السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 02:15 م - آخر تحديث: 02:03 م (03: 11) بتوقيت غرينتش      بحث متقدم
إقرأ في المؤتمر نت
المستقبل للوحدة
صادق‮ ‬بن‮ ‬أمين‮ ‬أبوراس - رئيس‮ ‬المؤتمر‮ ‬الشعبي‮ ‬العام
البروفسور وهيب عبدالرحيم باهديله في رحاب العُلماء الخالدين
أ.د عبدالعزيز صالح بن حبتور
ثورة الـ "14" من أكتوبر عنوان السيادة والاستقلال والوحدة
بقلم/ يحيى علي الراعي*
14 أكتوبر.. الثورة التي صنعت المستحيل
قاسم‮ محمد ‬لبوزة‮*
زخم الثورة وحاجته لسلوكٍ ثوري
إياد فاضل*
خواطر في ذكرى تأسيس الموتمر الشعبي العام
د. أبو بكر عبدالله القربي
المؤتمر الشعبي رائد البناء والتنمية والوحدة
عبدالسلام الدباء*
شجون وطنية ومؤتمرية في ذكرى التأسيس
أحمد الكحلاني*
ليبارك الله المؤتمر
راسل القرشي
ميلاد وطن
نبيل سلام الحمادي*
رؤية وطنية تلبّي احتياجات الشعب
أحلام البريهي*
المؤتمر.. حضور وشعبية
أحمد العشاري*
دين
المؤتمر نت - الدكتور يوسف القرضاوي
د. يوسف القرضاوي -
دعم القيم الإيمانية واحترام العقل
الإسلام الذي ينبغي أن نبرزه للناس في عصر العولمة هو الإسلام الذي يؤمن بالوحي، ولا يغيب العقل.

فهو يؤمن بالوحي باعتباره أساس كل دين سماوي، فتعاليم الدين وأحكامه ليست من صنع النبي أي نبي ووحي فكره ووجدانه، بل أوحى الله بها إليه عن طريق من طرق الوحي، كالإلهام، والرؤى الصادقة، ونزول الملك بكلام الله إليه، والخطاب المباشر من الله تعالى، كما كلم موسى عليه السلام.

فالأنبياء هم سفراء الله تعالى إلى عباده، بعثهم مبشرين ومنذرين، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.

ومحمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، أنزل الله عليه وحيه وقرآنه بطريق الوحي الجلي، بوساطة الملك جبريل عليه السلام أمين الوحي “نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين”.

الالتزام بالإسلام



ونحن المسلمين بعد أن رضينا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا، وبالقرآن إماما أصبحنا ملتزمين بحكم عقيدتنا بأحكام الإسلام وأوامره ونواهيه: في العقيدة والشريعة والسلوك والمفاهيم والتقاليد، فنحن نصلي ونصوم ونتعبد كما يأمرنا الإسلام، ونحن نأكل ونشرب ونلبس ونتجمل ونبيع ونشتري ونتعامل، كما يأمرنا الإسلام، ونحن نتزوج ونعاشر وننجب، ونتوافق أو نطلق، كما يأمرنا الإسلام، ونحن نتعامل مع أمرائنا وحكامنا في السلم والحرب، والعافية والبلاء، كما يأمرنا الإسلام، ونحن نتعامل مع غير المسلمين في الداخل والخارج، كما يأمرنا الإسلام، فما دام هناك أمر ملزم من الله ورسوله، أو نهي محرم من الله ورسوله، فليس لنا إلا أن نقول: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير. وفي هذا يقول الله تعالى: “إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون”.

ويقول: “وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا”.

ولا يكون الفرد المسلم مسلما، ولا المجتمع المسلم مسلما حقا، إلا إذا احتكم كلّ منهما إلى شريعة ربه، مؤمنا بأن ما شرعه الله له خير مما يشرعه لنفسه، وانه ليس أعلم من الله بخلقه، ولا أبر بهم منه سبحانه وتعالى، بل هو أبر بهم من أنفسهم، وأرحم بهم من الوالدة بولدها، وقد شرع لهم من الأحكام ما يعلم أن فيه الخير والمصلحة لهم في دنياهم وآخرتهم “ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير”. لهذا كان الحكم بما أنزل الله على رسوله فرضا مؤكدا، لا يجوز اخذ بعضه دون بعض، كما قال تعالى لرسوله: “وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك”.

احترام العقل



ومع دعوتنا إلى الإيمان بما جاء به الوحي، والالتزام به أمرا ونهيا، في العبادات أو المعاملات ينبغي أن ندعو في الوقت نفسه إلى احترام العقل، الذي لولاه ما ثبت الوحي.

ولهذا قال علماء الإسلام: لولا العقل ما ثبت النقل (أي الوحي)، لأن العقل هو الذي أثبت لنا قضيتين من قضايا العقيدة الكبرى.

فهو الذي اثبت وجود الله تعالى، إذ لم نعرف الله بالوحي، لأن ثبوت الوحي لا يكون إلا بعد ثبوت الموحى به، وثبوت الرسول لا يكون إلا بعد ثبوت المرسل، وهو الله.

الإسلام يحترم العقل، فبه عرفنا الله، وبه عرفنا رسول الله، وبه عرفنا كتاب الله. وهو يحترم العقل، لأننا بالعقل نفهم خطاب الله، ونفسر كتاب الله، ونستنبط أحكام الله، فقد شاء الله أن ينص على بعض الأحكام في كتابه أو على لسان رسوله، وأن يدع منطقة فارغة من التشريع والأحكام الملزمة سميناها في بعض كتبنا “منطقة العفو” أخذا من الحديث القائل: “ما احل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو (عفو) فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيئا ثم تلا: (وما كان ربك نسيا)”.

