أكسفورد للأديان).
لكن مَنْ مبتكر فكرة الغيتو اليهودي بالذات؟ هل ابتكرها المسلمون كما أشارت إلى ذلك طبعات «الموسوعة البريطانية» المتأخرة، رغم أنهم ببلاد المسلمين كانوا أهل ذمة ولهم حق الحماية والاختلاط والوظائف، أم ابتكرها الأوروبيون عصر سيادة الكنسية وعنف محاكم التفتيش؟ قبل الإجابة على هذا السؤال نأتي على ما ورد في تلك الطبعات وما أُخذ عن الموسوعة اليهودية.
يجد الباحث حول الغيتو اليهودي (GHETTO) اختلافاً فاضحاً بين طبعات الموسوعة، لقد خلت الطبعة (1956) من أي إشارة إلى غيتو أو غيت يهودي في البلاد الإسلامية، بينما ورد في الطبعة (1965) حتى (2001) أن «أول عزل لليهود ظهر بالمغرب المسلمة في (1280م)، نقلوهم إلى مناطق معزولة تسمى بالمِلّاح (Millahs)».
كذلك ورد في الموسوعة اليهودية (1971): «عزلت بلدان إسلامية اليهود بدافع ديني، باعتبارهم غير طاهرين، مثل اليمن، حيث يسود شمالاً المذهب الشيعي الزيدي، وإيران الشيعية، وشمال أفريقيا، حيث يسود المذهب المالكي (أرثذوكس حسب تصنيف الموسوعة)». بنت الموسوعة اليهودية معلومتها التأريخية هذه على مشاهدات سفراء البلدان الأوروبية، عند إقامتهم المؤقتة هناك، وأضافت الموسوعة إلى معلومتها: «انتهى هذا العزل رسمياً في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، فعند ذاك أصبح اليهود أحراراً في أختيار مكان السكن، مع أن الأغلبية ظلوا يقيمون طوعياً في تلك المناطق». نرى التناقض واضحاً في الموسوعة عندما نقرأ في مستهل حديثها حول الغيتو في البلدان الإسلامية بالقول: «لا توجد غيتو بالمعنى المعروف لغيتو العزل كعزلة إجبارية، وإنما هناك تجمعات أختيارية أو طوعية بالأساس، وهذا ما تبقى من الدولة العثمانية المتسعة، وما كان في استنانبول هو من أجل الحماية».
تعليقاً على ماورد في الموسوعة المذكورة فيما يخص الطهارة فمعروف أن عوام المسلمين وخاصتهم قد لا يتوجسون من اليهود مثل توجسهم من غيرهم، فالقاسم المشترك بينهم هو تحريم لحم الخنزير وممارسة شعيرة الختان، وكثيراً ما يتم ختن أطفال المسلمين على يد جراح يهودي، بل أن تحريمات التوراة للأسماك والطيور والحيوانات الأخرى هي نفسها محرمة عند المذهب الشيعي، وهذا ما يرفع الحظر عنهم بدافع الطهارة في الدول التي يسودها هذا المذهب، لا كما ورد في الموسوعة اليهودية.
ليس هناك من وجه في المقارنة بين أحوال اليهود المريحة ببلاد المسلمين وبين أحوالهم العسيرة بأوروبا المسيحية في القرون الوسطى ثم ألمانيا النازية. هنا قصدنا تقصي أحوال أهل هذا الدين ببلاد الإسلام قديماً وحديثاً، قديماً على لسان الرحالة اليهودي بنيامين التطيلي (القرن الثاني عشر الميلادي)، وحديثاً على لسان الأديب والمؤرخ اليهودي مير بصري (القرن الحادي والعشرين)، وكلاهما من اليهود الشرقيين، وسيتكلمان عن أحوال اليهود ببغداد وهي عاصمة الإسلام آنذاك.
ذكر بنيامين في يوميات رحلته إلى بغداد واستقباله من قبل الخليفة المستنجد بالله (ت 566هـ) حفاوة الخليفة البالغة برئيس اليهود، مما لا يقبل الشك في عدم وجود عزل أو غيتو لأتباعه، قال: «رئيس هؤلاء العلماء جميعهم فهو الربي (الرباني) دانيال بن حسداي الملقب سيدنا برأس الجالوت، ويسميه المسلمون سيدنا ابن داود، لأن بيده وثيقة تثبت انتهاء نسبه إلى الملك داود، وهو يستمد سلطانه من كتاب عهد يوجه إليه من الخليفة أمير المؤمنين عملاً بالشرع المحمدي، وينتقل هذا المنصب إلى ذريته بالوراثة، وعند نصب الرئيس يمنحه الخليفة ختم الرئاسة على أبناء ملته كافة، وتقضي التقاليد المرعية بين اليهود والمسلمين وسائر أبناء الرعية بالنهوض أمام رأس الجالوت وتحيته عند مروره بهم، ومن خالف ذلك عوقب بضربه مائة جلدة» (رحلة بنيامين، ترجمة عزرا حداد، 1945).
