|
مدرسة الجلالية العليا.. اختصار مرهق لتاريخ عظيم حتماً ستخرج من الجامع الكبير بإب مثقلاً بالحزن والتذمر، تبحث عن أقرب مكان لتفريغ أحزانك، ربما يكون منتزه (جبل ربي) مكاناً مناسباً، لكن قدميك ستبدأ الدخول في دوامة الأروقة في مدينة إب القديمة، و ( من بخته البرد لو يدفى بشمله) فأنت لم تقرأ طالع برجك جيداً هذا اليوم، فالحزن عليك هو المكتوب، والأروقة المتداخلة أوصلتك إلى أمام (مدرسة الجلالية العليا). (يا الله علام كل هذا التذمر، أنت الآن أمام بيت من بيوت الله ترجل عن صهوة الحزن، وأقرأ ما تيسر من معالم هذا الصرح العظيم أنظر إلى تلك المنارة السامقة كيف تتسامى وتعلو نحو أفق جميل.. سماء زرقاء مرصعة بالسحب البيضاء، تشبه شاطئاً مسترخياً عند أقدام جزيرة منسية.. مدرسة الجلالية أيضاً منسية) بهذه العبارة الرومانسية والطويلة وقفت أحدث نفسي، أملاً باكتشاف شيء يثلج الصدر ويسر الخاطر... كانت بداية طيبة أن أبدأ بقراءة تلك العبارة المكتوبة على مدخل باب مدرسة الجلالية العليا (بسم الله الرحمن الرحيم، أدخلوها بسلام آمنين. كان الفراغ من عمارة هذه المدرسة المباركة الجلالية في العاشر من شهر صفر أحد شهور سنة خمس عشرة وثمانمائة للهجرة). اختصارات مرهقة ومدرسة الجلالية من الداخل عبارة عن صرح مكشوف رصف بأحجار الحبش وفي مقدمته غرفة صغيرة يسكنها قيم الجامع، وفي مقدمة الصرح غرفتان متساويتان الأولى مسقوفة بالخشب والأخرى مسقوفه بالزنك، وعلى الجهة الشرقية للصحن تنتصب منارة رائعة المنظر، محكمة التصميم تتكون من قاعدة مربعة يعلوها بدن مضلع زين بزخارف هندسية عملت من الجص والآجر، وينتهي بدنها بشرقة يعلوها بدن مضلع يفتح منه مدخل صغير، ويتوج المئذنة من الأعلى قبة مصلعة مما جعلها شامخة البنيان، وجميلة التصميم. سألت قيم الجامع عن مدرسة الجلالية ذات الصيت التاريخي الكبير، فأشار بيده نحو الغرفة المسقوفة، ظننتها مدخلاً إلى رحاب المدرسة (الجامع حالياً) تقدمت نحوها فوجدت محراباً صغيراً، دون منبر وعمودين طويلين لاحاجة لهما، فليس هناك سقف كبير يتطلب الاتكاء على هذين العمودين. قبل أن أعيد سؤالي مرة أخرى، قال لي القيم هذا كل ما تبقى من المدرسة الجلالية العليا، قالها مرة أخرى وهو يشير بيده إلى حيث لا سعة في المكان ولا نقوش قديمة ولا منبر، ولا مكتبة، ولا مدرسة، وليس سوى بطون كتب التاريخ تحكي عن مدرسة علمية، دينية كانت هنا. المدرسة الآن هذه الغرفة أو بيت الصلاة- كما تسمى- هي ما تبقى من المدرسة وبيت الصلاة هذه عبارة عن مبنى مربع الشكل تقريبا فتح في جداره الجنوبي مدخل يغلق عليه فردتان من الخشب ويفضي المدخل إلى بيت الصلاة وفيها عمودان مفلطحان لهما تيجان ناقوسية تحتمل السقف بواسطة عتب من الأسمنت عمل حديثا فكان نشازا شوه شكل المبنى، وقد زين السقف بمصندقات خشبية، رتبت حشواته بزخارف متعددة ما بين النباتية والهندسية والكتابية، ويتصدر جدار القبلة محراب، وهو عبارة عن منحنى داخلي الجدار زين بزخارف كتابية ونباتية، وفتح في كلا من الجدار الشرقي والغربي والقبلي