الدنوة.. ثورة الفقيه وكعبة الزاهر حرمته السياسة شهرة ابن علوان وأعاقه التصوف عن ملك علي بن الفضل من مدرسة الزاهر الخولاني سطع نجمه وبسبب ابن أبي حليقة الخولاني أفل الدنوة كعبة عمرها 700 عام ومهدية لم يبق منها غير الوترية < آخر ما سمعته من دعوات زوجتي الفلكلورية وقد ضاقت بمشاكسات ولدنا المرتضى قولها "لك أهل الدنوة"، وهي دعوة بالوراثة تقولها عند الغضب كغيرها من الدعوات الموروثة الأخرى مثل (ضربوا بك طنجة) و(شلوك لا اسطنبول) وهما دعوتان تغرياني بإغاظتها عسى أن تستجاب إحداها فأجد نفسي ذات يوم على شواطئ البورسفور ضيف "اردوغان" أو حتى نادل من رعاياه ولكن دون جدوى. معرفت ووزارتي الثقافة والسياحة بـ"الدنوة" لا تزيد عن معرفة زوجتي القروية بـ"اسطنبول" وجزر المالديف بفارق بسيط هو أن "الدنوة" تقع على مرمى بصري مسافة (13) كم إلى الشمال الغربي من مدينة إب، ومهرجانها الثقافي والسياحي؛ حيث عليّ أن أصعد طريقاً معبداً إلى المعقل الذي أغرى الفقيه سعيد صالح ياسين بالتمرد على سلطة الإمام ، معلناً ثورته وسط هتافات المضطهدين حينها.. واباه سعيد واباه وساكن الدنوة اسلمتنا المحنة والعسكر الزوبة ابقى لنا يابه كان الصيف قد طوى بساطه عن المدرجات التي تتخللها الطريق، ولم يبق فيها غير الأجزاء السفلية من سيقان أعواد الذرة ملقاة بعد أن أخذت مناجل الحصاد سنابلها لغذاء الإنسان وإجزاءها العليا والأوراق علفاً للمواشي، تاركة البقية حطباً للتدفئة، في مواجهة برد الشتاء القارس في هذه المنطقة. السحب الضبابية التي تنساب تحت أقدامنا تكنس ما تبقى من خضرة الصيف، هنا وهناك والهواء البارد يحمل عن غصون البواسق ما أصفر من أوراقها بهدوء إلى الأرض ويستعجل خضرها بالإصفرار والسقوط وهي تتشبث يائسة بأغصانها المرتعشة، إن عليها أن تتحلل في التربة لتتغذى عليها خضرة صيف قادم، تتفتق مع نسائم آذار عن براعم ندية سرعان ما تكسو الطبيعة حلل السندس في عرس نيسان البهيج. كنت أرقب احتضار الحياة حولي وأنا ارتعش ليس من الرهبة، ولكن لأني قدمت من منطقة دافئة وأرتدي ثياباً خفيفة فرفعت زجاج السيارة، وأنا أشاهد الأطفال يركضون خلف السيارة بملابسهم الخفيفة، غير عابئين بالبرد والغبار اللذين اعتادوا على أنهما لن يصنعا بهم أكثر من جفاف بشرة أطرافهم ووجوههم مدة الشتاء لتتورد بالدماء الحارة في الصيف وتندي بالفرحة مع هطول أمطاره وإشراقة شمسه الدافئة تماماً كغصون الأشجار وطينة أمهم الأرض التي لا يزال ارتباطهم وثيقاً لم تفصم عراهم تكنولوجيا المدينة، وحضارة الآلة إلا قليلاً. حياة تذوي قرباناً في معبد الطبيعة لتولد حياة جديدة من رحم الموت والسيارة تقف بنا أخيراً على قمة الجبل، الذي تتدلى على جوانبه المدرجات الزراعية في ساحة منبسطة تحلقت فيها مباني القرية حول مسجد الفقيه سعيد، ومدرسة الزاهر التاريخية، تحيط بنا على البعد شمالاً جبال حبيش ومدرجاتها وجنوباً (ظهار إب) أحد أخصب أرض الله الذي أوشك سرطان الاسمنت أن يقضي عليه ومن الشرق طود بعدان، مهيمناً على سحول بن ناجي، عوذ كل مولعي قات بعد أن كان عوذ كل جائع. إن كنت هارب من الموت ما حد من الموت ناجي وإن كنت هارب من الجوع فعلى سحول بن ناجي لتغرب الشمس في وديان العُدين الجارية تاركة دفئها هناك طيلة الشتاء.. تحت أقدامك الغيم وليس فوقك إلا الله ومريد ومريدوك من زبيد إلى بيحان والأوقاف عليك تجبي من بني حماد والحجرية، وشرعب، حتى يريم، فما الذي يحول بينك