عاش كبيراً ومات كبيراً في ظرف أسبوع خسرت اليمن كوكبة من أعلامها وزعمائها من رجال المال والأعمال والسياسة ممن كانت لهم أدوارهم الكبيرة وإسهاماتهم المتميزة خلال مشوار حياتهم الحافل بالأحداث والمواقف التي جعلتهم يحتلون مكانتهم في الواقع وفي نفوس الناس بجدارة لا توصف، ليمثل رحيلهم عن هذه الدنيا الفانية خسارة كبيرة لا تعوض، ومن هؤلاء الفقيد الكبير الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رئيس مجلس النواب اليمني ورئيس حزب الإصلاح الذي توفاه الله بعد صراع شديد مع المرض رحمه الله واسكنه فسيح جناته، ولا شك أن موته شكل خسارة كبيرة بكل المقاييس على الصعيد الوطني اليمني أو العربي بحكم الأدوار الهامة والحاسمة التي تحملها منذ صباه في مسيرة الثورة والجمهورية، ليصبح أحد الأعمدة الأساسية في صناعة القرار والحسم بما يخص القبل أو سياسات النظام وفرض حالة التوازن السياسي والاجتماعي قبل الوحدة وبعدها لما يتمتع به من وزن قبلي وما يتصف به من مزايا صواب الرأي والحكمة والحسم والاتزان وبالذات فيما يخص العلاقات الداخلية وكذا الخارجية مع الأشقاء في المملكة العربية السعودية والمنطقة ليصبح مرجعية وطنية كبيرة يعتمد عليها كثيراً ولا يمكن لأحد التغاضي عنها أو تجاوزها ، كما مثل رحمه الله عامل توازن وكابح داخلي قوي للاتجاهات السياسية المختلفة وبالتحديد للمندفعة والمتطرفة منها وكان مدافعاً اساسياً وداعماً لقضايا الأمة العربية والإسلامية ومنافحاً عن قضاياها المصيرية وبالتحديد في الموقف من القضية الفلسطينية والعدوان على مقدراتها الأمر الذي أكسبه مكانة عربية وإسلامية رفيعة. تشرفت كثيراً بالتعرف على هذه الشخصية المميزة منذ سنوات الحوار الوحدوي في نهاية الثمانينات من القرن الماضي، ورغم تشدده في بعض المواقف اثناء الحوارات الثنائية الا أنه كان يعيد النظر في الموقف رغم الخلاف في وجهات النظر حول بعض الأمور، كما تكررت لقاءاتنا بعد الوحدة في صنعاء وبالتحديد اثناء الجهود لرأب الصدع الذي نشأ بين أطراف الوحدة وأدى إلى الحرب في 1994م وكان لنا معه أكثر من لقاء في منزله العامر كان آخرها بعد العودة من الخارج بمعية الدكتور ياسين سعيد نعمان الأمين العام للحزب الأشتراكي وعدداً من القيادات، وحين كنت متواجداً في الخارج صادف أن التقيته عدد من المرات منها في فندق حياة ريجنسي في دبي حيث كان يقود وفداً من الوزراء ومن مجلس النواب والمشايخ في عام 1997م وهو في طريقه إلى طهران ويومها كان يتحدث بإعجاب عما شاهده في مدينة دبي وحين سألته عن رأية فيما شاهد أجاب كعادته بأختصار ولكن بعمق الحكيم : رأينا رجالاً لديهم عقول ووظفوا مالهم بالصورة الصحيحة..وفي المرات التالية التقيته بقصر المؤتمرات بجدة وكان حاضراً في كلاهما صديقة الحميم المغفور له بإذن الله الوالد الشيخ عمر قاسم العيسائي الذي ربطتهم ببعض علاقة صداقة وزمالة حميمة كشيوخ حقيقيين وكثنائي متميز ومتشابه جمعهما الشأن اليمني والسعودي وكأنهما قطباه الحميمان، ثنائياً مميزاً قلما جمع الزمان مثلهما في أمور عديدة حتى أن الأقدار امتحنتهما في نفس المرض وتوفيا في نفس الوقت. كانت هذه اللقاءات من أهم اللقاءات بالشيخين الجليلين رحمهما الله إذا تعمد الشيخ عمر قاسم العيسائي من واقع الحرص على تحسين وتلطيف الأجواء بين الفرقاء في اليمن ومن واقع محبته واحترامه للشيخ عبدالله استدعائي للقاء به حتى نقرب وجهات النظر ونزيل ما علق من شوائب بالعلاقات الداخلية فيما بيننا جراء الحرب في 1994م، وكان لهذه اللقاءات نتائجها المثمرة التي أدت إلى تصفية وتنقية الأجواء والتي كان من شأنها عودة الكثيرين ممن نزحوا إلى الخارج، وتحسين العلاقة بين احزاب اللقاء المشترك وقيادته لها وانهاء اللبس والخصومة الايديولوجية بين أطراف العمل السياسي اليمني, أن في صفوف المعرضة أو مع الحزب الحاكم بقيادة فخامة الرئيس علي عبدالله صالح، وكان من شأن ذلك تعزيز عوامل الثقة والاحتكام إلى مبادئ الديمقراطية وصناديق الاقتراع التي شهدتها اليمن مؤخراً، وحقا فإن الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رحمه الله كان شيخاً وقائداً كبيراً عاش مسيرة حافلة قد لانفية حقه بهذه الكلمات المتواضعة ينطبق عليه القول (من عاش لغيره عاش كبيراً ومات كبيراً). دبي16/1/2008م *26سبتمبر |