اللاجئون في اليمن.. أنين لا يَسْمَعهُ العَالَـم أوطان تحترق، وشعوب تقهرها كوابيس الخوف وأشباح الموت، فتلوذ ببؤسها فوق نعوش البحر المقامرة لتقذف بها على جانبٍ من ساحل ممتد إلى ما يقارب 2500 كيلو متر، كان أول من كتب مأساة اللاجئين الواصلين إلى اليمن. ومع أن اليمن تُعد من بين أفقر دول العالم إلا أنها ما لبثت أن تحولت إلى عنوان أغرب وأكبر ظاهرة لجوء في العصر الحديث، وإلى مسرح واحدة من المآسي الإنسانية المؤلمة التي تستحق البحث في أسرارها، وما اختلجت به صدور اللاجئين المثخنة بأوجاع القصص المروعة. يقدر مكتب المفوضية السامية لشئون اللاجئين التابع للأمم المتحدة أعداد اللاجئين المسجلين في اليمن حتى نهاية عام 2004م بحوالي ( 49.784) لاجئا، منهم (25.098) إناث, ( 24.686) ذكور. ويصل عدد الأطفال بينهم ممن تقلّ أعمارهم عن (5) سنوات بحوالي (3812) طفلا، أما الشباب بين (5-17) عاماً فتتراوح أعدادهم ( 19.270) شاباً وشابة، فيما يبلغ عدد الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاما( 2.568) رجلا. ويبلغ أعداد الصوماليين فقط من بين هؤلاء اللاجئين( 47.672) لاجئاً، يليهم الاثيوبيون (1.229) لاجئاً، الفلسطينيون( 440) لاجئاً، العراقيون(219) لاجئاً، الايتريون(101) لاجئاً، ثم جنسيات أخرى من فيتنام، بورندي ، الجزائر، الأردن، سوريا، السودان، أنجولا، ليبيا، أوزباكستا، تنزانيا، والبوسنة والهرسك وغيرهم. فيما قدَّرت وثائق المفوضية أعداد اللاجئين الواصلين لليمن خلال الربع الأول من العام 2005م بحوالي (5.274) لاجئاً غالبيتهم العظمى من الصوماليين. إلاّ أن السيد عبدالملك عبود- مساعد العلاقات الخارجية بالمفوضية بصنعاء- لفت الانتباه إلى أن ( هذا العدد لا يمثل العدد الفعلي للاجئين المتواجدين داخل أراضي الجمهورية اليمنية، فهؤلاء هم المسجلون فقط، فيما هناك أعداد كبيرة لم تسجل) مشيرا إلى أن : هناك من يقول أن أعداد اللاجئين تصل إلى حوالي (500) ألف لاجئ، والبعض الآخر يقدر العدد بالمليون. ويذكر أيضا: أن ما بين 12-14 ألف لاجئا صوماليا يدخلون اليمن سنويا، وأن المفوضية تقوم بتسجيل اللاجئين في مركزين رئيسيين لها أحدهما في ( ميفعة) والآخر في ( بئر علي). وتشير وثائق المفوضية إلى أن 80% من اللاجئين الصوماليين في اليمن ينتمون إلى مناطق وسط وجنوب الصومال، فيما تأتي نسبة 20% منهم من منطقتي أرض الصومال، والبونتيلاند في الشمال. لكن اللاجئين الأثيوبيين أغلبهم من أفراد وضباط البحرية الأثيوبية لجأوا إلى اليمن إثر سقوط حكومة ( منجستو هيلا مريام) إلى جانب عدد قليل ممن ينتمي إلى جماعة ( أورومو). وقد بدأ أول وصول للصوماليين إلى اليمن كلاجئين في عام 1991م إثر اندلاع الحرب الأهلية في الصومال، آخذة بالارتفاع التدريجي مع اشتداد النزاعات والتوترات حتى بلغت أوجها بعد عام 2001م ليصل معدل اللاجئين إلى ما بين ( 12-14) ألف لاجيء سنويا، رغم أن العدد انخفض كثيرا بعد أغسطس 2000م عقب ( مؤتمر السلام) بجيبوتي الذي لعبت فيه اليمن دوراً حيوياً من أجل التوفيق بين الفصائل الصومالية المتنازعة، وإحلال السلام بينها، لكن