وادي ظهر.. شواهد الاستيطان الحفري لما قبل التاريخ يقع " وادي ظهر " في شمال غرب العاصمة صنعاء ويبعد عنها بحوالي ( 14 كيلومتراً ) تقريباً ، وهو وادٍ كبير اشتهر منذ عصور ما قبل الإسلام - إن لم نقل بأنه استوطن من قبل الإنسان في عصور ما قبل التاريخ – فقد شهد النشاط الإنساني والاستيطان الحفري لعصور ما قبل التأريخ وتشهد على ذلك المخربشات الصخرية التي تنتشر على صخوره ، إن هذا الوادي قد استوطن في عصور ما قبل التاريخ وأول ذكر لوادي ظهر كان في ( القرن السابع قبل الميلاد ) في نقش النصر الموسوم بــ RES.3945 ) ) الذي دونه " كرب إل وتر بن ذمار علي " مكرب سبأ حيث ذكر أن الوادي كان يقع ضمن ممتلكات ملك " نشن " ـ مدينة السوداء في معين ـ ، وفي ظل ازدهار دولة سبأ ظهر الوادي ضمن نطاق أراضي قبيلة " ذي مأذن " التي كانت تتخذ من مدينة " شعوب " شمال مدينة صنعاء القديمة - أدخلت حالياً ضمن العاصمة صنعاء - حاضرة لها ، وكانت تقوم عليه بالتأكيد مدن تابعة لتلك القبيلة ، وذلك لكونه وادياً كان يجري فيه غيل غزير ، وأراضيه خصبة جـداً ، وبالفعل وجدنا " الهمداني " يضم وادي ضهر إلى مخلاف " مأذن " ، وقد قدم وصفاً متكاملاً للوادي قصوره والفواكه التي كانت تزرع فيه ، وطريقة ري الأراضي ، ومقابره الصخرية ، وقد جاء بالنص : ( ومن مآثر اليمن ضهر ، وهو موضع فيه وادٍ وقلعة ومصنعة منسوب كل ذلك إلى " ضهر بن سعد " ، وهو على بعد ساعتين من صنعاء أو أقل ، وفي هذا الوادي نهر عظيم يسقي جنتي الوادي ، وفيه ألوان من الأعناب وغراسه من البياض والسواد - ويذكر عدد أنواع الأعناب التي تصل إلى عشرين نوعاً - والأحمر الملاحي والأطراف والنواسي والزيادي والفارسي والجرشي والعيون والضروع والقوارير والسيسبان والرومي والنشائي والدوالي والأمعر والدربج والرازقي وغير ذلك ، وبه من أصناف الخوخ : الحميري ، والفارسي ، والخلاسي ، وبه التين والبلس ، والكمثرى الذي ليس في أرض مثله ، يقول ذلك من يفد إلى صنعاء من الغرباء والأجاص والبرقوق والتفاح الحلو ، والتفاح الحامض واللوز والجوز والسفرجل والدارياج والرمان والورد والشقائق والرتم ) . تلك هـي أهـم الأنواع من الأعناب والفاكهة التي كانت تزرع في ( القرن الثالث الهجري ) ، وقد انقرضت بعض منها الآن ، ثم يقدم لنا " الهمداني " الطريقة التي كانت تروى بها أراضي الوادي ، حيث كانت تسقى أو تروى البساتين من أسفل الوادي حتى أعلاه الأول فالأول ، وكانت تسقى الأراضي الزراعية والبساتين بتلك الطريقة حتى ولو كان أصحابها مهاجرين ، أو حتى كانت الأراضي غير مزروعة ، وكان القائم على سقاية بساتين وأراضي الوادي يلقب بـ ( الدائيل ) ، وهو الذي كان يقوم بخلع غروس البساتين التي يخالف أصحابها الطريقة المتبعة في ري أراضي وبساتين الوادي . ويضيف " الهمداني عن " نهر الوادي ، بأنه كان ضعيفاً في أيام الجاهلية ولكن وقعت زلازل أدت إلى غزارة مياهه ، ويروى عن بعض أهل الوادي : ( أن منابع هذا النهر تقع في جبل حضور ويخرج من أسفل ريعان وأعلى ضهر ـ أي أن منابعه تأتي من جبل حضور شعيب ـ ، ويظهر في أسفل ريعان وهو وادٍ وقرى تـقـع شمال غرب العاصمة صنعاء ، ويظهر بغزارة بعد ذلك في أعلى الوادي ـ وادي ضهر ـ ) ، ويروي " الهمداني " عن " محمد بن أحمد الأوساني " قوله : ( إنما أتى نقصانه لمّا هدم سد ريعان ، وكان ماؤه " لذوي جهيف بن ذي مأذن " ، يحبس الماء فيغزر هذا الغيل ، وقد نقص من زروعه وكرومه لمّا نقص الغيل ما كان بعلمان – أي لم يعد يصل إلى علمان – وهي قرية وجبل في أسفل وادي ضهر ، ونقصت عشرة أنواع من الكروم – أي انقرضت ولم تعد تزرع - ) ، ويصل " الهمداني " إلى وصف قلعة وادي ضهر ، فيقول : ( وأما قلعته فهي حصن يسمى " دورم " واسعة الرأس مطلة على هذا الوادي ، وكان في هذه القلعة ( قصور ) الملك منها قصر يسمى " ريدان " أيضاً غير " ريدان - ظفار " ، وقصور لحاشيته ، فرأيت في قصر منها ساحة مربعة يدور بها دكاكين من البلاط تكون البلاطة طول ( عشرة أذرع ) فيها قطوع لمقاعد الأقيال إذا طلبوا الوصول بالملك ، وعلى جانبي كل مقعد قطعتان أرفع من المقعد لمقام الرجلين اللذين يقومان على رأس القيل مصلطي سيفهما ، كل واحد قائم على فرد رجل ، وكان في مثل ذلك كثير في قصور اليمن ، وفي وسط الساحة بلاطة ( عشرة أذرع ) طولاً في ( سبعة أذرع ) عرضاً يقال لها ( الرخامة ) محمولة من بلدٍ ناءٍ ، لأنها لا تشاكل حجارة ذلك الموضع ، فإذا أراد الملك أن يضرب إنساناً أكبه عليها ويضربه بالعود فيقطعه ، وهي الآن عبارة عن مجموعة من الخرائب لمستوطنة يعود تاريخها إلى عصور ما قبل الإسلام ، ويحتمل أن حصن " دورم " أو قصر الملك الذي ذكره " الهمداني " سابقاً هي أحد المعابد القديمة لآلهة قبيلة " مأذن " الإله ( ود ) ، ويؤكد احتمال أن يكون القصر أحد معابد الآلهة وجود بقايا آثاره التي تدل على ذلك إضافـة إلى المقابر التي نحتت في الصخور أسفل القصر ، وهي حالة تشابه حالة " شبام الغراس " التي يحتوي جبلها في قمته على المعبد ، وأسفل المعبد على الصخور نحتت فيها المقابر الصخرية. ومقابر وادي ضهر الصخرية تشابه تماماً مقابر " شبام الغراس " ولكنها تعرضت للنهب والتخريب من قبل الأهالي ، وقد ذكرها " الهمداني " بقوله : ( وفيه من البيوت المنحوتة في الصخر في جوانب القلعة ما ليس في بلد ، وكأن هذه البيوت خروق : نواويس لموتاهم ، وهم فيها إلى اليــوم ، وقد رأيت جثثهم فيها ما يزيد على أهل عصرنا وما هو مثلها ، وأكثرهم قد صاروا عظاماً متناصلة ، إلا أنها صلاب فما كان منها حديث فعظمهُ ودك ، وما كان قديماً فعظمهُ أبيض ، وقد بقي من أكفانهم ما كان من جليل الكتان ) ، ويدل قول " الهمداني " أن تلك المقابر كانت قد تعرضت للتخريب والنهب منذ نهاية ( القرن الثالث الهجري ) ، ووجود أكفان على الجثث يؤكد ـ أيضاً ـ أنها كانت محنطـة ؛ مما يعني أن أهل وادي ضهر قد عرفوا التحنيط مثلهم