السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 02:20 م - آخر تحديث: 02:03 م (03: 11) بتوقيت غرينتش      بحث متقدم
إقرأ في المؤتمر نت
المستقبل للوحدة
صادق‮ ‬بن‮ ‬أمين‮ ‬أبوراس - رئيس‮ ‬المؤتمر‮ ‬الشعبي‮ ‬العام
البروفسور وهيب عبدالرحيم باهديله في رحاب العُلماء الخالدين
أ.د عبدالعزيز صالح بن حبتور
ثورة الـ "14" من أكتوبر عنوان السيادة والاستقلال والوحدة
بقلم/ يحيى علي الراعي*
14 أكتوبر.. الثورة التي صنعت المستحيل
قاسم‮ محمد ‬لبوزة‮*
زخم الثورة وحاجته لسلوكٍ ثوري
إياد فاضل*
خواطر في ذكرى تأسيس الموتمر الشعبي العام
د. أبو بكر عبدالله القربي
المؤتمر الشعبي رائد البناء والتنمية والوحدة
عبدالسلام الدباء*
شجون وطنية ومؤتمرية في ذكرى التأسيس
أحمد الكحلاني*
ليبارك الله المؤتمر
راسل القرشي
ميلاد وطن
نبيل سلام الحمادي*
رؤية وطنية تلبّي احتياجات الشعب
أحلام البريهي*
المؤتمر.. حضور وشعبية
أحمد العشاري*
دين
المؤتمرنت- القاهرة - مروان الغفوري -
( النص الإسلامي على المحك الحضاري الراهن .)
ربما بدا مثيراً لغيري ، كما هو مثير ٌ لي ، ما قاله المفكر الأمريكي " ديفيد بروكس" في مقال مفاجئٍ مثّل صدمةً للكثيرين من متابعيه و قرّاءه منذ عامين " نُشِر في مارس – 2003 م في نيويورك تايمز ". لقد وجدناه ، على غير عادة منهجه الفكري ، يقول : لا أعتقد أني الوحيد في العالم ، من الذين جايلوا أحداث سبتمبر ، الذي يعكفُ الآن على قراءة كتب محمد بن عبد الوهاب و ابن تيمية و سيد قطب " . ثم انطلَق في حديثه عن مستقبل " الآلة و الدين " بشكل ناقد و شجاع ، حتى أنّه عنون مقاله المشار إليه ب" ست خطوات للتعافي من العلمانيّة " . و لا يهمني في هذا المقام أن أستعرض أفكار " بروكس " . لكني أمهّد لطرح مقاربة مع النص " الإسلامي " تحت هذه الإضاءة السابقة التي تشي ، بأكثر من أشد دلالتها وضوحاً ، بأنّنا أمام محكّات جديدة سيتم فيها اختبار حضاري شديد الوطأة على التشريعي الإسلامي بشكل خاص ، كونه النسق الديني الوحيد عالميّاً الذي يفترض في نفسه امتلاكه مشروعاً حضاريّاً متكاملاً ، و الأديان العالمية بشكل عام لتعاظم الحاجة الروحية العالمية للأمن ، الأمر الذي يمثّل اختباراً مباشراً لفاعلية الدين- أي دين - في تحقيق هذا العام .

.. الحاجة البشرية تصنع تشريعها . بهذا التقديم المقتضب نستطيع أن نحدد معالم التشريع في التصور الإسلامي . و لئلا تنفتح آفاق الحديث بعيداً عن ما نريد أن نقدم له هنا فإنّه من الملائم و المنطقي أن أشير إلى الفرق بين الشريعة و الفقه في التصوّر الإسلامي و الواقعية الإسلاميّة . فالشريعة هي " الوضع الإلهي الثابت ، من نبيّ من الأنبياء ، يتخلق به المكلفُ معاشاً و معاداً " بينما ينصرف الفقه إلى " استخلاص الأحكام الشرعية من أدلّتها التفصيلة ". ففي حين تتمتّع الشريعة بثبات كلّي يتمتع الفقه ، أيضاً ، بتحوّل كلّي تماماً . و عليه فإنّ اعتبار جوهر المنظومة الإسلامية يقوم على : العقائد ، العبادات ، و المعاملات ، سيدعونا إلى التخفف كثيراً من حالة الخلط الذهنية التي تصيب الكثير من المثقفين في نقدهم للأطروحة الإسلامية، رغم تحفظّي الشديد على هذا التعميم . فنحنُ أمام بنية شموليّة – النظرية الإسلامية - تبدأ من العقائد ، فالعبادات و المعاملات ( مصالح البشر) ، و تنتهي بربط هذه الدعامات الثلاث ببعضها من خلال الاستشعار التعبّدي المؤدّي إلى الغاية الكلّية ( قل إن صلاتي و نسكي و محياي و مماتي لله رب العالمين ) . و هذه المنظومة الكلّية تشكل ( الشريعة ) التي منها المعاملات ( الفقه ) كأصل فيها، و ليس مقصدها الآحاد. لنصل وفقاً للتعريف العلمي لهذه البنية الشاملة إلى إدراك محايد لمعنى الثابت و المتحوّل ، أو البشري و الإلهي في النظرية الإسلامية . و لأنّ البشري لا يعني امتلاك إجابات جاهزة قدمتها أعينُ الموتى ( طبقاً لتعريفات روجيه غارودي ) ، فإنّ الخاصية البشرية للفقه ( قانون مصالح العباد) لا تعني أنّ أمام المشرّع مهّمة جديدة من الابتداء ، و تأسيس مادة تشريعية منبتّة . الأمرُ هنا يعني : أن الخاصية البشرية للأداء الفقهي تمارسُ " الابتناء " و " الاستئناس" اللذين لا يلغيان المعاصرة و لا يجابهانها . و بالمبدإ نفسه ، الذي انبثقت عنه مدرسة الرأي قديماً ، يكونُ استدعاء المقصد التشريعي بكلّياته الخمس كحجّية ضابطة لمجمل الإجابات الفقهية التي ستقدّم لإصابات و نتاجات المجتمع الراهن .

