من الزيدية والجنوبية.. الى المعلمين والموترات.. الزيدي الذي أعني به هنا هو بعض أبناء اليمن المعنيين بالجذور التاريخية للاجتهادات الفقهية، وليس المنتمين للنطاق الجغرافي، إذ المذهبية في اليمن فقدت معناها لأنها تحولت لرموز جغرافية – ليس إلا. ولذا نشهد حاليا انتعاشاً للانتماء المذهبي، بما يشبه التصحيح باعتبار المذاهب مساقا تفكيريا وليس انتماء مناطقيا، وباعتقادي أن من الواجب تشجيع هذا المنحى التجديدي، لأن جمود المذاهب لم يتجاوزها اصلاً ولا استفاد منها، حتى كادت تتحول الى استحقاقات جغرافية، وعناوين سياسية أفسدت المذاهب ولم تصلح السياسة. والمذاهب اليوم لو أنها انتعشت لفعلت ممكنات واستغلت طاقات لمصادرة المذهب مناطقيا او سياسيا، ويمكن الإشارة هنا إلى زيدية آل الجنيد في تعز، وحنبلية مقبل بن هادي الوادعي في صعدة، وفق الله الأول ورحم الثاني رحمة واسعة. أما الجنوبية فالذي أقصده، هو ما بدأ هذا العنوان يكرس تمثيله له، كتيار سياسي عجز عن الاستفادة من إرث الحركة الوطنية سواء التاريخية او الحالية للدفاع عن قضاياه العادلة فراح يبحث عن رموز سياسية لم يسجل التاريخ اليمني مطلقا أنها كانت عناوين لحلول من أي نوع حتى ولو قلنا أنها حلول سيئة. فاليمن رغم أنها شهدت صراعات طائفية شافعية زيدية شمالية جنوبية، قبلية قبلية سواء بين محاور عدن أبين شبوة، او تعز صنعاء لكن أبدا لم يسجل الخطاب المناطقي أي نجاح تجاه المشكلات التي ينشأ للتعبير عنها. وهذا باعتقادي بسبب أن الجميع يبحث عن حلول للمشاكل القائمة، لا عن تأسيس حلول جزئية وخلق مشكلات جوهرية لن يكون أثرها السلبي فقط على اليمن بل وعلى المنطقة إن الجنوبية – أفريقيا، او الشمالية خليجيا. لست في معرض تحليل نظري، ولكني أريد إثارة نقاش بين المنتمين الجدد للمربعين السالف ذكرهما (الزيدية، والجنوبية) فقد تمنيت على بعض قادة التجمع الجنوبي المعارض في الخارج – وهم مواطنون يمنيون من حقهم أن يفكروا بالطريقة التي يتوسمون من خلالها حل مشاكلهم، وسواء اتفقنا معهم او اختلفنا، فإن اعتبارهم مجرد خونة، وعملاء تسطيحاً للحلول، واستثماراً للمشاكل – أقول تمنيت عليهم (ومعهم من هنا الذين يحملون لواء الدفاع عن الزيدية سياسيا) أن يقارنوا تأثير أدائهم السياسي بأداء المعلمين وسائقي الموترات. صحيح حتى الآن لا تزال حركة المهنيين (معلمين، سائقين) مجرد حركة معارضة ولم تثر قرارا إيجابيا من السلطة ولكن ليس هذا ما نناقشه. الذي نناقشه أن هذين العنوانين (معلم، سائق) تمكنا من إحضار القضايا على قاعدة إيجابية لم تستطع السلطة محاصرته اجتماعيا لقد تنادى المعلم من صعدة وعدن والحديدة وتعز والمهرة ومن كل المحافظات بصوت واحد يبحثون عن حل لمشكلة حقيقية وليس مجرد الاستجابة للعناوين القديمة التي تستغل اليوم خارج سياقها الطبيعي. وهذا التوحد لم يستطع التحالف الجنوبي خلقه حتى على مستوى محافظة واحدة، ولن يكون بمقدوره ذلك. والأمر ذاته كالإخوة