|
|
الخليج الاماراتية - فيصل جلول - انتصار ينطوي على(حسابات مؤجلة) ما الذي يفعله اللبنانيون بنتائج انتخاباتهم؟ هذا السؤال حري بأن يستأثر بجل النقاش اللبناني اللبناني هذه الأيام. لكن يبدو أن رد المنتصرين في الاقتراع ينطوي حصرا على قضايا إجرائية من نوع اختيار رئيس للمجلس النيابي وتشكيل حكومة جديدة ومتابعة التحقيق في اغتيال رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري فضلا عن إعداد قانون جديد للانتخابات في حين يعد المهزومون بالثأر لهزيمتهم.
إن “تحليل دم” عاما للانتخابات اللبنانية يفصح عن جملة من القضايا المعقدة التي لا يلوح في خطب المنتصرين كما المهزومين مؤشرات لعلاج مناسب لها، فالكتلة المنتصرة بزعامة سعد الحريري حققت انتصارها تحت شعار رفض الوصاية السورية وتفكيك الأجهزة التي بنيت في عهد الوصاية كجسر لتنظيم العلاقات بين بيروت ودمشق. ولعل هذا الشعار يخاطب أيضا الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا التي وفرت التغطية الدولية المناسبة للانتصار نفسه، ما يعني أن على المنتصرين أن يذهبوا بهذه السياسة إلى نهايتها المنطقية، أي إقامة أسوأ العلاقات مع النظام السوري الحالي وليس أفضلها كما يقول بعض المنتصرين. يبقى أن كشف الحقيقة في اغتيال رفيق الحريري يفترض تغطية لبنانية لمسار التحقيق، أي استجواب مسؤولين سوريين وهو أمر لا يؤدي إلى أفضل العلاقات مع دمشق، فماذا لو تبين أن التحقيق نفسه هو وسيلة ضغط على النظام السوري لتقديم المزيد من التنازلات الإقليمية؟ فهل يمكن للمنتصرين الانخراط فيه والى أي حد؟ الظن الغالب أن المنتصرين باتوا مقيدين بمعادلة خطيرة مفادها أن أسوأ العلاقات مع سوريا هي شرط لا بد منه للحصول على أفضل العلاقات مع باريس وواشنطن، ما يعني تحول لبنان إلى أداة ضغط على سوريا، فهل يمكنه أداء هذا الدور وبأية وسائل؟
من جهة ثانية يبدو أن الانتصار تحقق أيضا تحت شعار غامض وخاضع للتأويل هو حماية المقاومة اللبنانية من القرار 1559 الذي يريد تفكيكها، فكيف يمكن للمنتصرين الرهان على أفضل العلاقات مع باريس وواشنطن راعيتي القرار وحماية المقاومة منه ومنها؟ ثم كيف يمكن حماية المقاومة من جهة وطلب أسوأ العلاقات مع سوريا حليفة المقاومة من جهة أخرى؟
في السياق نفسه يبدو أن المنتصرين يسعون إلى ترجمة انتصارهم على الصعيد الداخلي اللبناني عبر إجراء سلسلة من التغييرات الجوهرية التي تتيح للكتلة المنتصرة تشكيل قطب محوري يقف على أقدام من حديد وليس من طين. بكلام آخر لقد بات بوسع هذه الكتلة أن تتحكم بانتخاب رئيس للمجلس النيابي وهي تملك منذ الآن مفاتيح انتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس الحالي في العام ،2007 لكن عليها أن تتعايش مع الرئيس الحالي لأكثر من سنتين وهو الذي يملك صلاحيات مهمة تسمح له بعرقلة العديد من مشاريع ترجمة الانتصار المذكور بل ووقفها في بعض الحالات مع التذكير بأن الكتلة الحريرية الجنبلاطية لا تملك أكثرية الثلثين النيابية لإقالة الرئيس حليف سوريا فضلاً عن انه بات محميا من طائفته ومن الكتلة الشيعية على حد سواء، ما يعني أنه لا يقل قوة وشرعية عن المنتصرين أنفسهم.
