الجامعة محكمة ومجلسا واحد من أهم الموضوعات التي شغلت الجامعة العربية والقادة العرب في قممهم، هو التحاكم عند التنازع داخل بيتهم العربي بدل اللجوء الى الاجانب والمنظمات الدولية. والحق انه لن تجد أي محكمة في العالم رواجا أكثر من العالم العربي لكثرة نزاعاته، أعني نزاعات الدول، اما العرب كأفراد فهم اقل الناس في العالم شكوى وأكثرهم صبرا واحتسابا. لهذا لم تخطئ الجامعة العربية عندما قررت فتح باب للتحاكم القانوني، حيث لا يوجد متر حدودي بدون قضية، ولا اتفاقية بلا عراقيل، ولا التزامات من غير تراجعات. ورغم الحاجة والشعبية والمصلحة العامة التي تقتضي وجود هيئة تحاكم اقليمية، الا انني استبعد تماما ان تجد في الوقت الحاضر فريقين يقبلان التحاكم امام قضاة عرب في الجامعة العربية، لسببين اساسيين، اولهما فقدان الثقة والثاني عجز الجامعة عن فرض قراراتها. مع هذا أحيي الجامعة على وضع القوانين والهيكلة لأننا سنرى اليوم الذي نعود فيه اليها في المستقبل. سيمر وقت طويل قبل ان تكسب الجامعة ثقة الدول الاعضاء الذين يختلفون على كل شيء، بما فيها منظومة كرة القدم والصحافيين. حتى صحافيو الرياضة انشقوا على انفسهم في رابطتهم فصارت هناك واحدة في العاصمة الاردنية وثانية في العاصمة المصرية، وتفرقت العرب كالعادة وفق الموقف السياسي والاغراء المالي. القضايا كثيرة لكنها بلا سلاح القوة لا قيمة لقراراتها. كيف ستحكم الجامعة العربية بين امراء الحرب في الصومال حول من له حق الرئاسة؟ او الخلاف على نتائج الانتخابات في العراق بالأمس او اليمن غدا؟ وهل يجوز خلع اميل لحود من منصب الرئاسة واختيار بديل له؟ من له صاحب القول الفصل في السياسة في فلسطين، حماس ام أبو مازن؟ اما اذا دخلنا في النزاعات الحدودية فاننا امام جبال من الخلافات المائية والبرية اضافة الى المنازعات على تفاسير الاتفاقيات وتطبيقاتها التي لا تنتهي. ولهذا فان الجامعة العربية تحاول اقناعنا بأنها تحقق للناس مطالبهم ببرلمان عربي يمثل الشعوب ومحاكم تغنيهم عن الرجوع الى المحاكم الدولية ومجلس أمن، أو سلم، لفض النزاعات قبل ان تثور المدافع. وهي محاولات تستحق التقدير، لكنها حتى الآن ليست اكثر من تجميلية فلا البرلمان او المجلس او المحكمة لها اسنان تردع احدا او تفرض قرارا. مجرد مجالس دعائية وتجميلية في المرحلة الحالية تعبر عن طموحات مهندسي الجامعة وترضي وسائل الاعلام التي ما برحت تعير الجامعة بانها لا تفعل شيئا. اما في المرحلة اللاحقة، ونحن نتحدث عن عشرة او ثلاثين عاما مقبلة، فان الوضع قد يتبدل وربما تصبح حينها الجامعة مرجعا قانونيا معتبرا وممنوح الصلاحية من المجالس الدولية والحكومات العربية. وبالتالي لا بد من وضع الأنظمة الآن وان قوبلت بالهزء فمن يدري في الغد القريب قد تجد القبول والاذعان الرسمي والشعبي على امتداد المنطقة. وهنا نذكر بما حدث عندما احتل العراق الكويت، حيث لعبت الجامعة العربية دورا مهما جدا في تجريم الاحتلال العراقي واجازة استقدام القوات الاجنبية لتحرير الكويت، مستندة على قانون الجامعة العربية الذي اجاز بالاغلبية المطلب ومنحه الشرعية |