وبين الحكم إلا أن تأمر فتطاع. هكذا تخيلت الشيخ يحدث نفسه وهو يتأمل مشهد الغروب من هذا المكان بعد يوم حافل بهتافات مريديه والشاكين إليه من تسلط العساكر ومستوطني المنطقة من أبناء قبائل الشمال "الزيدية" المحاربين: يابه سعيد يابه كل القبل جابة والزيدية خابة ابقى لنا يابه لكن الشيخ في العقد الثامن من عمره، ولا علم له بالحرب، فهو رجل دين وشيخ طريقة صوفية انفق عمره على طلب العلم وتعليم الناس أحكام دينهم على مذهب الإمام الشافعي الذي يجعل من أصول العقيدة طاعة كل غالب ما لم يأت بكفر بواح،ويحفظ طلبة العلم قول إبن رسلان في زبده. ولم يجز في غير محض الكفر خروجنا على ولي الأمر. مذهب الشافعي في الطاعة وسلوك الصوفية الذي تربى عليه الشيخ، ووسط الوفرة الاقتصادية الذي يعيش فيه الفقيه سعيد وتقدم سنه وفي المقابل إمام مذهب ثوري كالزيدية في وسط من المحاربين بالفطرة يعيشون تحت ظلال الأسنة في مرتفعات الشمال كل تلك عوامل تجعل إعلان الثورة والتمرد أمراً يحتاج على الأقل تفكيراً ملياً، مهما علت أصوات الشاكين من الظلم وكثر المريدون وعز المعقل في "الدنوة" ؛ بالإضافة إلى مراكز القوى الموجودة في المنطقة التي تدين بولائها لأصولها القبلية في المناطق الشمالية التي تؤمن لها القوة والنصرة متى احتاجت إليهما في حماية مصالحها وتأمين سيطرتها ونفوذها في المناطق الشافعية التي استوطنتها وهو أمر ما يزال حتى اليوم. كعبة عمرها سبعة قرون بدأنا في "الدنوة" من حيث بدأ الفقيه سعيد حين قدمها من "بلد شار" من بلاد الُعدين (إب حالياً)، كما يروي ذلك سبطه الأستاذ محمد محمود ياسين للدراسة في مدرسة "الدنوة"بعد أن درس في كثير غيرها من مدن العلم بنيت مدرسة "الدنوة" قبل سبعة قرون وبالتحديد عام (774هـ) كما هو محفور على جدارها الخارجي، وأنه قام بعمارة هذه المدرسة المباركة الشيخ الأجل عالي القدر والمجد الحسام محمد الزاهر مكرم الخولاني، والمدرسة عبارة عن مكعب طول ضلعه (8) أمتار لها باب واحد دون نوافذ ينفذ من قوس مدبب يتوسط آخران يشكلان واجهة المدرسة ولها محراب صغير مزين بالآيات القرآنية، أما السقف فهو من الخشب المزخرف بالنقوش الهندسية والزرعية البالغة الروعة، يحمله عمودان مضلعان من الحجر بتاجين مستطيلين متدرجين يبلغ ارتفاع الواحد منهما قرابة ثمانية أمتار كل عمود مع تاجه قطعتان من حجر الجرانيت الأحمر، نحت وصقلت جوانبه بغاية الاتقان بحيث يبدو كأنه حجر واحد وتشكل القطعة الواحدة مسلة يبلغ ارتفاعها ستة أمتار، أما زوايا فتحة الباب فكل مدماك قطعة واحدة منحوتة بثلاثة أوجه وعلى واجهة المنبر الخارجية من الجهة الجنوبية حفر على الصخر قوله تعالى (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر...) و(بسم الله الرحمن الرحيم.. لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وتاريخ الفراغ من بناء المدرسة، واسم بانيها. بعض كلمات النقوش لم أتمكن من قراءتها فتطوع أحد جيران المدرسة قائلاً إنها تعني أن طعام العاملين في بناء المدرسة أثناء استراحتهم كان من العدس وهي وجبة رفاه بمقاييس الزمان والمكان، وتدل على سخاء باني المدرسة في الإنفاق على هذا الصرح الذي يتوارث الناس أن بانيه أراد إقامته على هيئة بناء الكعبة وبنفس مقاييس البيت الحرام، وكان يحج كل عام ليحمل ذاكرته بصورة الكعبة، ويصف للبنائين ذلك فيطبقونه على مبنى المدرسة. يقول الحاج محمد إنهم يتوارثون رواية تقول إن باني المدرسة