خداع الحوثية :خرافة الفاطمي!(3) ما من شك لدي بأنه قد كان للخرافة الفاطمية علاقة بما جرى ويجري في صعدة من أحداث، فقد أعمت مؤسس الحوثية عن إدراك الواقع الذي يعيش فيه وعن النتائج السلبية لإطلاق الوعود غير قابلة للتحقيق، وفي نفس الوقت سهلت قبول ذلك من قبل بعض الناس وخصوصاً الأميين وصغار السن. ولذلك فإن الثقافة العربية والإسلامية تتحمل جزءاً من المسئولية عن ذلك، إنها زاخرة بالدعاوي المتناقضة حول خروج ما أطلق عليه الفاطمي والقوى غير الطبيعية التي تسانده وتمكنه من التغلب على العقبات والانتصار على كل المخالفين، وعلى الرغم من تعدد هذه الدعاوي إلا أنها في مجموعها تمثل بيئة خصبه لقليلي العقول في الناس. فالبعض يدعي أن هناك أثني عشر إماماً فاطمياً معصوماً ولا يكتفي بذلك بل أنه يزعم بأن الإمام الثاني عشر لا زال حياً يرزق إلى يومنا هذا وأنه يتوقع ظهوره للعالم كله كي يملأه عدلاً وقسطاً بعد أن ملئ جوراً وظلماً ولاشك أن ذلك يساهم في تصديق الأوهام كيفما كانت. ويدعي البعض الآخر بأنه سيظهر في آخر الزمان فاطمي سيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، وتتعدد الدعاوى حول اسم هذا الفاطمي واسم أبيه وأمه والتوقيت الذي سيظهر فيه لكنها تكاد تجمع على أن مهمته الأساسية هي ملء الأرض عدلاً وقسطاً بعد أن تكون قد ملئت جوراً وظلماً، وأنه سيحقق ذلك بوقت قصير وأنه سيعيش لوقت قصير وقد بلغ الهوس بالبعض أن يقول أن من كذب بالمهدي فقد كفر. فبعض الدعاوي قد حددت تواريخ لخروجه ومع ذلك فإنها لم تتفق على هذه المواعيد فالبعض يزعم بأنه سيخرج في المائة السادسة للهجرة والبعض أنه سيخرج في المائة الثامنة للهجرة والبعض أدعى أنه لو لم يبق من الدنيا إلا يوماً واحداً فإن الله سيطيله لكي يظهر الفاطمي. وتتناقض الدعاوى حول مدة بقاء الفاطمي في الحكم فبعضهم يقول أنه سيحكم العالم ما بين صلاة الظهر إلى صلاة العصر وفي هذا الوقت القصير يجدد الإسلام ويفتح مشارق الأرض ومغاربها ويحقق العدل وينصف المظلوم والبعض الآخر يدعي أنه سيحكم العالم خمساً أو ستاً أو سبعاً أو ثمانياً أو تسعاً. وتتنافس الروايات في تصوير سوء الأوضاع قبل موعد ظهوره فالبعض يختزله في كثرة الظلم والجور والبعض يتحدث عن الحروب والقتل والبعض يتحدث عن الخسف والمسخ. وفي نفس الوقت فإن هذه الدعاوى تبالغ في وصف تحسن الأوضاع بعد خروجه، إنها تركز على كثرة انفاقه للمال فإنه يحثه للناس حثاً وليس عداً وأنه يعطيه لكل من يطلبه، وأنه في زمانه تمطر السماء وتنبت الأرض وتدر الأنعام وتتوالد وتخرج كنوز الأرض ويكثر الذهب والفضة ويترتب على ذلك أن ينعم العالم كله. ولاشك أن ذلك يتناقض مع القرآن الكريم لقد أوضح أن الكون والحياة يسيران وفقاً لسنن إلهية وأن الله وحده هو القادر على تغييرها وحده ولكنه اختار ثباتها (سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا) ولذلك فإنه لا يقدر على تغيير هذه السنن لا نبي مرسل ولا ملك مقرب ناهيك عن إنسان مجهول يطلق عليه الفاطمي. فالآيات والمعجزات التي أعطاها الله لأنبيائه كانت لا تخضع لإرادتهم لا من حيث النوع ولا من حيث التوقيت، ولذلك فإن كل ما يقال عن قدرة الفاطمي على تغيير سنن الكون من المطر والإنبات والتوالد وإخراج الكنوز تتناقض مع صريح القرآن لأن ذلك من اختصاص الله ولم يقل الله في كتابه أنه سيعطي أي بشر كائناً من كان هذه الاختصاصات. لقد ربط الله الصلاح والفلاح في هذه الدنيا بالإيمان بالله والعمل الصالح والظلم والإفساد بارتكاب السيئات (أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض) فعدل الله يتحتم أن لا تكون حياة وممات الذين اجترحوا السيئات سواء كالذين آمنوا وعملوا الصالحات فلا بد أن تجزى كل نفس بما تعمل وبالتالي فإنه لن يتعامل مع جيل من الناس بطرق مختلفة عما يتعامل مع الناس كلهم. ولذلك ان تحقيق العدل سيتحقق حال اتباع القرآن الكريم في أي زمان وأي مكان ولم يربط ذلك بمولد ولا ظهور إنسان معين لا فاطمي ولا غيره، فلا يمكن أن تكون مهمة الفاطمي أكبر من مهمة الرسل والنبيين بل لا يمكن أن تكون حتى مساوية لها فإذا كانت مهمتهم هي التبشير والإنذار فكيف يمكن أن نتصور أن تكون مهمة الفاطمي تحقيق العدل والقسط بشكل مطلق، فالله بعث النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتب بالحق ليحكم هذا الكتاب بين الناس فيما اختلف فيه ولم يقل أنه سيبعث