وحديثاً قال مير بصري بعد استفساره عن تاريخ الغيتو اليهودي، في مقابلة أجريتها معه بمنزله بلندن وهو يربو على الأربعة والتسعين عاماً: «كان بروسيا غيتو، لأن اليهود كانوا منعزلين عن الروس وعن البولونيين، فآنذاك كانت بولونيا تابعة لروسيا، هناك يعيش حوالي خمسة ملايين يهودي، يقيمون بمحلات خاصة تسمى بالغيتو، وتعني المحلات المنعزلة، ثم ظهرت بأوروبا كما يرد في التاريخ. أما المغرب فقد زرتها في الثلاثينيات، وهناك محلات يهودية لكن لا ينطبق عليها معنى الغيتو، لأنها دار سكنى اختيارية، وليست مفروضة مثلما هو الحال بفينسيا وبولونيا، بل وكانت للحماية من تعديات الآخرين. أما نحن بالعراق فلا نعرف الغيتو، كنا نسكن مختلطين مع مواطنينا المسلمين، شيعة وسنَّة، ونصارى. وجدير بالقول أن التسامح الإسلامي بلغ أوجه في الأندلس، حيث وجد اليهود المجال الفسيح للعمل والتعاون مع المسلمين في ميادين الأدب والعلوم والاجتماع، وحتى في السياسة والحرب. لقد نبغ في الشعر إبراهيم ابن سهل الأشبيلي الإسرائيلي صاحب الموشحات الرائعة، ونقل الشعراء اليهود أوزان الخليل إلى العبرية، ونظموا بها وبرزوا فيها، وكان إسماعيل بن النغريلة القرطبي وزير صاحب غرناطة وقائد جيشه».
ينقل صاحب «قصة الحضارة» قصص الحرق والقتل والتهجير التي مارستها إسبانيا والبرتغال الأوروبيتان ضد اليهود، وكانوا يُهجرون بدون أطفالهم، بل يسحب الأطفال منهم بالقوة إلى أحواض التعميد، قال أحد الأساقفة: «لقد رأيت أطفالاً كثيرين يسحبون إلى حوض التعميد من شعورهم» (ديورانت 23 ،95). لذا «التمست الكثرة العظمى منفيي الصفاريم ملاذاً في بلاد المسلمين، وكونوا وانضموا إلى مستوطنات يهودية في شمال أفريقية وسالونيك، والقاهرة، والأستانة، وادرنة، وأزمير، وحلب، وإيران. في هذه المراكز تعرض اليهود لقيود سياسية واقتصادية، ولكن ندر أن تعرضوا لاضطهاد بدني. وبلغ اليهود مكانة مرموقة لا بوصفهم أطباء فحسب، بل مشاركين في شؤون الدولة» (نفسه 43، 130).
عموماً، ليس هناك ما يشير إلى وجود غيتو يهودي في بلاد الإسلام على نمط الغيتو الأوروبي وآخره كان بوارشو عاصمة بولونيا، وهي تحت الإحتلال النازي، الذي حاول هده وهجره سكانه بثورة عارمة العام 1943. لكن ما تعرض له اليهود من قيود وضغوط في أزمنة مختلفة من قبل هذا الحاكم المسلم أو ذاك لم يخص اليهود فقط، بل طال أهل الذمة عموماً والمذاهب الإسلامية المخالفة للمذهب الرسمي، فبالوقت الذي انفتح الخلفاء الراشدون على أهل الذمة، عبر العهود والمواثيق الممنوحة لهم، وكذلك فعل الخلفاء الأمويين والعباسيين نجد جعفر المتوكل ثم القاهر بالله قد تشددا في لباسهم وضد تأهيل كنائسهم، ومع ذلك لم يعزلوا في غيتوهات خاصة، ولم يقف التعاون معهم في العلوم والسياسة. وأهم ما يذكر أن الخليفة الرابع علي بن أبي طالب استعان بيهودي عراقي من السواد في السفارة بينه وبين الخوارج بالنهروان (المسعودي، مروج الذهب)، وقبلها جلس الإمام علي أمام خصمه اليهودي أمام القضاء نداً لند.
هون القس العراقي الأب البير أبونا بروح مسيحية جديدة، من الإجراءات التي طالت أهل الذمة في الشرق، مقارنة بفداحة العنف ضدهم في البلاد الأوروبية بقوله: «لا ينبغي التسرع في الحكم على هذه الإجراءات التعسفية، التي كانت وليدة نفسية خاصة، وفترة من التعصب الديني، الذي تكرر أحياناً في التاريخ، لا سيما في عهدي المغول والعثمانيين، ألم يستخدم الأمراء المسيحيون أنفسهم في العصر الوسيط إجراءات أكثر صرامة في أوروبا ضد اليهود، وفي أسبانيا ضد المسلمين؟ فعلينا أن نضع ونفهم الأمور، في إطارها التاريخي، من دون أن تثير في نفوسنا استياءً أو حقداً أو تزمتاً دينياً» (تاريخ الكنيسة الشرقية).
بعد هذا يبدو أن الغيتو الذي عزل اليهود عن العالم، وزرع في ساكنيه روح الأنطواء والتوجس من الغير لما فيه من ظلم وقهر أجده يعود بغيتو جديد لكنه من صنع يهودي هذه المرة ضد الفلسطينيين، فالسور الإسرائيلي الذي يجهد أرييل شارون في زرعه حول المدن الفلسطينية بأسواره العالية، وبواباته الموصدة، التي تغلق وتفتح في أوقات محددة، وتحت حراسة مشددة إنه غيتو من غيتوهات النازية. ينبئنا سور شارون عن عِظَة من عِظَات الدهر العميقة، وهي تحول الشعور بالمهانة والذل إلى مهانة وإذلال الآخرين، يبدو أن الغيتو البولوني يطارد شارون وهو رئيساً للدولة تملك ما تملك من جبروت الآلة العسكرية.



عن : الشرق الأوسط








أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "دين"

عناوين أخرى متفرقة
جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024