يسألونك عن التعديل .. في وثائق الحوار حتى هذه اللحظة لم يلتقط البعض أهمية وجوهرية ما تحقق في مؤتمر الحوار صبيحة الأربعاء 08/01/2014م سواء من قواعد المؤتمر الشعبي العام وأنصاره أو من خصومه الذين جادلوا طويلا بأن المؤتمر يزايد بمواقفه وأنه سيوقع في نهاية المطاف على وثيقة العار والدمار التي أنتجها جمال بن عمر وقدمها كحلول للقضية الجنوبية. الفريق الأخير يقيم منطقه على أن تلك الوثيقة المخالفة لإرادة اليمنيين وللمبادرة وآليتها التنفيذية ولقراري مجلس الأمن ومبادئ الحق والعدل والمواطنة المتساوية لم تتغير، وكثيرا ما يتساءلون عماذا تعدل فيها؟ لإيضاح الصورة لكلا الفريقين، تنسف وثيقة بن عمر المشؤومة أسس قيام الجمهورية اليمنية ومبادئ وبنود المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وقراري مجلس الأمن 2014، 2051 وتخالف كل وثائق التسوية السياسية التي تم التوقيع عليها بين أطراف الأزمة السياسية في اليمن بما فيها مقررات اللجنة الفنية للحوار الوطني ونظام مؤتمر الحوار الداخلي، وتهدم مبادئ الحق والعدل والمساواة والمواطنة المتساوية وتؤسس لمبادئ جديدة جميعها تلحق أضرارا جسيمة بالمصالحة الوطنية العليا، وهذا صار متفق عليه لدى أغلبية أبناء اليمن. ولطالما تساءلنا عن كيف أنتهى الحال بمؤتمر الحوار لإهمال مجموعة القضايا والمطالب والرؤى ذات الصلة بأطراف الحوار لتصبح الوحدة وأسسها ومصيرها هي محور النقاش الأهم؟ ذلك لأن الحوار إنحرف صوب تحقيق مصالح الأجنبي الذي يمثله هنا جمال بنعمر ، لتتجه مخرجاته للمساس بأمننا القومي ومصالحنا الوطنية العليا. وجميعنا يعلم بأنه لا الشباب المحتجين الذين خرجوا عام 2011م ولا من ركبوا موجة الإحتجاجات ولا "النظام السابق"، ولا حتى المبادرة وقرارات مجلس الأمن جعلت "الوحدة اليمنية" محل نقاش في التسوية السياسية والحوار الناتج عنها، المبادرة التي إتفق عليها الأطراف كان الهدف الرئيس منها تحقيق الإنتقال السلمي للسلطة وحقن دماء اليمنيين ومنع قيام حرب أهلية على السلطة، وبما يحفظ لليمن وحدته وأمنه وإستقراره. لكن في الواقع، نجح المبعوث الأممي في التسلل عبر خرم صغير هو دعوة المبادرة لإشراك كافة القوى في مؤتمر الحوار الوطني، بمن فيهم الأطراف الذين لم يوقعوا عليها، وتحديدا الحراك الجنوبي والحوثيين. ثم جعل يوسع ذلك الخرم حتى آل إلى نسف سقف وحدود التفويض الذي تمنحه المبادرة لمؤتمر الحوار، ليتجرأ على إعلان السقف "المفتوح" للحوار. وتحت "اللاسقف" تم هدم كل الأسس إبتداء من إعلان دولة الوحدة وإنتهاء بالمبادرة وآليتها التنفيذية وقراري مجلس الأمن 2014، 2051 وتعدى ذلك للمساس بالحقوق والحريات العامة المكفولة عالميا للإنسان. وكلما قيل له أنت بهذا تخالف إتفاق التسوية السياسية، يكون رده، [وإن كان عبر بعض مكونات الحوار أحيانا]، أن المبادرة ملزمة لمن وقعوها، وحين يُقال له أن المبادرة أُستفتي عليها الشعب عن طريق الإنتخابات الرئاسية المبكرة التي تمت بموجبها وتمثل حدود التفويض الشعبي للمتحاورين، يكون الرد أن الحراك والحوثيين قاطعوها. وتأسيسا على ذلك إستمرت الإطروحات تحت سقف تهدم بلوغا لتلك الوثيقة التي حرص