حكايات الزواج وتباين المواقف الشرعية من آخر صرعات الزواج وأنواعه في المملكة العربية السعودية ما عرف بزواج المسفار الذي تلجأ إليه طالبات مبتعثات للدراسات العليا في الخارج تشترط عليهن وزارة التعليم العالي اصطحاب محرم، وهو زواج يبدو واضحاً أنه من النوع المؤقت، أو زواج بنية الطلاق كما عرف في سياقات أخرى. وقد كانت المعضلة أن هناك من أفتى بجوازه أكان في حالة من هذا النوع أم في حالة أخرى مشابهة إلى حد كبير وإن على نحو معاكس, حيث أفتى الشيخ عبد الله المطلق عضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية مؤخراً بجوازه للطلبة المبتعثين في الخارج خلافاً لرأي الغالبية من العلماء. وكان الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، المفتي السابق للملكة قد أفتى بالجواز ثم قيل إنه رجع عن فتواه فيما رفضها الشيخ بن عثيمين رحمه الله، وعلى ذلك كان غالبية العلماء الذين شبهوه بزواج المتعة عند الشيعة بل بالغ بعضهم بالقول إنه أسوأ لما فيه من خديعة للزوجة خلافاً لزواج المتعة الذي يعرف الطرفان حقيقة أنه مؤقت. مع أن الفوارق بين النوعين تبقى أكثر من ذلك في واقع الحال لأن المتعة تكاد تقترب عملياً في ممارساتها الواقعية من الدعارة أكثر من الزواج حتى في صيغته المؤقتة التي قد تمتد لسنوات، وليس لساعات وربما أقل من ذلك في كثير من الأحيان. هناك ضجة أخرى في اليمن على خلفية ما عرف بالزواج السياحي حيث يستغل سياح -من الدولة الغنية وربما أثرياء من دول فقيرة أيضاً- فقر بعض العائلات فيتزوجون من بناتهم خلال العطلة الصيفية وربما عطلات أخرى ثم يطلقونهن مع نهاية الرحلة، الأمر الذي لا يختلف في واقع الحال عن قصة الزواج بنية الطلاق. مع العلم أن أمراً كهذا ينتشر في دول عربية أخرى -على رأسها المغرب- فيما يمارسه سياح آخرون في دول غربية وآسيوية. لو تتبعنا الأنواع المشار إليها فسنجدها محدودة إلى حد كبير ومن يمارسونها ليسوا بتلك الكثرة، ولا حاجة للمبالغة في الأمر على نحو يشيع الفاحشة أكثر من أي شيء آخر. وسبب محدوديتها في واقع الحال هو ارتفاع كلفتها في حالة الزواج السياحي، أما المبتعثون فلم يعودوا كثرة بعد ازدياد عدد الجامعات في العالم العربي وبالذات في حقل الدراسات العليا فضلاً عن أن أكثرهم متزوجون ويصطحبون زوجاتهم معهم، مع أن بعضهم قد يمارس الزواج المؤقت حتى وزوجته معه كما يحدث في بعض دول أوروبا الشرقية. الأهم من ذلك كله هو الزواج العرفي وهو الأكثر انتشاراً وربما خطراً في آن، ويظهر على نحو لافت بين طلبة الجامعات في مصر كما أخذ ينتشر على نحو واسع في العديد من الدول الأخرى التي لا يتمكن فيها الشبان من الزواج الطبيعي بسبب الأعباء الاقتصادية. ويقوم هذا النوع من الزواج على عقد شفهي أو عند محام أمام شهود، تماماً كما يحدث بالنسبة للزواج المؤقت من أجنبيات في الدول الغربية حيث يجري العقد أمام شهود في بيت؛ يسجل أحياناً في مركز إسلامي وأحياناً لا يسجل بحسب رغبة الزوج. ومعلوم أن الشروط في حالات من هذا النوع غالباً ما تبدأ في التراجع بمرور الوقت كما حصل لزواج المتعة عند الشيعة. في الظاهر يبدو الزواج العرفي مكتمل الأركان أو يحقق معظمها خلا الإشهار، والسائد فقهياً أنه زواج شرعي. وهو ما يستحق إعادة النظر في واقع الحال لأنه أشبه