خسارة الإصلاح: حضر الشيخ وغابت الجماهير قبل أسبوعين وزع التجمع اليمني للإصلاح مع دعايته الانتخابية مقابلة الشيخ حميد الأحمر في عموم المحافظات، ولم يكن فيها ما يمكن تعميمه غير إعلان الشيخ أنه إذا لم يفز مرشحه ومستشاره الاقتصادي فيصل بن شملان في الانتخابات الرئاسية فإن الانتخابات مزورة ولن يقبل بها. لم يكن مفهوم الشيخ للديمقراطية على هذا النحو غريباً، فالعقد الاجتماعي الذي يكثر الحديث عنه ليس غير فيدرالية اجتماعية تقوم على ثنائية السلطة و الندية بين القبيلة ممثلة بشخصية والده الذي يحاول الاستفادة من الحزب في الاستئثار بمكانته، والدولة ممثلة برئيس الجمهورية ومفهوم الفردية والاستبداد عن الشيخ المتحمس يعني قيام رئيس الدولة بممارسة مهامه دون استئذان والتغيير هو استبدال علي عبدالله صالح الذي لم يعد يطيع بالمهندس بن شملان الذي لن يعصى.. ولم يكن حزب الإصلاح وهو يوزع مقابلة الشيخ المتحمس يحمل إلى الناس توجيهات الشيخ كقائد روحي زعيم حركي، فالشيخ الشاب ليس أحدهما، وإنما كان الإصلاح يعمم على لسان الشيخ دعوة الحركة إلى العنف التي لا يستطيع قادة الحركة وسياسيوها تبينه في ظل الخطاب الذي تقدم به الحركة نفسها كحزب مدني يقبل بالآخر، والتعايش معه في مجتمع ديمقراطي هذا التحول الذي تحاول جاهدة التأكيد عليه من خلال تحالفاتها مع الأيدلوجيات المغايرة وإقامة علاقات نشطة مع سفارات الديمقراطيات الكبيرة والمنظمات العالمية مقدمة العديد من التنازلات في مواقفها من بعض ثوابت الحركة وزعاماتها الروحية وتنصيب زعامات بديلة من خارج الحركة تتفق ولو ظاهرياً مع شروط العولمة والتوجه العالمي نحو الحرب على الإرهاب. هذا التحول في الخطاب العام للحركة يضاف إليه في اليمن ارتهان الحركة واعتمادها بشكل رئيسي على القبيلة كقوة تقليدية تكفل للحركة حق المشاركة في السلطة التي ما زالت الحركة تنظر إليها من زاوية التقاسم وفق معايير القوة التقليدية التي قبلت بموجبها أن تكون أقل الشركاء تمثيلاً في المؤسسة الرئاسية رغم تفوقها على الشريك الاشتراكي في عدد المقاعد النيابية التي حصدتها في انتخابات 1993م انتهاء الحركة عند الشراكة كسقف لطموحها السياسي وإيمانها بالقوة التقليدية كمعيار في تقاسم السلطة والتوجه العالمي نحو العولمة استغرق كثيراً من جهد الحركة الأممية في الحفاظ على القبيلة ليس كوحدة في النسيج الاجتماعي، ولكن كقوة تقليدية لا تخضع لشروط التحول المدني هو عبر عنه الشيخ الزنداني حين رفض بقوة توجه الدولة نحو حظر السلاح مطلع التسعينات. لقد راهنت الحركة على بندقية القبيلي في الوصول إلى السلطة أكثر من صوته الانتخابي وهو ما جعلها مرتهنة ومسخرة لخدمة الزعامة القبلية أكثر مما جعلها مستفيدة من القبيلة كقاعدة جماهيرية خصوصاً إذا كانت الزعامة لا تدين بوجودها أصلاً للحركة، كما في حالة الشيخ عبدالله الذي بقي رئيساً للسلطة الشرعية رغم خروج حزبه من الحكم، ومرشحاً للحزب الحاكم في دائرته النيابية وهو يرأس أكبر أحزاب المعارضة. استغناء