الذين يطوفون أنفسهم – من الطائفية- باعتبارهم "زيدية" بل إن العنوانين الأخيرين – عكس المعلمين مثلا – يفقدون أرضيتهم يوما بعد يوم صحيح قد يصبح خطابهم أكثر حدة، وقد يتمكنون من إرهاق السلطة، ولكن في الحقيقية هم يرهقون المجتمع قبل ذلك وبعده. ليس ما ينقصنا تطييف اليمن، ولا تقسيمه جغرافيا في الوعي العام، بل وليس هذا ما يمكننا أن نتشارك فيه، لأنه مجرد فتح لأبواب مغلقة من المشاكل علينا وعلى المنطقة. إن عدن – مثلا – تفقد معناها وسط محيط جغرافي عدواني، وإن جر الإمام الهادي ليكون عنوانا طائفيا لن يحقق لا فكريا ولا سياسيا أي مصلحة لا للإمام الهادي ولا للمهديين الجدد. أنا هنا لا أدعو للتقية السياسية، لكني أعرف تماما أنه لا الزيدية الجدد ولا الجنوبيون الجدد أيضا، لديهم مصالح في مثل هذه التقسيمات، كما أنهم يعبرون عن مشاكل حقيقية شارك الكثيرون في صناعتها وحافظت عليها سلطة اليوم بوفاء نادر. ولذا أتمنى أن ينتبهوا أن مقارعة الأخطاء ليس بأن نكون صدى لها. بل بمشروع مناهض هو في جوهره ما أعلنته أحزاب اللقاء المشترك من مطالب بالإصلاح السياسي وإن اختلفنا بعد ذلك في التفاصيل. وعبر السلطة الحالية إن كان بقي بها عرق للفعل العام. التضليل من الصين هذه المرة بالنسبة لي فإن آسيا، مخزن للتجارب الإنسانية المختلفة جذريا عن التجربة الأوروبية. نعم اتفق والزميل العزيز منصور الحاج من أن رشدا إنسانيا وصلته أوروبا ليس له مكان – حتى الآن في آسيا – غير أن في تجارب التغيير الأسيوية ما يغري على التأمل إن اليابان – مثلا، او الصين اليوم، تقود ثورة حياتية هائلة، دون أن تعرف ما يعرفه شرقنا من صراع بين التقاليد والتراث من جهة، والحاضر من جهة أخرى. المرأة الآسيوية – مثلا، تعيش حالة من الضغط الاجتماعي، الذي لا يزال رهنا لثقافة العبودية، ومع ذلك فإن مساهمتها في مجتمعها أفضل بكثير وبما لا يقاس مع شرقنا المنحوس بإقصاء نصفه الراشد "المرأة". النظام السياسي هناك، رهن – أيضا – لذلك النظام القديم من العلاقات الرأسية التي تمنح بخصائص وراثية، او بحكم الغلبة سواء المسلحة أو المادية، أو الأسرية ومع ذلك فإن النظام السياسي يكاد يكون النقطة الأضعف في أداء المجتمع الكلي الذي يتقدم ماديا على المستوى العالمي. وتكاد تكون مدينة صغيرة كتايوان أو هونج كون أو شنغهاي علامة فارقة في الحياة الحضارية لإنسان القرن العشرين وما بعده. هذه خواطر أثارتها لدي الأرقام المذهلة التي تتقاطر على إعلامنا منذ زيارة الرئيس علي عبدالله صالح للصين. وفيما يقول إعلام الصين أنه "قروض" ومن ثم يعتبرها الصينيون إنجازات لآلتهم المالية الضخمة، تجاه بلد كاليمن يعرفونه منذ وقت مبكر – كبلد يسهل للعامل الصيني تنفيذ مشاريعه بيده – يقول إعلامنا أنه "هبات" و "مساعدات" ويحاول أيضا التباهي بها. وكأننا جمعية خيرية للمعاقين تعلن حجم المعونات التي يمدها بها المحسنون استداراً لمحسنين آخرين. نقلاً عن صحيفة الوسط |