الثورة وجدت لتبقى اليوم يحتفل شعبنا بعيد ثورة ال26 من سبتمبر الخالدة التي برزت إلى الوجود قبل 48عاماً كحقيقة وحتمية وطنية وتاريخية تجسدت فيها الانتصارات الحاسمة للإرادة الوطنية التحررية التي توجت نضالات وبطولات شعبنا وأجياله المتعاقبة الممهورة بالتضحيات الجسيمة.. فهذه الثورة جعلت من المستحيل ممكناً، وأرست مداميك وشروط وعوامل انبعاث الوطن وتحرره وتحوله الجذري من كيان متخلف ومتقوقع في شرنقة الإمامة والاستعمار الأجنبي، إلى كيان حي متجدد تتخلق في أحشائه، وتزدهر في رحابه قيم ومعطيات وانجازات وطنية وقومية وإنسانية حضارية معاصرة. اليوم ونحن نقف على مشارف العام ال49 من عمر الثورة المديد بإذن الله تتجلى أمامنا وبوضوح تام معالمها وانجازاتها وأهميتها التاريخية، بما أحدثته من تبدلات جذرية شاملة في خارطة الوطن ومكوناته "الجغرافية، الاجتماعية، السياسية الثقافية، الاقتصادية، وبنيته التحتية والخدمية".. كما تتجلى هذه التبدلات في السمات العامة والخاصة للمجتمع وتنميته البشرية، وفي التطور والتنوع والتوسع في مستوى ومصادر الثراء المادي والروحي للشعب ونمائه بمديات بعيدة تتجاوز الإطار الزمني لهذه الثورة وموارد وإمكانات البلد المتاحة، ومثل هكذا انبعاث وطني جديد وتحولات وانجازات ثورية شاملة وعميقة في إعادة بناء الوطن والإنسان اليمني إنما تؤكد على جملة من حقائق هذه الثورة ومن أبرزها على الإطلاق: الحقيقة الأولى: هي نجاح الرواد الأوائل للثورة وصناعها الذين جعلوا من أوجاع الوطن الغارقة في المستنقعات الآسنة للجهل والتخلف والظلم والاستبداد، المسنود بأعمدة المشانق وسيوف الجلادين وزنازن السجانين، وأن يصنعوا من يأس الشعب وعذاباته وعبوديته قوة فعل ثورية جبارة وحاسمة لإعادة بعث الواقع وتغييره، فهؤلاء الرواد والأبطال الوطنيون الشرفاء ممن استزرعوا بذور الثورة والوحدة في أحشاء الوطن ومهدوا دروبها الوعرة، وخطُّوا بدمائهم الأهداف العظيمة والتاريخية للثورة كانوا على يقين بحتمية انتصارها وتحقيقها واسترخاص التضحيات الجسيمة في سبيلها من مختلف الشرائح الاجتماعية والأجيال اليمنية المتلاحقة.. هؤلاء كانوا على حق فيما اعتقدوه وخططوا له وفي ثقتهم بالشعب وأجياله، البعض منهم ممن كُتبت له النجاة في معارك الثورة و الدفاع عنها واصل عطاءه إلى أجل مسمى بكل نبل ووفاء وإخلاص ونكران للذات في مختلف ميادين البناء، والبعض الآخر ممن أنعم الله عليهم بالشهادة في معارك الثورة المختلفة لا زالوا يطلون علينا من عليائهم في ذرى المجد والخلود الوطني ليروا الأهداف الوطنية النبيلة التي استشهدوا في سبيلها وقد أضحت حقائق واقعة حية وانتصارات وانجازات عظيمة ينعم بخيراتها أبناؤهم وأحفادهم ممن يخوضون اليوم معارك الثورة المعاصرة بوسائلها وأسلحتها المختلفة، ويخوضون حروبهم ضد أعدائها المعاصرين دفاعاً عن حقهم في الحياة الكريمة ومستقبلهم المشرق. الحقيقة الثانية: تتمثل في قدرة الثورة على الصمود والانتصار على كافة أعدائها في الداخل والخارج، وما استخلصته من ثمن باهظ وتضحيات جسيمة مادية وبشرية دفعها الشعب اليمني خلال العقود المنصرمة من عمرها، إنما يؤكد استحالة هزيمتها أو إفراغها