الشيخ عبدالله واستغلاليته لم يتح للحركة إمكانية توجيهه والاستفادة منه غير حماية الحركة التي كفلها الدستور المفترض أن يكون هو الضمان الحقيقي لأي حزب سياسي والرهان على مكانته القبلية في الوصول إلى السلطة بدلاً من قواعد الحزب وجماهيره لكن ذلك يخضع لقرار الشيخ الشخصي. لقد امتدت حاجة الحركة بعد خروجها من السلطة إلى زعامة تدين بوجودها إلى الحزب ويمكن توجيهها كقوة تقليدية في سبيل عودة الحزب إلى السلطة، فكان الشيخ الشاب هو النموذج الأمثل من وجهة نظر قادة الحركة، فهو: 1- ليس محسوباً على الحركة الإسلامية ومدان سلفاً بالإرهاب. 2- رأسمالي جديد يمكن الاستفادة منه مادياً ومعنوياً. 3- يطمح أن يرث مكانة والده التي لا تقبل القسمة بين الإخوة كسائر التركة ويحتاج إلى تلميع الحزب له وبناء زعامته، وهو ما يجعل منه سهل التوجيه من قبل ساسة الحركة على عكس ولده. 4- إيمانه بالندية بين القبيلة والدولة يحصر طموحه في إرث والده الذي يرى فيه سلطة موازية للسلطة الرسمية ولا يحتاج وصوله إليها غير الانتصار على اخوته فقط، وهو ما يتفق مع طموح الشراكة التي ينتهي عندها مفهوم الحزب للتداول السلمي للسلطة، والأهم من ذلك أن مفهوم ثنائية السلطة عند الشاب الطموح وإيمانه بأن اليمن إقطاعية كبرى يتقاسمها مناصفة مع السلطة الرسمية يجعل من السهل توظيفه في تبني خطاب المعارضة الثوري ضد تفرد حزب الغالبية بالحكم ليقوم بعدها السياسيون في الإصلاح بتعميمه للإيحاء بصراع بين الدولة والقبيلة وخلق حالة عدم استقرار سياسي تبرر دعوة الإصلاح الدائمة لحكومة ائتلاف وطني يستطيع من خلالها محمد قحطان أن يرفع عقيرته مطالباً بحصة الشيخ من الكعكة كزعيم للقبيلة اليمنية دون حاجة إلى صندوق اقتراع. خطاب المعارضة اليوم عن النزول إلى الشارع والتهديد بالعنف بعد خسارة المعركة الانتخابية امتداد طبيعي لرفض نتائج الانتخابات مسبقاً إذا لم تكن نتيجتها لصالح مرشحي المشترك الذي أعلنه حميد الأحمر في مقابلته وعممها الحزب بفارق أن حميد الأحمر ينطلق في رفضه المسبق لنتائج الانتخابات ودعوته إلى العنف من عقلية تؤمن أن اليمن كله حبور ظليمة التي لا يسمح الشيخ حميد أن يعين فيها مسئول كبر وصغر إلا برضاه وبموافقته، أما تصريح ساسة الحزب برفض نتائج الانتخابات والعنف فينطلق من عقلية تعتقد أن الوصول إلى السلطة مرهون باختلاق أوضاع غير مستقرة تبرر الدعوة إلى ائتلاف وطني يسمح بالشراكة في الحكم وفق معايير القوة التقليدية وليس الإرادة الجماهيرية.. والنتيجة أن يخسر الحزب مزيداً من قواعده وتصوت قبيلة الشيخ ومنطقته ضد رغبة ولم يقدم الحزب للشيخ زعامة ولا منح الشيخ للحزب قوة، وهي نتيجة طبيعية لوضع مقلوب يبحث فيه الحزب عن السلطة المدنية عبر قوة الزعامة التقليدية بدلاً من الجماهير ويريد الشيخ زعامة القبيلة من خلال الحزب المدني بدلاً من القبيلة. اعتقد أن حاجة الحزب والشيخ إلى إعادة الأمور إلى سياقها الطبيعي أكثر من حاجتهم إلى الخروج إلى الشارع أو استجداء السلطة من الأمم المتحدة. |