الأربعاء, 27-نوفمبر-2024 الساعة: 07:30 م - آخر تحديث: 07:26 م (26: 04) بتوقيت غرينتش      بحث متقدم
إقرأ في المؤتمر نت
30 نوفمبر.. عنوان الكرامة والوحدة
صادق‮ ‬بن‮ ‬أمين‮ ‬أبوراس - رئيس‮ ‬المؤتمر‮ ‬الشعبي‮ ‬العام
ذكرى الاستقلال.. وكسر معادلات الطغيان
قاسم‮ محمد ‬لبوزة‮*
الذكرى السنوية للاستقلال الوطني من الاحتلال البريطاني البغيض
أ.د عبدالعزيز صالح بن حبتور
ثورة الـ "14" من أكتوبر عنوان السيادة والاستقلال والوحدة
بقلم/ يحيى علي الراعي*
زخم الثورة وحاجته لسلوكٍ ثوري
إياد فاضل*
خواطر في ذكرى تأسيس الموتمر الشعبي العام
د. أبو بكر عبدالله القربي
المؤتمر الشعبي رائد البناء والتنمية والوحدة
عبدالسلام الدباء*
شجون وطنية ومؤتمرية في ذكرى التأسيس
أحمد الكحلاني*
ليبارك الله المؤتمر
راسل القرشي
ميلاد وطن
نبيل سلام الحمادي*
رؤية وطنية تلبّي احتياجات الشعب
أحلام البريهي*
المؤتمر.. حضور وشعبية
أحمد العشاري*
قضايا وآراء
المؤتمر نت -
أحمد الحبيشي -
لليمن ..لا لعلي عبدالله صالح.. مصادرة حرية الإختيار تحت شعار (الانقاذ) (10)
في حلقات سابقة من هذا المقال تناولت بعض اتجاهات الخطاب السياسي والإعلامي المعارض في جميع المحطات الانتخابية التي فشلت فيها أحزاب (اللقاء المشترك) موضحاً أهم القواسم المشتركة التي تجمع هذه الأحزاب لجهة نزوعها إلى دفع البلاد نحو مناطق رمادية وزوايا حادة، وإصرارها على اجترار واستعادة قوالب التفكير الجامدة التي تعجز عن صياغة المهام القابلة للتحقيق . ولئن كان المشهد السياسي الراهن ينطوي على مخاطر جدية بسبب تصاعد الميول لقرع طبول المواجهة ، و تشغيل ماكنة انتاج الأزمات التي يسندها خطاب سياسي واعلامي طافح بالأفكار والنزعات المذهبية والسلفية والمناطقية والانفصالية ، فإن ذلك يعود الى أن الخطاب السياسي والاعلامي لأحزاب ( اللقاء المشترك) درج في الآونة الأخيرة على تسويق مشاريع ذات طبيعة انقلابية ، وصلت ذروتها بالاعلان عن تشكيل حكومة (انقاذ وطني ) برئاسة الشيخ حميد الأحمر القيادي البارز في حزب التجمع اليمني للاصلاح ، والذي لم يخف طموحه للوصول الى سدة رئاسة الجمهورية ، حين طالب الرئيس الشرعي المنتخب علي عبدالله صالح بالتنحي عن الحكم في حديث تليفزيوني بثته قناة ( الجزيرة ) قبل اسبوعين من إعلان أحزاب ( اللقاء المشترك ) عن تشكيل حكومتها غير الشرعية برئاسة شيخها الذي يتصرف وكأنه أضحى قاب قوسين أو أدنى من احتلال دار الرئاسة .

ولا أبالغ حين أقول أنني شعرت وما زلت أشعر منذ ذلك اليوم بقلق شديد على مستقبل البلاد عموماً، والديمقراطية خصوصاً، حيث غدا واضحاً ان ثمة من يحاول تحويل العمل السياسي الى مشروع للإنقلاب على الديمقراطية والتعددية، وفرصة للتسلل الى السلطة عبرالأبواب الخلفية والوسائل غير الدستورية.. ومما له دلالة ان الشيخ حميد الأحمر حرص على الظهور عبر قناة (الجزيرة) في صورة مركبة تجمع بين الاخواني الديمقراطي والسلفي الشوروي عندما تحدث عن التزامه بما أسماها ( الديمقراطية الشوروية والتعددية السياسية كشروط أساسية لبناء الدولة الوطنية )!!.

