لماذا قمة طارئة؟ بعد ساعات من الإعلان عن دعوة بلادنا إلى عقد قمة عربية طارئة لمناقشة التصعيد الخطير لقوات الاحتلال الصهيوني ضد أبناء الشعب الفلسطيني الشقيق، والعدوان الاسرائيلي السافر على لبنان وسيادته، فضلا عن التطورات الجارية في العراق والصومال وغيرها من القضايا العاجلة والهامة على الساحة العربية، بادرت العديد من وسائل الإعلام العربية وفي صدارتها الفضائيات إلى استقراء آراء بعض المحللين السياسيين من خلال تساؤلها عن جدوى انعقاد مثل هذه القمة وما ينتظر منها، خاصة وأن معظم القمم العربية التي عقدت في المراحل السابقة لم تأت بشيء جديد وظلت بياناتها تدور في حلقة واحدة من التشابه وإذا كان هناك من اختلاف في هذه القمم فليس سوى في المواقيت والأمكنة التي عقدت فيها فقط. وبصرف النظر عن دوافع هذا التساؤل وما يتفرع عنه من عشرات الأسئلة المحيرة، فإن ما يستحق النقاش في هذا الجانب هو تلك الرؤى والأفكار التي تتداولها وسائل الإعلام العربية، كلما سنحت لها الفرصة للحديث عن جدوى مثل تلك اللقاءات والاجتماعات العربية. والمؤسف حقا أن اللغة السائدة لمعظم التحليلات حول هذا الموضوع قد أصبحت تثير الإحباط واليأس لدى الرأي العام العربي دون إدراك للانعكاسات السلبية لمثل هذا الطرح.. ليس على نفسية المواطن العادي الذي تصدمه صباحا ومساء تلك التحليلات بموجات جديدة من مفردات الشعور بالعجز، بل أن الانكأ والأشد من ذلك أن تتحول هذه الرؤى الانهزامية إلى وسيلة لتبرير تخاذل وتقاعس النظام العربي الرسمي عن القيام بواجباته ومسؤولياته المناطة به، في اللحظة التي يتوجب عليه أن يتحرك فيها وأن لا يلوذ بالصمت تجاه قضايا مهمة وملحة تتطلب موقفا واضحا وشجاعا يكون بمستوى الحدث. إذ أنه ومهما تعددت وجهات النظر فإن أبسط قواعد المنطق تؤكد أن ما تمر به المنطقة العربية اليوم من أحداث وتحديات وما يحيق ببعضها من أخطار وما تتعرض له من هجمات شرسة يستدعي سرعة التئام القمة العربية والخروج بقرار موحد يعبر عن الموقف العربي من العربدة الاسرائيلية التي تجاوزت كل الخطوط الحمراء ولم تعد تضع أي اعتبار للسيادة والكرامة العربية. فالحقيقة أنه وإذا ما كانت التطورات الساخنة والملتهبة التي تعتمل هذه الأيام على أرض فلسطين ولبنان والعراق والصومال، بكل تداعياتها أو مؤشراتها الخطيرة، لا تحفز ولا تستثير همة النظام العربي الرسمي. فماذا بقي للعرب في هذا العصر؟!.. وبأي الوسائل يمكن لهم التعامل مع التحديات الماثلة أو المحتملة؟!.. وما هو الرصيد الذي سيورثونه لأجيالهم القادمة.. حتى يستطيعوا حماية مستقبلهم؟! وعليه فإذا كان هناك أي مبرر منطقي أو غير منطقي لحالة الصمت الرهيب للعرب إزاء ما يجري وما تقوم به القوات الصهيونية من اعتداءات وانتهاكات فاضحة في فلسطين ولبنان.. فلا مبرر أيضا لأي تأخير يؤجل انعقاد القمة الطارئة التي دعت إليها بلادنا انطلاقا من التزامها بمسؤولياتها القومية تجاه أشقائها باعتبار أن انعقاد مثل هذا الاجتماع يشكل الوسيلة السياسية التي يمكن من خلالها إبراز الموقف العربي الموحد ورفضه لذلك المسار الدموي والتدميري المتصاعد الذي تمارسه اسرائيل على مرأى ومسمع المجتمع الدولي، الذي وللأسف أصبح عاجزا عن ردع هذه الدويلة العنصرية أو إلزامها بتطبيق قرارات الشرعية الدولية، وإيقاف مغامراتها التي تدفع بالمنطقة إلى فوهة بركان متفجر إذا ما تطايرت حممه الملتهبة فإنها ستحرق الأخضر واليابس. إن على العرب الذين يلجأون للتدثر باسم الواقعية حينا أو بالتسليم بالعجز عن مواجهة هذه التحديات حينا آخر، أن يدركوا أن ما يحيط بهم وبمنطقتهم اليوم ليس مجرد ظروف عادية بل أن التحدي القائم يستهدف وجودهم ومصيرهم وكيانهم وتاريخهم وحضارتهم ودينهم.. فأرض العرب من جهاتها الأربع تنهشها أنواع شتى من الاختراقات والمخططات والاستهدافات التآمرية، ولم يبق هنا أي متسع لدى الإنسان العربي لتحمل أي قدر من الجروح والمواجع.. وقد وصل به الأمر إلى آخر المنحدرات وهو ينتظر متى تبدأ حالات الصعود وليس العكس. إن مآسي كثيرة يشهدها العالم العربي، فيما دوله غارقة في بحر من التناقضات في مواقفها وتقديراتها ومنقسمة على نفسها، فالبعض فضل الصمت خشية إغضاب من يقفون وراء اسرائىل، والبعض الآخر لجأ إلى تحميل الضحية المسؤولية بدلا عن الجلاد، حتى لا يبدو -كما يقال- متسرعا، فيما بدا الأكثر حماسا يصدر بيانات الشجب والاستنكار على استحياء وكأن ما تقترفه اسرائيل من جرائم وما يسقط من ضحايا، هو في جزر واق الواق وليس في أرض عربية والضحايا ينتمون لهذه الأمة. وبفضل هذا الصمت العربي المؤلم والمهين ها هو الوطن العربي يغدو ساحة مستباحة فيما نحن منشغلون بجدل عقيم حول من أين نبدأ التحرك، وعلى أي مستوى يكون هذا التحرك. في صورة تشبه الأوضاع التي سبقت مرحلة سقوط الأندلس مع أن المستهدف الآن في عمق الدار العربية. وفي ذلك إجابة صريحة على من يستكثرون عقد قمة عربية طارئة في هذا الظرف الحساس. رئيس مجلس إدارة مؤسسة الثورة |