الأربعاء, 27-نوفمبر-2024 الساعة: 08:43 م - آخر تحديث: 08:17 م (17: 05) بتوقيت غرينتش      بحث متقدم
إقرأ في المؤتمر نت
30 نوفمبر.. عنوان الكرامة والوحدة
صادق‮ ‬بن‮ ‬أمين‮ ‬أبوراس - رئيس‮ ‬المؤتمر‮ ‬الشعبي‮ ‬العام
ذكرى الاستقلال.. وكسر معادلات الطغيان
قاسم‮ محمد ‬لبوزة‮*
الذكرى السنوية للاستقلال الوطني من الاحتلال البريطاني البغيض
أ.د عبدالعزيز صالح بن حبتور
ثورة الـ "14" من أكتوبر عنوان السيادة والاستقلال والوحدة
بقلم/ يحيى علي الراعي*
زخم الثورة وحاجته لسلوكٍ ثوري
إياد فاضل*
خواطر في ذكرى تأسيس الموتمر الشعبي العام
د. أبو بكر عبدالله القربي
المؤتمر الشعبي رائد البناء والتنمية والوحدة
عبدالسلام الدباء*
شجون وطنية ومؤتمرية في ذكرى التأسيس
أحمد الكحلاني*
ليبارك الله المؤتمر
راسل القرشي
ميلاد وطن
نبيل سلام الحمادي*
رؤية وطنية تلبّي احتياجات الشعب
أحلام البريهي*
المؤتمر.. حضور وشعبية
أحمد العشاري*
كتب ودراسات
المؤتمر نت - .
بقلم : ماضي الخميس* -
إعلام السلطة وسلطة الإعلام
" إن الدور الرئيسي للإعلام, هو أن يفهم ويعبر عن الرأي العام السائد .. وأن يخلق فكرا أو رأيا معينا لدى الجماهير .. ثم يفضح – وبلا خوف- كل الأخطاء !!".
غاندي- مؤسس الهند الحديثة

******


نشأة وتطور الإعلام

لعب الإعلام دورا كبيرا ومهما في حياة الشعوب والأمم منذ نشأة التاريخ.. والإعلام وسيلة اتصالية تناقل استخدامها عبر العصور, فلو عدنا للحضارات الإنسانية القديمة وما وصل إلينا من مخلفاتها سنجد أنهم استخدموا الإعلام في علاقاتهم وفي تسيير شئونهم وفي توثيق مناحي حياتهم وهذا ما نجده جليا في الحضارة الفرعونية على سبيل المثال التي خلفت لنا أرثا مليئا بالمعلومات ما زال العلم الحديث رغم قفزاته الهائلة حائرا أمام فك بعض رموزها وطلاسمها.

وإذا تبنينا التفسير الإعلامي للتاريخ, وهو التفسير الذي ينظر إلى التطور الاجتماعي للبشرية على ضوء تطور وسائل الإعلام, بمعنى أن تطور وسائل الإعلام يعتبر العامل الرئيسي في إحداث التطور الاجتماعي للبشرية, وأنه كما يوجد التفسير المادي للتاريخ كما هو شأن الماركسية, وكما يوجد التفسير السيكولوجي للتاريخ, كما هو شأن الفرويدية, فهناك أيضا التفسير الإعلامي للتاريخ, وهو التفسير الذي يقسم التطور الاجتماعي تبعا لمراحل تطور الإعلام, فهناك المرحلة السمعية في التاريخ ( النفخ في الأبواق والمنادين ) ثم المرحلة الخطية ( النقش و الرسم على جدران المقابر والمعابد والقصور والكتابة المنسوخة على الجلود أو الورق ) ثم المرحلة الطباعية ( الصحف ) وأخيرا المرحلة الإلكترونية ( الراديو والتلفزيون والفيديو واستخدامات الكمبيوتر والأقمار الصناعية في الإعلام ).(1)
ونستطيع القول إنه منذ بدأ أول حوار بشري بين شخصين أو طرفين وهما آدم وحواء تكونت أول عملية إعلامية واتصالية بين طرفين تم خلالها إما نقل أفكار من طرف لطرف آخر أو تبادل معلومات.
وبذلك يمكننا أن نقول بما لا يدع مجالا للشك أو الريبة إن الإعلام هو أول علم تم استخدامه بين بني البشر ومن ثَمَّ فهو أبو العلوم.
إذا هل يمكننا أن نتعامل مع الإعلام كسبب رئيسي لجميع مشاكلنا بدءا من الحوار الأول الذي دار بين آدم وحواء – عليهما السلام- حول أكل التفاحة والتي بسببها أخرجهما الله من الجنة؟ ومرورا بالدور الشرير الذي يلعبه الإعلام في تسيير حياتنا .
أم نعتبر الإعلام هو جسر الخير الذي عن طريقه انتقل العلم والتكنولوجيا لنصل إلى ما نحن فيه من تقدم ورقي؟
هل ساهم الإعلام في صنع الأشرار؟ أم أنه قادر على إيجاد الملائكة؟ هذا هو السؤال؟


حريات(2)

يقول المفكر الفرنسي فولتير (1694 – 1778) " ما رأيت شيئا يسوق الناس إلى الحرية بعنف .. مثل الطغيان ".
إن الحرية في المعجم العربي الأساسي: تعني حالة الكائن الحي الذي لا يخضع لقهر أو غلبة, ويفعل طبقا لإرادته وطبيعته.(3)
والحرية بالمعنى البيولوجي: هي فقدان الإرغام والقهر. وبالمعنى النفسي: هي القدرة على الاختيار, بينما يقول أفلاطون:( إننا لا نعني الحرية حين تقع تحت وطأة الرغبات). ويرى كانت kant :( أن الحرية هي قانون العقل ). ويشير فيخته :fichte (إلى أن الحرية هي استقلالية الذات وتحقيق سعادة الإنسان ). ويؤكد ديكارت: ( أن حرية اللامبالاة هي أدنى أنواع الحرية). ومن ثمة فإن الحرية هي وجود إنساني وفعل إنساني ولا حرية إلا بالنضال, أي بتحقيق الذات. وانتزاع الحرية من براثن الأفكار والسذاجة والجهالة.(4)
وللإنسان تاريخ طويل في نضاله لأجل حريته منذ آلاف السنين.

وقد عرف المصريون القدماء حرية الرأي, ومارسوها رغم طغيان ملوك الفراعنة, حيث كان الملك هو مصدر السلطات وأصل التشريع وبيت العدل والقضاء.
وللحرية في الإسلام مكانة كبيرة ، وتعتبر عامل أساسي من حقوق الإنسان.
ففي الحديث الشريف : " الحق ثقيل، فمن قصر عنه عجز، ومن جاوزه ظلم، ومن انتهى إليه فقد اكتفى ".