تجدد النزاعات ضاعف أعداد اللاجئين خلال الأعوام الثلاثة الماضية. • أول الإشكاليات لعل أولى إشكاليات قضية اللاجئين في اليمن هي أن لا أحد يعلم بالضبط كم بلغت أعدادهم، فالسيدة أمة العليم السوسوة- وزير حقوق الإنسان- تذكر : ( آخر لجنة انبعثت من الوزارة، ومن منظمة غوث اللاجئين قامت بزيارة لكثير من معسكرات اللاجئين، وتسجيل ما لا يقل عن 49 ألف لاجئي صومالي فقط) في الوقت الذي حددت الوثائق الرسمية للمفوضية السامية إعداد اللاجئين الصوماليين حتى نهاية 2004م بحوالي ( 47.672) لاجئا مسجلا، فيما أشارت وثيقة أخرى صادرة عن نفس المفوضية إلى أن أعداد الصوماليين المسجلين لديها حتى شهر أكتوبر 2004م يبلغ ( 55.318) لاجئاً. ويؤكد بسام على الشاطر- رئيس لجنة تقضي الحقائق الخاصة بشئون اللاجئين في مجلس النواب: ( لا توجد أي إحصائيات مضبوطة لأعداد اللاجئين في اليمن، فكل جهة لديها إحصائية خاصة، فوزارة حقوق الإنسان لديها إحصائية خاصة بها، ووزارة الداخلية لديها أيضا إحصائية مختلفة عما لدى وزارة الخارجية، ونحن في مجلس النواب لدينا إحصائية مختلفة.. فلا يوجد عدد مضبوط). وعزا النائب البرلماني ذلك التباين إلى عزوف اللاجئين عن التسجيل نتيجة لوجود مركز الدخول في ( بئر علي) بمحافظة شبوة، فيما مركز التسجيل في ( ميفعة) بمحافظة عدن فضلا عن وجود العديد من منافذ الدخول على امتداد السواحل اليمنية دون أن تكون هناك مراكز تسجيل. أما السيد عبدالملك عبود فإنه يذهب إلى رأي مماثل، قائلا: ( لدى الجمهورية اليمنية شريط ساحلي يزيد عن 2500 كيلو مترا، وهؤلاء الواصلين الجديد يستخدمون عدة منافذ، لذلك من الصعوبة، بمكان، أن تستطيع الحكومة اليمنية التحكم بشريط ساحلي بهذا الحجم نظرا لقلة الإمكانيات المتاحة لغرض السيطرة على المنافذ البحرية بالكامل). ويؤكد: (ليس من مصلحة اللاجئ رفضه التسجيل لأنه بالأساس يحميه من الاعتقال ويثبت سلامة مركزة القانوني، بالإضافة إلى أنه يتلقى بموجب ذلك التسجيل مساعدات صحية وتعليمية تمكنه من البقاء في المخيم المخصص والحصول على مساعدات غذائية من قبل برنامج الغذاء العالمي أو العيش في المدن كلاجئ حضري)، منوها إلى أن هناك ( 36) ألف لاجئ صومالي من بين الـ ( 47) ألف المسجلين يعيشون في المناطق الحضرية ويتحركون كيفما شاءوا. في حين يعتقد جمال العواضي- رئيس المركز اليمني لحقوق الإنسان- أن عزوف اللاجئين عن تسجيل أسماءهم هو ( لأنهم لا يريدون أن يبقوا في المخيمات، فالكثير من هؤلاء اللاجئين قدموا إلى اليمن لأسباب اقتصادية، وهم يعتقدون أن فرص العمل في العاصمة صنعاء أو في مراكز بعض المحافظات متاحة بشكل كبير وبإمكانهم تحسين أوضاعهم المعيشية من خلالها). السيد عبود يربط هذه الإشكالية بمسألة أخرى ، إذ يعتقد أن : (الإمكانيات الحكومية اليمنية محدودة جدا، ولو قامت باحتجاز اللاجئين الرافضين للتسجيل فإن الأمر سيترتب عليه تكبدها تكاليف مادية ولوجستية كبيرة جدا من أجل إعالتهم لحين يتسنى لها إعادتهم، وهذا الأمر لا يتعلق بعدد محدود بل بآلاف اللاجئين أو ربما حتى مئات الآلاف منهم.. لذلك يجب أن لا نلقي الكرة في ملعب