من أهدافها ومبادئها أو حرف مسارها، وبالرغم من خطورة واتساع نطاق الحروب والتآمرات والتحديات الداخلية والخارجية التي جابهتها الثورة منذ لحظاتها الأولى حتى الآن، وخلافاً لغيرها من ثورات التحرر الوطني جابهت الثورة اليمنية أفعالاً تآمرية مضادة شرسة وظروفاً إقليمية ودولية غير مواتية، وإمكانات شحيحة، وسلكت دروباً وعرة مليئة بالتعقيدات والمصاعب الذاتية والموضوعية ومثقلة بتركة استعمارية إمامية طويلة في مداها الزمني، كبيرة في حجمها وحتم عليها العمل في ظل واقع وطني غلبت عليه الطفولية والتجريبية السياسية، والتطرف والمغالاة السياسية بأبعادها القومية والأممية والاستقطابات والتآمرات الخارجية وصراع مصالح تناحري داخلي يستمد عوامل قوته واستمراره من موروث اجتماعي تاريخي متخلف ذي أبعاد مناطقية وقبلية وسياسية وعقائدية.. كل هذه التحديات والتوجهات لم تستطع النيل من الثورة، ولكنها صقلت معدنها وكلفتها الكثير من التضحيات والإمكانات والجهد والوقت وتركت الكثير من آثارها وبصماتها السلبية الخطيرة والمدمرة، التي أفقدت الثورة الكثير من عوامل ومصادر قوتها وزخمها، ومما لا شك فيه أن قدرة الثورة على الصمود والبقاء والاستمرارية وانتصار أهدافها ورسوخ مثلها وقيمها وأخلاقياتها الوطنية والتحررية، ظل مرهوناً من ناحية بانتمائها إلى هذا الشعب وشرائحه الاجتماعية الواسعة التي جاءت الثورة في صالحها ومن أجلها، هذه الشرائح ضحت ولا زالت تضحي في سبيل هذه الثورة وأهدافها بسخاء غير منقطع ودون مّنٍّ أو تردد، وشكلت على الدوام أداتها وسلاحها في التغيير والبناء وحراسها الأوفياء وسياجها الحصين والمنيع على الاختراق والهزيمة، وقوتها الدافعة والمحركة المتجددة باستمرار من منابع وطنية وتاريخية لا ينضب معينها، ومن ناحية أخرى فإن ذلك ظل مشروطاً بقدرة الثورة اليمنية على تحقيق أهداف وتطلعات الجماهير والأجيال اليمنية، وقدرتها المستمرة على تجديد ذاتها واللحاق بركب العصر ومواكبة متغيراته المتسارعة والأخذ بشروطه ومقتضياته الملحة، وهذا ما جعل الثورة اليمنية على الدوام قادرة على قهر وهزيمة أعدائها، الذين ما برحوا يسعون إلى إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء والوقوف ضد مجرى التاريخ وقوانين تطوره، وضد إرادة ومصالح واحتياجات وتطلعات الشعب اليمني. الحقيقة الثالثة: وتتجسد في تولي فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح قيادة البلد ومسيرة الثورة، فهذه القيادة الحكيمة والفذة والشجاعة، مثلت أحد أهم الافرازات الموضوعية الايجابية للثورة التي حتمتها حاجتها الماسة والتاريخية الملحة لتجاوز حالة الجمود التي اعترتها والخروج من نفق أزماتها المتلاحقة، والمستعصية وتُجنِّبها المصير المجهول الذي أراد البعض من خلاله التخلص من هذه الثورة ودفنها بشكل نهائي. لقد استطاعت ثورة 26سبتمبر، ان تتجاوز واقعها المعقد بأن دفعت بأحد أبنائها الأوفياء المتشبع بروحها والمخلص لمبادئها وأهدافها الحقيقية، وأكدت الأحداث دفاعه المستميت عنها، وانتصاره الدائم لها، وكما هي عادتها كانت الثورة محقة في خياراتها لهذه القيادة التاريخية واحتضانها لها لأكثر من ثلاثة عقود، بها