الحـركة النسوية اليمنية في أسفار النضال الوطني ظل تاريخ الحركة النسوية في اليمن محض أسفار تاريخية أسدلت عليها الأيام والسنون براقعها الذكورية لتطويها بين ثنايا زحمة التاريخ.. إلاَّ أن رواد الحركة الثقافية المعاصرين أبوا إلاَّ أن يبعثوا أمجاد تلك النسوة عبر محافلهم التي يرتادونها، ومن المنابر الإعلامية المختلفة التي لطالما حملت هموم المرأة اليمنية كإحدى قضاياها التي تحشد الأقلام لنصرتها.. ولاشك أن (المؤتمرنت) في طليعة هذه المنابر التي تكشف اليوم بعض أوراق الحركة النسوية اليمنية من صناع أحداث عصرها. * فتحية محمد عبد الله سيدة تنحدر من أسـرة عمالية، ورثت عن والدها الذي كان يعمل في نقابات العمال حب العمل الجماهيري، فانضمت إلى الاتحاد الطلابي منذ انطلاق ثورة (14) أكتوبر التي تصفها: (أن أساس انطلاقها كانت ثورة 26 سبتمبر 1962م فأعطت البصيص للثوار في اليمن بأن يتحركوا بالانتفاضة على الاستعمار البريطاني في أكتوبر 1963م). في لقاء "المؤتمرنت"معها سردت السيدة فتحية تاريخ الحركة النسوية في الجنوب قائلة: (بدأت الحركة النسوية في الجنوب منذ ثورة 1963م، ونتيجة للنظام الاستعماري في الجنوب، والإمامي في الشمال كانت هناك نظرة دونية للمرأة، وفي الشمال كان التعليم محاصر جداً). الحركة النسوية بدأتها الجمعية العدنية برئاسة رقية "أم صلاح"، واختصت بالعمل الخيري لتعليم الخياطة والأشغال اليدوية، لكن العمل الحقيقي بدأته جمعية المرأة العربية برئاسة رضية إحسان الله، إلى جانب فوزية جعفر، ثريا منصور، عايدة علي سعيد، نجوى مكاوي، نجيبة محمد عبدالله، وزهرة عبدالله، فهؤلاء كلهن ممن عملن مع الثوار في توزيع المنشورات، ثم في إخفاء الثوار عند ملاحقتهم من قبل الإنجليز، ثم في محو أمية النساء، وتدريبهن وتعليمهن في مجال الخدمات الصحية والاجتماعية، وواصلن العمل الوطني حتى نال الجنوب استقلاله في الثلاثين من نوفمبر 1967م). وأضافت: (تأسس أول اتحاد نسائي في عام 1968م وسمي بالاتحاد العام لنساء اليمن برئاسة عايدة علي سعيد،وتوسع لاحقاً في عدن إلى لحج وأبين، نتيجة لمطالبة المحافظات بفتح فروع للاتحاد، وبأن تكون لديهم اتحادات نسوية، وكانت هناك المناضلة دعرة عباد، وهي ممن حملوا السلاح في الثورة، وكانوا يريدون أن يتوسع اتحاد النساء، فعقد المؤتمر الأول في سيئون عام 1974م، وتأسست قيادة جديدة وتم وضع دراسة شاملة لإقامة اتحاد مركزي يضم كافة المحافظات، فتأسس ذلك برئاسة عيشة محسن). أما عن واقع الحال في شطر الشمال، فتقول فتحية محمد عبدالله: (تأسست أول منظمة شعبية مدنية في الشطر الشمالي عام 1958م، في معهد التمريض برئاسة عاتكة الشامي، ثم افتتاح مركزاً لمحو الأمية وتعليم المرأة المهارات اليدوية والصحية، وفي 1965م تحول اسم المركز على جمعية المرأة اليمنية، وتم اختيار فاطمة أبو بكر العولقي رئيسة لها. وفي عام 1965 تم تشكيل مؤسسة أخرى برئاسة أم الشهيد عبدالله اللقية، وبسبب الحرب الأهلية بين الملكيين والجمهوريين عام 1967م أسست حورية المؤيد، وفتحية الجرافي جمعية المرأة اليمنية، وكان لها دور كبير في التوعية بأهمية الثورة والحفاظ على النظام الجمهوري، وضرورة تعليم الإناث، كما جرت انتخابات ديمقراطية في الجمعية عام 1984م،واختيرت عاتكة الشامي-رئيسة للجمعة- والتي تم دمجها مع بقية المحافظات لتكون نواة لاتحاد نسائي في المحافظات الشمالية، وعند قيام الوحدة انضم الاتحادين في اتحاد واحد كانت ترأسه عايدة علي سعيد). * عاتكة الشـامي