مثل أهل " شبام الغراس " وغيرهم من أهل بعض المناطق اليمنية القديمة . ويذكر لنا " الهمداني " أن في وادي ضهر تلة جبل عالية صلدة ، معلقة ، لا ترتقى إليها تسمى " فدة " و" الفدة " التي ذكرها " الهمداني " تقع على فوهة مدخل وادي ضهر من الطريق العليا ، وقد لعبت أدواراً هامة في الصراعات التي كانت تحدث في الوادي في عصور مختلفة . ويشتهر وادي ضهر ـ حالياً ـ " بدار الحجر " إلى جانب بساتينه ومقابره الصخرية وخرائب قلعتـه ، وينقسم وادي ضهر إلى أربع مناطق هي كالتالي : - منطقة أعالي الوادي : وتتصل هذه المنطقة ببيت نعم من الغرب ، وأشهر ما فيها سوق الوادي . - منطقة وسط الوادي : وهي المنطقة التي يوجد فيها دار الحجر إضافة إلى المسجد وتعودان إلى همدان . - قرية القابل : وتسمى ـ أيضاً ـ الروض ، وتعود إلى مديرية بني الحارث . - منطقة أسفل الوادي : وتقع فيها علمان ، وتعود إلى مديرية بني الحارث . ومن معالم وادي ضهر " دار الحجر " و " حصن دروم " :- 1- دار الحجر : هي دار جميلة ، مشهورة أقيمت على تلة من صخور الجرانيت في وادي ضهر في شمال غرب العاصمة صنعاء ، وسميت دار الحجر نسبة إلى الصخرة ـ الحجرة ـ التي بنيت عليها ، بناها في أواخر ( القرن الثامن عشر الميلادي ) العالم والشاعر " علي بن صالح العماري " (( 1149 - 1213 هجرية ) ـ ( 1736 - 1798 ميلادية )) ، فقد كان عالماً وأديباً وبليغاً شاعراً ، واسع المعرفة ، متعدد المواهب ، وقد كان متفرداً بعلم الهندسة والفلك استوزره " المهدي عباس " ، ثم عمل مع ابنه " المنصور علي " الذي حكم في الفترة (( 1189 - 1224 هجرية ) ـ ( 1775 - 1809 ميلادية )) وقد أوكل إليه مهمة الولاية في ريمة والمخا ومناطق أخرى ، وقد اشتهر بالهندسة المعمارية في كونه قد صمم للإمام " المنصور " ولغيره كثيراً من البيوت والدور ، وبعدها أصبح مسئولاً عن عمارات " المنصور " ، وأهم المباني التي اشتهر بتصميمها ، هي دار الحجر في وادي ضهر ، والتي بقيت شامخة على مر العصور ، وشهدت إضافات أهمها المفرج الحالي الذي أضافه الإمام " يحيى بن محمد بن حميد الدين " ، وتستخدم حالياً كمعلم سياحي ، حيث فتحت أبوابها للزوار الذين يرغبون في مشاهدة هندستها المعمارية من الداخل . 2- حصن دروم : " حصن دروم " أو " قلعة دروم " وهي قلعة واسعة الرأس تطل على الوادي ـ وادي ضهر ـ كانت بها قصور الملك وقصور لحاشيته ، وتوجد ساحة في قصر الملك مربعة الشكل طولها ( عشرة أذرع ) لاستقبال الأقيال وفيها مقاعد لكل قيل بحيث يكون خلف كل قيل رجلان يقوم على رأس القيل مصلطان سيفيهما وكل منهما يقف على رجل واحدة ، كما توجد ساحة مستطيلة الشكل بطولي ( عشرة أذرع ) في ( سبعة أذرع ) ، ويرجح بأن بين تلك القصور كان يوجد معبداً لوجود بقايا آثـار إلى جانب المقابر التي نحتت فـي الصخور أسفل القصر وتشابه مقابر " شبام الغراس" تماماً حيث " المعبد " بأعلى الجبل والمقابر نحتت في الصخور بأسفل الج |