ومن خلالها استطاعت الثورة اليمنية ليس فقط تجاوز المخاطر التي كانت تحيق بها وتستعيد توازنها، ولكن أيضاً تقديم نفسها للتاريخ كقوة تغيير قادرة دوماً على استنهاض إمكانات وقدرات الوطن المادية، والبشرية والانتقال به من دائرة الخطر والنسيان التاريخي إلى عصور الحضارة والازدهار الاقتصادي والثقافي والاجتماعي والسياسي وتحقيق ما تبقى من أهدافها وتصحيح ما اعترتها من أخطاء وسلبيات وتشوهات. منذ توليه قيادة مسيرة الثورة والوطن حرص الرئيس علي عبدالله صالح على أن يعيد للثورة وهجها الحقيقي وأبعادها الوطنية وتجديد شبابها وتعزيز انتصاراتها ومنحها المزيد من عوامل ومصادر الصمود والقوة والاستمرارية، انطلاقاً من إيمانه بأن قوة ومكانة وفعل الثورة اليمنية لا تكمن في تاريخها وانتمائها للماضي، ولكن في حاضرها ومستقبلها الذي يجب أن تكون عليه، واتسم أداؤه القيادي بحرصه الشديد على تمثل مبادئها السامية وأهدافها العظيمة التي قامت من أجلها، والعمل على تحقيقها بوسائل وآليات وأساليب ديمقراطية سلمية تواكب حركة التاريخ بمراحلها المختلفة، والتعاطي الأمثل مع شروط التطور ومتغيرات الأحداث والوقائع على الصعيد المحلي والدولي بمرونة وواقعية ومصداقية، وقدرة فائقة على الجمع العضوي بين اشتراطات التطور الكونية وخصوصيات الواقع الوطني، الأمر الذي أسهم في تجذير فعل الثورة وتوسيع قاعدتها الاجتماعية، وتجديد رؤاها السياسية، وبالتالي تطور إمكاناتها على حل إشكالات الواقع وجعل الوطن قوة فاعلة ومتنامية على خارطة العالم الحديث. لقد جعل فخامته من أهداف الثورة اليمنية برنامجه السياسي الاستراتيجي، وشرع في انجازها انطلاقاً من تحرير الثورة من حلقة الجمود المفرغة التي وصلت إليها، وتغيير أدواتها ووسائلها العتيقة مُنطلِقاً من حقيقة قناعته بأن انتصارات اليوم وانجازاته لا يمكن تحقيقها بمفاهيم وشروط الأمس وأدواته وقواه المتخلفة، وجعل انتصارات الثورة وانجازاتها خلال السنوات المنصرمة قاعدة لبناء واقع جديد.. وفي ظل ظروف دولية شهدت سقوط وتبدل الكثير من التوجهات والحسابات والأفكار القديمة أصبح فيها كل شيء قابل لإعادة النظر. لقد نجح فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح في صياغة رؤية معاصرة لفهم الحياة والتاريخ وسنن وشروط وعوامل ومصادر قوة وتطور الشعب اليمني وقدرته على مجابهة التحديات التي أفرزها عصر التحولات الكبيرة والعولمة الاقتصادية والثقافية، والسياسية، ولهذا لا غرابة أن نجد أن الرئيس علي عبدالله صالح قد نجح في تحقيق أهداف الثورة الاستراتيجية التي عجز عنها من سبقه من الرؤساء، وبفضله تحققت أعظم وأعلى أهداف الثورة اليمنية المتمثل في الوحدة والديمقراطية اللتان شكلتا مصادر قوة وحصانة إضافية للثورة، وعاملاً حاسماً للنهوض التنموي والأمن والاستقرار الاجتماعي والإقليمي.. لقد فتحت الوحدة والديمقراطية للأجيال اليمنية الجديدة آفاقاً رحبة للحاق بركب التقدم الحضاري، واستنهاض القوى الخلاقة للشعب وتعزيز خياراته الفكرية والسياسية والإبداعية للوصول إلى غد أكثر إشراقاً. لقد اتسم عهد الرئيس علي عبدالله صالح بأنه عصر التحولات الوطنية الشاملة والمتلاحقة في مختلف