أعترف أنني صدمت كثيراً بعد مشاهدتي اللقاء الذي أجرته قناة (الجزيرة) مع الشيخ حميد الأحمر ، ومبعث هذه الصدمة أن الفكر الإسلامي منذ ظهور أنظمة الحكم السلالية في التاريخ الإسلامي التي دشنتها الخلافة الأموية عام 41 هجرية ( 641 م ) ، حتى سقوط الخلافة العثمانية في عشرينات القرن المنصرم لم يبلور على امتداد ألف وأربعمائة عام مناهج َ وآلياتٍ ومؤسسات وسلطات واضحة ً ومحددة للشورى، التي وردت في القرآن الكريم كركن من أركان الإسلام بعد الصلاة والزكاة ، ناهيك عن أن الفقه الإسلامي لم يوضح أحكاماً واضحة وصريحة للشورى ، ولم يفرد لها باباً خاصاً على غرار ما فعله الفقهاء مع الصلاة والصيام والزكاة والخمس والمواريث والحيض والنفاس والنكاح والوضوء والحلال والحرام والغزو والجهاد و دار الحرب ودار الإسلام .. الخ .

وحين يتم ربط (( الشورى )) بالديمقراطية على نحو ما جاء في حديث الشيخ حميد الأحمر بوصفه الرئيس المفترض للحكومة الانقلابية التي شكلتها أحزاب ( اللقاء المشترك ) قبل اسبوعين في أحد فنادق العاصمة صنعاء ، فإن ثمة خوفاً لايجوز إخفاؤه من حدوث تلاعب أو خلط بين الأوراق والألفاظ والمعاني هروباً من الإختلافات الكبيرة والواسعة في المفاهيم والأطر والآليات ، وهي اختلافات يستند اليها الفقهاء السلفيون وشيوخ الجماعات الإسلامية التي تسير على نهجهم النقلي في موقفهم المعادي للديمقراطية، بذريعة تعارضها مع (( الشورى)) الإسلامية ، واتهام من يوافق على الديمقراطية من (( الإسلاميين )) بالتغريب والعلمانية والخروج عن الجماعة ومهادنة النظم والطوائف الممتنعة!!.

وعليه فإننا مطالبون بحسم هذه المسألة .. فإمّا أن نتعاطى مع (( الشورى )) ونجتهد في توضيح مفهومها وبلورة آليات تنفيذها وأطر ممارستها ونطاق سلطتها ومصدر شرعيتها ومدى إلزامينها ، فيكون مفهومنا للشورى تبعاً لذلك وبصورة واضحة لا لبس فيها هو الديمقراطية بقيمها المعاصرة في عالمنا الإنساني ومعاييرها الدستورية في بلادنا .. أو أن نتعاطى مع (( الديمقراطية )) بحسب مفهومها وآلياتها وقيمها المعاصرة ونطاق سلطتها وشرعية مؤسساتها كما هو محدد في دستور الجمهورية اليمنية .. وقد كتب الكثير من المفكرين والكتاب مؤلفات ودراسات عديدة حول هذه القضية إستناداً الى إشكاليات وخبرات الحوار الفكري بين مختلف تيارات الفكر السياسي العربي ، طوال العقدين الماضيين، بما في ذلك مواقف الإسلاميين المتناقضة بين التشدد في رفض الديمقراطية وتكفيرها على إمتداد النصف الثاني من القرن العشرين ، وبين التراجع والتسليم بقبولها بعد النصف الثاني من تسعينات ذلك القرن !!.

