قراءة في المشهد السياسي..د. فضل الربيعي الحراك السياسي الذي يشهد مجتمعنا اليوم يستدعي القراءة المعمقة والموضوعية بعيداً عن المكايدة حتى نصل إلى تحديد وفهم ما ينبغي القيام به تجاه المصلحة العليا للوطن متجاوزين المصالح الجزئية وصرعات الماضي. فعند الحديث عن السياسة والانتخابات دون شك سوف نتطرق لتلك القوى السياسية التي تبلورت في الساحة اليمنية وخاضت العملية الانتخابية المتمثلة في المؤتمر الشعبي العام "الحزب الحاكم" وأحزاب اللقاء المشترك، وأين يقف الناخب والسياسي منها. في السياسة تتجلى حقائق الأمور في باطنها وليس في ظاهرها ؛ إذ يبدو أن البعض من الساسة قد درج على منهج المغالطة والمزايدة والمناكفة السياسية فليس بمقدورهم التعامل مع الواقع إلا من هذه الزوايا، إذاً ما هي حقيقة المشترك أو أحزاب اللقاء المشترك؟وما هو مشروعهم السياسي الذين أطلقوا عليه مشروع الإصلاح السياسي والاقتصادي الشامل؟ الذي جاء منه البرنامج الانتخابي للمشترك . دعونا نفتش في مكونات وخلفيات المشترك. المشترك من حيث التسمية والمشترك من حيث الرؤى والمواقف. فالمواقف قد سبقت اللقاء الذي جاء بالتسمية ببضعة سنوات فهو مشترك لمواقف ورؤى سابقة وحاضرة ولاحقة ربما، فتعود إلى فترة ما قبل قيام الوحدة اليمنية 1990م، إذا ما رجعنا إلى الخلفيات الثقافية والاجتماعية لعدد من هذه الأحزاب أو بالأحرى للقيادات التي تتربع على هذا التكوين السياسي المسمى (المشترك) بغض النظر عن اختلافهم الأيدلوجي والسياسي السابق. اذ أن الخلفية الاجتماعية أو الجهوية واحدة لهذا التكوين والتي سبق لها أن رفعنت شعارات ومشاريع عديدة لمحاولة التغيير أي تغير السلطة. بعد تحقيق الوحدة اليمنية في العام 1990م بإرادة سياسية وجماهيرية تمثلت القيادة السياسية بالمؤتمر الشعبي العام والقوى الاجتماعية التي أسندته في الشمال ، حيث يقف الرئيس علي عبدالله صالح، وعبدالكريم الارياني، والشيخ عبدالله الأحمر، والشيخ المطري، وعبدا لعزيز عبدالغني، ويحيى المتوكل و مجاهد ابو شوارب، وسنان أبو لحوم وغيرهم من الموز الوطنية في مقدمة من أقدموا على هذا الإنجاز. وفي المقابل الأخرى تمثلت القيادة السياسية الجنوبية بالحزب الاشتراكي اليمني وقياداته وكان علي سالم البيض، وحيدر العطاس، وسالم صالح ، ومحمد حيدره مسدوس، وهيثم قاسم، وصالح عبيد، وزنقل وغيرهم من الرموز القيادية السابقة مثل علي ناصر محمد، وأحمد مساعد حسين، ومحمد علي أحمد، وعلي منصور رشيد تسندهم جماهير الشعب في مقدمة من صنعوا هذا الحدث . ونحن نعرف الاعتراضات الضمنية ضد الوحدة والتي أبداها البعض كأشخاص أو قوى سياسية هنا وهناك في تلك الفترة. وعملت على بث التشكيك بين قيادة الوحدة منذ الوهلة الأولى لقيامها، ونتذكر تماماً ما أمطرته عدد من الصحف حينها والتصريحات التي كانت تطرح الانتقادات التي تشير للقسمة على اثنين بوصفها الخطأ الفادح في الوحدة. وعملت قوى سياسية على خلق الفتنة بين الشريكين وتأجيج الوضع وكان على رأس هذه القوى جناح في التجمع اليمني للإصلاح وبعض من الأحزاب المنطوية اليوم تحت يافطة المشترك. صار ما صار حتى ظهر التحالف بعد حرب 1994م بين قوى المعارضة وهو ما سمي بمجلس التنسيق - بين أحزاب المعارضة - باستثناء حزبي الرابطة والتجمع الوحدوي، وقد أطلعنا على تلك الأسباب كما تحدث عنها أكثر من مرة الشهيد عمر الجاوي حينها. ثم تقدمت هذه الأحزاب نحو تجاذب التجمع اليمني للإصلاح بعد خروجه من السلطة 1997م حتى جاءت انتخابات المجالس المحلية 2001م والتي أدت إلى صدام مسلح في بعض المناطق مثل تعز وإب.