بعلاقة "البوي فريند" و "الجيرل فريند" في الغرب. وهي علاقة لا تنطوي على أية مسؤولية إذ تنتهي مع أول خلاف عادي، هذا بفرض حسن النية في أصل العلاقة. والنتيجة أنه مجرد علاقة جنسية أكثر منه زواجاً كامل الأركان فيه العشرة والأولاد. لاسيما أن احتمال الإنجاب لم يعد وارداً في ظل موانع الحمل المعروفة من جهة، وفي ظل توفر طرائق الإجهاض في حال وقع الخطأ وحصل الحمل، والأسوأ من ذلك كله أن سرية هذا النوع ومن ثم عبثيته وقربه من زواج المتعة قد أخذت تتعزز على نحو لافت بعد شيوع عمليات رتق البكارة بأسعار زهيدة في العيادات وفي بعض المشافي هنا وهناك. ولما كان أصل الدافع نحو هذا النوع من الزواج هو عدم القدرة على فتح بيت بسبب الأوضاع الاقتصادية، فقد ذهب الشيخ عبد المجيد الزنداني، وهو عالم معروف من اليمن، إلى الحديث عن صيغة أفضل وأكثر أماناً للمرأة بحسب رأيه هي صيغة "زواج فريند" قياساً إلى مصطلح "بوي فريند" في الغرب. وفي الصيغة المذكورة زواج مكتمل الأركان بما في ذلك الإشهار ولكن من دون سكن، حيث يكون اللقاء في مكان متاح في بيت أهل الزوج أو الزوجة أو أي مكان آخر ربما عند صديق أو قريب، وذلك ريثما يتوفر السكن والقدرة على فتح بيت والإنفاق عليه. قبل هذه الصرعات الجديدة كان زواج المسيار هو الأكثر جدلاً في السعودية قبل أعوام وانتقل بعد ذلك إلى معظم الدول العربية، وهو نوع لم يجد أغلب العلماء أي بأس فيه لأنه زواج طبيعي، لكن الزوجة تتنازل فيه عن بعض حقوقها بكامل إرادتها وإن لم يكن برغبتها كأنثى من الطبيعي أن تحلم بزوج كامل المواصفات. لكن عدم توفر فرصة من هذا النوع تدفعها وهي القادرة على فتح بيت والإنفاق عليه، إلى قبول زوج متزوج يأتيها لبعض الوقت فيغدو لها أسرة وأولاد في النور وأمام الناس من دون أن تشعر أنها عالة على أحد. والحال أننا أمام زواج يلبي كثيراً من حاجات المرأة التي لا تتوفر لها فرصة الزواج المعروف ذلك أنه يمنحها فضاءً للأسرة الحقيقية بدل أن تبقى أسيرة الوحدة أو تحكم الإخوة بعد رحيل الأبوين، وبالطبع في مجتمع له خصوصياته من الناحية الاجتماعية. من المؤكد أن هذه الصيغ جميعاً تخضع للحاجة ونظام العرض والطلب، وليس ثمة امرأة تحصل على زوج بمواصفات كاملة يمكنها أن تقبل المسيار أو العرفي فضلاً عن السياحي، اللهم إلا إذا كانت تعاني من عقد أو انحرافات نفسية وخلقية، مما يعني أن معالجة هذا الواقع لا تكون إلا بمعالجة أسبابه ومعظمها اقتصادية تعود لعدم قدرة الشباب على الزواج. ويبقى الزواج المؤقت من أجنبيات وهو زواج ينطوي على خديعة تسيء إلى الإسلام والمسلمين، اللهم إلا إذا كان بمعرفة الزوجة كأن يخبرها منذ البداية بأن زواجه منها مؤقت قد ينتهي بمدة الدراسة، مع أن ذلك ليس صحيحاً أيضاً بحسب رأي الكثير من العلماء نظراً لما ينطوي عليه من تشويه لفكرة الزواج في الإسلام. الأكيد أن هذه النماذج من الزواج تنطوي على خطورة وتسطيح لقيمة عقد الزواج في الإسلام، والذي سماه الله عز وجل "ميثاقاً غليظا". ولا ينبغي للعلماء أن يتسامحوا في تحويل هذا الميثاق إلى كلمة عابرة أو ورقة بلا قيمة، وإلا تحول إلى النموذج الأوروبي الذي لا يستقر في أغلب الأحيان. ونعلم هنا الفارق بين زواج يقوم على نظام الأسرة والأحساب والحقوق، ونظام يقوم على الهوى الذي يتغير بين يوم