نستطيع الآن ، بجلاء عامٍ ، أن نعيد قراءة الحوار السريع ، الذي أجراه الرسول الكريم مع علي بن أبي طالب و هو على مشارف سفرٍ إلى اليمن ، وفقاً لأدواتنا المعرفية الراهنة. كان " الإمام " يحدد مصادر التشريع ( النصوص ) أمام الرسول الكريم و موقفه منها كمرجعيّة ثابتة تتصالح مع التأويل البشري بما ينتج ( فقهاً ) مرناً لا ترهنه الجغرافيا و لا الوقت : أحكم بينهم بكتاب الله . ( فإن لم تجد ) قال : فبسنة رسول الله ، (فإن لم تجد ) قال : ( أجتهد رأيي و لا آلو ) – بمعنى : لن أقصّر . و من خلال قراءة علامات الرضا ( ضرَبه على صدره و هو يقول : الحمد لله الذي وفّق رسولَ رسولِ الله إلى ما يرضي الله ) على وجه رسول الله سنعطي أنفسنا فرصة جديدة لإعادة تفكيك معنى ( التشريع ) وفقاً لمعطيات التصور الإسلامي الكلّيّة .

نحنُ نجدُ أنفسنا أمام ( نصّ ثابت) لا يمثّل أكثر من علاقات خطّية بين علاماته الداخلية . و لهذا النص مؤدّىً ما ( دلالة إشاريّة ) تكشف عن تشريع / حكم / نقد . و هي ثلاث مجلّات لدالة واحدة تماماً . و بعيداً عن الجدل الدائم حول ثبوت نسبة النص ( النبوي بشكل حصري ) إلى رسول الله ، و هو ما عرفناه بمعارك الأسانيد ، فثمّة أمرٌ لا يقلُّ أهميّة عن معرفة أخلاق الرجال التي ستنعكس بالضرورة على ثبوتيّة نسبة النص ( الحديث النبوي) إلى الرسول الكريم . أعني أنّ ثمّ مساحةً هامة للدخول في استحقاق جديد يفتح الباب إلى نقد المتن ( النص ) ذاته في محاولة تفكيك علميّة تستدعي مقاصدية المشرّع ، عملاً بحقيقة أنّه (حيثُ تكون مصالح العباد فثم شرعُ الله ) . نقرأ في روايات متواترة أن الخليفة الفاروق عطّل حق المؤلفة قلوبهم من بيت المال، و عطّل حد ( قانون / نص ) السرقة في عام الرمادة، و أعاد تعريف معنى ( و اعلموا أن ما غنمتم من شيءٍ فإنّ لله خمسَه ) بما يخالف الصورة الذهنية السائدة عن المعنى المشار إليه و بشكل يفهم منه تماماً أنه تعطيل لنص واضح الإشارة ، في حين اكتفى الخليفة بتقديم توضيحاته النظرية منطلقاً من مقاصدية النص القرآني .. و هي رعاية مصالح العباد ( الأمّة ) . الأمر هنا لا يتعلّق بتعطيل نص، في الواقع ، بل في إعادة تأهيل الوعي ( المعنى ) المشار إليه لمصلحة الدلالة النهائية لمجمل التصوّر الإسلامي، و هو ما يمكن أن نصفه بقولنا : هناك قراءة تنازلية لمجمل النصوص الثابتة تؤدي – بالضرورة – إلى صورة إجمالية عن المشار إليه ( غرض الشارِع ) . و من خلال النفاذ إلى النصوص الجزئية لاستخراج دوال تحقّق المعنى الكلّي لمجمل منظومة النصوص ( الحق الإلهي الثابت ) سيتوفّر أمامنا حقل دلالي جديد يمتاز بوجود العديد من الإشارات : مضادات لمجمل المعنى العام ، و مؤيّدات . في هذه المنطقة الهامّة من القراءة يتم ترشيح الدوال المفضية للمؤدّى العام لفلسفة التشريع في مقابل تنحية الدوال المعاكسة له ، و هو ما عرف بالاجتهاد المقاصدي .