أعاد بناءها سبع مرات، ولم يكف عن الهدم والبناء حتى أتاه هاتف في المنام وأخبره أن المدرسة أصبحت مطابقة تماماً لبناء الكعبة المشرفة، ويؤكد بدوره أنه حج وتأكد من أن مبنى الكعبة مطابق لبناء هذه المدرسة، التي أقيمت قبل سبعة قرون، بفارق واحد هو أن باب الكعبة مرتفع ولا يعلوه قوس. ويضيف جاره الفتى أن هذا المبنى كان بمثابة إدارة المدرسة، أما فصول الدراسة وأربطة الطلبة فقد كانت بجوارها؛ حيث تقوم الآن المباني السكنية المجاورة.. والواضح أن المحراب وبركة المياه الصغيرة المجاورة والآيات المحفورة على جدار المبنى الخارجي والمحراب تدل أنها أُقيمت مسجداً ومدرسة في وقت واحد، أما حكاية أنها أقيمت على هيئة الكعبة فيؤكده ارتفاع البناء الشاهق نسبياً وشكل ميازيبها الحجرية وعدم وجود درج للصعود إلى السقف لا من الداخل، ولا من الخارج، وافريزها الإنسيابي. سجن ولوح ومئذنة وأياً كان فالنتيجة تحفة أثرية انفق عليها بسخاء وأقيمت على نحو منفرد بين مثيلاتها من المدارس الإسلامية، سواء من حيث الشكل والمقاسات، أو من حيث عظمة البناء، واتقان وإبداع منحوتاته ونقوشه وأعمدتها العملاقة، ووقوفها متحدية دولاب الزمن وتعاقب القرون، وقذائف العثمانيين وتروي آثار الرصاص على حجارتها المكسورة آخر تفاصيل ثورة الفقيه سعيد الذي أتى إليها طالباً للعلم ثم معلماً وضاقت بتلاميذه الكثيرين وشيخ طريقة لم تتسع لمريديه فمضى غير بعيد منها وأقام جامعه الكبير على الشفا الشمالي للدنوة الذي لا يقل في روعة بنائه عن مدرسة "الزاهر" من حيث عظمة الحجارة التي بني منها، والتي يصل طول بعضها إلى مترين والأعمدة التي تقوم عليها الأقواس التي تحمل سطح المسجد أو الأحجار والأخشاب التي سطح بها دوره الأرضي، والتي تغلبت على الحريق الذي تعرض له المسجد ليبقى حتى الآن قائماً منذ بنائه قبل قرنين ونصف من الزمان.. يتكون جامع الفقيه سعيد من ثلاثة أدوار يتكون الدور الأرضي من عقود حجرية تحمل سطحاً من الحجارة والخشب وكان يستخدم كسجن خاص بالفقيه بعد اتساع نفوذه. وأما الدور الثاني فهو مدرسة كان يلقي فيها الفقيه سعيد دروسه الدينية على تلاميذه ويقيم فيها حلقات الذكر مع مريديه في المناسبات الدينية 27 رجب، وليلة النصف من شعبان وغيرها. أما الدور الثالث فهو المسجد الذي تقام فيه الصلوات ودروس الدين وهو مستطيل الشكل على هيئة قوس مدبب وفي مؤخرة الجامع قبتان إحداهما في الجهة الشرقية و الأخرى من الجهة الغربية محمولتان مع 32 قوساً تقوم على (28) عموداً اسطوانية الشكل بعضها قطعة واحدة من الحجر تحت القبة الشرقية تقع مكتبة تحوي المخطوطات التي أوقفت على الجامع والدارسين فيه ومنها مجموع القصائد الوترية في مدح خير البرية التي نظمها الفقيه على حروف المعجم لتتلى في ليالي رمضان وما تزال تتلى حتى الآن من قبل كبير أسرة ياسين، ومن بين المخطوطات مصحف مجزأ مكتوب بخط نسخ أنيق مزخرف باللون الأحمر وفي الصفحة الأخيرة (أوقفت وحسبت وتصدقت الحرة سنبلة بنت الشيخ غالب جعفر زوجة الشيخ يحيى بن حسن الشعبي هذا الجزء المبارك وما قبله وما بعده إلى تمام ثلاثين جزءاً لمن يقرأ القرآن العظيم في هجرة سيدي الولي الشهير ضياء الدين سعيد بن صالح يس أعاد الله علينا من بركاته، وذلك في مدرسة الدنوة).. إلى أن يقول (وجعلت له النظر في ذلك مدة حياته ثم للأرشد من بعده في الهجرة المذكورة ثم لحاكم الشريعة المطهرة). محرر في رجب 1245هـ وهذا التاريخ يدل على أن