|
محافظة الجوف .. منطقة سياحية واعدة محافظة الجـوف إحدى أهم المحافظات اليمنية، وذلك لامتيازها عن غيرها بخصبة أراضيها الزراعية ولاحتوائها –أيضاً- على العديد من المدن والخرائب الأثرية القديمة، والتي تمثل في مجموعها مملكة معين، تلك المملكة التي ذاع صيتها وشهرتها أرجاء العالم القديم، حتى أصبحت مطمعاً للدول العظمى في ذلك العهد القديم، خاصة وأنها كانت من أهم المحطات التجارية، تلك المحافظة التي بإمكانها الإسهام في رفد الاقتصاد الوطني إذا ما استغلت سياحياً بالشكل المطلوب. الموقع: تقع محافظة الجوف في شرق اليمن، وتبعد عن العاصمة صنعاء بحوالي (170) كيلو مترات، وتتكون هذه المحافظة من (12) مديرية، وتعتبر مديرية الحزم مركز وعاصمة المحافظة. وتتوزع تضاريس الجوف بين مرتفعات جبلية وهضاب وسهول واسعة ووديان زراعية خصبة وكبيرة ومناطق رملية صحراوية. نبـذة جغـرافية محافظة الجوف عبارة عن سهل واسع، يعتبر جزء من الربع الخالي وتربته خصبة، يجري في هذه المنطقة نهر الخارد الذي يبلغ عرضه نحو مترين في عمق متر تقريباً، وهو دائم الجريان وينتهي في مدينة الحزم، وتحيط بالجوف سلسلة جبلية من جميع الجهات إلا الجهة الشرقية الشمالية، ويبلغ ارتفاع منطقة الجوف عن سطح البحر نحو (1100) متر، أما درجة الحرارة في محافظة الجوف فهي خلال فصل الصيف ما بين (38: 40)ْ ونسبة الرطوبة تتراوح ما بين (30:50)%، وتفصل الجوف عن محافظة مأرب صحراء الخبت التي يمكن عبورها سيراً على الأقدام خلال يومين، ويقدر طول الجوف بحوالي خمسة أميال، أما العرض فيختلف من منطقة إلى أخرى، لأنه ضيق في الغرب؛ حيث لا يتعدى حوالي سبعة عشر ميلاً، لكنه أكثر اتساعاً في الشرق وتزيد المسافة الواقعة بين ركن جيل يام إلى سفح جبل اللوذ على ستة وعشرين ميلاً.. والجوف منطقة زراعية، وصالحة لنمو أنوع مختلفة من الثمار، كالفواكه والحبوب والنخيل والخضروات، خاصة عند توفر المياه الواصلة إلى الجوف من أودية كثيرة لعل أهمها وادي أذنة، والجوف أرضاً فسيحة، لذلك أقام المعينيون مملكتهم في هذه المنطقة الطيبة التي تفصل مناطق ومدن اليمن السعيد عن صحراء الربع الخالي، والذي لم يكن خالياً في الأزمنة الغابرة. المواقع الأثرية في الجوف ولأن منطقة الجوف –كما ذكرت سابقاً- أرضاً زراعية فسيحة وطيبة وتنمو فيها كل أنواع الثمار، أقام المعينون مملكتهم في هذه المنطقة بعد أن استغلوا ضعف مملكة سبأ في القرن الرابع قبل الميلاد، حسب ما يؤكده عالم الآثار الأستاذ الدكتور يوسف محمد عبدالله، واتخذوا من مدينة معين حاضرة لهم، وما تزال مواقعها ومعالمها التاريخية والحضارية شاهدة على عظمة الإنسان اليمني القديم. زارهايفي منطقة الجوف في العام 1869م، وبعد ذلك توالت زيارات الرحالة والمستشرقين لمواقع الجوف، التي تقع تقريباً على خط واحد، وسط السهل الواسع بين الغرب والشرق، وتشمل هذه مواقع إلى جوار معين التي تقع في منتصف المسافة بين جبلي اللوذ، وريام عند الفتحة المؤدية إلى رمال الربع الخالي في الشرق مدينة براقش الذي ذكرت في النقوش المسندية باسم "يثل" إلى جانب هرم وكمنهو والسوداء، والبيضاء، وقد تكونت هذه المدن والمواقع الأثرية على ربوات صناعية من الرمل كجانب دفاعي، ورغم مرور آلاف السنين إلا أن هذه الربوات الرملية مازالت صامدة في وجه عوامل التعرية الطبيعية. وقد اشتهرت بعض مدن ومواقع محافظة الجوف وذاع صيتها بشهرة