والحرية في الشريعة الإسلامية أصل عام يمتد إلى كل مجالات الحياة, فليس هناك حرية من الحريات لا تعرفها, وليس هناك حرية تدعو إليها الحاجة مستقبلا وتقف الشريعة الإسلامية عقبة في سبيل التمتع بها ومزاولتها.(5)
كما أن الحرية قيمة إسلامية ملزمة, كفلها الإسلام للإنسان منذ كان, حتى عدت فطرة مما فطر الله الإنسان عليها, تؤكدها سيرة رسل الله جميعها وتثبتها نصوص القرآن والسنة. والحرية السياسية في الإسلام فرع لأصل عام هو حرية الاختيار.(6) ففي الحديث الشريف ( لا يكون أحدكم إمعه يقول مع الناس: ان أحسن الناس أحسنت, وان أساءوا أسأت....).(7) ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر).(8)

وتضمنت الشريعة الإسلامية مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وعدم السكوت عن معصية, بل وتجنب المنكر سواء باليد أو باللسان أو بالقلب عن طريق الاستنكار.(9) ويقول تعالى في سورة التوبة ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر).

ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم (إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه) والشريعة الإسلامية في تقريرها للحرية لا تعني إطلاق هذه الحرية بغير قيود أو حدود, فالحرية تعني أن تجد حدا لها فيما يكفل لكل فرد أن يتمتع بحريته إزاء أخيه, وتجد حدا لها فيما يكفل لمصالح المجتمع ألا تتعرض للخطر.(10)

وبقدر ما التزمت الدولة الإسلامية بالحرية والاجتهاد والتسامح, بقدر ما تقدمت وصارت عواصمها منارة للفكر والعلم. وبقدر ما انتهكت هذه المبادئ بقدر ما تراجعت وتفككت وانهارت.

كما ارتبط هذا التراجع بجمود الفكر الإسلامي, وتوقف الاجتهاد, وتقاعس المفكرين والدعاة عن تأسيس نظريات إسلامية جديدة تواكب تحديات العصر.

ولا ينبغي أن تغيب عن أذهان الدعاة الى حرية سياسية وفكرية تستند الى الاسلام, حقيقة يشهد بها تاريخ البشرية في مختلف أديانها : ان أسوأ صور الظلم وأفدحها, وأبشع حالات الطغيان وأقساها, ما كان مستندا الى نظرة دينية يساء فيها استخدام نصوص الدين الصحيحة بتأويلها على وفق أهواء الظالمين, أو يدس على الدين ما ليس منه لتحقيق نزواتهم والقضاء على خصومهم.(11)

ان الحرية حق مكتسب للانسان, وهي جزء من تكوينه الذي خلقه الله – عز وجل – به, لا يمكن ان يستغني عنها أو يتنازل عن حقه بها. والتاريخ أورد لنا العديد من الأمثلة عن صراع الإنسان لأجل حريته, واستعداده لبذل كافة السبل لنيلها والحصول عليها مهما كانت النتائج او بلغ حجم التضحية.

ومما يتضح كذلك أن الحرية قائمة على أساس فكري, وان أصحاب الفكر والرأي والثقافة لعبوا دورا مهما في تنوير الشعوب بحقوقها, وتوضيح مدى أهمية الحرية في تطور الانسان ورفعته.

وهنا يتبادر الى الذهن سؤال : لماذا تخشى السلطة من الحرية؟ وما هي أسباب الصراع الدائم بين الحرية والسلطة؟

ولدينا العديد من الأمثلة لمعارك خاضها مفكرون ومثقفون تحت لواء الحرية ضد حكوماتهم, وكذلك هنالك نماذج لمعارك كثيرة بين دعاة الحرية والسلطة, ونماذج أخرى لشخصيات استطاعت السلطة إغواءهم واستمالتهم إلى صفها فأصبحوا منظرين لها ومدافعين عن تصرفاتها!

وعالمنا العربي يزخر بالمئات من أولئك الذين بدؤوا حياتهم مناضلين ناقمين على حكوماتهم, رافعين لشعارات معادية لأساليبها في الحكم وادارة الدولة, ووسائلها في قمع الحريات والسيطرة على مقدرات الشعوب, وفجأة نجدهم ارتموا بأحضان الحكومة ذاتها التي كانوا يهاجمونها مع أول باب فتح أمامهم!

يقول الكاتب الايرلندي برنارد شو (1856 – 1950) " مأساة العالم الذي نعيش فيه تكمن في أن السلطة كثيرا ما تستقر في أيدي العاجزين".
إن هاجس الحرية ظل ردحا من الزمان وما زال يؤرق مضاجع أصحاب السلطة الذين يخشون من الإفراط في منحها للشعوب التي قد تسيء استخدامها فتؤدي إلى كوارث لا تحمد عقباها.

والحكام في المجتمعات غير الديمقراطية دائما يجعلون الحرية منحة يملكونها ويهبونها لمن يشاءون وقتما يشاءون .

إذا كان الشاعر الفرنسي فولتير قد عرف الحرية بقوله : ( عندما أقدر على ما أريد فهذه حريتي) فهل ذلك يعني أن من حق الإنسان التمتع بحريته كيفما يشاء يريد دون حدود أو قيود, وهل يحق للفرد أن يستمتع بحريته في التصرف كما يشاء أو فعل ما يحلو له حتى وان تعارض أو أساء لحرية الآخرين؟ بالتأكيد لا.

فالحرية فعل إنساني امتزجت فيه الرغبة مع الأحاسيس (رغبة الإنسان في القيام بعمل ما, مع أحاسيسه بقيمة الفعل الذي عزم القيام به وما يندرج خلفه من مداخلات إنسانية أخرى).

لذلك .. فان الحرية لا تعني إلغاء دور السلطة أو تهميشها .. هي في الواقع والحقيقة تقوي من وجود السلطة وتحميها وتقدم لها العون, ولكن مع مراعاة والأخذ بالاعتبار أولا مصالح المواطنين وحقوقهم.
اذا فهل وجود السلطة أمر ضروري في حياة البشر؟ وأننا لا نستطيع أن نحيا دون وجود للسلطة؟

يؤكد ابن خلدون في مقدمته:( أن هناك ميلا فطريا إلى التجمع ). وهو يتفق في ذلك مع أرسطو, ثم يقرر:( أن الإنسان ميال إلى العدوان والظلم بفطرته). ومن هنا أصبح من الضروري تنظيم المجتمع ووجود حاكم على رأسه.(12)

ويفسر ابن خلدون ضرورة تواجد السلطة بقوله : ( إن هذا الإجماع إذا حصل للبشر- كما قررناه- وتم عمران العالم بهم, فلا بد من وازع يدفع بعضهم عن بعض, لما في طباعهم الحيوانية من العدوان والظلم, ويكون ذلك الوازع واحداً منهم يكون له عليهم الغلبة والسلطان واليد القاهرة, حتى لا يصل أحد إلى غيره بالعدوان, وهذا هو معنى الملك ).(13)

وتوماس هوبس t. hoobes وهو من أشهر العلماء والمفكرين الذين عالجوا الظواهر النفسية والاجتماعية في القرن السابع عشر, يقول في كتابه (التنين) : "أن الطبيعة البشرية تحتوي على ميول فطرية تؤدي بالأفراد الى الصراع فيما بينهم. كما أنها تحتوي على ميول فطرية أخرى تدفع كلا منهم الى المحافظة على السلام ما أمكن ذلك. والى جانب هذه الميول, يساهم العقل في جعل الحياة الاجتماعية سليمة عن طريق تنظيم قوانين المجتمع".

