في ظلال أعياد الثورة اليمنية يأتي الاحتفال بأعياد الثورة اليمنية سبتمبر - أكتوبر هذا العام مختلفاً فقد سبقته الانتخابات الرئاسية والمحلية بكل ما رافقها من حوارات ساخنة ومنافسة غير مسبوقة ليس علي مستوي بلادنا وحدها وإنما علي مستوي الوطن العربي بأقطاره كافة. وبالرغم مما يقال وسيقال فقد أكدت هذه الانتخابات- بما لا يدع مجالاً للشك- أن الوطن يتحرك ولا يعرف السكون والجمود وأن الثورة التي تجذرت في وجدان الشعب قد صارت- بأهدافها الاستراتيجية- جزءاً من حياته فقد قاومت وانتصرت رغم أن أغلب أعدائها هم من أبنائها الذين لم يفرقوا بين الثابت والعابر، وبين الثورة والنظام الذي يمثلها، لذلك فكل من يغضب من مسؤول أو لا تعجبه تصرفات سلطة معينة يصب جام غضبه علي الثورة كأنها- وهي الجزء المضيء من تاريخنا الحديث- مسؤولة عن كل تصرف لا يعجب هذا أو ذاك. وتبقي الثورة دائماً كالأم الرؤوم تغفر لأبنائها خطاياهم وأخطاءهم وشطحاتهم وتدرك أن النزق طبيعة بشرية وأنه وراء العقوق والعصيان الذي تفصح عنه الكلمات كما أنه وحده الذي يجعل هؤلاء الأبناء يفقدون أعصابهم عند كل منعطف عام أو خاص فتبدر منهم بوادر السخط التي لا مبرر لها، وعندما تهدأ ثورة الغضب ويدرك بعض هؤلاء خطأهم فإنهم لا يترددون عن إبداء ندمهم واسترداد مواقفهم الوطنية مقدرين الانجاز الكبير الذي صنعته الثورة في حياتهم وحياة الوطن والمواطنين رغم كل المعوقات التي زرعها الأعداء في طريقها منذ اليوم الأول وإلي تاريخ كتابة هذه السطور. وبالمناسبة، فإنه لا يعرف أهمية التغيير الذي أحدثته الثورة في العقول وفي الواقع وضرورته القصوي إلا الجيل الذي عاني وقاسي وتعذب، أما هؤلاء الشبان الذين يركبون السيارات والباصات التي تسير علي الطريق المسفلت في المدينة والذين يسافرون في بلادهم شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً علي الطائرات والسيارات ويصلون إلي مدنهم أو قراهم في أقل وقت ودون تعب. فإنهم لا يمكن أن يتصوروا مدي التغير وكيف كنا نقطع المسافات بين مدينة وأخري علي الحمير أياماً. ونحن لا نريد لهم- معاذ الله- أن يشهدوا يوماً واحداً من أيام ما قبل الثورة أو أن يعودوا إلي ذلك الزمن الكريه لكي يدركوا الفارق الذي يستطيع الأعمي أن يراه وإذا لم يستطع أن يراه فإن في استطاعته أن يتحسسه فكيف بالمبصر الذي يري ويشهد ويطالب بالمزيد والمزيد. لقد طوت الثورة أرخبيلاً من المشكلات وعانت في طريقها الطويل من اللصوص وقطاع الطرق. ومن الأعداء السافرين الذين لم يدعوا حيلة ولا وسيلة إلا واستخدموها لإيقاف المسيرة لكنها استطاعت بعون من الله وحده أن تحقق كل يوم انجازاً صغيراً يضاف إلي انجاز صغير ليتكون بذلك هذا الانجاز الكبير بكل المقاييس. ودليل ذلك هذه الاشارة عن صورة اليمن الذي كان عبر تقييم محايد أورده الاستاذ محمد حسنين هيكل في كتابه سنوات الغليان نقلاً عن تصريح مشهور لرئيس بعثة السلام في السنوات الأولي للثورة السيد رالف بانش الذي يقول: لقد كنت أتصور أنني رأيت أسوأ صور التخلف في الكونغو، ولكن ما رأيته هنا في اليمن أقنعني بأن هناك ما هو أسوأ من التخلف في الكونغو ! وحديث شاهد العيان هذا ما هو إلا واحد من عشرات بل مئات الأحاديث لشهود عيان هالهم ما كان عليه واقع بلادنا-يومئذ- من تخلف وانحطاط، ولأن التركة، تركة التخلف كانت كبيرة وثقيلة فإن آثارها ستبقي لسنوات وسنوات وهو ما يستدعي العمل الدؤوب من كل المخلصين والشرفاء - وهم والحمد لله كثر- والذين يؤمنون بأن عاقبة النضال الطويل النصر والتقدم. تأملات شعرية: سوف أنسي المرارات حين يطالعني وجه فاتنتي أستعيد المسرات بالقلب والروح، أذكر بعض وجوه الرفاق وأسكن في زمن أمسك القلب فيه خيوطاً من الضوء أصغي إلي لغة في صفاء المياه وفي لون شمس الشباب. (الراية القطرية) |