قطاعات التنمية المادية والبشرية، تحققت خلالها انجازات ومكاسب ونجاحات يستحيل على أي كان حصرها أو الإحاطة بها، وأكثر من أي وقت مضى تجلت في عهده قوة الثورة وقدرتها على تحقيق كافة أهدافها، وتعزيز حصانتها الذاتية وقوتها الدفاعية، وتبنيها نهجاً سياسياً ديمقراطياً واقعياً يحفظ لها وحدتها وأمنها ويصون سيادتها، وهذا النهج الواقعي يستمد العديد من مصادر قوته من خلال دبلوماسية خارجية تتميز بالثبات المبدئي والاتزان والديناميكية وعلاقات دولية متوازنة تسهم بقسط وافر في دعم وتنمية اليمن، وتقوم على استقلالية السيادة والقرار الوطني والاعتراف بالمصالح المتبادلة والإسهام المشترك في تعزيز التعاون والأمن والاستقرار الإقليمي والدولي ومكافحة التطرف والإرهاب بشتى صوره وأشكاله. ما من شك أن القوى المعادية للثورة ولأهدافها وللوطن ووحدته، لا تروق لها هذه الانتصارات والنجاحات والمكاسب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التنموية المتنامية باضطراد وتجد فيها خطراً على مشاريعها التدميرية وعلى حقيقة وجودها واستمرارها، وتسعى جاهدة إلى تقويضها والانتقام التاريخي من الشعب وثورته وانجازاته الوطنية، ومثل هذه المشاريع الجهنمية تتقاطع في العديد من الأهداف ونقاط التماس مع مصالح وأهداف ومشاريع بعض الأطراف الخارجية التي تحتضن هذه القوى الداخلية وتمولها وتدعمها مادياً وسياسياً وإعلامياً وتوجهها باتجاه زعزعة الأمن والاستقرار الوطني و تبديد قدرات وطاقات وإمكانات البلد المادية والبشرية المحدودة في معارك وصراعات وخلافات ثانوية على حساب العملية التنموية وإفشال التجربة الوطنية الوحدوية الديمقراطية. وما يعتمل اليوم على الساحة الوطنية من تآمرات ودسائس وما يظهر بين الحين والأخر من مشاريع عصبوية ضيقة موجهة لتدمير الكيان الوطني ووحدة نسيجه الاجتماعي وإعادة استعمار مستقبله، ليست جديدة فقد رافقت الثورة منذ ولادتها وإن اختلفت شعاراتها ورموزها، ووسائلها وأساليبها من مرحلة إلى أخرى، وقد أكدت الوقائع والأحداث أن مثل هكذا أحلاماً مريضة ومشاريع غير وطنية لا مستقبل لها، فالوطن أكثر قوة وحصانة مما يتوهمون، وأنه عصيُّ على الهزيمة والتمزق. فما يجابهه وطننا اليوم من تحديات وتآمرات وإشكالات واختلالات أمنية واضطرابات اجتماعية، ليست جديدة على شعبنا، وتأتي في السياق العام لفعل قوانين التطور وجدلية الصراع والحرب الأزلية بين قوى الثورة، والقوى المضادة لها، وبين الخير والشر، بين قوى وعناصر التقدم والازدهار الحضاري وقوى التخلف والظلام، بين دعاة الوحدة ودعاة التمزق، بين دعاة السلام وحماة القانون والشرعية وبين قوى الإرهاب والتطرف والتمردات على الشرعية، بين أصحاب المشاريع والمصالح الوطنية الكبيرة وبين أعدائهم من أصحاب المصالح الذاتية والمشاريع الصغيرة إلى آخره من التناقضات المتصارعة تناحرياً ولا يمكن بأي حال من الأحوال التوفيق أو الجمع بينها في واقع وطني واحد. وإذا ما تمعنا في إشكالات الواقع الوطني وتحدياته نجد أنفسنا أمام نموذجين مختلفين من الإشكالات والتآمرات وإن اختلفت في قواها وأهدافها المرحلية والإستراتيجية إلا أنها قد تتلاحق مع بعضها البعض