العرب ... أمة مكتئبة ؟! بعد يومين سندخل السنة الخامسة من الألفية الثالثة. قرن جديد مضت منه أربعة أعوام، وما زلنا فيه تائهين، نتشبث بأمجاد الماضي، ونتحسر على هزائم مضت، ولا نفكر كيف وأين نكون في مستقبل قرن جديد. كل الأمم وكل شعوب العالم تمر بمراحل ضعف وقوة، ومن سوء حظنا أننا نعيش زمن الضعف، بل زمن ضعف الضعف، ولكن بالتأكيد أنه ليس كل العرب متشابهين ومتساوين في مستوى الشعور بالهزيمة والاكتئاب، فهناك فئة مكتئبة إلى حد اليأس والانتحار، وفئة أخرى ما تزال ترى أن هناك أملاً، وأننا بحاجة إلى مزيد من العمل ولكن الكل "مريض"!!... مهما كان الوضع سيئاً فهذا لا يبرر الاستسلام للعقد والأفكار المريضة كما هو حادث الآن، فزمن القوة يأتي بعد زمن الضعف. وصحيح أن أجيال الضعف تدفع ثمن ما اقترفته أيدي الأجيال التي سبقتها، ولكنها في نفس الوقت هي التي تضع اللبنات الأولى لعصر القوة وهذا ما يجب أن يتم، فيكفي هذه الأمة اكتئاباً، ويكفيها انطواء على نفسها، ويكفيها جلداً لذاتها، ويكفيها بكاء على الماضي، فما ضيعناه بأيدينا لن يعود مرة أخرى. ويجب أن ننظر إلى الحياة بعد أن نضع الماضي على الرف، ونستفيد منه العبر والدروس فقط حتى لا نكرر أخطاء الماضي، ودون أن نحاول الرجوع إليه، لأننا سنفشل وسنعيش الحالة التي نعيشها نبكي على الماء المسكوب إلى الأبد. دائماً كنت أتساءل لماذا يكابر العرب ولا يعترفون بهزائمهم، ولماذا نقبل نحن العرب النفاق والكذب على أنفسنا بدل فتح صفحة جديدة في كتاب التاريخ نسجل فيه عودة العرب إلى مجدهم من جديد؟! لماذا لا نريد أن نقبل فكرة أننا نعيش عصراً غير عصرنا؟. إننا نعيش في زمن لم نعد فيه نحن الأقوياء كما كنا. لماذا لا نقبل بحقيقة أننا أمة لم يكتب لها إلا الفشل والهزيمة في القرن الماضي، ولماذا لا نقف على أرضية الانهزام والتراجع والتخلف والضعف ونعترف بها ونتخذها قاعدة قوية للانطلاق في القرن الحادي والعشرين؟. إلى اليوم لم يصل العرب لإجابة على هذه الأسئلة. يجب أن نعترف أن القرن العشرين لم يكن قرننا كما لم يكن القرن الذي سبقه قرناً للعرب، ولكن من الممكن أن يكون القرن الحادي والعشرون قرناً للعرب إذا عزموا على أن يصنعوا فيه التاريخ بأيديهم، ولكن قبل ذلك يجب أن نعترف بالهزيمة حتى نبدأ بالدخول في عالم الانتصارات من جديد. فاليابانيون هم أصحاب أكبر هزيمة في القرن العشرين يقولون:"نتعلم قليلا بالنصر ولكننا نتعلم الكثير بالهزيمة". واليابان أمة هزمت لعقود من الزمن، ولكنها اعترفت بهزيمتها، وتعلمت منها فصارت اليوم أمة تنال احترام الجميع. إلى اليوم لم يستطع أي من العرب كذلك الإجابة على سؤال كبير ويبدو أنه معقد جداً وهو: ماذا يحدث للعرب؟! وما الذي جعل هذه الأمة تكون في هذه الحالة المزرية أمام شعوب العالم؟. لقد فكرنا كثيراً في هذا الأمر ولم نحصل على إجابة، إننا ندور في حلقة مفرغة. المفكر الأميركي "فريدون هويدا" يبلغ 80 عاماً مؤلف كتاب "ما الذي يريده العرب؟" يحاول تفسير حالة العرب اليوم والبحث عن إجابة للسؤال عن سبب ما وصلوا إليه من حال. ويرى "هويدا" أن العرب هم من أكثر الشعوب تعاسة على الكرة الأرضية اليوم، وأنهم شعب مكتئب، ويعيد سبب ذلك إلى عدة أسباب، أولها أن العرب وجدوا أنفسهم محاصرين في عالم لا يلعبون فيه أي دور تقريباً. فالعالم المعاصر يشكله الغرب بعد أن ظل العرب لقرون طويلة موضوعاً للتاريخ، وتقبل صدمة كهذه يبدو أنه أمر في غاية الصعوبة وخصوصاً أنه منذ ظهور الإسلام والعرب هم الفريق الفائز والجماعة المنتصرة. ويرى "هويدا" أننا ما دمنا رافضين لذلك، فلن نتمكن من التوصل إلى مزيج جديد يمكن