بنعمر على تمرير كل الألغام بواسطتها حتى في القضايا التي لا علاقة لها بفريق القضية الجنوبية، الذي أضطر أيضا لإختصاره لتسهيل مهمته. كما يصبح أيضا من الأهمية بمكان أن يدرك الناس أن الأطروحات المعوجة الواردة في الوثيقة لم تكن ضمن رؤى أي من مكونات الحوار بمن فيهم "غير الملزمين" بسقف المبادرة وفقا لبنعمر، غير أن الأهم إستيعاب الإختبار الذي تعرضت له كافة القوى المشاركة في الحوار ونتيجة ذلك الإختبار بإعتبار ما توفره تلك النتيجة من دلالات قاطعة على توصيف المكونات السياسية المشاركة في الحوار الوطني. أما الإختبار فهو الطعم الذي رماه بنعمر من خلال وثيقته لكل مكون بما يحقق مصالحه الحزبية والفئوية الضيقة لحمل كل مكون على اللهث وراء المصادقة عليها بغض النظر عما تحمل من تدمير لليمن وأمنه وإستقراره ومصالحه العليا، وهو ما أسماه بنعمر "أعلى قدر من التوافق". فبالنسبة للمكونات التي باشرت التوقيع على الوثيقة بداية دون أي إعتراض، كالتجمع اليمني للإصلاح الذي وقع عليها بفرح شديد، فقد كفلت له الوثيقة إستمرار السلطة التي جعلته يرث أغلب المناصب الحكومية ووزاراتها وأجهزتها الأمنية والعسكرية والمدنية، إضافة لمضاعفة ميزانيات تلك الأجهزة ومضاعفة حضور المنتسبين إليه وما يمارسونه من نهب عام لم يسبق له مثيل. التمديد هنا يمنحهم أيضا فرصة إستكمال مسيرة التغلغل في مفاصل الدولة. بينما كفلت الوثيقة للحوثيين تأجيل عودة الدولة الشرعية المنتخبة من الشعب، وتأجيل موضوع تحوله إلى كيان سياسي لا طريق له للسلطة بغير الإنتخابات، ريثما يستكمل أيضا مد نفوذه على مناطق أوسع وإيجاد حلفاء جدد بفضل غياب الدولة ومؤسساتها وإضطرار الكثير للجوء إليه في ظروف كهذه. أما الحزب الإشتراكي فقد ضوعفت المكاسب في إطار ما يسمى بالقضية الجنوبية حتى بلغت حد اللامعقول في إنتهاك حقوق الإنسان وفي التقسيم الشطري ليجد فيها فرصة ذهبية لإعادة تقديمه لأبناء المحافظات الجنوبية على أنه صاحب المنجز الرئيس في الأمر. الإشتراكي يحاول جاهدا إستعادة قواعده وشعبيته وحضوره في الجنوب في وضع بات فيه الأضعف بين باقي المنافسين هناك. وأخيرا، لم تخلو الوثيقة من إغراءات لغير هؤلاء على المستوى الفردي من أعضاء مؤتمر الحوار لضمان تمريرها بكل سهولة. أما في الجانب الآخر، فقد إعتمد بنعمر على العصا والتهديدات الشديدة والضغوط غير المسبوقة على المستوى الدولي لحمل المؤتمر الشعبي العام على التوقيع على الوثيقة وقبولها بعلاتها التدميرية التي فضل المؤتمر أن يواجه أسوأ مصير على القبول بها. مجملا، يجب ألا يغفل الناس عن تقييم كل المكونات طبقا لتصرفاتها فيما يتعلق بهذه الوثيقة لأنها كانت حاسمة وظاهرة ولا يمكن الدفاع عنها أو إلتماس العذر لمن غلب مصالحه على المصلحة الوطنية العليا بقبولها كما جاءت. أما المتسائلين عما حققه المؤتمر بممانعته وصموده أمام عصا مجلس الأمن، فهو بالتأكيد ما سمي بوثيقة المبادئ الأربعة التي قدمت قبل أيام للرئيس هادي كإحدى خيارات يقبل بها المؤتمر لإنهاء أعمال مؤتمر الحوار الوطني، وكانت هيئة رئاسة المؤتمر برئاسة رئيس الجمهورية المشير عبد ربه منصور هادي قد عقدت إجتماعا وأصدرت