|
اليمن السّعيد، صبية يمرحون وقصور تلاحق عنان السماء حين كنت أتملّي صور الكتاب المنشور عن اليمن في إيطاليا هذه الأيّام، والموشّي بنصوص شعرية للشّاعر اليمني عبدالعزيز المقالح، بترجمة الأستاذ التّونسي بجامعة لاسابيينسا عزالدّين عناية، وجدت نفسي أنجذب للصّورة حينا وأتمعّن في جمال الكلمة أخري، بنصّيها العربي والإيطالي. أحسست براحة تثلج الصّدر، فالكتاب صورة عن اليمن السّعيد، صبية يمرحون ورجال يكدحون وقصور شاهقة تلاحق عنان السماء، توحي إليك بعلوّ خلق أتباع محمّد (ص)، بعربهم وأمازيغهم وكردهم وفرسهم؛ والكلمة عبارة عن نبع جار لشجن اليمن في زمن عزّ فيه السلام والإيلاف، انتقاها المترجم من ركن "تداعيات" بصحيفة "القدس العربي". إنه مرج بين سحر الصّورة الهادر ووهج الكلمة الثّائر، ذلك ما بدا لي وأنا أتصفّح الكتاب. فالمصوَّر-المؤلَّف يخلو من تلك النزعة الأزوتيكية العجائبية المقيتة، التي اعتاد البعض ترويجها عن أهالي الشّرق. فقد صادف أن تابعت كتبا أخري في الشأن منشغلة بالصّورة، لمحت فيها كيف حُوِّلت بلدان بأسرها إلي خزّان للبدائية، وهو ما لم تنج منه عديد البلدان العربية التي صارت في ذهن الغربي متحفا للإنسان النيادرتالي وللديانات البدائية. ربما مشاركة الأستاذ عزالدّين عناية في اختيار المقاطع الشّعرية وفي الموافقة علي بعض الصّور ورفض بعضها، هو ما حدّ أو بالأحري ما منع تلك النزعة الغرائبية عبر الكتاب التي عادة ما تروّج عن الآخر. راق لي ما تميز به الكتاب من جمع بين الصّورة والكلمة، علّ الرّسالة تكون مزدوجة. فما أحوج النّاطقين بلغة الضّاد إلي ترجمة أعمالهم إلي ألسن جيرانهم، فالقوم هنا يجهلون أنهم يكتبون. فلا حضور في الغرب لثقافة الناطقين بالعربية إلاّ بالترجمة. أطوف في جامعات إيطاليا ومكتباتها فأستغرب من جهل القوم بشعرائنا ومفكّرينا وكاتباتنا، الأحياء منهم والأموات، فلا حضور في لغة الطليان لأبي القاسم الشّابي، ولا لمفدي زكرياء، ولا لبنت الشّاطئ (عائشة عبدالرحمان)، ولا لهند شلبي، ولا لمحمّد عابد الجابري، ولا للطّاهر بن عاشور، ولا لطه عبد الرّحمان، ولا لمحمّد الخالدي، ولا لنورالدّين صمّود والقائمة تطول. فأقول هذه إيطاليا التي علي مرمي حجر من تونس أهلها يجهلوننا، فكيف بالأباعد منهم في بلاد الشّمال، أبينهما برزخ لا يبغيان!؟. *القدس العربي *كاتبة جزائرية مقيمة بروما |