اللافت للنظر ان الشيخ حميد الأحمر أبدى عناية ملحوظة في عرض أفكاره واختيار الألفاظ التي تعبر عنها ، وكان حريصاً على الحديث عن (تعددية سياسية) أكثر من الحديث عن تعددية حزبية وفكرية ، بمعنى الدعوة الى نظام شمولي أوامري مركزي يتم تجميله بهامش من التنوع المؤقت في الآراء و ((الإجتهادات)) السياسية أثناء المرحلة التي تسبق إتخاذ القرارات، وهو ما يحدث عادةً في أنظمة الحزب الواحد أو الجبهة الوطنية المتحدة .. على العكس من التعددية الحزبية التي تتجسد فيها خيارات برامجية ورؤى فكرية متعددة إستناداً ً الى قاعدة واسعة من الحريات والحقوق المدنية والسياسية ، وضمانات وآليات دستورية للتعبير عن حرية الرأي والفكر والحصول على المعلومات ، الأمر الذي يهدد بالإنقلاب على الديمقراطية والتضييق على آلياتها وكبح تطورها !! ؟

والحال ان افكار الشيخ حميد الأحمر التي عرضها علينا عبر قناة ( الجزيرة ) لا تختلف عن مشروع بائس للاصطفاف الوطني سبق لأحزاب (( اللقاء المشترك )) التقدم به بعد فشلها في الاتخابات البرلمانية لعام 2003م ، في مواجهة مشروع مماثل دعا اليه الرئيس علي عبدالله صالح آنذاك ، حيث طالبت أحزاب " اللقاء المشترك " في ذلك المشروع الذي انفردت بنشره في ذلك الوقت صحيفة ( الصحوة ) فقط ولم تنشره بقية صحف تلك الأحزاب بدمج التعددية الحزبية في إطار (( منظومة سياسية متكاملة)) تجسيداً للديمقراطية الشوروية !! ، ثم اقترحت بعد ذلك تشكيل لجان ٍ متخصصة من أطراف هذه " المنظومة " للقيام بمهمة إلغاء أو تعديل كافة السياسات والبرامج الحكومية التي نفذتها حكومة المؤتمر الشعبي العام خلال السنوات الماضية في كافة المجالات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية والتعليمية بموجب تفويض دستوري حصلت عليه من إغلبية الناخبين في الإنتخابات السابقة ..وهو ما يعني تغيير كافة السياسات والبرامج الحكومية بواسطة (( لجان متخصصة )) تستمد شرعيتها من (( المنظومة السياسية )) التي يقترحها المشروع ، لا من خلال تداول سلمي للسلطة يستمد شرعيته من صندوق الإقتراع !.
بوسع كل من يقارن حديث الشيخ حميد الأحمر بمشروع (اللقاء المشترك ) الذي انفردت بنشره صحيفة ( الصحوة ) فقط قبل حوالي خمس سنوات ملاحظة إفراط الخطاب السياسي الاسلاموي في تبني صيغة (( المنظومة السياسية المتكاملة )) و اختزال دور الأحزاب في نطاقها وهي صيغة عائمة وفضفاضة حبث يتم تجاهل دور الأحزاب ومكانتها بوصفها جزءاً أصيلاً من المنظومة السياسية للدولة ،وكأن الهدف من كل ذلك هو فتح الباب على مصراعيه لإجراء جراحة دستورية كبيرة تستهدف تعديل شكل النظام السياسي الديمقراطي التعددي ووظائف مؤسساته الدستورية .

مما له دلالة ان الخطاب السياسي الاسلاموي للشيخ حميد الاحمر وأحزاب ( اللقاء المشترك) بقيادة حزب الشيخ يسرف في تسويق دعوته لإصلاح النظام الإنتخابي عن طريق الأخذ بنظام القائمة النسبية، الذي يحتاج تطبيقه الى تعديل مادة دستورية واحدة فقط ، فيما لا تخفي أحزاب (اللقاء المشترك ) وشيخها الملهوف بكرسي الرئاسة رغبتها في استغلال فتح هذا الباب لتمرير تعديلات دستورية واسعة تلبي أهدافها الضيقة ، علماً بأن المؤتمر الشعبي العام سبق له تبني الدعوة لإصلاح النظام الإنتخابي بينما رفضتها أحزاب المعارضة في وقت سابق ، بما في ذلك مبادرة رئيس الجمهورية بشأن التعديلات الدستورية المقترحة لاصلاح النظام السياسي.

