تحرك عربي باتجاهين ترتبط كثير من الدول العربية، وخاصة الكبيرة منها، بعلاقات إستراتيجية واسعة مع الولايات المتحدة والدول الغربية، ولا بد أن تستثمر هذه الدول علاقاتها الدولية لربط جسر بين دمشق والمجتمع الدولي. علينا الاعتراف بأن سوريا لا تجيد التعامل مع المجتمع الدولي، ولا نريد أن تتكرر الحالة العراقية حيث ساد العناد في بغداد، والسلبية في العواصم العربية، وظل العرب يتفرجون على نظام صدام أو يجاملونه، أو لا يريدون إغضابه، فلم يصارحوه بالحقيقة، وحتى عندما جاءت مبادرة الشيخ الراحل زايد بن سلطان تم التعامل مع تلك المبادرة بروح بعيدة عن المسؤولية. لا نريد أن نرى عقوبات دولية، وخاصة عقوبات اقتصادية على سوريا يدفع ثمنها الشعب السوري الذي يعاني أصلا من اقتصاد شمولي يخنق المبادرة الفردية، ولا نريد مزيدا من التوتير والعزلة لدمشق رغم الأخطاء التي ارتكبتها سوريا، وإصرارها على نظرية أن بيد سوريا «أوراقاً إقليمية» يمكن استخدامها وهي نظرية كانت صحيحة عندما كان العالم منقسماً إلى معسكرين وعندما كانت سوريا قادرة على الضغط على القيادة الفلسطينية وعندما كانت سوريا تحكم لبنان وتعين رئيس جمهوريته، ورئيس حكومته ونوابه، وتعيش على حكاية «تلازم المسارين» وتتحرك في جنوب لبنان للضغط على إسرائيل، وتستثمر أخطاء نظام صدام حسين، والعالم تغير بشكل غير مسبوق، أصبح العالم أحادي القطب، وخرجت سوريا من لبنان، وسقط نظام صدام حسين، وجاءت قيادة فلسطينية مستقلة، وخرجت إسرائيل من جنوب لبنان وهذه كلها عوامل أسقطت فكرة الأوراق الإقليمية التي بيد سوريا، وكان من المفترض أن تتصرف سوريا على ضوء المستجدات الجديدة بدلا من استمرار الخطاب التقليدي المنفعل. المهم أن الأيام القادمة ربما تشهد تطورات كبيرة وضغوطات أكبر، وعلى الدول العربية التحرك والتنسيق للحديث مع دمشق بروح الصراحة والمكاشفة والوضوح، وإقناع دمشق بالتعاون الكامل مع التحقيق الدولي والتحرك مع العواصم الدولية وفي مجلس الأمن، لمنع تدهور الأوضاع والخروج بأقل الخسائر الممكنة. حفلة التفرج العربي لن تنفع، والجهود الفردية العربية لن تنفع، والمطلوب تنسيق مشترك ولغة مشتركة تسمعها القيادة السورية في دمشق بكل صراحة ووضوح، وتسمعها العواصم الكبرى المعنية بالقضية. |