الحكومة)! • نعوش البحــر في ظل ظروف قاهرة من الاحتراب، والفوضى، وغياب الأمن وجد كثيرون في شد الرحال من الصومال متنفسا قد يفتح آفاق حياة أمنة تسلمه القتل أو أن يكون جنديا في ركب زعيم عنيد، رغم أن كثيرين يجهلون تماما أي مصير بالانتظار، وأي مقامرة هم مقدمون عليها. فعلى شواطئ ( بوساسو) الصومالية يتقرر المصير، إذ يتحشد المئات يوميا من الرجال والنساء والأطفال والشباب الوافدين إلى هذا المكان من شتى بقاع الصومال، وقد بدا البؤس والخوف في تقاطع الوجوه الكالحة والأضلاع الناتئة من الصدور.. فهناك يلتقي المهربون أيضا، وسماسرة الترحيل إلى شواطئ الميعاد، مقابل ( 30-50) دولاراً أمريكياً للشخص الواحد، على متن زوارق صغيرة تتسع لما يقارب 100 راكباً. يذكر يوسف علي محمد – لاجيء صومالي في صنعاء يعمل بغسل السيارات – أنه دفع 100 دولاراً أمريكياً لأحد المهربين بعد الاتفاق على تسفيره هو وزوجته وطفليهما إلى شواطئ إحدى دول الخليج العربي إلا أنه بعد رحلة بحرية مضنية دامت حوالي 31 ساعة وجد نفسه على شواطئ اليمن من غير أن يعلم أحد أنها اليمن وليست أي دولة خليجية أخرى. ويصف يوسف الرحلة بأنها ( رحلة رعب) فالمهربون مدججون بالأسلحة الأوتوماتيكية، ويمنعون اللاجئين من أي حركة لئلا يختل توازن المركب فيميل يميناً أو شمالاً، ويذكر: ( حشرونا جنب بعض أكثر من مائة شخص حتى أن الواحد لا يستطيع مد رجله، وكانوا إذا رأوا شخصا يقف أو يتحرك يشتموه ويضربوه، وإذا عاندهم أو كرر الحركة يطلقون عليه الرصاص ثم يرموه في البحر). يومان من الرعب والمهانة والذل على متن نعوش البحر، يلعق فيها الصغير والكبير جراحاته ومن ثم يتضرع لله من أجل النجاة. محمد حسن- أحد سكان مقديشو اللاجئين في اليمن- يسترجع بمرارة ذكريات تلك الرحلة " اللعينة" منتصف عام 2004م ويروي أن بعض النازحين أثاروا جدلا وعراكا على ظهر الزورق الذي كان يقلهم، حتى بلغ الأمر الاشتباك بالأيادي، فلم يكن من المهربين إلا فض النزاع على طريقتهم الخاصة بأن رشقوا النازحين بالرصاص فقتل سبعة أشخاص وأصيب حوالي خمسة، لكن المهربين طلبوا من البقية رمي القتلى والجرحى معا في البحر مهدديهم بالسلاح إن لم يفعلوا. كما يقول أن الكثير من المهربين يطلبون من الركاب إلقاء أنفسهم إلى البحر على بعد مسافة من الشواطئ خوفا من أن تكتشف أمرهم شرطة السواحل اليمنية ويلقون القبض عليهم.. وفي مثل هذه الحالات تغرق النساء والأطفال وكل من لا يجيد السباحة. رعب قائل.. كان ضريبة كل الفارين في نعوش البحر بحثا عن الأمن والسلام، فالسيدة فاطمة سعيد- لاجئة صومالية في صنعاء- كانت تدور على بقالات الخضار في سوق ( القاع) وتسألهم أن يهبوها بعض ما يسد رمق صغارها الأربعة، روت لنا مأساة أبريل من العام 2004م على متن أحد زوارق التهريب. تقول السيدة فاطمة أن المهربين عندما لمحوا زورق دورية ساحلية يقترب منهم بسرعة حاولوا الفرار بعيدا عن اتجاه سير الدورية، إلا اقتراب الدورية الكبير، وتوجيهها نداء عبر مكبرات الصوت للزورق بالتوقف، دفع المهربين إلى إشهار أسلحتهم وبدء إطلاق النار بكثافة على الشرطة وربما يكونوا