لا يحتاج القارئ الى ذكاء نوعي كي يستنتج ان احزاب (( اللقاء المشترك )) تتطلع الى تجويف الديمقراطية ومصادرة وظيفة صندوق الإقتراع ، وإلغاء حق الناخبين في منح السلطة الشرعية للحزب الذي يحصل برنامجه الإنتخابي والسياسي على ثقة غالبيتهم ، بما في ذلك حق الناخبين في إختيار بديل آخر وبالوسيلة ذاتها في دورة إنتخابية لاحقة ، بهدف تطبيق سياسات وبرامج حكومية جديدة ومغايرة ، على نحو ٍ يجعل من الشعب مصدر شرعية الحكم وصاحب الحق في اختيار البرنامج الذي يراه مناسباً لتطوره اللاحق بدون اية وصاية من أحد .

ولئن كانت أحزاب(( اللقاء المشترك )) بقيادة حزب التجمع اليمني للاصلاح والشيخ حميد الاحمر لا تكتفي بالحديث عن تعددية سياسية عائمة وفضفاضة ، بل تتجاوز ذلك الى الافراط في الحديث عن دعوتها لإلزام الدولة والحكومة و كافة الأحزاب السياسية وقوى المجتمع المدني بتنفيذ برنامج سياسي موحّد ومتفق عليه في كافة المجالات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والتعليمية والثقافية ، وصولاً الى فرض قوالب ايديولوجية صارمة ومطلقة على الحياة الفكرية وحرية التعبير إنطلاقاً من مُطْلَقات تتذرّع بالدين والقومية ، وسبق للإنظمة الشمولية الإستبدادية ممارستها ضد المفكرين والمثقفين والمواطنين عموماً .

لاريب في أن فرض صيغة جاهزة ووحيدة لبناء الدولة والإقتصاد والثقافة والتعليم يتطلب بالضرورة نمطاً شمولياً وأحادياً لنظام الحكم بعيدا ًعن أي شكل من أشكال تعددية الخيارات والبرامج والرؤى ، وما يترتب على ذلك من مصادرة الحقوق المدنية والسياسية للمواطنين ، ودمج الأحزاب في (( منظومة سياسية متكاملة )) وإلحاق المجتمع المدني بالدولة، وكل ذلك يقود في نهاية المطاف الى التسلط والإستبداد .

ولمّا كانت الشمولية تبدأ بفرض صيغة واحدة ومُطلقة لإدارة شؤون الدولة والإقتصاد والمجتمع ، فإنها تنتهي بإقامة إستبداد سياسي على ركائز فكرية وعقائدية عبر فرض قوالب جاهزة للتفكير والتعبير ، ومصادرة حرية الرأي والفكر في وسائل الإعلام والثقافة وجميع الوسائل التي أنتجتها تكنولوجيا الإتصال والمعلومات.