وليلة ربما بسبب خلاف عابر يتوفر مثله في أكثر البيوت من دون أن يؤدي إلى الطلاق بل إلى ما دون ذلك من شجار وهجر. في الغرب يغيّر الشاب صديقته مرات ومرات قبل أن يستقر على واحدة؛ هذا إذا استقر، والسبب هو أن معادلة الحب والهوى والانسجام هي التي تحدد مسار العلاقة. أما في الإسلام فتتحدد بالذرية والأخلاق والقيم والعشرة، وقديما قال عمر بن الخطاب لامرأة جاء زوجها شاكياً إليه بعد أن ألحّ عليها بسؤال هل تحبينني فأجابت بلا. قال لها عبارة توزن بماء الذهب "إذا كرهت إحداكن أحدانا فلا تخبره ذلك فإن أقل البيوت يقوم على الحب ومعظمها يقوم على الإسلام والأحساب". وكما قلنا من قبل: لو كان الحب فقط هو الحاكم لانهارت الأسر بدليل أن 70% من الأولاد في بريطانيا يولدون خارج مؤسسة الزواج. عقد الزواج ميثاق غليظ، لا ينبغي أن يتحول إلى نكاح متعة على طريقة إخواننا في المذهب الشيعي لاسيما بعد التساهل المفرط فيه عند بعضهم، لأن أمراً كهذا لا يبقي معنىً للأسرة التي هي اللبنة الأساسية في تماسك المجتمع وهي لبنة ما أن تهدم حتى يغدو المجتمع خراباً في خراب. لقد انهارت الكثير من القيم في مجتمعاتنا الإسلامية ولم تبق سوى قيمة الأسرة للحفاظ على النسل والروابط الاجتماعية، وإذا ما بدأت فيروسات الانهيار تضرب في هذه المؤسسة المهمة كما يريد الغرب فستنهار مجتمعاتنا. ولا شك أن الغربيين يحسدوننا على هذا التماسك في مؤسستنا الأسرية، خلافاً لما يروج بعض الحداثيين الذي ينعقون كالغربان على هذا الصعيد. الأصل في العلماء وأولي الأمر أن يفتشوا عن الأسباب التي تؤدي إلى هذه الفوضى بدل البحث عن فتاوى تيسر سبل الجنس (مجرد الجنس) تحت مسميات مختلفة، ذلك أن الزواج في ديننا ليس مجرد علاقة جنسية بل سكن ومودة ورحمة وبيت وأولاد وشراكة في بناء الحاضر والمستقبل. ويبقى القول إن عدم الزواج أو تأخره لا يؤدي بالضرورة إلى الوقوع في الزنا كما يروج البعض اللهم إلا من ملك الاستعداد لذلك من الأصل، وقد رأينا في جميع دول أوروبا أعداداً هائلة من الطلبة الملتزمين بدينهم وقيمهم أكثر مما كانوا عليه في بلادهم وهم عزاب لا تنقصهم الفحولة. يحيلنا ذلك كله إلى ظاهرة العنوسة بالغة الخطورة في العالم العربي، لكن هذه الظاهرة لا تعالج بصيغ هي أقرب إلى التنفيس الجنسي منها إلى حل حقيقي للمعضلة معضلة العنوسة وعدم حصول البنات على أزواج مناسبين، وهذه الأخيرة تتجاوز الجنس لتطال الشعور بالسكن والأمان في ظل بيت وزوج وذرية. من المؤكد أن الأبعاد الاقتصادية هي الأساس في مشكلة العنوسة هنا لأن الإحصاءات ما زالت تؤكد أن عدد الذكور والإناث يكاد يتساوى في الدول العربية والإسلامية باستثناءات محدودة، ولن نتحدث هنا عن الإحجام عن تعدد الزوجات لدى القادرين من الرجال أو لجوئهم إلى صيغ زواج من تلك المشار إليها. لن تفصل هذه السطور في شأن معالجة ظاهرة العنوسة التي يتداخل فيها الاقتصادي بالتشريعي بثقافة الاستهلاك التي غزت مجتمعاتنا، لكنه مرور ضروري في سياق الحديث عن أنواع كثيرة من الزواج والتي لا تلبي الشروط الإسلامية، بقدر ما تلبي شروط أقوام يريدون أن يستمتعوا جنسياً من دون أن يدفعوا الكلفة المترتبة على ذلك من الناحية الشرعية والمادية والمعنوية كما تفرضها شريعة الإسلام. ـــــــــــــــ كاتب فلسطيني الجزيرة نت |