المحكمة العليا في ألمانيا تحني رأسها للحجاب قررت المحكمة العليا في كارلسروهي أخيرا في عملية تصويت خمسة مقابل ثلاثة لصالح الدعوى التي رفعتها المعلمة المسلمة فيريشتا لودين وهي ألمانية من أصل أفغاني، بعد أن عارضت وزيرة الثقافة في ولاية بادن فورتمبيرغ، أنيتي شافان، حصولها على وظيفة التدريس في المدارس الرسمية إذا ما أصرت على وضع الحجاب خلال التدريس. وكانت إحدى المحاكم الإدارية قضت بحكم ضد رغبة المعلمة المسلمة، ما دفع الأخيرة إلى رفع دعواها إلى المحكمة العليا التي تعتبر قراراتها نهائية. وهكذا انتهى نزاع دام زمنا طويلا بشأن قضية الحجاب في ألمانيا، إذ ستكون له انعكاسات إيجابية على الأوضاع القانونية للمسلمين في هذا البلد، إذ يبلغ عددهم نحو ثلاثة ملايين مسلم غالبيتهم من أبناء الجالية التركية البالغ عدد أفرادها 2,5 مليون نسمة. وأيد قضاة المحكمة العليا بأكثرية ضئيلة - كما أشرنا - حق المعلمة المسلمة في وضع الحجاب خلال التدريس، واعتبرت الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية في مدينة شتوتغارت لاغيا لأنه لا يتفق مع ما نص عليه الدستور الألماني الذي يدعو إلى حرية العبادة. وفيما انتهى النزاع القانوني عند هذا القرار أصبحت الكرة الآن في ملعب المسئولين السياسيين الذين يترتب عليهم الآن الاتفاق على قانون محدد بشأن الحجاب. ويرى مسلمون في ألمانيا أنه يكون من الجائر لو أن بعض السياسيين الألمان شرعوا في مناقشات أكاديمية من شأنها أن تضع العراقيل أمام قرار المحكمة العليا، بالإضافة إلى تعكير أجواء التعايش السلمي بين المسلمين والألمان. ويرى أحد هؤلاء المسلمين أنه من العدالة أن تقف المحكمة العليا إلى جانب طلب المعلمة المسلمة، فقد تغير وجه أوروبا وأصبح من الصعب على أحد في هذه القارة أن يتجاهل وجود 14 مليون مسلم يقيمون بصورة دائمة في دول الاتحاد الأوروبي. ويذكر أن فيريشتا لودين المولودة في أفغانستان العام 1972 جاءت إلى ألمانيا في العام 1987 مع أسرتها بعد أن عاشت بعض الوقت في السعودية، إذ عمل والدها في السلك الدبلوماسي بسفارة أفغانستان وتحمل الجنسية الألمانية منذ ثماني سنوات كما هي متزوجة من ألماني، أنهت دراستها وتخرجت معلمة بعلامات ممتازة لكن سرعان ما قررت حكومة بادن فورتمبيرغ "عاصمتها مدينة شتوتغارت" حرمان هذه المعلمة المسلمة من التدريس في مدارس رسمية لأنها رفضت خلع الحجاب. منذ يوليو/ تموز العام 1998 تحاول فيريشتا لودين الحصول على حقها باحترام حريتها الشخصية ولم يمنعها قرار المحكمة الإدارية من مواصلة مسعاها حتى وقفت المحكمة العليا أخيرا إلى جانبها. ويكشف حصول قرار المحكمة العليا على تأييد أكثرية ضئيلة عن الصعوبات التي واجهها القضاة في البت في هذه القضية التي تعرضت لمناقشات ومساجلات واسعة عبر وسائل الإعلام. ويرى المحللون أن القضاة استخدموا عبارات حذرة في قرارهم وسلموا القضية إلى السياسيين للبت فيها. لكن النزاع لم ينته فهناك جولة جديدة. فقد دعا قرار المحكمة العليا إلى ضرورة تشريع قانون يتعلق بعلاقة الحجاب ورب العمل. بيد أن القضاة استندوا في قرارهم إلى حرية العبادة التي ينص عليها دستور