أصابوا بعض أفراد الشرطة، فبادلتهم الشرطة إطلاق النار. وتتذكَّر: ( شعرنا بالموت وتأكدنا أننا ميِّتون لا محالة.. احتضنت أطفالي وخبأنا جميعنا رؤوسنا في أحضان بعضينا.. وكنّا نصرخ ونبكي فزعاً، ونستنجد بالله.. وعندما حاول زوجي تغيير مكانة ليصبح أكثر التصاقا بنا، فنهض من مكانه صاح به أحد الرجال المسلحين بصوت مخيف جدا لكنه واصل في حركته فأطلقوا عليه النار وأصابوه بكتفه وكفه.. وظل ينزف حتى سيطرت الشرطة على الزورق واقتادونا إلى نقطة عسكرية يمنية على الشاطئ، فأسعفوه.. لكنه لم يعد قادرا على العمل!) • حيـاة بطعم البُـؤس كان قدرهم أن يحملوا أوجاعهم الى كل مكان. وحتى حين فازوا بلحظة الأمان والسلام كانت ثمة هموم في الانتظار. يقول جمال العواضي- رئيس المركز اليمني لحقوق الإنسان: (معظم هؤلاء اللاجئين لا يتمتعون بأية مؤهلات أكاديمية او مهارات فنية تساعدهم على العمل وكسب العيش خارج معسكرات اللجوء، لذا كانت فرصهم في العمل ضيقة ومحصورة في أعمال وضيعة وصغيرة، والبعض يستحقرها وينظر لأصحابها بنظرة دونية- كما هو الحال مع الخدمة في البيوت، وتنظيف الشوارع، ومسح زجاج السيارات وما شابه ذلك). وأضاف: (اليمن لا تتسع كثيرا لمثل هذه الأعمال، ويكفيها بضع مئات فقط، لذلك فإن هناك آلاف سيبقون عاطلون عن العمل ولا يجدون ما يعيلون به أنفسهم خاصة أنهم يرفضون البقاء في المعسكرات والاستفادة من المساعدات المقدمة للاجئين). أما السيدة السوسوة ترى أن (أعداد كبيرة من اللاجئين يرفضون التسجيل لتسبب أو لآخر وهم عندما يصلون اليمن يصبحون جزء من النسيج الاجتماعي اليمني. لكن المشكلة تظهر في كثير من المحافظات التي لا توجد فيها موارد رزق حتى للمواطنين اليمنيين أنفسهم، وهنا تحصل الإشكاليات والمعاناة). يوسف علي محمد- لاجيء صومالي لديه زوجة وطفلين يعيش في غرفة بائسة يجاورها حمام بمساحة متر مربع فقط، ويتخذ من باحة صغيرة لا يزيد طولها عن مترين مكانا للطبخ، ويدفع مقابل هذا المكان في منطقة (الصافية) بأمانة العاصمة (4000) ريال. يقول يوسف أنه في كثير من الشهور لا يستطيع توفير الإيجار، ويتعرض لتوبيخ ومضايقة من المؤجر بسبب ذلك وأحيانا كثيرة يبقى لأسبوع أو أكثر بلا كهرباء كونه يعجز عن سداد الفاتورة . ورغم أنه يتحدث عن أهل الخير من الجيران الذين يتصدقون على أسرته من حين لآخر ببعض الطعام والملابس إلا أنه يشعر بمرارة أن يجد نفسه بهذا الوضع المهين. يتمنى يوسف لو أنه يستطيع تعليم صغاره أسوة بأقرانهم، او حتى شراء بعض الحلويات والأيس كريم لهم لكنه يؤكد (ما أجنيه من غسل السيارات أمام مطعم الشيباني بالكاد يكفل لعائلي الطعام، وأحيانا أعود لمنزلي دون أي نقود، وإذا مرض أحد أطفالي فإني أتوسل بالجيران لشراء علاج له..) ويشير الى (الخوف يلازمني دائما من أن تداهم الشرطة بيتي وتقوم باعتقالي وترحيلي.. فأنا لا أملك أي وثائق تثبت شخصيتي). جمال العواضي حدثنا في السياق ذاته معلقاً: (أحيانا تحدث حملات ضد المقيمين غير الشرعيين لكن بالنسبة للصوماليين لهم وضع خاص في اليمن للأسباب المعروفة، ويعاملون معاملة حسنة جداً إلا أنهم يجب أن يصححوا