مملكة معين مثل مدينة البيضاء التي كانت تعرف قديما باسم "نشق" والتي مازالت معالمها ومعابدها باقية حتى اليوم –أيضاً- هناك مدينة السوداء والتي كانت تعرف قديماً باسم "نشأن" وقد اشتهرت السوداء بصناعة المعادن؛ حيث عُثر فيها على بقايا خامات المعادن المختلفة وأيضاً أدوات تستعمل في التعدين وفي تحويل المعادن إلى أدوات، وهي المدينة التي يوجد فيها مجموعة من المعابد، يطلق عليها سكان المنطقة معابد بنات عاد، لإن أعمدة المعابد مزخرفة بزخارف غاية في الروعة والجمال، تمثل أشكال آدمية لنساء وحيوانية، تمثل وعول وأيضاً أشكال هندسية تضاهي معابد بلاد الرافدين. وقد زار هذه المعابد الفريدة المستشرق الفرنسي "جوزيف هاليفي" عام 1870م، ولاحظ تلك المعابد وغنائها بالزخارف البديعة لتلك الأعمدة. أيضاً هناك النقش الشهير والذي يعرف باسم نقش النصر، والذي يعود للملك السبئي المكرب كرب إيل وتر بن ذمار على ذارح، والذي يذكر فيه مدينة السوداء "نشأن" بأنها تعرضت لحملات عسكرية قامت بها جيوش سبأ، وأن المدينة تعرضت للخراب والدمار هي وأسوارها وقصرها الملكي، وتذكر العديد من النقوش أن مدن معين وبراقش أهم مدن مملكة معين؛ حيث كانت مدينة معين والتي كانت تسمى قرناو، وهي العاصمة السياسية للمملكة ومدينة براقش التي كشفت البعثة الإيطالية فيها –مؤخراً- معبدها الرئيسي كانت العاصمة الدينية، مما كان يجعل هاتين المدينتين هدفاً للحملات العسكرية السبأية، وذلك في إطار الصراع الدائم الذين كان بين المملكتين من أجل السيطرة على أراضي كلاً منهما. أيضاً يوجد في محافظة الجوف مدن أثرية وخرائب أقل شهرة مما سبق ذكره، وذلك لأنها طمرت معالمها بالأتربة والرمال، بفعل عوامل الزمن من تصحر وجفاف وسيول وغيرها، ومن هذه المواقع الأثرية الأقل شهرة، والتي يرجح المؤرخون بأنها تعود لمملكة معين، مدينة بيحان وسراقة، وابنه وقعم ولوق وغيرها من المدن، ومدينة بيحان هذه ليست بيحان المعروفة اليوم والتي تقع ضمن مناطق دولة قتبان، والتي كانت إحدى الممالك اليمنية القديمة. وسنذكر هنا أهم مدينتين أثريتين في محافظة الجوف: مدينة معيـن "قـرناو": تقع هذه المدينة إلى الشمال من مركز المحافظة مدينة الحزم على بعد نحو (7) كم عند الفتحة المؤدية إلى رمال الربع الخالي في تماس مع السهل الفسيح، الذي يرويه وادي مذاب الخادر أي في منتصف المسافة بين جبل اللوذ، الذي يقع إلى الشمال منها على بُعد (20 كم) وجبال "يام" الذي يقع في جنوبها، وبنفس المسافة، ومن جهة الشرق يحدها الربع الخالي. وهي عاصمة مملكة معين المشهور بمملكة البخور لشهرتها بتجارة البخور في العهد القديم، والتي كانت تعرف –أيضاً- حسب ما تحكيه النقوش اليمنية القديمة باسم "قرناو" تعتبر أهم المدن القديمة والأثرية في محافظة الجوف على الإطلاق، وتأتي بعدها في الأهمية مدينة "يثل براقش" باعتبارها العاصمة الدينية لمملكة البخور (مملكة معين). وقد بنيت مدينة معين على ربوة صناعية من التراب لحمايتها من أضرار السيول الجارفة، وأيضاً كحماية دفاعية عند الحروب، وما زالت هذه المدينة، وكذلك باقي ومدن الجوف القديمة والأثرية قائمة حتى اليوم، رغم مرور آلاف السنين وتعرضها للعديد من المتغيرات الطبيعية والبشرية. ولم يكن يعرف علماء الآثار عن هذه المدينة شيئاً، رغم تميزها بالمعالم الحضارية والتاريخية، لأنها كانت وما زالت مطمورة تحت الرمال، حتى اكتشفها