الأمر الذي دفع بمهندسي اللقاء المشترك إلى ضرورة التحالف بينهم لتأسيس معارضة قوية تنال من السلطة، وهنا ظهر المشترك ، وقد تبين لها أن أول هذا التأسيس هو تحقيق المصالحة بين قوى اليسار ممثلة بفرع الحزب الاشتراكي وحزب الإخوان المسلمين الذين وجدوا أنفسهم بحسب تعبير أحدهم أنهم كانوا مخدوعين فتقاتلوا لمصلحة السلطة، وقد تبين لهم ضرورة التحالف الاجتماعي بغالب سياسي لاسيما وأن الأوضاع العامة قد هيئت لهذا التحالف الذي تتسع رقعته على عموم الوطن والاستئثار بهذا الوضع باتجاه إسقاط النظام بمشروعهم التغييري الديمقراطي. لاسيما وأن تحالف الحزب الاشتراكي اليمني والتجمع اليمني للإصلاح "أعداء الأمس" حلفاء اليوم قد يعزز من هذا الدور فضلاً عن قوى سياسية أخرى كالناصريين والبعثيين واتحاد القوى الشعبية وجميعهم يلتقون في موقفهم ضد السلطة السياسية ورئيس الجمهورية، وليس الهم الوطني كما قد يبدو للبعض. ففي العام الماضي وهو العام الذي أطلق به المشترك رؤيته الإصلاحية للنظام السياسي بوصفها المدخل والمنقذ للأوضاع في اليمن كما عبروا عنه. وكنت قد كتبت مقالة مطولة قرأة لمضامين وأبعاد هذا المشروع ونشرتها صحيفة الأيام حينها. يبدوا مشروع الإصلاح السياسي في ظاهره مشروع وطني كما أسموه وفي باطنه ما ينافي ذلك فهو محمل بمواقف عدوانية لترسبات ماضية عند البعض من النخب السياسية . حيث كان المشروع قد استهل بديباجة مطولة صبت نارها على مؤسسة الرئاسة وعلى شخص رئيس الجمهورية، واصيق المشروع بعبارات عمومية مطاطه وفبركة مدروسة مخادعة للعامة حتى إذا ما أردت مناقشتها مع الآخرين فصبوا غضبهم عليك واعتبروك منافق للسلطة، ولكن بمجرد أن تنقلهم إلى مخابا وخفايا اللغة والأسلوب الذي صيغ به المشروع فسرعان ما تتغير مواقفهم. كان قادة المشترك عند تسويقهم للمشروع قد قاموا في جولة لبعض المحافظات ويبدو أن محافظة عدن كانت محطتهم الأولى وقد صادفت أن احضر بعض من تلك اللقاءات التي قابلت بها شخصيات قيادية من المشترك - أكن لهم كل الاحترام- وبرفقتهم بعض من ممثلي السلك الديبلوماسي في بلادنا ، إذ يبدو أن ندوة الحوار الأوروبي العربي الذي عقدت في عدن في نهاية العام الماضي كانت بمثابة المكان المناسب التي منها واصلت قيادات في المشترك وثلة من الكتاب والسياسيين الذين حضروا هذه الندوة لقاءاتهم المكثفة في تسويق مشروعهم هذا في عدن كما هو في أماكن أخرى حيث شملت لقاءاتهم تلك بعض من المنتديات الشعبية التي تتميز بها عدن، وقد دارت حوارات مطولة معهم عن المشروع الذين يحاولون إقناع الناس هنا من أن المشترك وحده القادر على تخليصهم من المظالم التي وقعت عليهم عبر