ويضيف هوبس : (أن المجتمع هو عبارة عن مجموعة أو نظام من التعاقدات, مظهرها التعبير اللفظي عن أن الأطراف المتعاقدة موافقة على الالتزام بقيود التعاقد. غير أن التعبير اللفظي وحده ليس فيه من القوة ما يربط الناس بوعودهم. فما الذي يربطهم بالفعل بهذه الوعود ويشيع الاستقرار النسبي في المجتمع؟

هناك عاملان : أحدهما الخوف من نتائج الاخلال بالوعود. والثاني هو ما يكتسبه الفرد من مجد عندما يبدو بمظهر الشخص الذي لا يحتاج الى الاخلال بوعوده. ولما كان العامل الأخير نادر فان الاعتماد الأساسي في الواقع يكون على الخوف.
والخوف نوعان : خوف من قوى غير مرئية, وخوف من قوى مادية قائمة في المجتمع. وتتمثل في أجهزة الحكم المختلفة).(14)

ويمكننا أن نعرف السلطة:(بأنها قوة في خدمة فكرة موجهة. وهي قوة مخصصة لقيادة الجماعة في التقصي عن الصالح المشترك. وقادرة – اذا اقتضى الحال – على أن تجبر الأعضاء بالالتزام فيما تأمر به ).(15)

هكذا يمكننا ان نعتبر أن السلطة دائما ما تسعى الى تحويل الملائكة الى شياطين .. معتقدة بذلك أنها تأمن جانبهم.

ولكن ألا يوجد ملائكة في السلطة؟ أم كلهم شياطين؟!
بالتأكيد أن هناك الكثيرين ممن استغلوا السلطة لتحقيق نزعاتهم الشيطانية وإشباع غرائزهم العدوانية, والتاريخ مليء بالكثير من تلك الأمثلة سواء من فجر التاريخ, أو في عصرنا الحاضر.

ولكن في الجانب الآخر هنالك أمثلة عظيمة للعديد من الشخصيات المفعمة بالخير والممتلئة بالبياض ممن حكموا بالعدل وأشاعوا الخير وكانوا مكاسب عظيمة لشعوبهم وأوطانهم.

ان صراع السلطة مع الحرية وضدها صراع أزلي, وقد تفننت الحكومات المختلفة في حضارات وبلدان مختلفة في خططها وسياساتها لقمع الحريات, أو منح حريات مقننة حسب الحاجة لها.

عندما تشعر السلطة أن الحرية ملك لها وأنها من حقها أن تمنحها لشعبها أو تحجبها عنه حسب مزاجها .. هنا يبدأ الطغيان ..ويزول العدل .. وبهذا الشكل تمارس السلطة قمعها وقهرها على هذه الشعوب.

ان الحرية ليست منحة من الحاكم او غيره، انما هي حق اصيل من حقوق الشعوب، وكما قال الزعيم المصري مصطفى كامل: " ليس هناك دولة ظالمة ولا دولة مظلومة .. هناك فقط أولائك الذين يسمحون لأنفسهم بأن يتحملوا الظلم!! ".


تحالفات السلطة

من نصائح الوزير الفرعوني "بتاح حتب "لابنه " إذا كنت حاكماً تصدر الأوامر للشعب‘ فابحث لنفسك عن كل سابقة حسنة، حتى تستمر أوامرك ثابتة، إن الحق جميل وقيمته خالدة، وقد تذهب المصائب بالشرور، ولكن لا يذهب الحق، بل يمكث للأبد ".

لقد سعت السلطات المختلفة لأساليب ووسائل ساعدتها في فرض سيطرتها على بلدانها, وقوت من حكمها, وثبتت من وجودها.. وكانت هنالك أدوات أساسية لا بد من السيطرة عليها لضمان استقرار الحكم والبقاء في السلطة. وابرز تلك الوسائل الجيش أو قوى الأمن, الذي يعتبر العصا الغليظة التي يرهب بها الحاكم خصومة ويهدد بها كل من تسول له نفسه سواء بالداخل أو الخارج أن يقدم على فعل أو حماقة ضد السلطة.

وحوادث التاريخ كثيرة التي تبين لنا أن الجيش هو أخطر مؤسسة على السلطة, وأن الكثير من الثورات الانقلابية قامت على يد رجال الجيش, لذلك فان أي ثورة تقوم تحرص كل الحرص على تأمين الجيش وأن يظل تحت عينها وباشرافها, وتوليه أكثر من تثق به من الرجال.

ودائما ما نجد في الحكومات عموما أن الحاكم هو القائد الأعلى للقوات المسلحة.
لأجل ذلك نجد أن أكثر المؤسسات إغداقا على منتسبيها وتأمينا لحياتهم وتمييز أوضاعهم, هي المؤسسات العسكرية, وذلك لما لولاء العساكر للسلطة والحكومة من أهمية قصوى وضرورية.

ولو أردنا مثالا قريبا وواقعيا لما ذكرنا سنجد أن الثورة المصرية التي قامت في 23 يوليو1952 ضد الملكية انطلقت من الجيش بعد أن شكل مجموعة من الضباط تنظيما أطلقوا عليه الضباط الأحرار.

وكذلك الانقلاب الذي جرى في تونس وقادة الرئيس زين العابدين بن علي أنطلق من المؤسسة العسكرية حيث كان بن علي وقتها وزيرا للدفاع.
مثال آخر هو ما حدث في سوريا حيث قاد الرئيس حافظ الأسد عام 1971 انقلابا ضد الحكم القائم وكان أيضا وقتها وزيرا للدفاع, أي أن الانقلاب خرج من قلب المؤسسة العسكرية.
هذه بعض الأمثلة من واقعنا العربي المعاصر الذي يزخر بأمثلة أخرى عديدة.

أما الوسيلة الأخرى التي تسعى جميع السلطات للاستحواذ عليها, ولا تقل أهميتها أو قوتها عن قوة الجيش فهي الإعلام, الذي تتمكن الحكومات من خلاله من الدعاية لنفسها ونشر وجهة نظرها وخططها والترويج لسياساتها ونشر أفكارها ومبادئها وتصحيح المفاهيم الخاطئة عنها, والرد على الاشاعات التي يطلقها أعداؤها وتبيين وجهة نظرها في القضايا العامة والخاصة المطروحة على الساحة الدولية, ومهاجمة أعدائها وخصومها.

