سياسيون: مبادر المشترك خالية من المنطق وهذه المرة أيضاً، جاءت الرياح بما لم تشته السفن، فأحزاب (اللقاء المشترك) قدمت مبادرة للإصلاح السياسي والوطني بعد مباحثات طويلة، وترويج لها، يفوق الترويج لمونديال كأس العالم، فكانت النتيجة كمن يجري في الظلام لا يدري متى وأين سيقع!! أحزاب (المشترك) كانت تعلم أنها ستقع في فخ هو من صنعها، ولا يمكنها تحميل السلطة نتائجه، فالشعب أصبح يعرف أنها معارضة مصالح حزبية، وقواعد الأحزاب تدرك أن قادتها تقطف ثمار هذه المصالح، وتبيع العود حطباً، وتمنحها خطباً مليئة بالاتهامات للسلطة. كادت أحزاب المشترك أن تقترب من اليقين في أن الشعب سيخرج مكبراً ومهللاً بمشروع مبادرتها، وأن طابوراً من المثقفين والكتاب سينهالون بكتاباتهم مدحاً وثناءاً على المبادرة/ المنجز، فكانت الصدمة أكثر مرارة. ومرة أخرى هاجم كتاب المعارضة (المبادرة) وأحزابها، ونعتوها بما لم يقله مالك في الخمر. وفي هذا الاستطلاع نقرأ لعدد من السياسيين آراء متعددة حول رؤيتهم لتك (المبادرة). يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء الدكتور عبدالعزيز الشعيبي: إن مبادرة المشترك سميت بـ(مشروع) ولم أجد فيها مشروع أو مشروعية، فقضية، أن يكون هناك مشروع للإصلاح فلا بد أن يكون موضوع متكامل، بمعنى ما هي الآلية المناسبة لهذا الإصلاح، وبالتالي لابد من تحديد ما هي المشكلات، وما هي الإمكانيات، ثم كيفية الوصول إلى حلول ناجحة، فيما يتعلق بهذه المشكلات، وفي الوقت ذاته تحميل طرف بحد ذاته كل هذه المشكلات تعد مسألة تدخل في باب المكايدة السياسية، التي لا تعبر حقيقة عن وجود مشروع حقيقي لمسألة الإصلاح. الملاحظة الثانية وهي المتعلقة بقضية الإصلاح بشكل عام والذي اقتصر بدوره على مسألة الإصلاح السياسي.. نعم إن (المبادرة) تطرقت لمسألة الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي ولكن بصورة مقتضبة وعلى عجالة، مع أن ذلك هو الأصل في قضية الإصلاح العام، إذا كانت هناك مصداقية، لكن التركيز على المسائل السياسية بصورة أكبر لها دلالة, ودلالاتها أولاً أن في كثير من الألفاظ التي وردت في المشروع كان فيها نوع من الإيحاء لمخاطبة الآخر، وليس لمخاطبة الداخل، بمعنى أن هناك مشروع يحكي للآخرين خارج إطار اليمن. مثلاً إنها تنبه لسوء العاقبة ما لم يتم تدارك الأوضاع قبل فوات الأوان، وكأن هذه الأوضاع ليس لهم دعوة بها، فهي أوضاع تخص اليمنيين فقط، فمن هم اليمنيين؟!! ومن ضمن ما يذكرون تحسين ظروف المعيشة لكل مواطن ومحاربة الفساد والقضاء على العوامل المولدة لنزعات العنف والتطرف والإرهاب. للأسف الشديد هذه أساساً موجهة لذلك الأجنبي، لأن هذه القضايا لا تخص أحداً بعينه، فإذا كان مثل هذا الشيء موجود فالكل معني به. وهذه مسألة ليست في العقيدة ولا في النظام ولا في المجتمع، فمن المتهم بالإرهاب، والنظام يناضل من أجل هذه القضية، لكن للأسف الشديد المعارضة في المبادرة دعواها مثل دعوى الآخر الأجنبي. لذلك إذا كان هناك من مصداقية أو معقولية لعملية الإصلاح التي يقولون بها، فكان بودي وهم يذكرون ذلك أن تكون الدعوة موجة للجميع، فهل يطالبون بالإصلاح لأوضاعهم فقط، أم لإصلاح البلد ككل، فالأفكار عندما تكون حقيقة والنوايا صادقة تكون الرؤية والتصور أوسع. ويقول الدكتور فارس السقاف-رئيس مركز دراسات المستقبل: مبادرة المشترك جاءت في وقت بدأت الساحة السياسية تسخن مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، وكانت هذه المبادرة تأخرت فترة طويلة، فقد جرى الحديث عنها منذ أشهر، ويبدو أنها في الأخير أخرجت بشكل سريع، ولم يعني بها بحيث تخرج كبرنامج إصلاح سياسي مدروس وقابل للحوار، لإنها طغت عليها صيغة العثرات, وربما النكاية بالحزب الحاكم، وجاءت متشائمة إلى حدٍ كبير، وسدت الكثير من المنافذة. وكذلك لم تتخذ المبادرة لنفسها أفقاً، وكأنها تريد القول بأن اليمن وصل إلى طريق مسدود، ثم بعد ذلك تطرح خطوط للمعالجات، ولكنها كانت قد أقفلت الأبواب أمام أي رأي أو مناقشة. هذه المبادرة لم تطرح للحوار، ولكنها بهذه الصياغة أغلقت كل أبواب الحوار، لإنها أرادت أن تصدر حكماً نهائياً غير قابل للنقاش أو الاستئناف, فهي مبادرة غير واقعية، حاولت أن تختزل تبعات ومسئوليات العهود السابقة في اليمن،وكل عيوب الأنظمة السياسية العربية، فيما هو قائم وراهن في اليمن الآن. ومع ذلك من حق أي إنسان أن يطرح المبادرات والبرامج والنقد ينصب على المضمون، وينصب حول القائمين على هذه المبادرات.. فهل يستطيعون إقناع الناس بالالتفاف حول برنامجهم هذا، سيما وإن الحديث عن آليات تنفيذ هذه المبادرة حوله الكثير من التساؤلات، وحول مدى قدرتها على تمثل هذه المبادرة. وعلى كل حال المحك الحقيقي ليس في تبادل الاتهامات وإفراغ الوقت والجهد، وإنما في التأكيد والإجماع على حاجتنا إلى الإصلاح، ليس المؤجل، ولكن في الحال والفوري، لأننا قد نصل إلى نقطة اللاعودة. علينا ألا نهدر الجهود والأوقات في هذا الأمر، والنكاية بالآخر، وعلينا التوجه بالفعل للإصلاحات الحقيقية. وارتفاع درجة السخونة قد يكون فيها فائدة لإنها ستدفع كل طرف من أصحاب المبادرات المختلفة إلى إثبات أهليته وقدرته على تحقيق مضامين هذه المبادرات. ومن ضمن ما يجب التركيز عليه أن تمرحل هذه البرامج الإصلاحية، لا نريد أن نقدم عليها بحيث لاننزلها دفعة واحدة، ولا في وقت واحد، لأن ذلك لن يتحقق والمطلوب ترتيب الأولويات. على أي شكل تطرح هذه المبادرات، هل هي برنامج انتخابي، أم مبادرة إصلاحات، فبدلاً من أن يشعرنا أصحابها بأنهم قد اسقطوا الواجب بإطلاق مثل هذه المبادرات، فهذا هو الوجه الآخر للتهرب من المسئولية. فعلينا عند طرح هذه البرامج متابعتها لتحقيق منها ما يتحقق. ومن ضمن المآخذ على المبادرة إغفالها عن كثير من الجوانب، إغفالها لدور المرأة, ودور السلطة المحلية، فالمبادرة لم تكن واضحة في قضية السلطة المحلية. وفي مسألة نوعية النظام برلماني أم رئاسي، فالمفترض تحديد النظام وتحديد وجود الرقابة والمحاسبة, والفصل بين السلطات، فالعيب ليس في كوننا نظام رئاسي.. فالاختلاف ليس في الأسماء، الخلاف في التنفيذ الحقيقي لمضمون هذه الأسماء، فإذا كان النظام الرئاسي صالحاً في أمريكا، وفرنسا، قد لا يكون صالحاً في بريطانيا أو تركيا. المبادرة (المشتركة) تنجر وراء عناوين وأسماء براقة ويجب عدم تقرير الأمر هكذا، دون إدراك المفهوم أو المضمون وإجراء دراسة وحوار حول النظام المطلوب وهذا يمكن أن يتحقق في مرحلة لاحقة. ومن خلال تقديم مبادرة اللقاء المشترك اتضح أن المعارضة أرادت خلط كثير من الأوراق قبل الانتخابات الرئاسية، فهي ليست على وعي بالمبادرة، بل تكتيك للمرحلة الراهنة. في المقابل المؤتمر الشعبي العام بحاجة إلى مراجعة كثير من تعاطيه مع قضايا الدولة والقانون والإصلاح السياسي، فهناك حاجة حقيقية لهذه المراجعة، فهو الاقدر لأنه يمتلك