الإيمان ومقوماته الروحية في ظلال الشهر الكريم ان مقوماتنا الروحية ومقوماتنا المادية، كلاهما متماسك مع الآخر، متعاون معه، غير منفك عنه، وهما بهذا التماسك، وهذا التعاون، يسايران وضعاً فطرياً طبيعياً في الانسان، وفي الحياة التي عليه ان يحياها، ليؤدي الرسالة التي من اجلها خلق، ومن اجلها جعل خليفة في الارض. وهذه ميزة يمتاز بها المسلمون عن كل الذين يفصلون بين المادية والروحية، فيجعلون ما لقيصر لقيصر، وما لله لله، اننا نجعل المادة والروح كليهما لله، وعقيدتنا في الحياة قائمة على ذلك. فالإنسان مخلوق من مادة وروح: مادة: عناصرها الجسم بجميع اعضائه واجهزته، تحتاج الى روافد مادية تغذيها وتنميها، وتعينها على العمل والبقاء المقدر لها. وروح: عناصرها النفس والعقل والشعور، تحتاج الى معان، تكون روافد لها أيضاً تغذيها وتنميها وترضيها، وتزودها بطمأنينة لا غنى عنها. فليست حاجة الانسان الى المعاني الايمانية التي ترضي جانبه الروحي بأقل من حاجته الى المواد التي ترضي جانبه الجسمي. والحياة لا يستقيم امرها بالمادة وحدها، ولا بالروح وحدها، ولذلك لم يستخلف الله في الارض ملائكة “لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون”.. (من الآية: 6 التحريم). أو بعبارة اخرى، لم يستخلف الله عز وجل خلقاً روحانياً صرفاً كما لم يستخلف خلقاً مادياً صرفاً، وانما استخلف هذا الصنف من المخلوقات وهو آدم ونسله (أي نحن البشر)، بعد ان هيأنا على نحو ثنائي، بطبيعة مزدوجة من المادة والروح. وقد اشتهر بين بعض اهل العلم من الناس: ان المسيحية تجنح الى الروحية، وان اليهودية تجنح الى المادية، أما الاسلام فيجمع بينهما. فإن كان المراد بهذا: ان الاديان نفسها تختلف في سياستها نحو الانسان فليس من صحيح الاعتقاد صواب ذلك، فإن الدين واحد، والديان واحد وهو الذي خلق الانسان، وخلق الحياة، وشرع للانسان ما يتفق وطبيعته، وما تستقيم معه شؤون الحياة. ونرى ان يصحح هذا المفهوم فيقال: ان أتباع السيد المسيح (عليه سلام الله) هم الذين تصوروا المسيحية هكذا، روحاً فقط، وذلك ان سيدنا عيسى بن مريم ارسله الله جلت حكمته في ظروف اقتضت ان يقاوم سلطان المادية العاتية السائدة في اولئك الناس، فبرزت التعاليم التي تفي بذلك المقتضى، وجرت على لسانه (عليه السلام) الأقوال التي تصوره داعية للون خاص من التسامح، وطلب المغفرة للذين يسيئون، والتطلع الى السلام والهدوء، فظنوا انه لا شيء في دينه إلا ذلك، وانه لا صلة لتلك الرسالة الإلهية بتنظيم الحياة المادية، ورسخ هذا الظن في العديد من الناس حتى استقر عليه الأمر في فلسفة المسيحيين الغربيين عامة، وأدى هذا المفهوم الى ان يفصل الغربيون بين الكنيسة والدولة، واشتهرت المقولة: اتركوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله. اما اليهودية فقد جاءت، والخوف مسيطر على المجتمع الذي ارسل سيدنا موسى اليه، فقد كان فرعون يكتم الانفاس، ويقتل الابناء، ويستحيي النساء، ويزعم انه هو الإله الذي يجب على الناس ان يعبدوه ويطيعوا امره، ويقص علينا القرآن قول فرعون لقومه: “قال فرعون ما اريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد”.. (من الآية: 29 غافر) ولذلك نجد ألفاظ “الخوف” تتردد كثيراً في قصة موسى (عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام): فأمه قد اصبح فؤادها فارغاً من شدة الخوف على ابنها الصغير حتى أوحى سبحانه اليها بقوله: “وأوحينا الى ام موسى ان ارضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني انا رادوه اليك وجاعلوه من المرسلين” (7: القصص). وموسى بعد ذلك حين يتلقى رسالة ربه يرى العصا تتحرك فيخاف، فيقول الله له: “وان ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبراً ولم يعقب يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين” (31: القصص) وفي سورة النمل يوحي اليه ربه: “وألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبراً ولم يعقب يا موسى لا تخف اني لا يخاف لدي المرسلون” (10: النمل) وفي سورة القصص يقول موسى لربه: “قال رب اني قتلت منهم نفساً فأخاف ان يقتلون* وأخي هارون هو أفصح مني لساناً فأرسله معي ردءاً يصدقني إني أخاف ان يكذبون” (33 34: القصص). ويتخوف موسى وهارون من بغي وطغيان فرعون فيقولان: “قالا ربنا اننا نخاف ان يفرط علينا أو ان يطغى” (45: طه). فيخاطبهما رب العزة بوحيه المنزل في سورة طه: “قال لا تخافا انني معكما أسمع وأرى* فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني اسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى* إنا قد أوحي إلينا ان العذاب على من كذب وتولى” (46 48: طه)، وللحديث صلة. نقلاً عن الخليج الاماراتية |