كما أن الحكومات من خلال أجهزة الرقابة لديها تقوم بقمع جميع الأصوات النشاز التي تخرج عن سيطرتها أو تحيد عن الخط المرسوم لها, وكذلك تقوم بتحديد نوع المعرفة التي ينبغي أن يتلقاها المواطنون, وما يجب أن يعرفوه وما يجب أن لا يعرفوه, والثقافة التي يجب أن يتلقوها وتلك التي ينبغي أن تحجب عنهم.
ورغم أن العالم أجمع قد هلل فرحا بالانتصارات المتتالية التي يحققها البشر في مجال التكنولوجيا, خاصة تكنولوجيا المعلومات, إلا أن الكثير من الحكومات أصبحت تضيق ذرعا بهذا التطور الهائل, والذي فقدت معه واحدة من أهم أدوات بسط سيطرتها ونفوذها .. ألا وهي الرقابة.

فكيف ستراقب الحكومة الفضاء وما يحمله من آلاف القنوات الاتصالية سواء عن طريق المحطات التلفزيونية أو الإذاعية أو الانترنت أو وسائل الاتصال والمعرفة الأخرى, التي أصبحت اليوم رافدا مهما وأساسيا من روافد المعرفة.
ولا ينكر أحد بأن دولة قطر استطاعت أن تحقق عبر قناة (الجزيرة) ما عجزت عن تحقيقه عبر أي وسيلة أخرى!!.

فالقيادة السياسية القطرية وجدت أن سلاح الإعلام أقوى وأكثر فاعلية من أي سلاح آخر ، لذلك لجأت لإنشاء قناة الجزيرة وأنفقت فيها الملايين التي حققت لها من ايجابيات أفضل بكثير من لو صرفت هذه الملايين بتجهيز جيش او شراء معدات عسكرية ، او حتى من إنفاقها بالدعاية لنفسها عبر وسائل إعلام أخرى قد تنقلب عليك في أي لحظ ، وهو ما يحدث مع دول أخرى كثيرة.


عسل السلطة وعلقمها

يقول الإمام علي بن أبي طالب : " إذا أقبلت الدنيا على أحد أعارته محاسن غيره، وإذا أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه".
هناك من يتلبسهم شيطان السلطة ولا يستطيعون الانفكاك عنه .. وهناك من ينغمسون في شهوتها حتى أنهم لا يقدرون الانفكاك عنها , ينعمون بخيرها ويستظلون بظلها, ويختفون خلف أستارها لتقيهم مصائب الزمان.
وعبدة السلطة أناس منا وبيننا, لكنهم ذوو صفات خاصة, وميزات معينة.. تذكرنا بالحكمة الهندية القديمة ( لا أرى, لا أسمع, لا أتكلم)!!
وبعضهم لشدة إتقانه للدور يضيف إليها بعد رابعا .. "لا أَصدُق"!!
رجال السلطة وكهنتها لا يرون إلا ما ترى, ولا يتعبدون إلا في محرابها.
كثيرون تجدهم طواويس شامخة وما هم إلا ذيول تافهة تتحرك بالأوامر.
يخلطون بين الطِيب والذل .. فلا يعرفون الفرق بين أن تكون طيبا في تصرفاتك, كريما في أخلاقك, عطوفا في تعاملاتك, خلوقا في صفاتك, متواضعا في تحركاتك .. وبين أن تكون ضعيفا ذليلا بلا أخلاق أو كرامة أو عزة!!
كهنة السلطة هم من لا يرون أخطاءها, ولا يكتشفون عيوبها .. أو قد يكونون يرون ويعرفون لكنهم يغضون النظر ما داموا ينعمون بنعيمها, ويستنشقون عبيرها, ويرتشفون من رحيقها.

ويشير الكاتب الفرنسي "أوجين ريجا" في كتابه عن الصراعات والمعارك والحسد من أجل السلطة .. فيقول: " السلطة خلابة خداعة .. إنها تملأ الشخص بالكبرياء حين يمارس سلطته على عدد كبير من الناس, فهو يأمرهم ويحملهم على طاعته ويقبض عليهم بيديه تحت سلطانه, فأي مظهر لإشباع الطموح والكبرياء يعدل السلطة في هذه الناحية؟

ولكن ما هي حدود السلطة؟.. وهل يمكن أن تصل بصاحبها إلى حد أن يفقد وعيه واتزانه؟...

إن السلطان شيء غير دائم, إذ لا ضمان لبقائه, بل إن صاحبه يقع تحت طائلة التهديد المستمر, وما تاريخ "الكابيتول" في روما – وقد كان مركز السلطة فيها – بغريب أو مجهول.

فقد كان "الكابيتول" قريبا من الصخرة التي كانت تتحطم عليها آمال أهل السلطة في روما.

"الكابيتول" هو في الأصل معبد روماني قديم يقوم على تل من التلال السبعة التي أقيمت عليها مدينة روما واسمه تل "الكابيتولين" وقد كان "الكابيتول" إلى جانب وظيفته الدينية هو مقر الحكم في روما القديمة, وقد استعار الأمريكان الكلمة الرومانية نفسها لإطلاقها على مبنى الكونجرس الأمريكي الذي وضع جورج واشنطن – أول رئيس أمريكي بعد استقلال أمريكا عن انجلترا – حجره الأساسي في 18 سبتمبر سنة 1793, ولا يزال قائما في مكانه من ذلك التاريخ إلى الآن.

إن الزعيم الشعبي صاحب المكانة العالية اليوم قد يتم حرمانه من مكانته غدا ودون أن يتوقع نهايته, فيعود إلى درجة المواطن العادي, ويصبح هؤلاء الذين كانوا ينحنون أمامه في خوف واحترام ينظرون إليه – بعد زوال السلطة عنه – في عدم اكتراث, وأحيانا ينظرون إليه بابتسامة فيها شيء من السخرية التي تنم عن شعور بالرضاء.

ولا غرابة في ذلك, فقد أصبحوا لا ينتظرون منه شيئا, فهو لا يملك أن يكافئهم ولا يملك أن يعاقبهم, وسوف يتخلى عنه الناس, بل ويهجرونه, ولو كان غير ذي حظ من المال والثروة فهذا هو الإفلاس بكل ما فيه من مرارة وحزن, ولكن على الرغم من المساوئ الكثيرة للسلطة, فان لها عشاقها الذين لا يمكن إقناعهم بعدم السعي إليها, والسلطة دائما هي أمل عدد كبير جدا من الناس, وهذا يرجع إلى أهمية المركز وما يحيط به من أبهة وسلطان.