أوضاعهم ويسجلوا أنفسهم في مراكز تسجيل اللاجئين لأن من حق أي بلد أن يعرف من الذي عنده، وكم أعداد الوافدين وغيرها من البيانات المطلوبة ليس فقط لأسباب أمنية بل أيضا لتحديد الخطط الاقتصادية والخدمية والاجتماعية والصحية وغيرها). ويشير عبدالملك عبده إلى أن اللاجئين الصوماليين (يتم قبولهم من قبل المفوضية من الوهلة الأولى، ويتم الاعتراف بهم من قبل الحكومة اليمنية، ولا يتم إلزامهم بالخضوع إلى مقابلة فردية كوننا نعرف الأوضاع الصومالية غير المستقرة)، وهو عكس ما يحدث مع اللاجئين من الدول الأخرى. كما يتحدث بعض اللاجئين الصوماليين وآخرين من دول القرن الأفريقي عن صعوبات في اللغة تعيق أبناؤهم من الاندماج في المجتمع الجديد، والاختلاط بالأطفال اليمنيين، أو حتى دخول المدارس، ويعتبرون هذه المسألة من (منغصات حياة اللاجئين في اليمن التي تحرمهم من متعة الأمن والسلام الذي غادروا بلدانهم لأجله)- طبقا لما قاله لـ"" أحد الديبلوماسيين في السفارة الأثيوبية بصنعاء. ويشير الديبلوماسي الأثيوبي إلى أن (بعض العوائل التي لجأت إلى اليمن لم تنتقل بالكامل وإنما خلفت وراءها بعض أفراد الأسرة أو بعض الأبناء وهذا خلق شتات أسري أولاً، ثم قلق دائم، وتعقيدات نفسية خاصة بالنسبة للأبناء والأمهات)، منوهاً إلى أن: (الكثير من اللاجئين الأثيوبيين ليس لديهم الأسباب الملحة لأن يحمِّل نفسه هذه الأعباء والمعاناة، وهم قادرون على العيش بظروف أفضل في بلدهم بدلا من إضافة عبء جديد على بلد آخر). ويبدو أن معاناة اللاجئين من القرن الأفريقي متماثلة حتى في طريقة انتقالهم من بلدانهم إلى اليمن. حيث أشار الديبلوماسي الأثيوبي في حديثه مع () إلى أن: ظاهرة تهريب اللاجئين إلى اليمن تتم بزوارق خشبية رديئة تتبع بعض عصابات التهريب، يتسلل إليها الناس ليلا في أغلب الأحيان، وهناك متعهدون أو عملاء يدلونهم على أماكن انطلاقها، إلا أنها مجازفة خطرة جداً). • اليمن تدفع الثمن يقول الرئيس علي عبدالله صالح في إحدى المقابلات الصحفية: ( لقد عانت اليمن كثيراً من تدفق آلاف اللاجئين نتيجة الاضطرابات التي شهدتها عدد من دول منطقة القرن الأفريقي وبخاصة من الصومال الشقيق، ومع ذلك فإن اليمن وبالرغم من ظروفها الاقتصادية الصعبة اضطلعت بمسئوليتها القومية والإنسانية واستقبلت هؤلاء اللاجئين، وأقامت لهم المخيمات، وقدمت لهم كل وسائل الرعاية بالتعاون مع الجهات المعنية في الأمم المتحدة. ونحن نتطلع بأن يعود هؤلاء وغيرهم من الذين دخلوا البلاد بطرق غير مشروعة إلى بلدانهم في أسرع وقت ممكن، لأن استمرار وجودهم يحملنا أعباء كبيرة ويخلق لنا مشاكل نحن في غنى عنها). المفوضية السامية لشئون اللاجئين تؤكد الحقيقة ذاتها على لسان عبدالملك عبده، إذ يقول: (وجود اللاجئين في بيئة غير بيئتهم يشكل أعباءً اجتماعية واقتصادية لليمن، فيما اليمن لديها من المشاكل ما يكفيها سواء ما يتلعق بالبطالة أو غيرها)، منوها إلى (لا يمكن للمجتمع الدولي تحميل اليمن فوق طاقتها لأن إمكانياتها محدود، ولديها بطالة، ومشاكل في التعليم، والرعاية الصحية، وأمور أخرى). وبجانب الأعباء الاقتصادية التي