إنساناً آخر ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت جوراً وظلماً. فتصديق هذه الإدعاءات يعني الإعلاء لهذا الفاطمي والانتقاص من القرآن والرسل، ولاشك أن ذلك يتناقض مع صريح القرآن (ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء، إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ولقد أوضح الله في كتابه الكريم بأن القرآن وحده هو هدى للناس والى كلهم والى آخر الزمان، إذا فمهمة النبي صلى الله عليه وسلم هي الإنذار بالوحي (فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المؤمنين وتنذر قوماً لدا، قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك أن اتبع إلا ما يوحى إليّ فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين، وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيرا). فالنبي محمد صلى الله عليه وسلم كان خاتم النبيين أي أن ما أوحي إليه كان آخر الوحي (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء). لقد بشر عيسى عليه السلام بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم (إذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي إسمه أحمد) ولكن رسول الله في القرآن لم يبشر برسول بعده بل أنه قد حسم هذا الأمر بشكل واضح. (ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى للإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين). وقد رد الله تعالى نفسه على هذه المزاعم والادعاءات (قل إن الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير) وقد أوضح الله تعالى أن مهمة غير النبيين والمرسلين من المصلحين هي اتباع القرآن والاجتهاد في إطار ذلك (ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون أن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا). بالإضافة إلى ذلك فإنه لم يرد في السند الصحيح أي حديث يشير إلى الفاطمي لا من قريب أو بعيد، وفي قضية كهذه لها علاقة بالعقيدة وبمستقبل المؤمنين والناس أجمعين فإنه لا يمكن القبول بالأحاديث الضعيفة مهما بلغ عددها بل انه يمكن القول بأنه قد لا يجوز القبول حتى بالحديث الصحيح إذا كانت درجة صحته لا ترقى إلى مرتبة التواتر، بل ان الأمر كان سيحتاج إلى تأويل في حال وجود أحاديث متواترة لأنها كانت ستتناقض وتتصادم مع صريح القرآن المقدم عليها بالإجماع. أما فيما يخص العقل فإن هذه الأحاديث والروايات تتناقض من حيث الأوصاف والأوقاف والنتائج والآثار فبعضها يحصرها في اثني عشر إماماً والبعض يحصرها في شخص فاطمي يسمى المهدي والبعض يدعي أنه لولي من أولياء الله والبعض يقول إنه اليماني والبعض يقول انه القحطاني إلى غير ذلك من التسميات والأوصاف المتناقضة ومن القواعد العقلية والبديهية المتفق عليها بين جميع البشر انه لا يمكن القبول عقلاً بالشيء ونقيضه، وكل ما تضمن ذلك فهو خرافة وليس حقيقة على الإطلاق. ويؤيد هذا الاستنتاج العقل فعدم وجود دلائل في الواقع تؤيد أو حتى تشير إلى حقيقة هذه الادعاءات يجعلها خرافة، فعلى سبيل المثال فإن أحداً لم ير أو يسمع بأن آخر الأئمة في عقيدة الإمامية الاثنى عشرية كان متزوجاً خلال حياته وحتى وفاته وبالتالي لم يكن له ولد لا مولود لا في بطن أمه ومن يدعي عكس ذلك فإنه لم ينقل عن أحد أنه رأى هذا الإمام المولود، وطوال ثلاث وستين سنة هي العمر المزعوم لهذا الإمام فلم يدعي الاتصال به سوى خمسة من البشر لا غير والذين ادعوا انه كان في غيبة صغرى قبل أن يتحول إلى الغيبة الكبرى ولا يوجد أحد في هذا الزمان لا من الشيعة ولا من غيرهم يزعم أنه رأه أو التقط له صورة أو حدد مكان تواجده أو أنه يمارس نشاطاً معين أو يقوم بأي دور. ونفس الأمر ينطبق على ما يطلق عليه بالمهدي فقد حددت الروايات التي زعمت ظهورة تواريخ معينة لحدوث ذلك ولم يظهر وكذلك فإن العديد من الناس ادعى أنه المهدي المنتظر ولكنه ثبت بعد ذلك أنه كان مدلساً لأنه كان بشراً من البشر غير قادر على تحقيق ما أوردته الادعاءات من أفعال وأعمال تفوق قدرة النبيين والمرسلين ناهيك عن الشر الآخرين. لقد ترتب على هذه الخرافة العديد من المآسي عبر تاريخ الأمة ترتب عليها إزهاق الأنفس وتبرير الظلم وإشاعة الأماني الكاذبة ومحاربة مساعي الإصلاح الحقيقية. ولمنع حدوث ذلك في المستقبل فلا بد من دحض مثل هذه الخرافة وإحلالها بالتفكير العلمي (القرآن) فهل نحن فاعلون!. |