ولكن كم من هؤلاء الراغبين في السلطة والمحبين لها من لم يحالفهم الحظ والنجاح, فظل غاضبا حانقا, ومن هنا تتولد المنافسة وهي شيء خطير له دائما ضحاياه, ولكن ما الحيلة! فالناس جميعا يسعون نحو الهاوية!".(16)

وكم من عشق للسلطة كفر بها وحاربها عندما أيقن بأنها تدير له ظهرها ، وأن لن يصل الى نعيمها أبدا، وأنها لن تقبل عليه في يوم من الأيام .. فاختار السير في الاتجاه المعاكس .. وسلك الطريق الآخر الذي قد يستطيع من خلاله تحقيق ما عجز من تحقيقه إبان فترة ارتمائه في احضان السلطة بحثا عن نعيمها.

وكم من شخص كان في قلب السلطة ، يستنشق رحيقها ، وينهل من خيرها ، ويتنفس عبقها ..لكنه عندما تركته واوصدت الباب بوجهة اصبح يقف ضدها .. ويلعن رموزها!!.
وهناك من رجال الاعلام والفكر والصحافة كثيرون ممن كانوا يسعون نحو السلطة، كلا له طريقته وأسلوبه .. ومنهم من كانت السلطة تسعى نحوه .. فإما ينساق خلفها أو يصدها .. لينعم بنعيم الحرية.

ولعشاق السلطة أساليب عديدة ، ودهاليز كثيرة .. فمنهم من يسلك الطريق السهل عبر التملق والتسلق حتى يحقق ما يريد .. ومنهم من يقف معارضا للسلطة، مشاكسا لها .. من أجل أن يلفت النظر اليه، فيتم استرضائه ، وهناك من يتقلب حسب المزاج والهوى والمصلحة الخاصة . وهناك من يكون صادقا في معارضته للسلطة لكنه يضعف أمام المغريات الكثيرة أو أن يكون قد تعب من البقاء في ذات الموقف لسنوات طويلة.


شمس الحرية


يقول المفكر المصري مصطفى لطفي المنفلوطي (1876 – 1924) " إن الحرية شمس يجب أن تشرق في كل نفس، ومن عاش محروما منها فقد عاش في ظلام حالك ".
إن الحرية ليست منحة تمنح، أو علما يكتسب، إنها إحساس عميق كامن في ثنايا الروح، وقابع في دهاليز النفس.
الحرية إحساس سحري لا يعرف معناه إلا من شعر به، وعرف عميق أسراره .. وأسرار الحرية مشاعر كامنة في النفس.
إنها شعور خاص .. فطري .. لا يعدلها أي شعور آخر .. شعور يولد مع الإنسان ويكبر معه، ومهما حاول الآخرون نزعه من داخلك فلن يستطيعوا.
توقف عن القراءة الان .. استرخ ..
خذ نفساً عميقاً .. وأطلقه وأنت رافع رأسك ..
هل شعرت بالراحة ؟.

تخيل لو أنك أخذت نفساً عميقاً .. وحبس في صدرك .. ولم تستطع إطلاقه .. كيف ستكون حالتك .. جرب .. وستعرف معنى الحرية!!
قد تكون سجينا في غياهب السجون والمعتقلات في سابع أرض .. لكنك تحلق عاليا بحريتك، وتشعر بانفرادك عن الآخرين .. وقد تكون أكثر حرية بداخلك من سجانك .. وحراسك.

ان الحرية ليست فعلا فرديا انانيا .. اي لا يجب أن تستمتع انت بالحرية بينما يعاني الآخرون من القمع الظلم والاضطهاد .. ان حريتك الحقيقية تكمن في قدرتك على الدفاع عن الآخرين، وان تسعى كي يحصلوا على ما تنعم به، فالحرية فعل جماعي يجب أن تكون متاحة للجميع، ويتمتع بها كافة الناس دون تحديد او تخصيص.
واجمل مشاعر الحرية هو ان تدافع عمن سلبت حريتهم وتقاتل من اجل ان تعاد اليهم.
وقد تعيش في بلد يعج بالقمع والظلم والقهر والكبت والحرمان ومصادرة الحريات، لكنك تعيش حريتك بداخلك، فهي كنزك الدفين الذي لا يستطيعون سلبه منك.
يقول الزعيم الأفريقي نيلسون مانديلا: " الحرية لا يمكن أن تعطى على جرعات، فالمرء إما يكون حرا أو لا يكون حرا ".

كم من وزير أو مسئول كبير صاحب سلطة وبهرجة وصولجان .. لكنه مقيد بتلك البهرجة، مربوط بحبل السلطة لا يستطيع الفكاك منها ... وتراه معدم الحرية.

إن قيد السلطة كبير .. فهو أولا يسلبك روحك الخاصة وإرادتك الخاصة، ومشاعرك الخاصة .. فتصبح إنساناً آخر مختلفاً عما أنت عليه .. أو حتى عمن تود أن تكونه!!.
انه قيد السلطة الذي سلبك حريتك .. فتعبر بخلاف عما تقتنع به، وتنادي بعكس ما تؤمن به .. كل تلك تضحيات لا يعرف أن يقدمها الأحرار .. فتجد الحر الصادق يحاول جاهدا أن يبتعد عن السلطة، وإذا ما ابتلي بها فإنه يركلها بأول فرصة سانحة، متى ما شعر أن بقاءه فيها سيكون على حساب حريته ، وقناعاته، ومعتقداته .. وما يؤمن به.

وفي تراثنا .. العديد من القصص والأحداث لأحرار رفضوا الانصهار بقيود السلطة .. وركلوها بأول فرصة سانحة.
جاسم القطامي .. له حادثة شهيرة عندما كان مديرا للأمن في الكويت عام 1956 .. بعد أزمة السويس، حيث أبدى معارضته لقرار الحكومة بمنع الاضراب ومظاهرات الاحتجاج ضد العدوان على مصر، وطلبت السلطة وقتها من القطامي قمع المظاهرة، لكنه رفض .. وبعد أن احتدم الموقف .. قدم استقالته .. ونزل الى الشارع في صفوف المتظاهرين!!.

أين هذا الموقف من مواقف الكثيرين من عبدة السلطة ورهبانها؟.

وهناك أمثلة كثيرة .. لعبدة السلطة .. الذين يقضون حياتهم مناضلين .. مكافحين .. معارضين .. وعند أول قطعة لحم ترمى لهم من قبل السلطة.. نراهم يلهثون نحوها .. ويعضون عليها بالنواجذ .. وقد تخلوا عن نضالهم القديم، وكفاحهم القويم، في سبيل الكرسي الوثير .. وغيروا من مبادئهم وقناعاتهم وأفكارهم .. ورموا بتاريخهم بعرض الحائط .. ودفنوه في سابع ارض.

وعندما تذكرهم بذلك .. إما يكابرون ويدعون أنهم ما زالوا على مبادئهم .. أو يسخرون منك .. ويقول لك احدهم .. كنا سذجاً !! هذا اذا لم يتهمك بعضهم بالحقد والحسد!!.