وهي ابنة إحدى الشخصيات الوطنية المرموقة ، إذ أعدم والدها عام 1955م مع السيف عبدالله، والسيف العباس، إذْ كان عاملاً للإمام في شبام كوكبان، وقدم حياته قرباناً للوطن، وهي – أيضاً- أم حسيبة زوجة الدكتور حسين العمري-سفير اليمن سابقاً في بريطانيا. تقول عاتكة الشامي: (بدأنا العمل قبل الثورة في عام 1955م، وكانت البداية متواضعة لكنها من أصعب ما يمكن تصوره للعقل، لأنه في تلك الظروف كانت الإمامة ما تزال قائمة. إلاَّ أنه في عام 1955م جاءتنا منظمة الصحة العالمية وفتحت مدرسة تمريض كانت بمثابة أول فرصة للبنات في الشمال، وكنت أول من درسن فيها، وتخرجت أول دفعة عام 1958م). وتضيف: (كان العمل صعباً لأنه كان من الصعب إيجاد منزل للمدرسة، فكنا نضطر للذهاب إلى البيوت للدراسة فيها، وكانت معنا خبيرة من مصر وأخرى من لبنان؛ إضافة إلى اليمنيين، فكنا نذهب للبيوت لإقناع الأهالي بالموافقة لبناتهم للدراسة في التمريض.. والحمد لله درسنا فيها 16 دورة ، وفي كل دورة أكثر من 15 فتاة باشرن بالعمل بعدها في المستشفيات والعيادات، وكنا نضطر لمساعدتهن في مواقع العمل). وتستطرد: (فتحنا جمعية في مدرسة التمريض، لكنها كانت متقطعة العمل بسبب الظروف، وعندما استقرت الظروف فتحنا لها فروع في صنعاء، وتعز، والحديدة، وإب، وذمار، وبعدها بفترة طويلة عملنا هذه الجمعيات اتحاد برئاسة الأخت أمة العليم السوسوة، العمل النسوي كان صعب جداً لأنه لم يكن هناك مدارس بنات، ولا حركة تقدم، وكانت الحياة جامدة تماماً). * الكبسي.. (حورية إحسان وعاملات مصنع النسيج)! أحمد يحيى الكبسي- أستاذ جامعة صنعاء- يعد الأب الروحي للحركة الشبابية في اليمن، فهو مؤسسة أول جمعية تعنى بالشباب والرياضة عام 1967م(مجلس رعاية الشباب) بعد مؤتمر عقد في صنعاء، وحضي بثقة القاضي عبد الرحمن الإرياني-ثاني رؤساء الجمهورية.. وللكبسي فضل الرعاية الأولى للسيدة عاتكة الشامي، ضمن نشاط مركزه الشبابي. استمع الأستاذ الكبسي إلى طرح المناضلتين فتحية وعاتكة، فعقب على ذلك قائلاً: (الأخت عاتكة قُتِلَ أبوها عام 1955م، فقد كان مسئولاً لطيران مطار الجوف، وتم إعدامه لأنه أنزل العباس إلى عند أخيه في تعز، وهؤلاء هم أخوة الإمام وشاركوا في الانقلاب عليه عام 1955م، فالسلطة لا تعرف أخ ولا شقيق ولا ابن). وفي خضم تناوله للحركة النسوية في اليمن، الذي يقف أمامها ببالغ الإعجاب، حدثنا الأستاذ الكبسي عن "حورية إحسان" قائلاً: (هذه المرأة فرت من عدن إلى صنعاء، وكانت تلبس البدلة العسكرية، وتتحرك من بيتها إلى الحديدة، ولا تعود إلاّ ليلاً.. فهي تذهب إلى كل القرى ما بين الحديدة وتعز، لتغيب الملهوفين، والجائعين، لكن هذه المناضلة لم يذكرها أحد حتى اليوم). ويقف الكبسي بإكبار للعاملات في مصنع النسيج صنعاء، ويقول (هؤلاء أول نساء اليمن اللواتي حملن السلاح ودافعن من خلال معارك الثورة عن الجبهة الشرقية من صنعاء، واستبسلن في المعارك التي خضن غمارها، ولابد للتاريخ أن يذكرهن بالعرفان، والامتنان لتضحياتهن العظيمة). وعلى كل حال فإن الأستاذ الكبسي يقف اليوم حاملاً لواء الدعوة لتوثيق تاريخ الحركة الوطنية النسوية، معلناً تسخير كل إمكانياته الأكاديمية والثقافية لهذه الغاية جنباً إلى جنب (منتدى القيادات النسوية) الذي ترأسه الدكتورة ابتهاج الكمال، ومركز الدراسات النسوية الذي ترأسه الدكتورة حسنية قادري، والذين أشهروا جميعاً مطلع أكتوبر الجاري تحالفهم لتوثيق أسفار اليمنيات على دروب النضال والتضحية والبناء. |