أن يساعدنا على دخول عالم الانتصار مرة أخرى. ويبدو لي أن هذه حقيقة يجب ألا نغفلها. السبب الثاني لاكتئاب العرب من وجهة نظر "هويدا" هو أنه في كل مرة نحاول العثور على وسيلة للخروج من أزمتنا، نحبط. فقد بدأ العرب في محاولة التحديث وكانت النتيجة الوحيدة هي ظهور دول على الطراز الغربي تميزت بقدرة أفضل على قهر شعوبها ونهب الخزانة العامة لمصلحة النخبة، ثم تم استخدام المشاعر الوطنية، ولكن الأمر انتهى بنظم ديكتاتورية أكثر قسوة وفساداً ولعدة عقود من الزمن. ثم جربوا العديد من الأفكار الاشتراكية، ومرة أخرى، انتهى الأمر بمرارة. وأخيراً اتجه العرب إلى الدين وتحويله إلى أيديولوجية سياسية يرى "هويدا" أنها ستسبب أضراراً لا يمكن إصلاحها. ويرى "هويدا" أننا انطلقنا إلى الاكتئاب واستسلمنا له منذ أن تولى أمرنا حكام غير عرب من مغول وأتراك ومماليك، بالإضافة إلى الحروب الصليبية التي أوقفت المد الإسلامي بعد عدة قرون من الانتصارات. والسبب الأخير وربما الأهم هو إغلاق باب الاجتهاد وفرض اتجاهات فكرية ثابتة. يبدو لي بشكل عام أن هذا التشخيص حقيقي إلى حد كبير للحالة النفسية للعرب، وهو يحتاج من العرب إلى دراسة موضوعية. وفرضية أخرى - وقد تكون حقيقة- يجب التفكير فيها هي أن العرب وصلوا إلى مرحلة صاروا يعانون فيها من مرض "جنون الاضطهاد" وهو ما يطلق عليه مرض البارانويا النفسي "Paranoia"، وينتج عن إصابة الأمة أو الجماعة أو الفرد بجنون العظمة، أو جنون الاضطهاد، أو جنون الارتياب، وهي نزعة الفرد أو الجماعات أو الأمة الشديدة إلى الشك والارتياب من الآخرين للدفاع عن النفس. وهذا المرض النفسي يصاب به الفرد أو الجماعات العاجزة عن النقد الذاتي ومحاسبة النفس. لنكن صادقين مع أنفسنا ولو لمرة واحدة، ونعترف بأن معظم الشعوب العربية لا تثق بحكوماتها. وأن العرب ينظرون إلى المثقفين بعين الريبة والشك، ولا يرون فيمن يتولى المسؤولية أنه الرجل المناسب، وينظرون إلى المستقبل من خلال نظارة سوداء فيكون المستقبل في أعينهم أسود. بل وأكثر من ذلك، صار العرب يرون في انتماءهم إلى العروبة شيء من العار، ولو استطاع أحدهم أن يغير لون عينيه وبشرته ويصبغ شعره ليصبح أشقر دون أن يعرف أحد أنه عربي لفعل. طبيعي أن يشعر العرب بذلك وهم يتنقلون من حكومة سيئة إلى أخرى أسوأ، ويخرجون من هزيمة صغيرة إلى هزيمة أكبر، ويتنقلون بين فشل وآخر ببساطة، ويرون العالم حولهم يتطور تكنولوجياً وعلمياً ويصل إلى القمر ونحن حتى الآن لا نعرف ماذا تحت أرجلنا؟. العربي يعاني من فقر في الحريات، ويرى الشعوب الأخرى تتكلم بحرية، وتمارس حياتها بسهولة وبدون قيود، وتعيش وتتعلم، وتحصل على الخدمات وهي لا تصاب بالاكتئاب؟! كما أن أغلب العرب يؤمنون بنظرية المؤامرة التي تعشش في عقولهم وأذهانهم، فيرون أننا مستهدفون من الجميع من الشرق ومن الغرب وكل مصيبة تحل بالأمة فإنها تكون -من وجهة نظرهم- نتيجة مؤامرة خارجية. لا أشك أبداً في صدق كلام من يقول إن العرب هم أكثر الشعوب تعاسة، ولكن ليس على الإطلاق وإنما في القرن العشرين فقط، فالأحداث التي مرت عليهم كانت كبيرة، وهذا ما يجعل العرب غير قادرين على فعل أي شيء اليوم. وتلك الأمراض التي يعاني منها العرب تؤكد أننا مصابون بالاكتئاب، وأننا بحاجة إلى علاج سريع حتى نعود ونصبح جزءاً من العالم الذي حولنا وأول خطوة في العلاج هي أن نعترف بأننا أمة مهزومة ثم ننسى هزائمنا، وأن نعترف بأننا اليوم لسنا "خير أمة أخرجت للناس" وننطلق من أننا يجب أن نكون خير أمة تعمل مع الناس والعالم. كل عام وغير المكتئبين بألف خير... والله يشفي المكتئبين عم < الاتحاد > |