دور الحداثة في إبراز فن الخرافة التعريف: يربط الكثير منا بين الخرافة، والأسطورة -في المعنى؛ لكن السؤال يظل عالقاً، وفي حاجة إلى إزالة الغمض فيه أو اللبس. ما الخرافة؟ في كلامنا الدارج نقول- مثلاً- هذه قصة خرافية..أي لا يمكن تصديقها، ونقول: هذا رجل خرافي، ونعني بذلك أتيانه بمالم يأت به غيره.. أي هو خارق للعادة. إن للخرافة تعريفات عدة، عرفتها بعض المعاجم بأنها "الحديث المكذوب، والخيالي – بوجه عام "أو هي " قصة قصيرة تسرد حادثة تدور على ألسنة الحيوانات، وتُمثِّل في ثوبها الخارجي المموه واقعاً إنسانياً، مثل خرافات "ابن المقفع- لا فونتين- أيسوب"... الخ. وبعض الكتب الأدبية تعرفها كالآتي: - الخرافة قصة حيوانية لها مغزي وعندئذ فهي تساوي موعظة. - الخرافة قصة حيوانية لا مغزى لها. - الخرافة هي القصة الخيالية بوجه عام. - أما النقاد والمؤرخون ودوائر المعارف فهم يكادون يتفقون على معنى واحد هو "الخرافة قصة حيوانية يتكلم فيها الحيوان، ويمثل مع احتفاظه بحيوانيته، ولها مغزى إرشادي، حيث يشترك في هذه القصة – أحياناً- الطير والنبات والجماد والإنسان"، وهي بهذا لتعريف للخرافة - إذا ما قورن بالأسطورة - لا تؤدي المعنى الدقيق للكلمة؛ إذْ الأساطير أنواع كما قسمها "هردر" ولكل نوع تعريف خاص به وتكاد تكون الخرافة أحد أقسام الأسطورة.. ولكنها ليست هي الأسطورة بذاتها، لأن الخرافة لفظ أشمل من "الأسطورة" منشأ الخرافة. - يجمع المؤرخون على أن "الشرق" كان منشأ "الخرافات" مثل مصر وبابل، والهند، وكان أول من ألف كتاباً في ذلك هو "بيدبا" الفيلسوف الهندي، والممثَّل بـ "كليله ودمنة" هذا الكتاب الذي نقله عن الفارسية ابن المقفع في العصر العباسي. وكانت الهند هي المصدر الأول لتلك الخرافات، كما كانت هي نفسها المصدر للكُتاب الأوروبيين، ومنهم "لافونتين" أشهر من كتب في هذا الفن الذي عرف عصره بـ( الذهبية) والعصر الذهبي للأدب الفرنسي. وكانت "الخرافة" قبل "لافونتين" تعني "حكاية قصيرة" وتنتهي عادة بدرس أخلاقي هو غايتها.. لكن "لافونتين" قام بتطوير هذا المفهوم فأضحى عملاً فنياً متكامل العناصر والرؤى. دور النهضة الحديثة في إبراز فن الخرافة اهتم الأدباء والكتاب العرب كثيراً بماكتبه "لافونتين" ومحاكاة خرافاته الوعظية، وسبب ذلك الاهتمام عائد إلى ما تضمنته الخرافات من مواعظ إرشادية تفيد أول ما تفيد النشء الجديد.. وقد كان "محمد عثمان جلال" أول من قام بنقل أضخم عمل خرافي من لغة أجنبية في العصر الحديث، ويتمثل ذلك في مؤلفه "العيون اليواقظ في الأمثال والمواعظ" حيث استهل هذا العمل بمقدمة قال فيها نظماً: وبعد فاللغات في كل زمنْ. لها مقام في الأنام وثمنْ. وكل من يعرفها فرِّيسْ أو ترجمان الملك أو مدرسْ والعمل –برمته- منظوم شعراً ويحوي على مائتي حكاية بعضها منقول عن "لافونيتن" والبعض الآخر عن مصادر عربية قديمة وكل حكاية تضمنت مثلاً أو حكمة. ومن تلك الحكايات نختار أو نسرد هذه الحكاية التي جرت بين "السلحفاة والأرنب" تقول الخرافة: حكاية ترجمتها للعربي في سلحفا تسابقت مع ارنبْ وحددا حداً على سفح الجبل وجعلا جعلاً لأول وصلْ فاستغرق الأرنب نوماً واتكلْ على قوى سرعته فما اتصلْ والسلحفاة داومت في الجدِّ فوصلت إلى أصول الحدِّ ومذْ صحا الأرنب جاء يسعى رأى هناك السلحفاة ترعى قال لك الجعل وكل الأجر كم غافل عن رحمة لا يدري سعيت يا أختاه في أعظم كد وهذا في السعي من جد وجدْ شوقي يحاكي "لافونتين": وقد اجتذبت هذه الخرافات- لا سيما خرافات لافونتين- شاعراً كبيراً يشكل أحد أعمدة الشعر في العصر الحديث ذلكم هو أحمد شوقي.. الذي يقرُّ معترفاً بأنه حاكى "لافونتين" في نظمه للخرافة. وقد تناولت حكايات شوقي موضوعات كثيرة اتصلت اتصالاً وثيق العرى بالحياة العربية أنذاك من أمثلة ذلك حكاية "الديك الهندي والدجاج البلدي" التي رمز فيها للأجنبي الدخيل بـ "الديك الهندي" ورمز للوطن، والمواطن بـ "الديك البلدي". وكان شوقي عندما ينقل حكاية ما يقوم بتحويرها وإضفاء الشخصية الإسلامية عليها مثال ذلك حكاية "الثعلب والديك، التي يقول فيها: برز الثعلب يوماً في ثياب الواعظينا فمشى في الأرضي يهذي ويسبُّ الماكرينا ويقول: الحمد لله إله العالمينا يا عباد الله توبوا فهو كهف التائبينا وازهدوا في الطير إن العيش عيش الزاهدينا واطلبوا الديك يؤذن لصلاة الصبح فينا فأتى الديك رسولاً من إمام الناسكينا عرض الأمر عليه وهو يرجو أن يلينا. فأجاب الديك عذراً يا أضل المهتدينا. بلِّغ الثعلب عني عن جدودي الصالحينا. عن ذوي التيجان ممن دخل البطن اللعينا. أنهم قالوا وخير القول قول العارفينا. مخطئ من ظن يوماً أن للثعلب دينا الخلاصة: ما سبق وجدنا كيف اهتم الأدباء والشعراء بهذا النوع من الأدب، وتراكضوا وراء الخرافات لما تحمله من إرشاد وعظي يشوق الناشئة، فكان الحيوان هو العنصر الرئيسي فيها، وعن طريقه تأتي الخرافة لتلقين الإنسان فضيلة ما أو خلقاً ما، بطريقة مشوقة وجاذبة. المصادر والهوامش: - معجم الرائد جـ1: جبران مسعود. - العيون اليواقظ في الأمثال والمواعظ. - المصدر السابق. - الشوقيات. - خرافات لافونتين في الأدب العربي. د/ نفوتي زكريا 1976م. |