نافذتين صغيرتين. نبذة تاريخية: سميت مدرسة الجلالية بهذا الاسم نسبة إلى جلال الدين الجلال بن محمد بن أبي بكر السيري شيخ مخلاف بعدان وهو من أعيان نهاية المئة الثامنة وبداية المئة التاسعة للهجرة، وقد أمر جلال الدين ببناء مدرسة الجلالية سنة خمس عشرة وثمانمائة للهجرة. وذكر الخزرجي في العسجد المسبوك والعقود اللؤلؤية في أخبار سنة 775هـ فقال (وفي شهر ذي الحجة من السنة المذكورة، قتل الشيخ أبو بكر بن معوضة السيري (جد جلال الدين) صاحب بعدان غيلة على فراشه، واجتز رأسه وحمل إلى حضرة السلطان (الملك الأفضل) وكان أحد رجال الدهر وأفراد العصر عزماً وحزماً وهو الذي استولى على حصون بعدان ونزع يد الملك عن الطاعة). علماء تخرجوا في الجلالية وتحكي كتب التاريخ أن عدد غير قليل من العلماء والفقهاء قد درسوا ودرسوا في مدرسة الجلالية العليا وسط مدينة إب القديمة. فهذا كتاب (المدارس الإسلامية في اليمن) للقاضي إسماعيل الأكوع يحكي أن: - القاضي العالم الصالح وجيه الدين عبدالرحمن بن محمد النحواني دّرس في الجلالية وكان إماماً وخطيباً لجامع إب. - ودرّس بها الفقيه عثمان بن عمر بن أبي بكر الناشري. - ورتب بالجلالية إماماً المقرئ الصالح العلامة المكفوف البصير تقي الدين معوضة بن حسن العنسي. وكان رجلاً صالحاً، مقرئاً مفتوحاً عليه بكثير من العلوم. وقد ظل على الطريقة المحمودة من التدريس والعبادة إلى أن توفي بها في شهر جمادي الآخرة من سنة 820 هجرية. - ورتب بالجلالية إماماً الفقيه محمد بن عبدالله الحجري. وقد وفد إلى مدينة إب لطلب العلم الشريف فقرأ على المقرئ معوضة بن حسن العنسي، ثم رتب إماماً بالمدرسة الجلالية بعد وفاة شيخه المذكور. وكان حسن الصوت، طيب القراء، لين القلب، مجتهداً في العبادة إلى أن توفي سنة 827 هجرية. - ورتب بالجلالية إماماً المقرئ عثمان بن احمد وكان فاضلاً نحوياً، حسن القراءة، دأبه النساخة، ومعظم قوته منها، وهو من قرية السلامة (من تهامة) وتوفي سنة 832 هجرية. - ورتب بالجلالية إماماً القاضي تقي الدين عمر بن محمد بن علي المسلمي المشهور باليريمي، ولكنه سرعان ما انتقل إلى تعز لأخذ العلم عن الإمام شمس الدين الجزري والقاضي تقي الدين الشريف القاسمي في الحديث والتفسير وأوكل إليه القضاء في تعز ثم انفصل عنه، ثم تولاه في الجند وتوفي هناك في 19 صفر سنة 828 هجرية. - وكان يقوم بأمور الرباط الملحق بالمدرسة الجلالية الشيخ وجيه الدين عبدالرحمن بن عبدالصمد الضمري فأقام في المدرسة فترة يسيرة ثم توفي بها سنة 836 هجرية. - وكان يقيم بهذا الرباط الشيخ صارم الدين داود بن صالح المصنف وسلك مسلك الصوفية وانقطع للعبادة والذكر، ثم انتقل إلى الفراوي، ومات بها سنة 835 هجرية. تساؤل مشروع من يصدق أن مدرسة الجلالية العليا ذا الصيت التاريخي الواسع لم يبق منها سوى غرفة (بيت الصلاة) ومساحتها لا تزيد عن (6×7) أمتار؟! وهل تعرف وزارة الأوقاف والإرشاد أن مساجداً تاريخية عظيمة في إب قد هجرها الناس، وضاعت مساحتها، وأصبحت أضيق من غرف النوم مثل جامع السني، والشيخ موسى؟! |