مشروعهم الإصلاحي وهذا بالفعل ما ترسخ لدى البعض في الجنوب، الا ان المفاجئة التي قابلها هؤلاء هي أن كثيرا من الشباب من الجيل الثاني ممن هم محسوبين على المعارضة باطروحاتهم التي تدور حول هراء هذا المشروع وأن المشكلة أعمق من ما يطرحها المشترك وأكدوا حاجتهم إلى مشاريع نهضوية وليس مشاريع حكم، ورفضهم استغلال وضع الناس في هذه المحافظات لصالح حسابات ضيقة. وقد طلب هؤلاء الشباب من قيادة التجمع اليمني للإصلاح والمشترك أن يقدمون اعتذارهم عن الفتوى التي نشرت في حرب 1994م بحقهم ولو على الأقل بصحفهم الحزبية اذا كانوا صادقين . رغم التبرير لم يقتنع هؤلاء التي كانت اطروحاتهم أهم حرص من مشروعهم على الوحدة وذلك من زوايا أبعد ما يطرحونها، فقد فوجئنا بمصارحتهم تلك التي ترجع المشكلة في اليمن برمتها هي عند الحاكم الأسرة الحاكمة بحسب تعبيرهم وكما يقولون راس النظام فإذا ما أطيح بهذا النظام صلحت كل الأمور في اليمن.والحقيقة كلام في منتهى الحقد والخطورة معاً ، حينها تبين لنا بأن هذا المشروع هو مشروع غير واقعي مخيف قد يؤدي للمجهول وان كان ظاهرة الإصلاح، وقد تبين ذلك بما لا يدع مجال للشك من متابعة الأمور التي تواصلت خلال الفترة الماضية بما فيها علاقتهم بالخارج (راجع راجع مقالة عبد الجبار سعد الوسط العدد 120) وصارت الأمور لتوحي أن الوقت لصالحهم ومشروعهم التغييري والمدعم بقرار دخولهم الانتخابات الرئاسية والمحلية بصورة مشتركة وتابعنا عبر صفحات الجرائد التابعة لأحزاب المشترك من أن التغييرات بقيادتهم والتغيير الذي حصروه في تغيير الرئيس في الوقت الذي تنبه الكثيرين لخطورة هذا التغيير على مستقبل اليمن، وقد عبرت عنه قوى وشخصيات عديدة وقالت رأيها في الوقت المناسب قبل إشعال الحريق ، على سبيل المثال أقدمت مجموعة من الشباب في عدن على تأسيس أسميناه تكتل المستقلين من أجل التغيير والتنمية - تحت التأسيس - قبل بضعة اشهر وذلك لبناء موقف في الانتخابات حتى جاء إعلان تيار المستقبل قبل الانتخابات بأكثر من شهر الذي كان واضح برؤيته في بيان الإشهار والتي تتفق مع رؤيتنا في التكتل وسارعنا للتحاور مع قيادة هذا التيار في صنعاء في شهر أغسطس الماضي وخرجنا باتفاق للعمل معاً ضمن تيار المستقبل وأجرينا عدد من المحاضرات والندوات التي تتحدث عن أهمية الانتخابات والمراهنة على الأخ رئيس الجمهورية بكل وضوح وسارت الحملة الانتخابية على أكمل وجه وتفاعل معها المجتمع بكامله وظهرت فيها روح المنافسة وحاول الطرفان الرئيسان المؤتمر والمشترك جر المجتمع معهم؛ إذ يبدو في الوهلة الأولى قوة المشترك والتي تمثلت في الحشود الجماهيرية الكبيرة في مهرجانات فيصل بن شملان ، كما كان الشاب الطموح حميد الأحمر قد أعطى للمشترك دفعة قوية بمواقفه المعلنة وانتقاداته السلطة ومعروف ان الأحزاب المشترك إذا ما استثنينا حزب الإصلاح الذي ينتمي إليه حميد الأحمر قد دابة على مهاجمة القبيلة حينها وقعت في تناقض كبير . لقد كانت اللقاءات التي يعقدها قادة المشترك في شارع هائل أو في الصافية لا تتعدى مجرد شله من الأصدقاء أبناء القرية فتخيل لهم أن تكون هذه