يضيفها ما يقارب النصف مليون لاجئ على كاهل اليمن، هناك من يتحدث عن مشاكل صحية ايضا فالدكتور محمد النعمي وزير الصحة اليمنية عزا نهاية أبريل الماضي تفشي فيروس شلل الأطفال إلى عدة أسباب كان أحدها (اللاجئين الذين يفدون على اليمن عبر ميناء الحديدة)، مشيراً إلى أن (هذا الفيروس ليس مستوطنا في اليمن وإنما دخل إليها من الخارج). وكان السيد عادل إسماعيل رئيس مكتب مفوضية اللاجئين بصنعاء لفت انتباه المجتمع الدولي في منتصف أبريل الماضي إلى أن (عملية إجراء الفحوصات الطبية الخاصة باللاجئين، وضمان سلامتتهم الصحية أصبحت مسألة مضنية تستدعي جهدا عظيما، وإمكانيات مادية هائلة تعجز الحكومة اليمنية عن تلبيتها) نظراً للتدفق الهائل للاجئين الواصلين إلى اليمن)، ووجّه نداء استغاثة باسم مكتب الأمم المتحدة لغوث اللاجئين، دعا فيه المانحين الدوليين، وجميع المنظمات ذات العلاقة إلى مساعدة اليمن، وتقديم الدعومات لحكومتها ليتسنى لها مجاراة التكاليف المتزايدة والأعباء الكبيرة. ويبدو أن مخاوف اليمن الصحية جراء ما يمكن أن يحمله اللاجئون إليها من أمراض خطيرة قد تعاظمت في الآونة الأخيرة بعد شيوع عدد من الأمراض التي كانت اليمن تخلصت منها منذ عدة سنوات، مثل شلل الأطفال، والجذام، وحمى الوادي المتصدع، واشتباه بفيروس (إيبولا)، فضلا عن تفشي مرض الإيدز على نحو مثير للريبة. وهذا الأمر حدا بلجنة الشئون الخارجية والمغتربين بمجلس النواب إلى دعوة الحكومة في الأول من مارس الماضي إلى (ضرورة إنشاء مراكز فحص طبي في جميع منافذ دخول اللاجئين، وعدم السماح لأي لاجئي بالدخول إلى الأراضي اليمنية والبقاء فيها ما لم يكن حاملا شهادة طبية صادرة عن وزارة الصحة تثبت خلوه من الأمراض الخطيرة المعدية)، إلى جانب الدعوة إلى (إجراء فحوصات طبية لجميع اللاجئين المتواجدين من قبل للتأكد من خلوهم من تلك الأمراض). وشدد تقرير اللجنة البرلمانية المقدم لرئاسة مجلس النواب على (اعتبار تلك الإجراءات ضرورات قومية مرتبطة بالسلامة الصحية للمجتمع). لكن المشاكل الاقتصادية والصحية لم تكن خلاصة الهموم اليمنية المترتبة عن تدفق اللاجئين إليها؛ فما زال هناك الكثير من الأعباء الحقوقية والاجتماعية. تقول القاضية آمال الدبعي- رئيسة مركز تنمية المرأة ومناهضة العنف: (يواجه القضاء اليمني بعض الإشكاليات المعقدة في كيفية التعامل مع القضايا التي يكون طرفيها أو أحد أطرافها من اللاجئين. فأول المشاكل تبدأ بالفصل بين لاجئ مسجل وآخر غير مسجل، فالحقوق القانونية هنا مختلفة كثيرا، ولكن كيف يمكن إقناع هذه الإعداد الهائلة بحقيقة كهذه!؟). وتضيف: (أعداد اللاجئين في اليمن كبيرة، وهم يفضلون التركز في مناطق محددة، وهذا يعني أن المشاكل والخصومات لا بد أن تظهر سواء بينهم البين أو بين طرف منهم وآخر يمني.. نحن أحياناً كثيرة في اليمن نقوم بتسوية القضايا وديا وفق أعراف وتقاليد معروفة عند الجميع، لكن قد يصبح الأمر صعباً مع غير اليمنيين. علاوة على أن معظم اللاجئين ليس لديهم ثقافة حقوقية، وقسم كبير منهم لم ينل نصيباً وافياً من التعليم، وهذا يعني مزيد من القضايا والمشاكل). وتشير