لا يجد الباحث في أدبيات حزب التجمع اليمني للاصلاح بوصفه قائد وموجه أحزاب((اللقاء المشترك )) صعوبة في التعرف على رؤيته الثقافية والإعلامية التي يزعم بأنها نابعة من ((الدين والثوابت الشرعية )) ، وهي صيغة مموّهة لأدلجة الاستبداد السياسي ومحاربة العقل وممارسة الإرهاب الفكري ضد المفكرين والمثقفين وتقييد حرية التعبير وحرية الصحافة ، وتنميط الإعلام والثقافة إنطلاقاً من مُطلقات عقائدية تتذرّع بالدين والقومية ، بالتوازي مع رغبة مدفونة لإحياء نظام التعليم الحزبي بغطاء ديني ، والذي تم دمجه قبل سبع سنوات بالتعليم العام منهجا وإدارة ومؤسسة تطبيقا لقانون التعليم ، حيث يحرص الحزب القائد في تكتل (اللقاء المشترك ) على المطالبة بإصلاح النظام التعليمي ( منهجا وإدارة ومؤسسة في ضوء تعاليم الإسلام ) بحسب العديد من وثائقه ، وهي إشارة مموّهة تُخفي ميولاً لتمرير أحد خيارين، اولهما تحويل نظام التعليم العام بأسره الى تعليم ديني ، وثانيهما التراجع عن توحيد النظام التعليمي منهجا وإدارة ومؤسسةً ، وإحياء نظام التعليم الديني الموازي الذي كان يقوده هذا الحزب ، ويستأثر بموازنته الفلكية ويسخَّر موارده وجهازه الفني والإداري والمالي لاغراضه الحزبية وعلاقاته الخارجية مع الحركات والجماعات الإسلاموية المتطرفة في البلدان العربية .

بيد أن التستر بالإسلام والتوسل به لتمرير هذه الأهداف السياسية الضيقة لا يصمد أمام الحقائق، خصوصاً بعد انكشاف الدور التخريبي الذي لعبته أجهزة استخبارية دولية في توظيف واستخدام نظم التعليم الديني في العالم الإسلامي لنشر أفكار متشددة وثقافة متعصبة ، وإعداد الجماعات الإرهابية وخوض حروب بالوكالة ، وتعبئة الشباب بنزعات التكفير والكراهية والتطرف خلال حقبة الحرب الباردة ، قبل أن ترتد سهام هذه اللعبة الخطرة الى نحر راعيها وعرّابها الأول في الحادي عشر من سبتمبر 2001 .

والحال ان الدين ليس حكراً على حزبٍ معين أو جماعة محددة .. ولا يوجد بالمقابل تأويل وحيد ومُطلق للنصوص الدينية يجب فرضه على العقل وتكفير من يخالف هذا التأويل وإخراجه من المِلّة.. وإذا كانت أحزاب (( اللقاء المشترك )) تفترض ان سياسة حكومة المؤتمر الشعبي العام في المجال التعليمي منافية للدين ، وان رؤية أحزاب (( اللقاء المشترك )) للمسألة التعليمية هي المعبرة عن جوهر الدين والحارس الأمين له ، فإنها لم تقل لنا ماهي رؤيتها التي تغاير رؤية المؤتمر الشعبي في المسألة التعليمية .. علما ً بأن من المُسلّم به وجود رؤى مختلفة للمسألة التعليمية لا تلتزم بتأويل وحيد للدين .. فمدارس «بيشاور» التي أنتجت ((طالبان)) تنطلق من تأويل خاص بها للدين ، وتزعم بأن مناهجها هي الدين في كماله .. كما أن المدارس الصوفية التي لا يعترف بمناهجها تأويل شيوخ حزب الإصلاح للدين ومفهومهم للشريعة الاسلامية تنطلق هي الأخرى من تأويل مغاير للدين وتزعم بأن مناهجها تنطلق من قيم وتعاليم الإسلام في جوهره وتمامه .. أمّا المدارس السلفية البدويّة التي تهاجم حزب " الإصلاح " بسبب انخراطه بالعملية الديمقراطية فهي الأخرى تقول بأن مناهجها تنطلق من صحيح الدين ، وتتهم غيرها من المدارس الدينية بالشرك والكفر والتبديع .. وعلى هذا المنوال تأتي الحوزات المدرسية الدينية عند الشيعة الإثناعشرية والهادوية والأباضية ، بمعنى ان رؤية المؤتمر الشعبي العام للمسألة التعليمية تنطلق من تأويل معاصر ومعتدل للدين يختلف عن تأويل المناهج التي أنتجت " طالبان " ، والمناهج التي أخرجت طلاباً سلفيين يخاصمون " الإصلاح " ويكفرون الشيعة والصوفية والهادوية باسم الدين الذي تفرض أحزاب (( اللقاء المشترك )) من نفسها وصيةً عليه وناطقةً باسمه وحارسة له وصاحبة التأويل الوحيد والأوحد لنصوصه المقدسة ..