ولكن اللاعب غير المتفرج .. هذه كلمة نطق بها أحد المناضلين المعارضين القدامى الذي استطاعت السلطة استدراجه وتوزيره .. وبعد أن تغير كليا خلال اقل من عام من جلوسه على كرسي الوزارة.

صاحبنا قال حين سُئِلَ عن تغير مواقفه ومبادئه : " إن اللاعب غير المتفرج " !! أي من كان خارج السلطة والحكومة ، ويراقب أفعالها وإعمالها، كان متفرجا، يرى عكس الواقع الذي يعيشه اللاعبون ممن هم داخل الحكومة ويمسكون بزمام السلطة.
هي إذا .. لعبة .. هكذا وصفوها .. وبين اللاعب والمتفرج .. يكون الشعب هم الكرة التي يلعب بها الطرفان!!.
انظر في عيني من هم حول من يملك السلطة، سواء سلطة المال أو المنصب أو السلطة المعنوية، مثل السلطة الدينية والتاريخية وغيرها.

انظر في أعينهم جيدا .. إنهم أناس تعودوا على ذلك القرب، ومتعة الدفء في محيط الحاكم!! إنهم لا يستطيعون العيش بعيدا عنه ! حياتهم أصبحت مرتبطة به .. أحاسيسهم ومشاعرهم متعلقة بالحاكم، إذا رضي فرحوا وإذا غضب اسودت الدنيا في أوجههم.
انظر جيدا .. تفحصهم وهم في قربه .. انظر في أعينهم وتأمل شفاههم وتعابير وجوههم .. ستلحظ بالتأكيد تلك الابتسامة المصطنعة، والرضا المصطنع، والحب المصطنع، والولاء المصطنع!!
انظر جيدا وتذكر قول الامام الشافعي – رحمه الله - :

إِنَّ المُلُوكَ بَلاَءٌ حَيْثُمَا حَلُّوا
فَلاَ يَكُنْ لَكَ فِي أَبْوَابِهِمْ ظِلُّ
مَاذَا تُؤَمِّلُ مِنْ قَوْمٍ إِذَا غَضِبُوا
جَارُوا عَلَيْكَ وَإِنْ أَرْضَيْتَهُمْ مَلُّوا
فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ عَنْ أَبْوابِهِمْ كَرَمَاً
إِنَّ الوُقُوفَ عَلَى أَبْوَابِهِمْ ذُلُّ



حرية السلطة

يقول المفكر المصري عباس محمود العقاد (1889 – 1964) " إن المذهب السياسي او الاجتماعي الذي يسلبنا الحرية، يسلبنا أعز نعمة في الحياة الإنسانية، بل يسلبنا كرامة الإنسان ويستحق منا المقت والازدراء ".
هل هناك حكومة أو سلطة تؤمن بالحرية فعلا؟؟
سؤال صعب .. قد يكون فعلا هنالك حكومات تؤمن بالحرية وتسعى لأن تمنحها لشعوبها كاملة .. ولكن، اعرق الديمقراطيات، وأكثر الحكومات حرية وانسجاما مع شعوبها.. لا تؤمن بالحرية المطلقة الكاملة، ولديها دائما ما تخفيه عن شعوبها.

وهذا ما نجده يتفجر بين حين وآخر من فضائح في الدول المتقدمة والمتحضرة (أو التي نظنها كذلك) ما هو إلا عبارة عن معلومات وقضايا وقرارات وإجراءات كانت هذه الحكومات قد اتخذتها وأخفتها عن شعوبها .. فيتم كشفها إما بالمصادفة أو من خلال تسريب بعضها عبر الصحافة ووسائل الإعلام لمصلحة أناس آخرين.

بالتأكيد .. لا توجد سلطة تريد أن تشرك إطرافا أخرى معها بالقرار .. وهو ما يمكن أن اسميه (الديكتاتورية المدمقرطة)، فقد تكون السلطة أو الحكومة مضطرة لان تكون ديمقراطية، أو أن تسلك ذلك الطريق العسير لأي سلطة كانت، وبالأخص إذا سعت بعض الدول للتحول من سياسة القرار الفردي للحاكم المطلق، إلى القرار الجماعي عبر القنوات الشرعية والدستورية، فستكون سنوات التحول الأولى عسيرة للغاية.

فالحاكم مضطر أن يشرك شعبه بكل القرارات التي ظل سنوات طويلة ينفرد باتخاذها دون الحاجة إلى مشورة الآخرين.

ونادرا .. بل نادرا جدا ما نجد حاكما يؤمن بحق الشعب في تقرير المصير، ويؤمن بأحقية الشعوب بان تكون شريكة في الحكم وفي القرار، عبر المؤسسات الشرعية والدستورية .. ويؤمن بحق الشعب بالتعبير عن رأيه وفكره وقناعاته، واتخاذ مواقفه دون خشية أو رهبة ..

أتحدث عن الإيمان الحقيقي .. وليس عن قيام حاكم ما بتطبيق الديمقراطية .
الإيمان أن يكون هذا الحاكم على درجة كبيرة من الثقة والوعي والإدراك، بأنه ليس المنزه، المنزل، المقدس .. وان الشعب ليسوا رعايا بقدر ما هم مواطنون يملكون في هذه الأرض مثلما هو يملك .. وان الحكم ليس قرارا انفراديا له فقط.
إن السلطة الحرة هي التي لا تخاف شعبها أو تخشاه.

وهي كذلك التي لا يخافها شعبها ويخشى جبروتها .. إنما يحترمها ويقدرها، ويثق بها تمام الثقة، ويعرف أنها تعمل لأجله، وتحافظ على حقوقه، وترعى مصالحه.
ولا يشعر أن هذه السلطة ما هي إلا مجموعة من العابثين الفاسدين الذين وصلوا إلى سدة الحكم في غفلة من الزمان .. ويتمنى زوالهم في أي لحظة، ولا توجد لديه مشكلة في أن يكون شريكا في هذا الزوال.

يجب أن يشعر الشعب أن هذه السلطة أمينة عليه وصادقة معه، لا أن تسرقه وهو نائم، وتبتكر الطرق والوسائل والأساليب كي تستنزف مدخرات الدولة وخيراتها، وتصبها لصالح فئة معينة من الشعب فقط ، ذوي الصفات الخاصة من الموالين والمقربين والحلفاء .. أما بقية الشعب فلا بأس بأن يقتات على الفتات .. وأن تتم تغذيتهم بشعارات وعبارات رنانة .. ويتم إشغالهم بقضايا تافهة وجانبية يلهوا بها .. بينما عشرات الجرائم المخزية ترتكب في جنح الظلام!!.



