ماهلنيش من جديد في وقت عادة لا أرحب فيه بأي اتصال في المساء جاءت هذه المكالمة من خلف البحور السبعة، فاضطررت إلى الحديث مع صاحبها مدركة انه قد حاول أن يتصل في الوقت الذي ظنه ملائما برغم اختلاف التوقيت. كان صاحب المكالمة منفعلا متحمسا، اتصل يقترح أن نشكل تجمعاً جديداً أكون رئيسته وسيسانده مع أصدقائه بكل قوتهم، لأن أصواتنا بدون هذا التشكيل غير عالية أو مؤثرة. واقترح أن نقدم رؤية للحل تعكس وجهة نظرنا لكي لا يهملها المتحاورون، ولكي يكون مستقبل اليمن مضمونا ومأمونا ومحميا. قلت له أن هناك مائة شخص من المؤتمر وحلفائه ومائة شخص من المشترك وحلفائه سوف يساهمون في هذا العمل، ولابد أن يكون من بين الطرفين أشخاص تكون مصالح اليمن لديهم هي الأولى ومصالحهم الشخصية هي الأخيرة. وقلت له إن الوقت لا يزال مبكراً، فالهدف الآن أن يستقر هذا الجمع على طاولة واحدة ويرتبون من أجل الحوار، فهم لن يقوموا بالحوار حسبما فهمت حتى الآن بل سيتبنون العملية الإجرائية والكيفية التي سيتم بها الحوار. جلجلت ضحكته في الهاتف وقال لي إنه "عبده القلق" وأنه منزعج أن يعتبر المؤتمر وحلفاؤه والمشترك وحلفاؤه ممثلين للشعب، بينما الأغلبية من ذوي رجاحة العقل والقدرة على الإسهام في رسم خطوات المستقبل مستبعدين لأنهم ليسوا من الجماعتين المتفقتين ولا من حلفائهما. قلت له إنه مع الحياة العملية الطويلة في اليمن فإني في المسألة السياسية "عبده الصبور" ولست على عجلة من أمري خاصة والحمد لله يبدو أن الاتفاق اليمني-اليمني يبشر برمضان قادم هادئ وأزمة كانت قد استفحلت فوافق القائمون بالتأزيم على الاستراحة قليلا والاحتكام للفعل السياسي الذي يقوم على التفاوض. ونصحته أن لا نجري إلى مبادرات بديلة بل نمنح هؤلاء فرصة كي يستطيعوا تمهيد الطريق بسلام. ختم "عبده القلق" مكالمته بقوله المشكلة أننا ماهلناش في أي من المعسكرين. قالها بنغمة ذكرتني بحالة اشتعال قديمة سبقت عاصفة عام 1994م. ماهلنيش: في عام 1993م إذا لم تخني الذاكرة انتشرت قصيدة شعبية تقول ماهلنيش في المؤتمر والإصلاح، وتحدث عن مخاوف السيطرة على المصادر وعلى فرص العمل وإقصاء ذلك عن كل من لا ينتمي إلى أي من هذين الحزبين. وكانت المساحة الانتخابية قد جعلت حزب الإصلاح يتبوأ موقع الشريك الثالث بعد أن كان البرلمان السابق له مشكل من حزبين فقط. ونتج عن نتائج الانتخابات أن دخل المؤتمر والإصلاح في ائتلاف وحكومة مشتركة تم فيها توزيع المناصب والمواقع بحسب ما سمحت به حالة التفاوض بينهما. وشعر كثير من الناس بالخوف من أن يتركوا خارج اللعبة ويخسروا الكثير وقد حدث ذلك فعلا، وهو ما دفع في ما بعد بالكثير إلى الانضمام إلى الأحزاب بغض النظر عن مبادئها أو ما تعلنه فالحصيلة النهائية هي الكيفية التي يمكن بها الحصول على قطعة من الكعكة. وظلت القصيدة سائدة ومسموعة فترة من الزمن ثم تلاشت. وحاليا يسيطر نوع من القصائد المغناة تقوم على صيغة "نحن وأنتم" أو "نحن وهم"، لا ترتكز على الانتماء الحزبي بل على الانتماء الجغرافي والمكاني. وهي أغاني تعمم على الفقراء والأغنياء من مكان جغرافي محدد مسؤولية الامتلاك والسيطرة وتضع النحن تحت صفة المظلوم المغلوب على أمره . وفي الحقيقة برغم المبالغة التي يستلزمها الشعر وتحفيز المشاعر فإن الأغنية الشعبية والقصيدة التي تتسلل بين الناس خارج قنوات الإعلام الرسمية يكون لها اثر وفاعلية كبيرة تبقى زمنا طويلا وتوفر معينا للسياسيين تساعدهم على حشد الناس للقضايا التي يرغبون فيها. اتفاق اليمنيين مع أرواحهم: تم توقيع الاتفاق بين اليمنيين وأنفسهم كي يتحدثوا. وبرغم كل الحديث الذي نسمعه لهم كل يوم وبرغم كل الكلام الذي قالوه، فقد كانوا لا يستمعون لبعضهم البعض بل يتربصون فيما يقوله الآخر كي يردوا له الصاع صاعين. الآن بعد أن أنهكتهم وأنهكت البلاد الجعجعة بدون طحين، صار لزاماً عليهم الاحتكام إلى صوت العقل. صحيح أن البداية غائمة، وان الأخبار عن تعديلات وتأويلات للاتفاق قد بدأت تنذر بسماء مليئة بالغيوم، لكنها محاولة تستحق الصبر والانتظار وترك الفرصة لأصحابها كي يثبتوا أنفسهم. وهي فرصة للتعرف على الوجوه السياسية الجديدة التي تحتل مواقع متقدمة في صفوفهم، فللقصة بعد آخر هو الحصول على مواقع معترف بها والتعامل بجدية مع اللاعبين الجدد. والله في عون اليمن فقد أنهكت أنفسنا صعوبات الحياة اليومية يزيدها هذا التراشق الذي جعلنا مضغة وسائل الإعلام الخارجية التي تسوى منها والتي لا تسوى، وصرنا بحاجة إلى بصيص أمل أينما كان نتعزى به ونقول علً فيه الخلاص وعلًنا ذات يوم نفرغ لقضية التنمية. [email protected] عن الثورة |