المستشرق "هاليفي" أثناء زيارته لمدن وخرائب الجوف القديمة، وعند زيارته لمدينة معين قرأ على معالمها اسمها مكتوب بالخط المسند، كما أشار هاليفي أن هذه المدينة وباقي الخرائب الأثرية في الجوف من أغنى مناطق اليمن والجزيرة العربية بالآثار، ولكن للأسف لم يتم حتى اليوم أي أعمال حفريات، وتنقيبات أثرية علمية ومنظمة في هذه المدينة، سواء النبش العشوائي من قبل لصوص الآثار والتاريخ. مدينة براقش: وهي المدينة التي عُرفت في النقوش اليمنية القديمة المسندية باسم "يثل" وتعتبر مدينة براقش هي العاصمة الدينية لمملكة معين، وتقع إلى الجنوب من مديرية الخلف، وعلى بعد خمسة كيلو مترات تقريباً، وقد بنيت هذه المدينة مثل باقي المدن القديمة على ربوات صناعية محاطة بأسوار عظيمة ومنيعة، عليها أبراج للحماية والمراقبة من كافة الاتجاهات، وقد ذكر استرابون اسم هذه المدينة من بين المدن التي أحتلها القائد "اليس غاليوس" أحد قادة الامبراطور الروماني "أغسطس" خلال حملته العسكرية على أرض اليمن السعيد بين العامين (25-24) قبل الميلاد، خاصة أن مدينة براقش كانت تعيش في ذلك الزمن فترة انحطاط وضعف، بعد أن أصبحت تحت سيطرة البدو الرحل. أما فترة ازدهارها كما تذكر كتب التاريخ فتعود على الأرجح إلى الفترة الواقعة بين بداية القرن السابع ونهاية القرن السادس قبل الميلاد. ومدينة براقش تعتبر أفضل حالاً من مدن وخرائب الجوف الأثرية الأخرى، لأن بقاياها ما زالت واضحة المعالم، ولم تتعرض للنبش العشوائي والتخريب بشكل كبير مثل المدن القديمة الأخرى، لذلك ما زال سور المدينة مع أبراجها البالغ عددها ستة وخمسون برجاً في حالة جيدة،وهي من المدن الهامة، نظراً لوقوعها على طريق القوافل التجارية المحملة بالعطور والطيب والتوابل، والتي تحملها إلى بلاد الشام، مروراً بهذه المدينة. كما أن الإمام عبدالله بن حمزة قد اتخذ من هذه المدينة الصغيرة التي لا يتجاوز قطرها حوالي سبعمائة متر مركزاً له، وبنى فيها مسجده المعروف بمسجد الإمام عبدالله بن حمزة والذي بناه في عام 48هـ. ولأهمية هذه المدينة قامت البعثة الإيطالية ما بين العامين (1990-1992)م بعمل حفريات أثرية برئاسة البرفيسور اليسا ندرو دي ميغريه للكشف عن المعبد الرئيسي في هذه المدينة، والمعروف بمعبد الإله نكرح حامي هذه المدينة، كما قامت البعثة الإيطالية –أيضاً- بترميم هذا المعبد الفريد خلال عامي (2003-2004)م. ويعتبر معبد "نكرح" من المعابد ذات الطراز المعماري المميز للمعابد المعينية؛ حيث تتضمن هياكله الجزء الأكبر منها على قاعدة كبيرة مغطاة بسقف يستند على أعمدة، وهذا النموذج من المعابد ظهر –أيضاً- في حضرموت في مدينة "ريبون ومكينون" وفي أثيوبيا، وهو من المعابد الجميلة والمكتملة، والذي سيكون له دوراً كبيراً في الترويج السياحي في هذه المحافظة الواعدة. تخريب المواقع الأثرية: كانت تلك عبارة عن نبذة قصيرة لما تحتويه محافظة الجوف من معالم تاريخية وحضارية وكنوز أثرية، وعلى تميز الإنسان اليمني القديم الذي استطاع بعبقريته أن يصل إلى ذلك المجد، والعُلى والرفعة. كما أن أثار وكنوز اليمن كما يرجح معظم علماء الآثار والتاريخ ما زال في جوف محافظة الجوف، رغم كل الخراب والتدمير الذي تعرضت له المواقع الأثرية في هذه المحافظة، والذي ما زال قائماً حتى اليوم. حيث تتعرض –وبشكل يومي كما يقول مسئولو الآثار- لأبشع أنواع التخريب