كان يمكن القول إن متاعب الكتلة المنتصرة قد تنتظر سنتين ليصبح الطريق معبدا أمامها من بعد دون صعوبات تذكر. لكن ماذا عن الفترة الفاصلة؟ وهل يمكن للحراك السياسي اللبناني أن يتوقف خلالها مع كل الإحباط الطائفي الذي تسرب من صناديق الاقتراع وأطاح بكتل بشرية وزعامات معمرة وحجّم زعامات أخرى وهذه كلها قد لا تلتزم شروط اللعبة ولا تقبل بهزيمة تليها هزيمة دائمة، ذلك بأن المنطق يقول إن الكتلة المنتصرة ستضع قواعد انتصار دائمة لها ولأنصارها وشروط هزيمة دائمة لخصومها كما كان يحصل في كل العهود اللبنانية.
يبقى أن الكتلة المنتصرة نفسها تعاني من نقص في الخبرة المتراكمة في العمل السياسي للحفاظ على تماسكها وتجانسها، فهي توحدت والتقت على الخروج السوري من لبنان، لكنها لا تقف على موجة واحدة تجاه كل الملفات المطروحة للحسم، ما يعني أن على قيادة هذه الكتلة أن تحقق شرطين أساسيين للحفاظ على وحدتها، الأول هو توفير مصالح للمنتصرين على حساب المهزومين، والثاني هو فرض القبول بمحورية القوة السنية في لبنان كبديل عن القوة المارونية المحورية قبل الطائف. فهل يمكن لزعيم شاب لا يتعدى سنه الأربعين وحديث العهد في العمل السياسي أن يكون ناظما لمثل هذا التغيير الجوهري في الحياة السياسية اللبنانية؟
وأخيراً لا بد من إشارة عابرة إلى الوضع الاقتصادي اللبناني الذي كان محورا لمشاورات ثلاثية فرنسية بريطانية أمريكية في باريس مؤخراً مفادها أن الحلول الدولية للأزمة الاقتصادية اللبنانية ممكنة شرط التطبيق الكامل للقرار ،1559 وانه لا يمكن للبنانيين أن يناقشوا إلى ما لا نهاية مسألة سلاح المقاومة أو أن يسكتوا عن هذا السلاح وكأن شيئا لم يكن، ما يعني أن على الكتلة المنتصرة أحيانا بأصوات ترجيحية حاسمة من حزب الله (دائرة بعبدا عاليه البقاع الغربي) أن تختار بين حماية المقاومة وبين حل الأزمة الاقتصادية اللبنانية، أي بين الرمضاء والنار.
في رواية “علاقات خطرة” الصادرة في القرن الثامن عشر لمؤلفها شودر لو دي لاكلو، تسأل المراهقة سيسيل ذات الثمانية عشر ربيعا مدام دومورتاي الأربعينية المجربة عن حل لمشكلتها فهي تحب فتى وسيما، لكنها مجبرة بطلب من أهلها على الزواج من نبيل ثري، فتقول لها دومورتاي متعجبة: لا توجد مشكلة يا صغيرتي، تتزوجين النبيل وتحتفظين بالحبيب.
لقد تكشفت الانتخابات النيابية اللبنانية عن “علاقات خطرة” للغاية يخشى أن تكون خاتمتها مأساوية كخاتمة رواية دو لاكلو، ذلك بأن لبنان قد شهد منذ 14 مارس/ آذار الماضي عددا لا يحصى من الخيانات السياسية التي توجب حسابات مؤجلة.
|

|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
تعليق |
إرسل الخبر |
إطبع الخبر |
RSS |
حول الخبر إلى وورد |
معجب بهذا الخبر |
انشر في فيسبوك |
انشر في تويتر |
|
|
|
|