لقد طغت الشمولية خلال القرن الماضي .. وعانى العقل العربي تحت نيرها صنوف القهر والإضطهاد والطغيان ، حيث ارتيط الإستبداد السياسي بالتماهي مع الرايات الدينية والقومية والإشتراكية التي كرّست نهج إلغاء الآخر وإقصاء الأفكار المغايرة ، وسعت على الدوام الى فرض نماذج شمولية للفكر الواحد والرأي الواحد في الحياة الفكرية والثقافية والإعلامية والتعليمية .. فيما كانت حصيلة تطبيق هذه النماذج تأخر وفقر مجتمعاتنا باسم الإشتراكية ، وتشرذمها باسم الوحدة، وانغلاقها وجمودها وتحجرها وتمزق صفوفها باسم الدين !!

ومن العجب ٍ ان الأحزاب التي تشكل ما يسمى (( اللقاء المشترك )) وأعلنت قيام حكومة ((إنقاذ )) بقيادة أحد الشيوخ الاقطاعيين الذين يتدثرون بلبوس الدين ، هي نفسها الأحزاب التي تبنّت مشاريع فاشلة اشتغلت على أفكار أحادية وإقصائية تنزع الى أدلجة المعرفة ، وتعتقد بإمكانية تشكيل الواقع وبناء الإنسان وفق هندسة فكرية جاهزة ومسبقة .. وكانت النتيجة قفزاً على الواقع لم ينجم عنه غير التخلف والجهل والتشرذم والإنغلاق والإحتراب والتنابذ والفرقة، على العكس مما كان العُصاب الايديولوجي الديني والقومي واليساري يتوهم بإمكان حدوثه .

بوسع من يقرأ حديث الشيخ حميد الاحمر في قناة ( الجزيرة ) وبرنامج حكومته الانقلابية التي بادرت الى تشكيلها أحزاب ( اللقاء المشترك ) ، أن يدرك حقيقة أننا جميعا ً مهددون بطريقة تفكير مقيمة في الأزمنة الغابرة ، ومشدودة الى أوهام الفكر الماضوي .. فمضمون مشروع حكومة الانقاذ المزعوم لا يختلف عن المشاريع الايديولوجية التي تنطلق من مُطلقات نهائية .. فإما أن نكون على صورتها ومثالها ونموذجها التي تقترحه كرؤية شاملة ووحيدة لإدارة شؤون الحكم والإقتصاد والثقافة والتعليم والإعلام .. أو أن يتم نفي وإدانة كل من يخالف هذه الرؤية بذريعة مخالفة الدين والخروج عن الثوابت الوطنية والقومية !!.

هكذا تحاول المشاريع الانقلابية الجديدة فرض سلطة النموذج الشمولي على العقل بعد ان فقدت الأفكار التي اشتغلت عليها هذه الأحزاب بريقها وجاذبيتها ، متجاهلةً حاجة الديمقراطيةالناشئة في بلادنا الى إثرائها بالمزيد من الحرية وتعدد الرؤى والأفكار ، والإعتراف بضرورة وجود رؤى مختلفة .. وبرامج متنوعة ، وخيارات متعددة ومتغايرة لممارسة السياسة وإدارة الإقتصاد وبناء الدولة وإبداع الثقافة وإنتاج المعرفة وتوسيع آفاق التفكير النقدي .. بمعنى أن الحقيقة ليست حكراً على تأويل محدد للدين ، أو رؤية معينة للدنيا .. وان أحدا ً منا لا يملك الحق في أن يجعل من نفسه وصياً على العقل والحرية ، وممثلاً للحقيقة باسم الله ، ومنقذاً حصريا للشعب والوطن !!! .
*نقلا عن صحيفة 26 سبتمبر








أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "قضايا وآراء"

عناوين أخرى متفرقة
جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024