احتفاء رسمي برائد الأغنية الكوكبانية (عندما يغني على عوده ويعزف "عليك سموني" فإنه لا يعزف بأصابعه فحسب، بل بأصابع فرقة كاملة.. فرقة تُسمع ولا ترى..!؟ شعاب تغنى معه.. وجبال ترقص على نبض إيقاعه..) هكذا استهل خالد الرويشان –وزير الثقافة والسياحة- كلمته صباح اليوم وهو يمنح الفنان القدير/ محمد حمود الحارثي- درع وزارة الثقافة والسياحة- تقديراً وعرفاناً بدوره في إثراء وتطوير الأغنية اليمنية طوال مسيرته الفنية الممتدة منذ مطلع الخمسينيات من القرن الماضي. ووسط حضور جماهيري اكتضت بهم قاعة المركز الثقافي بالعاصمة صنعاء، أشار وزير الثقافة والسياحة إلى أهمية تزامن تكريم الحارثي مع مناسبة 17 يوليو الذي شكل انعطافاً هاماً في مسار التاريخ اليمني. وأضاف متحدثاً بلغته المعهودة عن المحتفى به: في "السنا لاح" طارت الشعاب معه، ونحن أيضاً؟! ربما لأنها ليست مجرد أغنية.. إنها تسبيحة خالصة، وتهويمة هانئة في آفاق قريبة حد قلبك بعيدة حد حلمك. وقال: (السنا لاح) ضوء كلام.. وعذابات صوت.. وعذوبة.. نغم كأنه لا يعزف بأصابعه بل بأهداب قلبه.. كأن إيقاعه تصفيق أجنحة ورقصة أفق..) ثم تساءل الرويشان وهو يتحدث عن روائع الحارثي: (ترى.. من يقرأ نوتة الأهداب.. من يسمع إيقاع الأجنحة..؟). وفي الحفل الذي حضره عدد من أصدقاء الفنان ومحبيه والمعجبين بفنه قدم علي العودي محاضرة عن الحارثي بعنوان (الحارثي فنان لكل الأوقات) استعرض خلالها أهم المنعطفات في مسيرة الحارثي الفنية. مداخلات الحاضرين تطرقت إلى صدى الحارثي في عدن وتجارب الحارثي لتعزف بعدها الفرقة الموسيقية التابعة لوزارة الثقافة والسياحة باقة من روائع وإبداعات الحارثي الغنائية، التي أشعل بها حماس الجماهير منذ الأيام الأولى للثورة اليمنية ولا زال صداها يتردد في الذاكرة الشعبية حتى اليوم. ونشأ أستاذ الغناء الكوكباني في جو مفعم بالأدب والفن والعلم ( مواليد كوكبان محافظة المحويت 1934) في مدينة تتميز بجبالها الشاهقة ووديانها الخلابة ومدرجاتها الزراعية البديعة وحيث (الماء والخضرة والوجه الحسن) كما يحلو للحارثي تسميته. وفي المدينة التي نشأ بها عديد من الشعراء والفنانين بدأ الحارثي صغيراً يترقب مجالس الأدباء والفنانين ويستمع لمختلف الألحان والأغاني من الفنانين القدامى ولكن ذلك كله في السر أيام حكم آل حميد الدين الذين حرمَّوا الغناء والطرب مطلع الخمسينات من القرن الماضي. ورغم ذلك استطاع الحارثي إجادة العزف على العود حيث تتلمذ على يده كبار الفنانين في شبام كوكبان أمثال قاسم الأخفش وغيرهم، فيما ظل متابعاً للجديد من الأعمال الفنية القادمة من مدينة عدن عن طريق الأسطوانات لعمالقة الفن اليمني أمثال إبراهيم الماس والقعطبي وعلي أبوبكر باشراحيل ليبدأ الغناء متخفياً ومتنقلاً في عدة مدن يمنية لإحياء عدد من الحفلات الفنية سراٌ قبل ثورة 26 سبتمبر 1962م. وبعد قيام الثورة فجَّر رائد الأغنية الكوكبانية بصوته العذب الكثير من الأغاني الوطنية من إذاعة صنعاء وألهب حماس الجماهير المتعطشة للحرية بعدد من أغانية الجميلة التي سكنت في الوجدان الشعبي ولا زالت تتردد حتى اليوم. وخلال عمر فني تجاوز الخمسين عاماً لم يعد يتذكر الفنان الحارثي عدد أعماله الغنائية إلا أنها تجاوزت نحو مائتي عمل ما بين أغان وموشحات وأناشيد وطنية نذكر منها (أحباب قلبي – يا مخجل الشمس – السنا لاح – الشوق أعياني – خلي جفاني – سلام يا ساكني القلب الطروب). و حصد الحارثي عدداً من الأوسمة وشهادات التقدير، كما وثق له مركز الموسيقى العالمي عشرات الألحان الفريدة. |