بلاغا صحفيا تضمن تلك المبادئ، ثم عُرض وفقا لما تم الإتفاق عليه للتصويت في جلسة عامة لمؤتمر الحوار (أعلى هيئات المؤتمر) وأجمعت عليه كافة القوى والمكونات وصوتوا على إعتماده كوثيقة من وثائق المؤتمر. وقد نصت على ما يلي: 1- إن مخرجات المؤتمر ووثائقه كافة والتي ستشكل محددات للدستور القادم لا يمكن لها أن تتعارض مع المبادرة الخليجية واليتها التنفيذية ومبادئها العامة ومع قراري مجلس الأمن 2014 و 2051. 2- إن مخرجات المؤتمر ووثائقه كافة لن تؤسس لأية كيانات شطرية أو طائفية تهدد وحدة اليمن وأمنه واستقرار، وبأنها ستضمن حلاً عادلاً وشاملاً للقضية الجنوبية في إطار دولة موحدة على اساس اتحادي وديمقراطي وفق مبادئ العدل والقانون والمواطنة المتساوية. 3- إن مخرجات المؤتمر ووثائقه كافة تهدف إلى معالجة مظالم ضحايا الصراعات السياسية كافة، وفي حدود إمكانيات الدولة وفي إطار مبادئ العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية. 4- ضرورة تضمين الدستور الجديد نصوص قاطعة تصون وحدة اليمن وهويته أرضاً وإنساناً وتمنع أية دعاوى تخل بذلك. هذه الوثيقة تعد في الحقيقة، من أهم الوثائق إن لم تكن أهمها فيما يتعلق بمؤتمر الحوار الوطني ومخرجاته، إذ تكمن أهميتها البالغة فيما يلي: صدورها عن هيئة رئاسة مؤتمر الحوار والتصويت عليها في جلسة عامة بالإجماع وبما تحمله من نصوص قاطعة يمنحها صفة المرجعية القانونية العامة لكافة وثائق المؤتمر ومخرجاته. لأول مرة منذ بدء الحوار قبل تسعة أشهر، تصبح الوثائق المذكورة في هذه الوثيقة وفي مقدمتها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية مرجعية ملزمة لجميع أطراف ومكونات الحوار بدون إستثناء، ولم يعد ممكنا الحديث عن السقف المفتوح الذي تسبب بإنتاج كل تلك الإختلالات. منحها السيادة على جميع وثائق مؤتمر الحوار ومخرجاته وفقا لما نصت عليه يبطل كل ما كان مخالفا لمقرراتها، وفي المقدمة وبكل تأكيد، فإنها أبطلت ما ورد في وثيقة بنعمر مما يخالف المبادرة وآليتها التنفيذية بسبب "السقف المفتوح" الذي بات من بعد هذه الوثيقة "مسقوفا" بالمبادرة وقرارات مجلس الأمن والمبادئ التي نصت عليها الوثيقة. وهي كذلك تتعدى وثيقة بنعمر إلى باقي الوثائق وتقوم المعوج مما جاء فيها مخالفا للمبادرة كما هو الحال في بعض نصوص تقرير فريق الحكم الرشيد وفريق العدالة الإنتقالية والمصالحة الوطنية وسواها. أُغلق الباب على بنعمر وغيره فيما هو آت في تقديم أو الإصرار على ما قدم من إختراعات مضرة باليمن خارج إطار المبادرة وأصبحت حجة ملزمة للجميع على الجميع. ختاما، بعد تحقق هذا كله بفضل الله تعالى أولا، وبفضل صمود المؤتمر الشعبي العام ورجالاته جميعهم ثانيا بمن فيهم الرئيس هادي، يمكننا التأكيد على أن الوطن أنتصر. ولم يتبق من المهمة سوى إخضاع كافة وثائق المؤتمر ومخرجاته لما أجمع عليه اليمنيون من مرجعيات ومبادئ جوهرية في جلستهم العامة المنعقدة يوم الأربعاء 08/01/2014م في مؤتمر الحوار الوطني، وما كان مخالفا لها فعليهم أن يرموه في وجه بنعمر. ولمن يسألون عن التعديل في وثيقة بنعمر .. قل قد نسفها المؤتمر .. نسفا! [email protected] |