ومن الغباء ما ظلم !! من يتفحّص أطروحات بعض قيادات أحزاب المعارضة سيلحظ - مع الأسف الشديد- بأن هذه القيادات التي يفترض أن تكون على إلمام كامل بمفاهيم العمل السياسي والحزبي - هي من لا تتردد في الإدلاء بالتصريحات لوسائل الإعلام الخارجية بأسلوب يظهر عدم إدراكها بأن التنوع الفكري والتعدد الحزبي ومبادئ حرية الرأي والتعبير التي توفرت لها كافة الضمانات في ظل النهج الديمقراطي الذي أرست مداميكه قيادتنا السياسية بزعامة الرئيس علي عبدالله صالح وبتعاون وجهود كل المخلصين في هذا الوطن لا تعطي الحق لأحد في استخدام حرية الرأي والتعبير على النحو الذي يعتسف الحقائق ويصور الأمور بعيدا عن المصداقية والطرح المسؤول كما وأنه ليس من حق أحد استغلال مناخات الديمقراطية للتنفيس عن احتقاناته النفسية أو لمجرد الرغبة في المكايدة السياسية والنكاية بالآخر أو لاشباع نهمه في حب الظهور في الوسائل الإعلامية والبحث من خلال ذلك عن دور أو أدوار تؤمن له بعض المصالح الأنانية الضيقة. - وإذا ما سلّمنا أن الديمقراطية ليست شعارات تتردد في وسائل الإعلام بل هي مشاركة وتفاعل وإخلاص في خدمة أبناء المجتمع وكذا العمل بصدق ومثابرة من أجل النهوض بالوطن وتطويره والسهر على رفعته في مختلف الميادين والمجالات. - فلابد وأن يعي الجميع بأن الديمقراطية وإن كانت هي من تستمد ألقها وجوهرها الأصيل من التكامل الخلاق بين الخصوصية الوطنية كهوية ثقافية وحضارية وروحية وبين عناصر حركة التجدد والتحديث التي تقتضيها ضرورات التعاطي ومواكبة الحياة العصرية، فإن مثل هذه التكاملية ربما هي من لا ينبغي أن تدفع بالبعض للخلط بين ممارسة حق التعبير ضمن إطار ديمقراطي سليم وبين ما يختلج في ذهنيته واجتهادات من رؤى وأفكار واجتهادات شخصية قد يتعارض الكثير منها مع جوانب الالتزام بالثوابت الوطنية وخصوصية تجربتنا الديمقراطية النابعة أصلا من إرادة مجتمعنا وثقافته وموروثه الحضاري ودون أن يستوعب هؤلاء بأن تلك الثوابت هي المرجعية التي نحصن بها هويتنا واستقلالية قرارنا الوطني من إملاءات الخارج بكل عناوينها ومسمياتها وذرائعها ومخططاتها ونواياها وأبعادها والتي لاشك أنها في مجمل توجهاتها تصب في غير صالحنا حتى وإن جاءت متدثرة بلبوس مظهرية تدغدغ عواطف البسطاء ومشاعر المهووسين باستنساخ تجارب الآخرين ومحاولة فرضها على مجتمعاتهم اعتقادا منهم بأن ذلك قد يحقق لهم بعض مراميهم ومصالحهم النفعية حتى وإن كان الثمن لذلك اغراق أوطانهم في دوامة من الفتن والصراعات التي تأكل الأخضر واليابس. - ولعل ذلك ما برهنت عليه العديد من التجارب الفاشلة لهذا الاستنساخ الأجوف ، والتي لم ينتج عنها سوى الويلات والدمار في كثير من مناطق العالم. - وعليه فإذا كان من غير المنطقي أو الواقعي أن ندير ظهورنا للمتغيرات أو التطورات والتحولات التي يشهدها العالم من حولنا فمن الضرر الفادح أن ينظر البعض إلى مسألة التكيف مع تلك التحولات من منظور التراجع والتحلل من موجبات الالتزام بالثوابت الوطنية. - وعلى مثل هؤلاء الذين يبحثون عن أدوار عن طريق تأليب الخارج على الداخل أو عبر الانتقاص مما حققه وطنهم وتجربته الديمقراطية من تقدم وتطور أكسبها احترام وتقدير العالم أن يعلموا جيدا أنهم إذا ما أرادوا أن يكون لهم دور أو أدوار فإن الوصول إلى ذلك لا يمكن أن يتحقق عبر الاطروحات الإعلامية غير المسؤولة أو بتحويل العمل السياسي والحزبي إلى وسيلة للابتزاز. - بل إن السبيل الأمثل لبلوغ ذلك الهدف هو من يقتضي منهم التحرر من الذاتية الضيقة والأنانية المفرطة والأفكار المنغلقة والاتجاه نحو ما يحقق لهم ثقة الجماهير ويعود عليهم وعلى وطنهم بالخير والنفع. - أما بغير ذلك فإنهم الذين سيظلون غارقين في زواياهم المنسية تستبد بهم أحقادهم وأفكارهم العليلة ، ولن يأبه بهم أحد، لكونهم الذين ارتضوا لأنفسهم السقوط في مستنقع الانعزال ومهاوي الضياع ، ورهنوا مواقفهم لرهانات خاسرة ثبت عقمها وعجزها عن تحقيق أي شيء مفيد لأصحابها أو لغيرهم. - ولذلك فإنهم ومهما بلغت بهم المزايدة والثرثرة في وسائل الإعلام - فإن مثل هذا السلوك لا يمكن أن يعوضهم عن فشلهم واخفاقاتهم بل إنه الذي يكشفهم أكثر أمام الجماهير فضلا عن أنه الذي يدفعهم إلى نفق مظلم. - وبالفعل فإن من الغباء ما يظلم أصحابه. (عن الثورة) |