البلاد، إلا أنهم أجمعوا على أهمية وضع قانون يحدد وضع الحجاب في سوق العمل، مشيرين إلى أن القوانين الحالية ليست كافية للاستشهاد بها عند اتخاذ قرار يحظر وضع الحجاب خلال العمل. وكانت محكمة إدارية في مدينة فرانكفورت حكمت حديثا لصالح سيدة مسلمة من تركيا قرر رب العمل فصلها من وظيفة العمل كبائعة في قسم العطورات ولوازم التجميل في متجره لأنها عادت من إجازة الأمومة متحجبة. وشكا رب العمل في دعواه أن الحجاب سيردع الزبائن ويسهم في تراجع الأرباح. وردت المحكمة دعواه وأمرته بالتراجع عن قرار فصل البائعة المسلمة التي أكدت أن الحجاب يخصها وحدها. وكانت فيريشتا لودين أصبحت نجمة في وسائل الإعلام حين تم التركيز على دعواها، وقالت إنها تعتقد أن إجبارها على خلع الحجاب اعتداء على حريتها في العبادة، وأكدت أنه ليس للحجاب أهداف سياسية أو دينية تبشيرية، ودعت الألمان إلى احترام تقاليد المسلمين. ومن المنتظر أن تبدأ حكومات الولايات البالغ عددها ستة عشر ولاية بمناقشة مشروع قانون يتعلق بالعلاقة بين رب العمل والحجاب وذلك على أساس قرار المحكمة العليا المسجل بالملف "AKTENZEICHEN 2 BVR 6341/20". وأصبح بوسع فيريشتا لودين أن تحتفل مع المسلمين في ألمانيا بنجاح جزئي، لكنه نجاح مهم بانتظار الجولة الآتية من النزاع بشأن الحجاب، لأن القضية مازالت موجودة على الطاولة. ويخشى المسلمون من أن تعمل بعض حكومات الولايات على إقرار تشريع قانون يدعو إلى حظر وضع الحجاب خلال العمل. وينبغي على حكومات الولايات أولا وضع مسودة قانون يحدد العلاقة بين وظيفة العمل ورموز الدين مثل الحجاب، وقد يكون بالإمكان منع الحجاب غير أن المسلمين في ألمانيا سيتصدون لكل محاولة تسهم في التعريض لمفاهيم وتقاليد الإسلام. وترك قرار المحكمة العليا الأمر مفتوحا بأيدي السياسيين في الولايات الألمانية، وهي خطوة تكشف عن رد المحكمة العليا عن كاهلها مجموعة من القضايا التي ينبغي على السياسة أن تبت بشأنها لكنها تتركها على عاتق المحكمة العليا كي تصدر قرارات غير مريحة بالنسبة إليها. وكانت فئات كبيرة من الشعب الألماني وخصوصا أرباب العمل، تتمنى فشل دعوى المعلمة المسلمة لتريح ألمانيا من مشكلة تتعلق بالعلاقة مع الأجانب. لكن من شأن قرار المحكمة العليا أن يثير قضايا أخرى مماثلة، فهناك معلمات مسلمات أصبن بالخوف من خسارة وظيفة العمل حين انتشرت قصة الخلاف بين فيريشتا لودين ووزيرة الثقافة في ولاية بادن فورتمبيرغ بشأن الحجاب، ورحن ينزعن الحجاب قبل دخولهن صف التدريس. وكان رئيس المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا نديم عطا إلياس - الذي تنطوي تحت مظلته سبعة عشر منظمة إسلامية - حذر في تصريحات صدرت عنه قبل صدور قرار المحكمة العليا من أن فرض حظر على الحجاب خلال ممارسة العمل معناه حرمان المسلمات من العمل في ألمانيا، وقال: إن الحجاب مسألة شخصية بالنسبة إلى المسلمات وليس علامة على التبشير الديني ولا استفزاز أحد، وعبر إلياس - وهو طبيب سعودي يحمل الجنسية الألمانية - عن أن المسلمين سيكونون سعداء حين تحسم هذه المسألة بصورة نهائية... القضية مستمر المصدر : الوسط البحرينية |