الجامع بني قبل التاريخ المدون على الخشبة المقلوبة في إحدى نوافذ المسجد 1253هـ . فتحت الجزء المخطوط فكانت أول آية في الصفحة هي قوله تعالى (وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير) وكأنها إجابة من القدر على تساؤلاتي حول ثورة هذا الشيخ فأغلقته لاستمع إلى الاستاذ محمد محمود ياسين وهو يقول (الكثير من مخطوطات الجامع سرقت قبل سنوات من المسجد؛ حيث كنا ندعها بحسن نية لمن يقرأها فكان يأتي إلى هنا أشخاص بزي المساكين ويبيتون في المسجد، لنلاحظ بعدها أن المخطوطات تتناقص وأن المساكين لم يكونوا غير لصوص يعرفون من قيمة هذه المخطوطات، ما نجهله، فأقمنا بعدها باباً حديدياً للمكتبة وحفظنا بعض المخطوطات في البيوت.. لقد فقدنا تراثاً عظيماً لأن اللصوص كانوا أكثر اهتماماً منا ومن وزارات الأوقاف والثقافة والهيئات العامة للآثار ودور الكتب والمخطوطات. كنت أصغي إليه وأنا اتأمل أفريز الجامع المزين بنقوش هندسية اسلامية أما القبة الأخرى فكان تحتها غرفة مستطيلة كالمكتبة ولكن بجدارين فقط، يوضع فيها مواد البناء الخاصة بالمسجد من نورة وخرسانة واسمنت ونعش "تابوت" نقل الموتى وفي الركن الشمالي الشرقي باب صغير لمئذنة الجامع التي تتكون من قاعدة مكعبة يقوم عليها بدن مثمن يتحول بعد 6 أمتار تقريباً إلى مضلع من 16 ضلعاً مزين بالحجارة المنحوتة على هيئة أوراق وبثلاث مثلثة ينتهي بشرفة دائرية يقوم عليها دن صغير ينتهي بطاقية المئذنة. يقول فؤاد أن المئذنة كانت طويلة، ولكن الشيطان جلس عليها في يوم مطير فأرسل عليها برق أحرقه وخرب رأس المئذنة، ولم يعد أحد بناءه على ما كان عليه، كان الاكتفاء بهذا الجزء اليسير لإكمال المئذنة ولأني لا أصدق أن أباهريرة ربط الشيطان على جذع النخلة عندما وجده يسرق التمر ثلاثة أيام ولم يطلق سراحه الا بعد أن علمه أن قراءة المعوذتين تحمي من الشيطان واكتفي بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم أنه من قرأهما في ليلته كفتاه وغير ذلك من الأحاديث في فضلهما لم أصدق أيضاً أن الشيطان جلس على المئذنة وتسبب في خراب قمتها بالبرق وتوقعت أن يكون البرق صعقها دون علة الشيطان، أو قام بهدمها جنود الإمام بعد أن قتل الفقيه سعيد ونهب معقله الدنوة. وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم أغمضت عيني لا شاهد المدرجات الزراعية وهي مكسوة بالخضرة ومنحنية سنابل زرعها بالخير فالمكان الذي أقف عليه على قمة المئذنة يطل على منظر يأخذ بالألباب، نزلت من المئذنة وأنا ألعن عادة التدخين التي سببت لي هذا الإنهاك من صعود درج المئذنة الستين تقريباً واستلقيت بجوار الجامع على سطح صغير بجوار البئر الخاص بالجامع لاسترد أنفاسي المتقطعة ولكني قمت فزعاً حين قال لي فؤاد ياسين أن المكان أقيم لغسل الموتى بجوار مطاهير الوضوء الثلاثة ذات القباب البيضاء، وقطعت الطريق شرقاً نحو المبنى الأبيض المجاور وقبة المدرجة إنه مسجد النساء في الدنوة، ويبدو أنه كان مسجداً للرجال قبل بناء جامع الفقيه سعيد أما قناة الماء المكشوفة التي كانت توصل الماء إلى المدرسة والجامع من مسافة (1000) متر تقريباً لم يبق منها غير آثار عظمة طوتها الدهور ودلائل اهمال يكبر مع السنين ويزيد من إحساسي بالبرد فدخلت إلى منزل محمد محمود ياسين الذي استقبلنا بحفاوة ووضع المجامر وبدأ يتحدث عن جده السادس الفقيه سعيد قائلاً: قدم جدي من بلد شار طالباً للعلم في مدرسة الدنوة بعد ان