النفوذ والسلطة. وقناعتي أن المؤتمر الشعبي العام بقيادة الرئيس علي عبدالله صالح هو الأقدر على قيادة التحولات في المجتمع في المجالات السياسية والاجتاعية والثقافية. ويقول الكاتب السياسي أحمد الصوفي-الأمين العام لمعهد التنمية الديمقراطية: ربما كانت أطراف المشترك بحاجة إلى إعادة قراءة النص قبل إشهاره لتنقيته من مثالب ومعايب استشرت وجذبت إليها الاهتمام وهو ما رأينا أن من صاغ النص كثيراً ما تجاهل قيمة وأهمية الرصانة وتحاشي التكرار والاقتصاد في تدفق المطالب والوعود التي تندرج في خانة الإصلاحات المرغوبة ما جعل المبادرة تبدو أقل تسيساً وتتداخل فيها النبرة الخطابية التي تستحضر جملاً تبدو انخرطت في النص بعفوية كتاب البيانات واحتلت القضايا مراكز غير متوازنة. ولاشك أن في المبادرة العديد من المزايا والأفكار الايجابية التي تشكل قواسم مشتركة بين المؤتمر والمعارضة ولكن هذه النقاط الايجابية قد التهمتها نزعة راديكالية نحو الإصلاح تقف بصرامة خارج مقتضيات عصر وأزاحها الاستخدام النفعي لهذه القضايا الايجابية. وباعتقادي أن أربعة عوامل رئيسية مترابطة مسؤولية عن إخراج المبادرة في هذه الحالة من الكمون الفكري وهي عوامل حاسمة الأثر على أوضاع وسلوك القوى السياسية التي تواجه مجتمعة نمطاً من الترهل ومحكومة بإعلان حضورها الدوري كحاملة لراية المستقبل وقابضة بمفاتيح الحلول السحرية لمأزق تعيشه بسبب هذه العوامل الأربعة وهي الاجهاد السياسي: فالمعارضة تعاني من إجهاد سياسي منذ التغيير التاريخي الذي صاحب إنجاز دولة الوحدة والأخذ بالنهج الديمقراطي الذي فرض عليها شروطاً في التجدد والتسلح بالأفكار خارج أنماط معتقداتها السابقة وهو أمر جعل محصولها السياسي في ملاحقة المتغيرات لا يتوافق ولا يغطي حاجاتها للتجدد والمواكبة مع المتغيرات الراهنة لذلك هي تسحب فكرة الإصلاح كموضة ونمط مرغوب فيه عالمياً لتضعه على المجتمع لتداري هذا الاجهاد وتتخفى فيه. ثانيا المعارضة تعاني من إحباط ناجم عن الابتعاد عن السلطة ،فالمعارضة التي اختبرت لذة تملك السلطة وتبجحت في استغلالها لكنها ما أن خرجت منها حتى استولى عليها الشعور بالإحباط الذي يدفعها إلى تفجير نزاعات سياسية متجددة حول كل شيء واستحوذت على خطابها نبرة اليأس والقنوط وتقمصها روح استعداء المجتمع لسلطة لا تكون هي فيها. ثم أن لديها فقدان التحدي ،وقد دأبت المعارضة على تجاهل هذا تحدي أن تتحول إلى قوة ناجزة للاستيلاء على السلطة بوسائل ديمقراطية ولأن السلطة هدف دائم ومتجدد ووحيد فإن التحديات الموضوعية التي تقتحم حياة المجتمع وتواجه الدولة ظلت خارج وعيها إما لأنها لا تريد ان تكون جزءاً من سياق عقلي عالمي وإما لأنها تريد ان تجعل سلطتها الوطنية الهدف ألا وحد والتحدي الأكبر. وتأتي الأهداف الأنانية خلال العقد والنصف الماضيين فقد انكفأت المعارضة وانشغلت بالدفاع عن أهداف أنانية سواء في صياغة قانون الانتخابات أو الترتيبات الخاصة بالعمليات الانتخابية أو في أشكال التحالفات التي تدخلها وهي لا تحمل مبادئ كالتي تقترحها الآن في المبادرة إن الأهداف الأنانية التي تحققت جميعها كانت دائماً على حساب بناء قواعد تطوير للعملية التاريخية وإعطائها زخماً من الحيوية والتطور. وهذه الأمور الأربعة جعلتها مصابة بهاجس البحث عن شيء آخر خارج الأرضية التاريخية والاجتماعية التي يفترض عقلياً أن تتخذها أساسا لبناء منظور جديد ومفهوم عملي لفكرة الإصلاح. |