القاضية الدبعي في حديثها لـ(المؤتمرنت) إلى أن أعداد النساء بين اللاجئين يكاد يكون النصف أو اكثر بقليل وأنه (ينبغي التفكير ايضا بما يستدعي ذلك من حقوق رعاية الأمومة والطفولة وحماية للنساء والأطفال وغيرها من الأمور المرتبطة بالمرأة والطفل.. وطبعا نحن لدينا مراكز محدودة وإمكانيات متواضعة للغاية ورغم ذلك صار قسم منها يذهب للاجئات دون أي قدرة على تعويض النقص). فيما تذهب السيدة فوزية بامرحول- رئيسة دائرة المرأة بنقابات عمال اليمن- إلى التاكيد على أن: (قبول الكثير من اللاجئين العمل بأجور منخفضة جداً سبب اختلالاً بموازين سوق العمل بالنسبة لليمنيين الذين يعملون في نفس الاتجاه.. اللاجئون مضطرون للعمل بأي أجر كان للحصول على قوتهم، ورب العمل يهمه اليد العاملة الرخيصة بغض النظر عن الجنسية)؛ وهو الأمر الذي حرم كثير من اليمنيين من فرص عملهم السابقة. كما تشير السيدة بامرحول إلى ظهور التسول، وعمالة الأطفال بين فئات كثيرة من اللاجئين بقدر ملحوظ يتخيله الوافد على اليمن أنه حالة يمنية، ولا يمكن أن يتصور أنهم لاجئون، وقد ألحقت هذه الظاهرة سمعة غير طيبة باليمن- رغم وجود يمنيين في هذا المجال. أما على الصعيد الأمني فإن اللاجئين أضافوا عبئاً جديداً للأجهزة الأمنية اليمنية التي باتت العديد من القوى المحلية تحملها مسئولية استمرار تدفق اللاجئين بأعداد هائلة، بالإضافة إلى ما قد يترتب عن ذلك من مخاطر كبيرة قد تسمح بتسلل إرهابيين، أو دخول أسلحة أو مخدرات وغير ذلك. ومن هنا تحملت اليمن أعباء مضاعفة إمكانياتها المادية وجهودها البشرية من أجل حماية سواحلها ومياهها الإقليمية.. فكان أن أسست اليمن قوات خفر السوحل عام 2003م. ونظراً لتفاقم الحالة أصدرت وزارة الداخلية في مطلع أبريل الماضي توجيهات مشددة بملاحقة السفن والقوارب التي تقوم بتهريب اللاجئين إلى اليمن، كما تم نصب عدد كبير من أجهزة المراقبة، وتجنيد المئات من الشرطة، وهي بمجملها مصاريف إضافية لم تكن اليمن مضطرة لها لولا مشكلة اللاجئين. • اتجاهات مشكلة اللاجئين تذكر السيدة وزيرة حقوق الإنسان: (غالباً عندما يأتي اللاجئون إلى اليمن فإنهم يأتونها على أساس أنها المحطة الأولى للخروج إلى أماكن أخرى يجدون فيها – لربما- فرصا للرزق والحياة أفضل. ولكن بسبب تعقيدات إجراءات الهجرة من أوروبا تحديدا والولايات المتحدة وكندا التي كانت تاريخيا هي الدول التي تستقبل أعداد كبيرة من القرن الأفريقي أصبحت الآن أعدادهم كبيرة جداً في اليمن، ولا يجدون مكاناً للخروج إليه). لكن هذا النوع من اللاجئين ممن تحدثت عنهم الوزيرة يكاد يشكل نسبة ضئيلة جدا قياسا بالسواد الأعظم من الأفريقيين الذين لا يتعدى طموحهم الوصول الى إحدى دول الخليج العربي الثرية. يؤكد عبدالملك عبده: (أن الغالبية من غير الصوماليين يأتون الى اليمن لأسباب اقتصادية بحتة، وبالتالي فهم لا يتقدمون بطلبات اللجوء كما أن نسبة قبول المفوضية لطلبات اللجوء من الجنسية غير الصومالية لا تتعدى 5% باعتبارهم مهاجرون اقتصاديا ولا تنطبق عليهم المعايير). في حين يذهب التقرير البرلماني المقدم من قبل لجنة