أنفلونزا المشترك من يقبل بالخيار الديمقراطي لا بد أن يؤمن بأن الديمقراطية ليس فيها غالب ومغلوب، فالوطن دائماً هو الذي يجب أن يكسب.. أما عندما نفكر بعقلية الغالب والمغلوب فإن الأمر سيخرج عن الهدف الأساسي من ممارسة الديمقراطية، الذي هو تقويم الأداء, والارتقاء بالدولة إلى ما يكفل للمجتمع حياة إنسانية كريمة.. لأن القوى السياسية حينذاك ستصب تفكيرها نحو الغاية دونما اكتراث لأهمية بلوغها بوسائل نظيفة وشريفة، طالما والهدف نبيل. للأسف الشديد أن بعض القوى السياسية في بلادنا بقدر ما تتمسك بحقها في ممارسة الديمقراطية والتمتع بالحريات بقدر ما هي ترفض القبول بنتائج الديمقراطية وترفض أن تكون طرفاً مساهماً في تعزيز الحريات.. لأنها تنظر إلى من أولته الصناديق الانتخابية ثقة الجماهير على أنه خصم لدود لها، وبالتالي فإنها لا تحاول البحث عن الأسباب التي قادت إلى هذه النتيجة، وإنما تشغل نفسها بالتفكير في كيفية الكيد, والانتقام من الآخر، والتشكيك بكل نواياه، وبرامجه، والتفكير بوسائل إعاقتها.. لأن هناك من لا يؤمن بأن الديمقراطية هي وسيلة عمل وطني تهدف الوصول إلى أفضل الصيغ والبرامج لحكم الدولة وإدارة مؤسساتها وأجهزتها المختلفة. ومن هنا وجدنا أن الإخوة في أحزاب اللقاء المشترك لم يعد من تفكير يشغل رؤوسهم غير فخامة الرئيس علي عبدالله صالح، إلى الدرجة التي صار حتى من يتلقى مشاكسة عبر هاتف الموبايل يصدر بياناً يحمل فيه الرئيس المسئولية..!! والبعض حتى عندما يواجه إشكالية في مكتبه الوظيفي تجده يترك سلسلة المدراء والمجالس المحلية والوزير ورئيس الحكومة ويبدأ التحدث عن الرئيس.. ولعل هذه الثقافة التي تعيشها ساحتنا تؤكد بوضوح بأن هذه الأحزاب همها الأول والأخير هو كرسي الرئاسة.. وهي وإن كان من حقها الديمقراطي التطلع إلى ذلك ولكن ليس بإشاعة الفوضى وترسيخ ثقافة مغلوطة، وشخصنة العمل السياسي الوطني. وفي الحقيقة أن الحالة التي تعيشها هذه الأحزاب ونلمسها في وسائل إعلامها، وخطابها السياسي عبر المنابر المختلفة، أصبحت أقرب ما يكون إلى حالة انفلونزا تنقل عنوانها من مكان إلى آخر، ومن فئة إلى أخرى ولم يكن منطقياً الشعور بالسعادة لأجل تفشيها لكونها حالة مرضية، وليست مظهراً حضارياً يستحق الاحتفاء والفخر. فاللقاء المشترك أغرق نفسه في الحديث عن كرسي السلطة، ولم يجرؤ على التأمل في البرامج الوطنية المطروحة.. ولم يكلف نفسه عناء مناقشة شيء مما هو معترض عليه بموضوعية.. أليست جميع القوى الوطنية مسئولة عن بناء الوطن؟ أم أن هناك من يعتقد أن الديمقراطية هي مجرد حقوق مكتسبة بغير واجبات ومسئوليات بالمقابل. إن إفراط الإخوة في المعارضة في تسييس الحياة اليومية، وتحزيبها، خلط الحق بالباطل وأفرز حالة ضبابية من الرؤية للقضايا الوطنية تشوبها الكثير من القيم السيئة المستحدثة التي أفضت في بعض الأوقات إلى ظهور من يبيح لنفسه حق الطعن بالوحدة اليمنية، وبث الفتن المناطقية، والمذهبية، والعنصرية، لكون هناك من يفهم الديمقراطية والحريات على تلك الشاكلة، ويلغي أي ضوابط أخلاقية ومحددات قانونية لممارساتها. إن من أكبر أخطاء الحزبية هو أن تتحول إلى مكايدة، وتلغي من اعتباراتها الثوابت الوطنية والمصالح العليا للجماهير وتحاول فرض نفسها بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة على الجماهير، وحتى على نتائج الصناديق الانتخابية.. ومن الخطأ الجسيم أن تستخف الحزبية بإرادة المواطن متى ما لم يوافق أهواءها ومصالحها.. فإن قال لها "لا" اتهمته بالكذب والزور وبيع البطاقة الانتخابية، وأشاعت في كل مكان بأنه مواطن متخلف، أو جبان يخاف على وظيفته أو مرتبه، ضاربة بموقفه وإرادته عرض الحائط، بل وتمنح نفسها حتى حق الحديث باسمه وبالنيابة عن رأية. إننا اليوم أمام ظواهر سلبية للممارسة الديمقراطية.. ويجب أن نصحهها ونعلم أنفسنا ثقافة احترام نتائج الديمقراطية.. وثقافة المشاركة الإيجابية في بناء الحياة الإنسانية للمجتمع.. والفرز بين ما هو حق وما هو باطل، وبين ما هو مشروع وغير مشروع.. وأن لا نفرح بتفشي انفلونزا الاتهامات والتشكيك، والطعن بالذمم لأنها حالة مرضية، وليس من قيمنا الإسلامية ولا من استحقاقاتنا الإنسانية أن تصبح انفلونزا المشترك هي ثقافة المجتمع والأسرة اليمنية. *عن صحيفة الثورة |