طوف في طلب العلم هجراً كثيرة في زبيد وجبلة وغيرهما ولم يلبث أن أصبح معلماً في مدرسة الدنوة وشيخ طريقة صوفية وفد إليه المريدون من زبيد غرباً الى بيحان شرقاً، والحجرية جنوباً، ويريم شمالاً وحبست على هجرته الأوقاف من هذه المناطق، وأكثرها من بني حماد، وكان الناس يشكون إليه استبداد الشخصيات المتنفذة من أبناء قبائل الشمال وعساكر عمال الإمام وهو يطلب منهم التريث ويرسل طلبته إلى المناطق لتعليم الناس وتأسيس المدارس والأربطة، كان يرى أن نشر العلم هو أفضل ثورة ضد الظلم، ولكن مناداة الناس بالثورة تزايدت فبدأ باتخاذ بعض الإجراءات التأديبية ضد المتنفذين؛ حيث يستدعي الظلمة منهم ويقوم بترحيلهم إلى بلدانهم في الشمال، كان يقوم بذلك وهو لا يدرك مدى الجماهيرية التي حصدها. وذات يوم أعطى أحد مريديه من بني الدعيس في بعدان رايته كمرسوم تولية على نواحي بعدان وفي الطريق أرسل الدعيس من يتحسس اخبار عامل الإمام والناس بعد أن علموا بتوليته خوفاً على نفسه ولكن الرسول عاد إليه مبشراً أن عامل الإمام قد هرب والناس يهللون لاستقبال والى الفقيه سعيد. كان قد اجتمع حول الفقيه محاربون من أبناء منطقة شرعب بمهاراتهم القتالية وشجاعتهم وإخلاصهم شكلوا قوة عسكرية أغرته وهو ما يظهر من أهازيج أنصار الفقيد سعيد التي كانت بمثابة الأناشيد الوطنية التي تقول: حيوا رجال شرعب ذي جددوا المذهب خلوا السيوف تلعب من سفح نعمان غير أن الامام كان قد بدأ حملته بالتنسيق مع آل أبي حليقة، الذي كان الفقيه سعيد يعتمد عليهم في حماية حدوده الشمالية في يريم وسمارة، ولكنهم خذلوه في المعركة، فهزم وحاول جنوده الشراعبة أن يحملوه إلى بلادهم، ولكنه أقنعهم بأنه لم يعد في عمره بقية ويرغب بالشهادة، طالباً منهم العودة إلى بلادهم فتركوه ليقتل ويصلب في الباب الكبير في مدينة إب على أيدي جنود الإمام الذين لاحقوا اتباعه ونهبوا الدنوة وحاولوا تدمير آثار الفقيه. ومازلنا نتوارث طريقته الصوفية ولكن دون ثورة واغلب الأوقاف لم تعد تجبى وما بقي منها فهو بنظر والدي كبير الأسرة حالياً. لم يترك الفقيه من الذرية غير بنت تزوجها ابن عمها جدي السادس وتناسلنا من ذريتهما.. ذات يوم وفد أحد أعيان الأسرة على الإمام يحيى حميد الدين فقال له الإمام كيف تنسبون أنفسكم إلى الفقيه سعيد وليس له إلا بنت.. فرد عليه قائلاً: كما تنسبون أنفسكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن طريق فاطمة رضي الله عنها فلم يحر جواباً. لم تتناول كتب التاريخ ثورة الفقيه سعيد إلا لماماً ربما بسبب بعدها المذهبي وربما بسبب عمرها القليل فالقاضي الحجري في مجموع بلدان اليمن وقبائلها يقول "الدنوة" قرية من مخلاف الشوافي وأعمال إب منها خرج الفقيه سعيد صالح ياسين الهتار نحو 1258هـ بينما يرى القاضي الأكوع في "حياة عالم وأمير" أن تاريخ مقتل الفقيه سعيد يوافق حساب حروف الآية الكريمة (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم) أي عام 1256هـ وأياً كان فهي جزء من تاريخنا الضائع يحتاج إلى توثيق وثروة آثار عمرها سبعة قرون تستحق الاهتمام وموقع سياحي ينتظر استثماره. أما أهل الدنوة فإنهم بطيبتهم يجعلون من قول زوجتي لولدها (لك أهل الدنوة) دعوة تبعث على الخوف ولا تختلف عن قولها (شلوك للروم) التي أتمنى من كل قلبي أن تستجاب ليكون الاستطلاع القادم عن عاصمة محمد الفاتح بعد احتفاء الوزارات المعنية بعاصمة الفقيه سعيد وآثارها التاريخية. |