والتدمير من قبل لصوص الآثار، والذين يتاجرون بآثار وتاريخ اليمن عبر عصابات منظمة ومتخصصة في هذا المجال. كما أن الدكتور عبدالله باوزير-رئيس الهيئة- دائماً ما يردد أن ما تتعرض له المواقع الأثرية اليوم هو نتيجة تدني مستوى وعي المواطنين في هذه المحافظة، لأنهم غير مستوعبين لخطورة ما يقوم به البعض من عبث و تدمير –حسب كلام الدكتور با وزير- والذي يقول بأنه سيكون هناك معالجات لهذه المشاكل من خلال التعاون بين الهيئة وبين السلطات المحلية في محافظة الجوف، ومع ذلك ما زالت خرائب ومدن الجوف الأثرية تتعرض وبشكل يومي تقريباً لكل أنواع العبث والتدمير، والسرقة، بهدف تهريب الآثار، دون أن يجد لصوص الآثار من يردعهم، لضعف إمكانيات الهيئة ولعدم توفر الحماية الكافية لهذه المواقع، لوقف هذا العبث الذي يزداد حِدةً، خاصة بعد أن عثر بعض المواطنين في خربة همدان عن طريق الحفر العشوائي على مجموعة قيمة من اللقى الأثرية الهامة، والتي تمثل عقود وأساور وأقراط، وأختام ذهبية، كانت ستعرف طريقها إلى خارج اليمن لولا توجيهات فخامة الرئيس علي عبدالله صالح لوزارة الثقافة باقتناء هذه اللقى الذهبية وإهدائها للمتحف الوطني بصنعاء، لعرضها ضمن مقتنيات المتحف، حسب كلام الأستاذ عبدالعزيز الجنداري- الأمين العام للمتحف الوطني. إنعاش الحركة السياحية وقبل اختتام هذا الاستطلاع عن كنوز ومعالم محافظة الجوف، لابد من الاعتراف أن محافظة الجوف رغم تميزها عن غيرها من المحافظات اليمنية، وأيضاً عن مدن الجزيرة العربية بشكل عام، إلا أنها لم تنل حضها من الاهتمام، بدليل عدم إجراء تنقيبات أثرية علمية منظمة في مواقعها الأثرية، باستثناء الحفريات العشوائية من قبل لصوص الآثار، وباستثناء أيضاً حفرية علمية منظمة واحدة نفذتها البعثة الإيطالية، كما أسلفنا في مدينة براقش للكشف عن معبد نكرح. وحسب كلام الآثاريين فإن محافظة الجوف لو نالت نصيباً من الاهتمام والتنقيبات العلمية من قبل البعثات الأثرية المتخصصة، فإنها ستكون العاصمة الأثرية لليمن وستضاهي أشهر المدن الأثرية في العام، وستكون محل جذب للسياح العرب والأجانب والمؤرخين لروعة ما تحتويه من كنوز أثرية نادرة، وتحف معمارية وجمالية في غاية الجمال، والإبداع، وسترفد الاقتصاد الوطني، وستتحسن البنية التحتية لهذه المحافظة، وستخلق فرص عمل كبيرة. ويرى العديد من المواطنين أن كل ذلك ممكن أن يتم لو أن الهيئة العامة للآثار وضعت المواقع الأثرية في محافظة الجوف ضمن أهم اهتماماتها وأولوياتها، خاصة مع استغلال الفترة الحالية التي تعيشها المحافظة في هدوء واستقرار عكس ما كان سابقاً بفضل اهتمامات القيادة السياسية ممثلة بفخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح، والذي استطاع بحكمته وخبرته أن ينهي ظاهرة الثأر في محافظة الجوف، وباقي محافظات الجمهورية، من خلال دعوته إلى عقد صلح عام لإنهاء هذه الظاهرة التي أوقفت عجلة التنمية وخير الثورة المجيدة. لذلك تعتبر الظروف اليوم ملائمة لأن تستثمر الهيئة العامة للآثار هذه العوامل في إجراء الدراسات والمسوحات الأثرية، العلمية وعمل الحفريات والتنقيبات الأثرية لكشف ما تختزنه هذه المحافظة بالتعاون مع البعثات الأثرية الأجنبية المتخصصة، من خلال استثمار علاقات بلادنا الجيدة مع العديد من الدول الشقيقة والصديقة، لما من شأنه الحفاظ على موروثها الحضاري والثقافي والتاريخي. |