انتصار أميركي بائس مع خسارة أوروبا هل الانتخابات الاسبانية مهمة؟ ان مجرد طرح هذا السؤال يعد أمراً عبثياً في السياق السياسي الاميركي بالطبع، ليست هناك أهمية لتلك الانتخابات. فاسبانيا دولة بعيدة عن اميركا. وليس من الممكن ان يؤثر قرار الناخبين الاسبان باسقاط حكومتهم السابقة على الانتخابات الاميركية. وكي أكون أكثر تحديداً، فإنه على الرغم من ان ادارة بوش تتحدث دائما عن «التحالف» الذي خاض الحرب في العراق، فإنه ليس هناك إلا القليل جداً من الاميركيين، ويمكنني ان اراهن على ذلك، الذين يعرفون ما هي البلدان التي يضمها هذا التحالف. البعض يعلم ان بريطانيا مندرجة في هذا التحالف. ولكنني رأيت الدهشة تعلو الوجوه عندما أذكر ان البولنديين يسيطرون على جزء من العراق، او اقول ان الاوكرانيين واليابانيين ارسلوا قوات الى العراق. كما ان الدعم الاسباني للولايات المتحدة في العراق لم يؤثر إلا بشكل بسيط على تأييد الاميركيين للحرب في العراق، ولذا فإن أي تغير في السياسة الاسبانية لن يهم كذلك بشكل كبير. وإذا كانت الانتخابات الاسبانية ليست مؤثرة سياسيا، فهي ايضا ليس لها تأثير عسكري. يقول رئيس الوزراء الاسباني المنتخب خوسيه لويس زاباتيرو انه سيقوم بسحب القوات الاسبانية من العراق، وبدوره قال ريكاردو شانشيز، قائد القوات الاميركية في العراق، اننا نستطيع التأقلم بسهولة مع فقدان هذا العدد من الرجال والنساء». ولقد ارسلت اسبانيا 1800 جندي الى العراق في حين ان عدد القوات الاميركية في العراق يصل الى اكثر من 150 ألف جندي وتتزايد حاليا في الولايات المتحدة وتيرة الحديث عن عدم الجدوى العسكرية للقوات المتحالفة مع اميركا في العراق، ومن شأن الانسحاب الاسباني من العراق ان يدعم تلك الاراء التي تؤكد على عدم فائدة تلك القوات بشكل عام. وتبرز المشكلة بالطبع في التأثير النفسي للانتخابات الاسبانية وانا هنا لا اعني ما مثلته نتيجة هذه الانتخابات من رفع للروح المعنوية لتنظيم القاعدة فقط، فبالطبع يعد هذا امرا مهما، ولكنني فعلا لا اتوقع ان يتوقف الاسبان عن تعقب عمليات القاعدة، او عن التعاون مع اميركا على المستوى الاستخباري، ان ما يقلقني في هذا الصدد بالفعل يذهب الى ما هو ابعد بكثير من مجرد تغيير في الحكومة في اسبانيا ويصل الى ما اطلق عليه الحرب الايديولوجية على الارهاب. في اول خطاب له عن حالة الاتحاد بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، تحدث الرئيس الاميركي جورج بوش عن الدفاع عن «الحرية والعدل لانهما من الثوابت التي تحتاجها كل الشعوب في جميع ارجاء العالم». وبعد ذلك وفي عشية غزو العراق، قال بوش: «ان العالم له مصلحة واضحة في نشر القيم الديمقراطية لان الدول المستقرة والحرة لا تولد ايديولوجيات القتل». لا اعلم ما اذا كان بوش كتب تلك الكلمات بنفسه ام لا، ولكنها مست شيئا بدا ان معظم السياسيين قد فهموه في اميركا بداهة اثناء الحرب الباردة ولكن كثيرا منهم لم يعيروه انتباها بعدها الا وهو ان الحرب على الارهاب في ضوء انها في النهاية لن تقتصر على تنظيم القاعدة فحسب وانما ستمتد لتشمل من هم على مشاكلة القاعدة، لا يمكن ان تكون حول المصالح القومية الاميركية او قرارات الامم المتحدة فحسب. وانما يجب خوضها عن طريق تحالف من «الدول المستقرة والحرة» وباسم «الحرية والعدالة» وليس السبب في هذا اننا نحتاج موافقة جميع الاطراف فيما يتعلق بقرارات سياستنا الخارجية او لاننا نحتاج اشراك الامم المتحدة كما يقال دائمًا ولكن لان القيم التي يتحدث عنها الرئيس احيانا لاتخصنا نحن فقط، ولانه من المهم ان يفهم اعداؤنا ذلك. ان اعلان اسبانيا انها فعليا تنوى التخلى عن التحالف الهش والاوروبي الجديد في العراق يمثل صفعة لفكرة الغرب المتحد ويشكل دفعة كبيرة لهؤلاء القادة السياسيين في فرنسا والمانيا الذين طالما حلموا بانشاء اوروبا جديدة غير شريكة للولايات المتحدة بل اوروبا منافسة على المستويين السياسي والاقتصادي. وفي جانب منه حدث ذلك الامر نتيجة اسباب خارج نطاق سيطرتنا. فعلى الرغم من العلاقات التجارية والسياحية وعضويتها في الاتحاد الاوروبي، لم تشارك اسبانيا في الحربين العالميتين الاولى والثانية وفي الحرب الباردة إلا بشكل سطحي للغاية، ويتداخل العداء الاسباني للامركة بشكل عميق للغاية مع مشاعر «معاداة العولمة» التي يعبر عنها عدد كبير للغاية من الشباب الاسبان منذ سنوات طويلة وتسببت انفجارات مدريد بشكل مؤكد في دفع الاسبان الى التساؤل ما اذا كانت حكومتهم قد جرتهم الى علاقات وثيقة مضرة مع الولايات المتحدة وابعدتهم عن ذلك الانعزال المريح عن العالم الذي لايزال يعلق بذاك غير ان هذا في جانب منه يعد فاتورة حساب تدفعها اميركا ليس بسبب حرب العراق ولكن بسبب الطريقة التي شنت بها الحرب والطريقة التي عرضت بها الحرب على الاوروبيين، فوزير الخارجية الاميركية كولن باول لم يجب القارة الاوروبية قبل الحرب ليفسر لماذا يجب ان يتم شن تلك الحرب وذلك على الرغم من ان اسباب تلك الحرب لم تكن واضحة بأي شكل من الاشكال سواء في اميركا أو في اوروبا . وفي فترة التحضير للحرب، قمنا بالدخول في محاولات مع الامم المتحدة لم يكن لدينا بوضوح اي عزم على ان نكون جادين فيها، حيث كنا قد اعددنا جدولاً زمنياً للحرب يتطلب ان تتم عملية الغزو خلال الربيع، وبعد الحرب فقدنا الاهتمام بالدول الحليفة التي ارسلت قوات ادت الى تعرضها احيانا الى خطر سياسي حقيقي، المساعدات العسكرية لا تتدفق والعقود ذهبت بشكل حصري الى الشركات الاميركية، وقلصت الميزانيات المخصصة لجهود دبلوماسية الرأي العام في اوروبا. قد نكون لانزال نكسب في العراق بمرور الوقت وقد نرى في النهاية العراق وقد اصبح مستقراً نسبياً ويتمتع بمجتمع ليبرالي ويعيش في سلام نسبياً مع جيرانه. ولكن اذا خسرنا اوروبا على الرغم من كل هذا فسيكون ما تحقق عبارة عن انتصار بائس تحقق بثمن باهظ للغاية. ترجمة: حاتم حسين عن «واشنطن بوست» |