أعوان السلطة

يقول الامام علي بن أبي طالب : " لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا ".
للسلطة .. أي سلطة كانت أعوان ومؤيدون ومساندون ومريدون .. وهناك في كافة المجتمعات سواء المتحضرة أو المتأخرة عشاق للسلطة، لا يهنأ لهم عيش إلا بقربها والاسترخاء تحت ظلها.
وأي سلطة كانت لا تغلب ولا تجهد نفسها بالبحث عن أعوان لها وطامعين في رضاها فهؤلاء كثر، ويعرضون خدماتهم بطرق شتى ووسائل مختلفة، ويضعون أنفسهم تحت تصرف السلطة بأي شكل.
ولكن المعضلة التي تواجه أي سلطة هي أن تجد لها شركاء!!
دائما ما يكون عبر التاريخ قيام السلطة بعقد تحالفات بما يشبه الشراكة مع قطاعين مهمين في المجتمع، ويملكان أيضا سلطة موازية لسلطة الحكم، وقد تكون سلطتهما اكبر واقوي، لكنها مختلفة عن سلطة الحكم .. وهما.
رجال المال .. ورجال الدين.

فسلطة الدين سلطة روحية، خطيرة لا نقاش فيها أو جدال .. ورجل الدين لدى أتباعه يتمتع بقدسية عالية تفوق قدسية الحاكم أو مكانته في قلوب شعبه.

وسلطة رجل الدين أو المرجع الديني يستمدها من عاطفة الناس وقلوبهم وعقولهم، وحرصهم على إرضائه لان رضاه يعبر بهم الطريق إلى غايتهم المنشودة برضا الرب وقربه والفوز بنعيمه.

أما سلطة رجال المال .. فهي سلطة الشهوة المفرطة التي قدمها الله – عز وجل – على متعة الأولاد حين قال (المال والبنون زينة الحياة الدنيا) أي أن متعة المال سبقت متعة الأولاد وتفوقت عليها.

وعمليا ليس هاتان السلطتان فقط هما اللتان يسعى الحاكم لاستقطابهما .. فإذا كانت في الدولة المدنية ثلاث سلطات .. (السلطة التنفيذية) أي الحكومة التي تنفذ القوانين والمشاريع وتدير الدولة عبر وزاراتها المعنية، و(السلطة التشريعية) أي مجلس الأمة أو مجلس الشعب، وهو الذي يشرع القوانين ويسنها، وهو الممثل الشرعي للشعب، الذي وصل أعضاؤه بالانتخاب الحر المباشر.. و(السلطة القضائية) وهي سلطة مستقلة تكون دائما صاحبة الكلمة الفصل في القضايا والمنازعات.

وهناك إضافة إلى ما مضى (السلطة الرابعة) وهي الإعلام أو الصحافة ، والتي اكتسبت هذا الاسم من تعليق اللورد ادموند يورك المتوفى عام 1797 الذي قال في مجلس العموم البريطاني :( توجد سلطات ثلاث و لكن عندما ينظر الإنسان إلى مقاعد الصحفيين يجد السلطة الرابعة ) .. وهذه تملك قوة خطيرة، بالرغم من أن سلطتها غير مباشرة، لكنها تملك الوسيلة الأساسية للترويج والدعاية .. ولها دور كبير في التأثير على الرأي العام وتسييره.

لذلك نجد الحاكم دائما يسعى لعقد اتفاق تراضي مع الصحافة ووسائل الإعلام، ويسعى لتلبية طلباتها وسد حاجاتها .. ويعمل على استقطابها لصفه .. وهو ينجح أحيانا مع بعض وسائل الإعلام .. ويخفق أحيانا أخرى مع بعضها الآخر.

إن هذا التحالف بين الحكم وسلطة الاعلام يعتبر من أقدم التحالفات، ومن قبل حتى أن يعرف مصطلح الاعلام كمسمى للتواصل وتبادل المعلومات وتناقل الأخبار، فقد كان الحكام والسلاطين يقربون منهم الشعراء والروات من أجل أن يتناقلوا أخبارهم بين الناس ويثنون عليهم في أحاديثهم وقصائدهم ، ويبرزون الصفات الحميدة حتى لو لم تكن فيهم.

وفي عصرنا الحديث كان الحكام دائما يقربون الكتاب والصحفيين والاعلاميين والادباء والمثقفين والمفكرين من مجالسهم ، ولا زالوا .. وان كانوا ينتقون منهم من يتمتعوا بصفات خاصة ، ويكون هؤلاء عادة هم حلقة الاتصال بين الحاكم ووسائل الاعلام والاعلاميين.
والسلطة اذا رضت عن رجال الاعلام والصحافة قربتهم واكرمتهم واغذقت عليهم . واذا غضبت منهم .. فلا مصير لهم سوى غياهب السجون... والأمثلة على ذلك كثيرة.



برامج إعلامية مكثفة
يقول السياسي البريطاني أدموند يورك " كل ما تحتاج إليه قوى الشر لتنتصر، هو أن يلبث أنصار الخير مكتوفي الأيدي دون القيام بأي عمل ".
لقد لعب الإعلام دورا مهما وبارزا في حياتنا, فهو يدير فكرنا ويغذي ثقافتنا وينمي معرفتنا ويربط بين ابعد نقطتين في ثوان معدودة, لذلك نجد الكثير من دول العالم أولت الاعلام اهتماما بالغا وتبذل جهودا كبيرا لتطوير وسائل اعلامها المحلية وتجويد سياساتها الاعلامية الخارجية التي تحمل وجهة نظر الدولة بما يدور من أحداث حول العالم.

وحينما بدأ الرأي العام الدولي يظهر على سطح السياسة الدولية ويؤثر في الأحداث الدولية, أدركت الدول أهمية مخاطبة هذا الرأي وكسبه الى جانب قضاياها حتى يتبنى آراءها ويؤيد وجهة نظرها.

ويعتبر الاتحاد السوفيتي (سابقا) أول دول العالم في توجيه برامج اعلامية دولية بهدف التأثير على جماهير الدول المحيطة به وذلك مع قيام الثورة البلشفية عام 1917 حيث كانوا يستخدمون موجات الراديو الموجهة , وكان الزعيم السوفيتي السابق لينيين مؤمنا بأهمية الراديو الذي وصفه بقوله:( ان الراديو ما هو الا صحيفة بدون ورق ولا مطبعة ولا حدود, تستطيع أن تصل الى جميع الناس بكل سهولة, وتستطيع أن تنشر الأيديولوجية الماركسية في جميع أنحاء العالم).

وعلى إثر الاتحاد السوفيتي تهافتت دول كثيرة على إطلاق إذاعات موجهة ولكل دولة أسبابها وحساباتها , فقد استخدمت هولندا الإذاعة الموجهة عام 1927 لمخاطبة مستعمراتها في جزر الهند الشرقية (أندونيسيا) وكذلك لمخاطبة الهولنديين في الخارج, ثم تبعتها بريطانيا وفرنسا وأمريكا وكثير من دول العالم, وكانت أسباب استخدام الإعلام الموجه إما لمخاطبة الدول المستعمرة لمستعمراتها أو مخاطبة مواطنيها بالخارج أو التأثير على مواطني الدول الأخرى من خلال توجيه البث لهم. وقد لعبت الاذاعات الموجهة دورا كبيرا وحيويا أثناء الحرب العالمية الثانية.