ويتطفل كل منهما على الآخر ويخدمه بشكل مباشر وغير مباشر. في النموذج الأول نجد أن اليمن مثل غيرها من الدول النامية وثوراتها المختلفة؛ تعرضت وتتعرض ثورتها ومسيرتها النهضوية التنموية لإشكالات وتعقيدات وأزمات مختلفة في أي من مراحل تطورها بعضها ذات طابع ومصادر ذاتية تفززها لحظات التحول التاريخية والانعطافات الحاسمة في تاريخ الشعب، وبعضها الآخر تحتمها العملية التنموية والإصلاحات الاقتصادية السياسية الضرورية التي تتخذها الدولة، أو اختلالات العملية التنموية وضعف الموارد والإمكانات الوطنية المتاحة وعدم كفايتها في تلبية الاحتياجات المتنامية للسكان، والبعض الآخر من الإشكالات ناتجة عن أحداث وإشكالات ومتغيرات إقليمية أو دولية (سياسية، اقتصادية، أمنية ، وعسكرية) تكون لها آثار سلبية على حياة المواطنين المعيشية والأمنية، مثل إرتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية والطاقة والخدمات، التي تحتمها قوانين التجارة العالمية والاضطرابات السياسية والاقتصادية والتناقضات الكونية في المصالح والإمكانات بين الدول الفقيرة والغنية واتساع الهوة التنموية والمعرفية بينها وغياب العدالة الدولية، هذه وغيرها من العوامل المؤثرة على الاستقرار التنموي والتطور الاقتصادي وإن كانت تتطلب تضافر الجهود والإمكانات الوطنية لمواجهتها والتخفيف من أثارها السلبية على السكان، إلا أن البعض يسعى إلى استثمارها سياسياً واقتصاديّاً واجتماعياً وأمنياً وتوظيفها في خدمة مصالح حزبية وأنانية ضيقة، بانتهاج سلوك وخطاب سياسي وإعلامي تدميري يتخاطب مع جهل وعواطف واحتياجات المواطنين واستثارة غرائز الشر الكامنة في النفس البشرية لصناعة وإنتاج أزمات داخلية، وإثارة البلبلة والفوضى ومخاوف الشعب واستنفاره ضد الدولة والنظام والقانون، ومثل هذا النهج وإن كانت تمارسه بعض الأطراف السياسية بوسائل وأهداف انتهازية مرحلية تحت شعار الحريات والحقوق الديمقراطية بهدف الضغط على الطرف الآخر، إلا أن إصرار هذه الأطراف على التمترس المتواصل في خنادق الجمود السياسي والحسابات الضيقة من شأنه أن يدفع بالأمور إلى منزلقات الفوضى والتخريب والوصول إلى النقطة التي يحلم بها هؤلاء ويشعرون أنهم اقتربوا من تحقيق مصالحهم الذاتية واثبات وجودهم وقدرتهم على ابتزاز الآخر وانتزاع بعض المصالح والمكاسب غير المشروعة على حساب المصالح الوطنية العامة وتفعيل العملية الديمقراطية، وهم في حقيقة الأمر أوصلوا الوطن إلى هاوية الكارثة المدمرة ونقطة اللاعودة، وهذا ما يجعلهم دون إدراك منهم في مواجهة مباشرة مع الشعب والوطن، لا سيما وانها ظلت عاجزة عن ايجاد البدائل الواقعية والممكنة لمعالجة إشكالات الواقع حتى وإن بدت مشاريعهم الفكرية والنظرية أكثر طوباوية لا يتجاوز حدود فعلها وأثرها عواطف البسطاء من الشعب محدودي الثقافة والخبرات السياسية. النموذج الآخر من القوى المعادية للثورة والوطن في الوقت الراهن يتجسد في جماعات صغيرة لها أهداف ومشاريع استراتيجية خطيرة ومدمرة، تسعى إلى تحقيقها باستخدام وسائل الإرهاب المادي والمعنوي المنظم وهذه الشراذم الإرهابية التي تكونت نواتها من بعض اقزام السياسة ممن رهنوا أنفسهم