إحياء التراث الإسلامي وإعادة قراءته بوعي وإنصاف إن قراءتنا للتاريخ والتراث يجب أن تنطلق من إعادة القراءة الواعية لكتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم باعتبارهما أهم المصادر الموثقة للنقل الملزمة للعقل أمام فوضى التفسيرات الإنسانية العشوائية القائمة على مجرد الاستقراء للآثار والمستحثات، أو المسيَّسة بمفاهيم التحريف النصراني واليهودي، أو ما تراكم لدى الشعوب من خرافيات الإسرائيليات والأساطير الشعبية، ولإنجاح هذه المهمة يجب إعادة النظر في صياغة المنهج التاريخي في التربية والتعليم، والدعوة في الواقع العربي والإسلامي المعاصر. إن الإسلام -بثوابته العالمية- يقر المنهج العلمي الاستقرائي في قراءة التاريخ الإنساني ويشجع على إنجاحه باعتباره عاملاً مسانداً في الكشف عن مجاهل التحولات الزمنية والإنسانية، وباعتباره تفعيلاً إيجابياً للعقل الإنساني الملهم في تطويع المادة وتسخيرها لمصلحة الإنسان، ولكن الإسلام يأبى من مهندسي هذه المناهج الزج بالنظريات العلمية في نفي ما وراء الطبيعة، والنظرة الواقعية المجردة للأخلاق، والفصل بين العلم المادي والديانة الشعرية. فهذه التجاوزات لا ترتبط بالعلم ولا بتطبيقاته. إن فشل التصورات والتفسيرات التاريخية لبعض المدارس المعاصرة ناتجة عن تبني العديد من المؤرخين والمفكرين عدداً من النظريات "الأنوية" القاصرة ومنها: - الفصل المعتمد بين التاريخ العربي القومي والتاريخ الإسلامي والنظر إلى التراث العربي منفصماً عن مرحلة الإسلام أو جعل الإسلام جزءاً من مرحلة التطور التاريخي العربي. - تبني المصطلحات التاريخية (الأنوية) المفسرة لحركة الحياة التاريخية- من منظور إلحادي أو علماني مادي مجرد. - الدخول للتعليل التاريخي في المرحلة الإسلامية من خلال تحجيم الصراع في الواقع المتمرحل، وعدم النظر ا لواعي للمطلب الأسمى الذي جسده الإسلام في عالميته الشرعية بالكتاب والسنة، وما أثمرته من أصول العلوم المستجدة، كعلم فقه التحولات، المقتبسة من أصول الديانة. إن دراسة فقه التحولات المنبعث من إعادة القراءة الواعية لرباعية الأركان الشرعية الجامعة لأصول الديانة خير متنفس مستجد لمعالجة التفسيرات التاريخية المضطربة وعامل هام في وضع كافة المراحل التاريخية من عصر صدر الإسلام حتى عصرنا الحديث تحت المجهر الواعي لتأصيل كل مرحلة وعلاقتها الصحيحة بالأبنية الشعرية لمدرسة الإسلام العالمي الواعد وعلاقتها الوضعية بالمدرسة الأنوية العالمية. إن من الشجاعة بمكان، ونحن في مرحلة الإحباط الدافع بالأمة نحو مسارب جحر الضب "العولمة" أن نستعيد توازنا الشرعي -ولو في حده الأدنى- من خلال الجمع بين التربية والتعليم والدعوة في المحيط العربي المعاصر بديلاً عن "القوقعة التعليمية المحدودة" التي فوَّجت -للعالمين العربي والإسلامي -حشود الموظفين لخدمة العلمانية والعلمنة والعولمة طوعاً وكرهاً. لقد بات -يقيناً- أن انعدام الربط بين الديانة والتاريخ في الدراسات المعاصرة أقحم التسييس الأنوي القائم على سياسة "فرق تسد" على تخريج الأجيال المبغضة للديانة، المحرفة لمفاهيم التاريخ، المنبترة أدبياً عن جذورها الشرعية الراسخة، لتعيش عشوائية التسييس، وتسييس العشوائية، داخل مؤسستها المعرفية والأكاديمية. لقد اعتقدت جل الجماعات المعاصرة، أن غالبية التراث التاريخي في المراحل الإسلامية المتقلبة غير جديرة بالثقة لما شابها من الإدخالات والإفراطات. ولهذا فقط جاء البديل الرافض القائم على الهتك والفتك والبتر والإقصاء والاجتثاث والنزاع والصراع، وكلا الاتجاهين لا يمثل حلاً، ولا يسهم في معالجة (ما)، بقدر ما يوسع رقعة الفتح السلبي للشيطان وأعوانه في الجسد المتداعي، والخير كل الخير في إعادة القراءة الواعية للتراث على أساس إحياء لغة الإسلام العالمية، بمفهوم القواسم الإسلامية المشتركة؛ حيث لا إفراط ولا تفريط.. نص محاضرة ألقاها المشهور يوم أمس في جامعة صنعاء |