اللقاءات منقذة للوطن وتقود إلى التغيير ولاسيما وقد استطاعوا جذب شخصيات مهمة إليهم كشخص حميد الأحمر الذي ينتمي إلى قبيلة مهمة وأسرة لها مكانة ودور بارز في العمل الوطني، ثم إن اختيارهم لشخصية وطنية نزيهة مثل فيصل بن شملان لخوض الانتخابات وكيلاً باسمهم، الأمر الذي خيل للجمعنة السياسية بلغة علم الاجتماع " ألأصدقاء الأعداء قد مسكوا بمفاتيح التغيير، و أنها الفرصة الوحيدة لإسقاط السلطة، لاسيما وقد اتسعت دائرة السخط من النظام ليشمل كل الوطن من صعدة حتى المهرة مراهنين على حرب صعدة وحرب 1994م وحرب الإرهاب وفقراء الحديدة وبطالة الشباب ومرارة الجرع السعرية وأوضاع الموقوفون عن العمل في المحافظات الجنوبية جميعها كفيلة بسقوط النظام ديمقراطياً، وظنوا أنهم لوحدهم القادرين على قراءة الواقع بهذه الطريقة وأن الآخرين لا يفهموهم إلا هكذا. والحقيقة أن ايجابية الانتخابات هذه ومكانها كانت كبيرة لا تحصى غيرت كثير من الاعتقادات والفرضيات الخاطئة وخلخلة كثير من الأمور والأفكار وإعادة الكثير إلى مراجعة حساباتهم وأظهرت ممن تمكنهم الحقد للوطن وللوحدة، وبينة المعادن الصحيحة للرجال وأثبتت عظمة وحنكة وشخصية الرئيس علي عبدالله صالح. الذي كان أول من تفهم لذلك كما أظهرته خطاباته الواقعية والرد الذكي على مزايدات خطاب المشترك . حيث لم نجد مجال لذكر الانفصال والانفصاليين في خطاباته وأخذ وبجدية طرح القضايا الحساسة بجرأة لمحاربة الفاسدين والمتنفذين ومعالجة كل قضايا الموقوفين والعائدين احس الناس بجدية هذا الطرح ، على العكس كان خطاب المشترك الذي أتسم بالثورية ودغدغت عواطف العامة وإنكار كل شيء وأرجع أسباب التخلف والأزمات والفقر والبطالة إلى رئيس الجمهورية وحمل الرئيس كل الأخطاء خلال 28 سنة في الوقت الذي كانوا ضمن مراحل كثيرة جزء من منظومة الحاكم ويدعون للتغيير؛ وتبادر إلى ذهن الناخب التساءل عن من هي القوى الداعية للتغير، فهل يعقل أن تلوث القوى السلفية والقبلية هي حاملة لواء التغيير!، وأجاب المواطن عنها بنفسه في التصويت في العشرين من سبتمبر الماضي عندما أدرك خطورة هذا الخطاب غير الواقعي. إننا بحاجة إلى خطاب واقعي يتجاذب الجوانب الايجابية عند السلطة والحاكم وينتقد الجوانب السلبية عنده وعند الآخر. لقد أفضت نتائج الانتخابات الحالية إلى سدل الستار عن أمور كثيرة في الحياة السياسية أولها أكدت بما لا يدع مجال للشك على الأتي : - إن المجتمع واعي أكثر من فرضياتنا عنه قبل الانتخابات. - هشاشة النخب السياسية ، وأن التحزب على أسس فئوية وجهوية وطائفية وانتقامية لا يمكن أن تؤدي إلى تغييرا لمجتمع وتطويره . - أكدت ضرورة إعادة التأطير السياسي في اليمن بما يساعد على تفعيل العملية السياسية على أسس وطنية قادرة على إحداث تغيير حقيقي لمصلحة الوطن. - ترسيخ الوحدة الوطنية بتحالف المجتمع بكل فئاته وأحزابه. - إن مصدر الخيارات هو الداخل أولاً وأخيراً. - التمسك بالوحدة اليمنية وإعادة روحها الذي نبع مع قيامها في 1990م. - بينة إن التحالفات المبينة على خلفيات التناقضات لا تستمر ولا تفضي إلى تحقيق مكاسب وطنية. |