للشيطان وأعداء الوطن والشعب، ولم يكونوا أكثر من مجرد ظاهرة صوتية استغلت الديمقراطية والأبواق الإعلامية المأجورة لترديد الشعارات المعادية للثورة والوحدة والديمقراطية ومزاولة الدعارة السياسية كوسيلة عمل غير شريفة وأسلوب معاصر للارتزاق المادي والسياسي والمتاجرة بقضايا الوطن، إلا ان الاستثمار والتوظيف السيئ لهذه الجماعات من قبل بعض الأحزاب الوطنية التي وفرت لها المظلة السياسية الداخلية ومختلف أشكال الدعم والحماية والترويج السياسي والإعلامي والتمويه العملي ساعدها على الاستمرارية وتوسيع دائرة نشاطها عبر التوظيف السيئ لإشكالات وتعقيدات الواقع وصعوباته الموضوعية واستغلال معاناة البسطاء وحالات البطالة والفقر في أوساط الشباب لإعادة تشكيل قناعات البعض منهم وصياغة وعيهم وتجنيدهم واستخدامهم كعناصر إرهابية انتحارية، وجماعات للتمردات المسلحة ضد الدولة والشرعية الدستورية، أو الدفع بهم في مسيرات الشغب والتخريب والفوضى والتقطعات، ونجح هؤلاء إلى حد ما في السيطرة الدعائية السياسية على سلوك وأعمال طوابير من الشباب المغرر بهم وتوجيه أعمالهم الغوغائية في سياق نهج عملي تآمري منظم ومتكامل ومتنامي لضرب أمن المجتمع واستقراره، وثورته ووحدته ونهجه الديمقراطي، والعودة بالوطن إلى عهد الإمامة والاستعمار البريطاني. وعلى الرغم من اختلاف المشاريع والأهداف والبرامج والقناعات الفكرية للجماعات القاعدية، والحوثية والحراكية إلا أن التنسيق والتكامل في النشاطات والوسائل والأعمال الإرهابية يقوم على قاسم مشترك وهدف استراتيجي يجمعهم ويوحدهم، ويتمثل هذا الهدف في ضرب الثوابت الوطنية التي يقوم عليها بنيان الوطن والمجتمع ووحدته وأمنه واستقراره وازدهاره الحضاري. استهداف الثوابت الوطنية للمجتمع يمثل أبرز التهديدات والتحديات التاريخية المعاصرة لوطننا ومجتمعنا، نظراً لما تمثله من قواسم مشتركة لتوحيد كافة أفراد المجتمع تتجاوب مع معتقداتهم الدينية والروحية ومكرسة لخدمة أهدافهم ومصالحهم ووحدتهم الاجتماعية، والعقيدية وأمنهم واستقرارهم، ولا يمكن للشعب التمتع بحياة طبيعية آمنة وحرة ومستقرة ومزدهرة إلا من خلال هذه الثوابت، التي يمثل البعض منها جزءاً من المكون الروحي والأخلاقي والثقافي والنفسي العام للفرد والمجتمع وتشكل هويته وانتماءه وقيمه الروحية والوطنية مثل ثوابت "الوطن الدين والأمن" والبعض الآخر يتجسد في أهداف وطنية وإنسانية عظيمة وسامية ناضل الشعب في سبيل تحقيقها عبر أجيال مختلفة وقدم في سبيلها تضحيات جسيمة وحين ظفر بها قدسها وحافظ عليها وبنى على أساسها كيانه الوطني والاجتماعي والسياسي والثقافي والتاريخي وأقام على أساسها حاضره ومستقبله ورسخها في عقده الاجتماعي العام "الدستور" كثوابت وطنية راسخة مثل الثورة، الحرية، النظام الجمهوري، والوحدة والديمقراطية" وجميعها تمثل اليوم محاور رئيسة يقوم عليها كيان الوطن، حاضره ومستقبله - بها ومن خلالها تتجسد إرادة الجماهير وحقوقها ومصالحها- ويمثل الدفاع عنها وحمايتها في طليعة الواجبات الدينية والوطنية والأخلاقية العظيمة والمقدسة لكل فرد في المجتمع.. ولن نكون مجافين لحقائق العصر إذا ما قلنا أن كافة الحقوق