الشئون الخارجية والمغتربين بمجلس النواب في الأول من مارس الماضي الى توصيف اللاجئين المقيمين حاليا في اليمن بأن (الكثير منهم عبارة عن نازحين، او باحثين عن فرص عمل أفضل، ولا تنطبق عليهم الشروط) لذلك دعا الى إعادة النظر بأوضاع اللاجئين. وأوصى الحكومة اليمنية بضرورة (السيطرة على منافذ التسلل وضبط المهربين اليمنيين من أصحاب السفن الذين يقومون بتهريب اللاجئين لليمن)، وهو الرأي ذاته الذي يذهب إليه بسام علي الشاطر وجمال العواضي- وإلى حد ما- مفوضية اللاجئين بصنعاء، إذ أنهم جميعاً يتحدثون حول أعداد كبيرة من اللاجئين تدخل الأراضي اليمنية لأسباب اقتصادية بحتة. إلا أن الشاطر – رئيس لجنة تقصي الحقائق الخاصة بشئون اللاجئين في مجلس النواب يقترح إعادة النظر بالآليات المتبعة منتقداً الأسلوب القائم حاليا، فيرى ضرورة في (استيعاب اللاجئين كلهم في مخيمات تجميع اللاجئين التي يتم استقبالهم فيها، وتقديم الرعاية لهم فيها، والنظر في طلب اللجوء داخلها دون أن يسمح لهم مغادرة هذه المخيمات قبل البت في طلباتهم، وتقرير مصيرهم واستحقاقهم). كما يعتقد أن (وجود أعداد هائلة من اللاجئين في المدن اليمنية ممن لا يحملون أية بطائق صادرة عن المفوضية هو بمثابة ظاهرة سلبية تلحق ضرراً كبيراً باليمن)، منوها الى أن (من حق اللاجئين التواجد في المدن ولكن بعد تسجيلهم، واتخاذ كافة التدابير الصحية والقانونية بحقهم). ويبدو ان هناك أطراف عديدة تبحث عن حلول لمشكلة تدفق اللاجئين الى اليمن، ومحاولة الحد منها فالحكومة اليمنية شكلت لجنة وطنية لشئون اللاجئين مكونة من مسئولين رفيعي المستوى من وزارة الخارجية ، ومصلحة الهجرة والجوازات، جهاز الأمن السياسي، وعدد من محافظي المحافظات التي تواجه المشكلة في بدايتها. كما شرعت هذه اللجنة بالتعاون مع الموفضية السامية لشئون اللاجئين في التحضير لصياغة قانون اللجوء اليمني الذي من شأنه أن يجعل اليمن أول دولة عربية تتخذ خطوة متقدمة لحماية اللاجئين بتشريع وطني. من جهة أخرى، وجهت وزارة الداخلية قوات خفر السواحل بملاحقة قوارب تهريب اللاجئين، وضبطها وإحالة المسئولين عنها الى القضاء لنيل جزاءهم. وفي نفس الوقت تحمِّل مفوضية اللاجئين بصنعاء المجتمع الدولي- بما فيه القوات الدولية المتواجدة بالقرب من المياه الإقليمية اليمنية- مسئولية التعاون مع اليمن في تمكينها من حماية مياهها الإقليمية بشتى الطرق، ووجهت عدة نداءات للمانحين للقيام بدورهم. أما المفوض السامي فقد تقدم بمقترح جديد يرى فيه أنه بدلا من مساعدة اللاجئين والبلدان التي تستقبلهم، لماذا لا يقوم المجتمع الدولي بمساعدة دولهم التي يأتون منها في حل مشاكلها وتجاوز أزماتها، كي لا تكون هناك أصلا مشكلة لاجئين!. ربما يقرأ البعض مشكلة اللاجئين في اليمن بمنظور سياسي، او أمني لكننا نقرأها بلغة الإنسانية، وبحدقات المعاناة والألم، والأنين المرتجع صداه من كل ركن يمني يؤمه اللاجئون.. بحثا عن أمن وسلام وبعض دفء وعطف وحنان. قد لا نكون استوفينا الحقيقة كاملة، إلا أن بعضها لا بد أن يكون مؤلماً بما يكفي لتعليم الشعوب جدوى أن تعمل من أجل السلام. |