تمتاز نصوص التشريع الإسلامي بمرونة عالية في تعرّفها على الإصابات البشرية و استجابتها لها . و هي نصوص أثبتت قدرتها على التجاوب الذكّي مع حركة المجتمع البشري ؛ لكنّها – كنصوص خطّية – بحاجة إلى ورشة مستمرة تمارسُ نشاط الصناعات التحويلية و تخليق أدوات التصنيع ذاتها – كما يقول د . محمد عمارة – بعيداً عن كلاسيّة تصنيع مستحضرات الحياة اليومية البسيطة . و عند هذا المستوى من الوعي سيستدعي الأمرُ إعادة الاعتبار إلى الكلّيات الخمس ، التي هي مناط التشريع الإسلامي و حجّيته . هناك حيثُ : الحفاظ على النفس و النسل و العقل و المال و الدّين . و لأنّ هذه الكلّيات تتغير و تتحوّل بفعل تحوّلات حركة البشر : ثقافيّاً و اجتماعيّاً و حضاريّاً ، فإنّ النص التشريعي سيواجه – و هو ما نراهُ الآن – تهديداً مباشراً بالنسخِ و التجاوز . فهناك إجماع من قبل العقل البشري كلّه ، يستوي في ذلك ما يقوله ماركس في رأس المال ( إن الاجتماع يصنع الوعي و ليس العكس ) و مقاصدية التشريع الإسلامي التي أشرنا إليها آناً ، على أهمّية أن يعي النص معادلات ( الضرورة و الحاجة و التحسين ) التي يخلقها المجتمع بفعل ديناميكيّته و تراكماتها في الخبرة و المعرفة .

كان النبي الكريم يشيرُ بذكاء محض إلى تغيّر قيم المجتمعات ، و خبراتها ، المفضية – بالطبع – إلى حضاراتها و أعرافها الخاصة بها .. ذلك حين نبّه الإمام عليّ إلى إمكانية أن يواجه في اليمن – البلد الذي يتمتع بحضارة متنوعة و خبرة وجودية أعلى من مثيلتها في الجغرافيا المحيطة بالجزيرة و الداخلة فيها . و بالرغم من هذا الإدراك النبوي إلا أنّ الرسول الكريم لم يزوّد رسولَه ( الإمام علي ) بمادة قانونية إضافية . لقد كان الوعي بالمقصد الإسلامي من التشريع كافيَاً لإحداث عملية التراسل المطلوبة بين المشرّع و المشرّع له ، من خلال علاقات كلّية تحيط بالخبرة البشرية إحاطة مجازية و حقيقية في آن واحدة . و هي الصورة ذاتها التي رأيناها في الثنائية الفكرية التي نتجت عقب انتقال طائفة من كبار الصحابة إلى العراق ( الإمام علي، المغيرة بن شعبة ، آخرون.. ) حيثُ نشأت مدرسة جديدة للفكر ، أسميت : مدرسة الرأي ، مقابل مدرسة ( الحديث ) التي سادت في المدينة . و هي الثنائية التي عكست حقيقة التشريع الإسلامي المرن ، و المعتمد في أساس ( فقهه ) على أن ممارسات المجتمع البشري تصنعُ حاجته ، و تثير كمون النص المُحيط الكلّي ( التشريع ) للتجاوب معها وفقاً لمحصّلته الواسعة من إدراك إلهي لما يصلح البشر ( ألا يعلمُ من خلق و هو اللطيف الخبير) .. و بذكاء ،كان متوقّعاً حين استطعنا بعد أكثر من ألف عام أن نتنبأ به ، استوعبت النظرية الإسلامية كل أعراف البشرية و حضاراتها ، و لم توجد تلك الثنائية ( أو الانتقال المخيف ،وفق تعبير جان روسو ) بين النظرية و التطبيق ، حتى في تلك اللحظات التي نادى فيها بعض مثقفي ( فقهاء القرن السابع الهجري ) المجتمع الإسلامي : إذا خالف الواقع النظرية غيّر النظرية . و لن يكون مفيداً كثيراً – و إن كان يكونُ كذلك - هنا أن أشير إلى ما قاله " آين شتاين " منذ أكثر من نصف قرن : إذا خالف الواقع النظرية غيّر الواقع .. فكما قلتُ : التصور الإسلامي يمتاز بمرونة استوعبت الهوّة المحتملة بين النظرية و التطبيق لاستدعائه الدائم لمقاصدية التشريع ، و التي منها ( حفظ الدين ) و ليس ( الإسلام) في دلالة تحفظ عبقرية الفلسفة الإسلامية التي تهدفُ ، في أول ما تهدفُ ، إلى حفظ ( الأمن الاجتماعي ) ..

إنّ حديثنا هذا لا يرادُ به التأكيد سوى على عبقرية النص الإسلامي المرن ، غير أنّه لا ينفي – بل يؤكّد – وجود أزمة فكر إسلامي مخيفة .. تضع النظرية الإسلامية حاليّاً على المحك أمام تساؤلات الحضارة اللانهائية ..










أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "دين"

عناوين أخرى متفرقة
جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024