والحريات الشخصية والمدنية والسياسية التي يتمتع بها المواطن اليمني في ظل الديمقراطية تنتهي حدودها وصلاحياتها ومشروعيتها عند محاولة المساس أو الاستهداف السيئ لهذه الثوابت الوطنية، فأي محاولة للنيل منها باسم الحريات الديمقراطية يأتي في سياق النشاطات المعادية الرامية تقويض السيادة والبنيان والكيان الوطني الاجتماعي والسياسي اليمني، ويشكل تهديداً خطيراً لكيان الأمة ووحدتها وأمنها واستقرارها. لقد بلغ الخطر المحدق بالوطن مرحلة لا يمكن فيها الاستمرار في السكوت أو التغاضي عن نشاط الجماعات المعادية للوطن التي ما انفكت تعمل على تقويض الثوابت الوطنية وإلى جانبهم أولئك الذين يقللون من أهميتها أو التشكيك في حقيقتها كعوامل ومصادر منعة وقوة وازدهار واستقرار لهذا الوطن، ويحاولون النيل منها باعتماد خطاب سياسي وسلوك عملي مكرس لإثارة النعرات والفتن المذهبية والطائفية والجهوية وتمويل ودعم الجماعات الانفصالية ومثيري القلاقل والاضطرابات الأمنية والاعتصامات والمسيرات غير المشروعة والأعمال التخريبية والتمردات المسلحة على الشرعية وغيرها من الأعمال الإجرامية والإرهابية التي يطالب أصحابها وبعض منفذيها بالإمارة الإسلامية، أو العودة بالوطن إلى ما قبل الثورة والجمهورية أو إلى ما قبل الوحدة، والبعض الآخر يطالب بإلغاء الديمقراطية باعتبارها في نظرهم بدعة وضلالة فجميع هؤلاء لم يتعظوا بعد من دروس التاريخ وهزائمهم المتلاحقة وما جنوه حتى الآن من خيبة أمل وخزي وعار، وهو ما يفرض على المجتمع التصدي بحزم لكل شرورهم وأعمالهم وإعادتهم إلى مواقعهم ومصيرهم المزري في مزابل التاريخ، فوطننا اليوم يقف أمام استحقاقات تاريخية ومصيرية يجب النهوض بها على أكمل وجه ولا مجال أمامه للمناورات السياسية الرخيصة المضرة بالوطن. المرحلة الجديدة بتحدياتها الوطنية والكونية تضعنا أمام مسؤوليات جسيمة تتطلب منا التقاط اللحظة الدولية المواتية واستثمار امتيازاتها وما تقدمه لوطننا من دعم متعددة أشكاله وأساليبه المادية والمعنوية تساعدنا على الخروج من الإشكالات والأزمات المختلقة، وهو الأمر الذي يحتم علينا كسلطة ومعارضة وطنية شريفة العمل بروح الفريق الواحد واستغلال أجواء الحوار الوطني لتوحيد وحشد الإمكانات والطاقات والقدرات الوطنية المتاحة والممكنة في مشروع تاريخي نهضوي استراتيجي معاصر نعمل جميعاً على صياغته وتحديد أهدافه وأولوياته ضمن رؤية منهجية بعيدة المدى قابلة للتحقيق وفق تدرج واقعي تصاعدي يستوعب مقتضيات الواقع وشروط العصر، ويجسد حرصنا المشترك على ازدهار وطننا وتحصينه وحمايته وتنميته والانتقال به إلى مصاف الدول المتقدمة، وقد علمتنا التجارب بما فيه الكفاية أن المشاريع والأحلام والتطلعات الجميلة التي تنشرها وسائل الإعلام الحزبية، غالباً ما تتحول إلى شكل من أشكال المزايدات السياسية وتجلب على الوطن المزيد من الويلات إذا ما ظلت على حالها تفتقر إلى الإرادة الجمعية والوحدة الوطنية وطالما بقيت القوى الاجتماعية للثورة باختلاف ألوان طيفها السياسي غير مهيأة بما فيه الكفاية للتعاطي مع إشكالات الواقع وتحويل مشاريعها وبرامجها النظرية إلى حقائق واقعية *نائب رئيس الجمهورية |