ومن الملاحظ ان هناك الكثير من الاذاعات الموجهة التي تبث باللغة العربية حيث تأتي اللغة العربية في المرتبة الثالثة بعد الانجليزية والفرنسية من حيث عدد المحطات التي تبث بها والذي يبلغ عددها أكثر من 18 محطة اذاعية, وتعتبر هيئة الاذاعة البريطانية B.B.C أول من بث بالعربية بانتظام منذ 1938 , وهناك محطات أخرى تبث بالعربية مثل صوت أمريكا, وصوت ألمانيا, ومونت كارلو, وراديو موسكو, وراديو الصين وهولندا وغيرها.
وبعد ظهور التلفزيون والفضائيات والأنترنت لم يقل الاهتمام بالبرامج الاذاعية الموجهة وذلك لما تمتاز به الاذاعة عن وسائل الاعلام والاتصال الأخرى من ميزات وقدرات خاصة.

ومن أبرز وسائل الاعلام كذلك التي تلجأ السلطات دائما لاستغلالها واستخدامها والاستحواذ عليها, وفرض قيود وقوانين مشددة لشل حركتها .. الصحافة.
وقد ساهمت الصحافة بشكل أو بآخر بتكثيف الزيف الخداع والكذب أحيانا, وكشف الحقائق وفضح الفاسدين أحيانا أخرى.
إن العلاقة بين السلطة والاعلام علاقة شائكة وغريبة.فنجد أن هناك تجاذبا وتنافرا بين الطرفين في ذات الوقت، وهناك درجة شديدة من الحساسية بالتعامل بين هذين القطبين المليئين بالغموض والخصوصية .. وهناك دائما شعرة معاوية بين الرضا والغضب لكل طرف من الطرفين.

السلطة هنا ليست فقط سلطة الحكم فحسب .. بل أي سلطة كانت .. الحكم ، المال ، المنصب ، النفوذ .. وغيرها ، وهذان القطبان المتناقضان لا يمكن أن يعمل أحدهما دون الحاجة للآخر.

فعندما تكون الدولة سلطوية، فانها أول ما تسعى اليه هو بسط نفوذها على وسائل الاعلام والصحافة، ومصادرت الحريات وقمع التفكير، وتبدأ باطلاق وسائل اعلامها الخاصة والصحف المملوكة للدولة ، ويصبح الصحفيين والاعلاميين موظفين لديها ، وابواق لسياساتها.

وعندما تكون الدولة ديموقراطية، فانها تمنح الصحافة والاعلام حريات واسعة ومطلقة، حتى وان كانت هناك قوانين تنظم الحرية، فانها لا تلتزم بها بحجة الديموقراطية والحرية.

وعندما تكون الدولة بين الحالتين (سلطوية/ديموقراطية) فهنا تقع الاشكالات الكبيرة، فحين يرضى الحاكم ينعكس رضاه على المزيد من الحريات للاعلام والصحافة، وحين يغضب يلقي بالمفكرين والكتاب في غياهب السجون .. مثلما كان عليه الوضع خلال فترة حكم جمال عبدالناصر .. وآخر ايام السادات عندما رمى بكافة عقول مصر ومفكريها وأدبائها وصحفييها الى السجون.

إن العلاقة بين السلطة والاعلام علاقة شائكة .. ولا يمكن أن تحسم لصالح طرف من الاطراف .. فالسلطة تسعى وراء الاعلام اما لاستقطابه او قمعه .. والاعلام دائما لديه السلطة الاقوى والكامنة في قدرته بالتأثير على الرأي العام.

ذات مرة ضاق الرئيس الأمريكي هاري ترومان ( 8 مايو 1884 - 26 ديسمبر 1972 ) وهو الرئيس الأمريكي الثالث و الثلاثون ( 1945- 1953 )، بما تكتبه عنه الصحافة خاصة بعد الذي أمر بإلقاء القنبلتين الذريتين على مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين خلال الحرب العالمية الثانية، واراد اتخاذ قرارات سلبية بحق الصحف وبعض الصحفيين، ولكن مستشاريه نصحوه قائلين ( كيف تعادي من يشترون الورق والحبر بالجملة ).

وهو دليل قاطع على قوة تأثير الصحافة ووسائل الإعلام.
خلال هذه الدراسة سعيت لأن أبحث في قوة تأثير وسائل الاعلام .. والعلاقة الشائكة بين الاعلام والسلطة .. وهو استعراض لدراسة أشمل ستكون ضمن كتاب جديد سيصدر خلال أيام بعنوان ( البحث عن ملائكة ) .. ودمتم سالمين .


• الأمين العام للملتقى الإعلامي العربي
* [email protected]



*المراجع
(1) د.فاروق محمد أبوزيد - مقدمة في علم الصحافة – جامعة القاهرة – 1999
(2) مرجع رئيسي: د.محمد سعد ابراهيم, حرية الصحافة (دراسة في السياسة التشريعية وعلاقتها باتطور الديموقراطي) الطبعة الثانية 1999
(3) المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم - المعجم العربي الأساسي- أحمد مختار عمر- اليسكو- 1988
(4) كامل الزهيري, موسوعة الهلال الاشتراكية ( القاهرة – دار الهلال 1968 )
(5) مصطفى ابوزيد فهمي, النظرية العام للدولة, الطبعة الاولى (الاسكندرية – منشأة المعرف)1985
(6) محمد سليم العوا, التعددية السياسية من منظور اسلامي, مجلة الحوار, العدد 20 , السنة السادسة شتاء 1991
(7) سنن الترمذي, الجزء الثامن
(8) رواه الترمذي من حديث حذيفة
(9) عماد عبدالحميد النجار, النقد المباح (القاهرة – دار النهضة العربية) 1977
(10) مصطفى أبو زيد فهمي, فن الحكم في الاسلام ( القاهرة – المكتب المصري الحديث) 1981
(11) محمد سليم العوا, التعددية السياسية من منظور اسلامي, مجلة الحوار, العدد 20 , السنة السادسة شتاء 1991
(12) د. السيد محمد سلامة, الحملات الصحفية بين سلطة الدولة وسلطة رئيس التحرير 1991
(13) لويس كامل ليلة, قراءات في علم النفس الاجتماعي في الوطن العربي, المجلد الثالث, الهيئة المصرية للكتاب 1979
(14) Spranger, S.T. Types of men . Halle, Niemyer,1928, P140
(15) نعي عطية, النظريات العامة للحريات الفردية
(16) أوجين ريجا – الحسد ودوره في الحياة – ترجمة: د. محمد مختار البخشونجي.








أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "كتب ودراسات"

عناوين أخرى متفرقة
جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024