ومنطقة العفو مطلوب من العقل أن يملأها عند الحاجة بما يهديه إليه اجتهاده في ضوء النصوص الأخرى، إما عن طريق القياس بشروطه أو الاستصلاح أو الاستحسان أو غيره من أدلة ما لا نص فيه.

وأما ما جاءت فيه نصوص قرآنية أو نبوية، فمهمة العقل أن يجتهد فيها ليستخرج منها الأحكام في ضوء الأصول والقواعد التي ارتضتها الأمة في الاستنباط، وبناء الفروع عليها، وهنا تتعدد المدارس، وتتنوع المشارب، ما بين من يميل إلى الرأي ومن يميل إلى الأثر، ومن ينظر إلى المقاصد، ومن يجنح إلى الظواهر، والشريعة تتسع لهؤلاء جميعا، وفي هذا التنوع إثراء للفقه وسعة ورحمة وإن كنت مع المدرسة الوسطية التي تجمع بين النظر والأثر، وتنظر إلى النصوص الجزئية، في ضوء المقاصد الكلية.

وهو يحترم العقل بعد ذلك، لأنه أداته الفذة في معرفة الكون من حوله، فهو الذي يكتشف قوانين المادة، ويفسر الظواهر الكونية، ويربط بينها، ويستخدمها في مصلحة الإنسان كما يوظفها في تثبيت الإيمان “سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق”.

فلولا العقل ما استطعنا أن نسخر قوى الطبيعة لخدمتنا بإذن الله، وبالعقل استطاع أن يطير الإنسان في الهواء كالنسر، بل أرفع، وإن يغوص في البحر كالحوت أو أعمق، وان يحطم الذرّة، ويصنع الحاسوب ويصعد إلى القمر، ويجتهد أن يغزو الكواكب الأبعد.

إن هذا العقل يجب أن يحترم لدى المسلمين فلا يعطلونه عن وظيفته، ووظيفته الأساسية التفكير والبحث والاستنباط والنقد، وليست مهمته مجرد التلقي والتقليد والجمود، وقبول كل ما يلقن للإنسان دون أن يمتحنه، ويفحصه ويعرف صدقه من كذبه، أو صحته من فساده، أو صوابه من خطئه.

ولهذا كان على العقل أن يناقش وينقد، ويطلب دليلا على كل قضية، وهذا ما يعلمه لنا القرآن، فهو الذي يقول بكل وضوح: “قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين”.. “نبئوني بعلم إن كنتم صادقين”.

البحث عن الحقيقة



والعقل الذي نريده، هو: العقل الحر الباحث عن الحقيقة، الطليق من إسار التقليد، واتباع الظنون والأهواء فإن الظن لا يغني من الحق شيئا، والهوى يعمي ويصم، أما العقل المكبل بأغلال الانبهار بفلسفة معينة، أو بثقافة بشرية، أو بتقليد الماضين، فهذا عقل غير مأمون على تحصيل المعرفة الصحيحة، والوصول إلى الحقيقة الصريحة.

والتقليد مذموم في شرعة الإسلام: سواء كان تقليدا للأجداد والآباء، أم للسادة والكبراء، كما قال تعالى: “وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون”.. “وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا”.

بل ينكر الإسلام تقليد العامة، والسير مع الجماهير، دون الرجوع إلى عقل أو شرع: “لا تكونوا إمعة، تقولون: إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساؤوا فلا تظلموا”.

وأشد ما يكون التقليد مذموما: حين تقلد أمة فلسفة أمة أخرى، وتقبل مبصرة أو غير مبصرة فكرتها عن الدين، والمجتمع، عن الله والإنسان، عن الدنيا والآخرة، عن المعرفة والقيم، ويقودها أفراد منها، فتنوا بالآخرين، وغلبوا على عقولهم كأنهم مغيبون أو مخدرون!

جربنا ذلك قديما في افتتان فئة من كبار مثقفي المسلمين بفلسفة الإغريق، بهروا بها، وأذعنوا لسلطانها، ولم يحاولوا أن يناقشوها أو يمتحنوها، بل اعتبروا قضاياها (مسلَّمات) واتخذوها أصلا، والإسلام فرعا، فما وافقها من عقائد الإسلام وشرائعه فهو مرْضي مقبول، وما خالفها فهو مرفوض أو مؤول، ولو كان تأويلا بعيدا. وبعض ما كان يعتبر حقائق عندها وعندهم، يعرف تلاميذ المدارس الابتدائية اليوم: أنه خرافة وباطل، وقد كشف العلم الحديث زيفه.

صنم جديد



وفي عصرنا امتحن العقل الإسلامي بقضية أخرى: فتنة الانبهار بصنم آخر، هو صنم الحضارة الغربية الحديثة، بما تحمله من فلسفة للحياة والإنسان، مغايرة لفلسفة الإسلام، سواء في فلسفتها الليبرالية الفردية أم في فلسفتها الجماعية الماركسية، فكلتاهما فلسفة حسية مادية، مغرقة في النفعية والدنيوية، تغلب المادة على الروح، والدنيا على الآخرة، والعقل على الوحي، والمنفعة على الأخلاق، هذا إن لم ترفض الروح والآخرة، والوحي والأخلاق رفضا مطلقا، كما هو شأن الفلسفات المادية، ومنها: الشيوعية الماركسية.

لقد وجد من بني جلدتنا من فتنوا بهذه الحضارة، ومن لا يزالون مفتونين بها، ويريدون منا أن ننسلخ من جلدنا، وننخلع من ذاتنا، لنتبع هذه الحضارة شبرا بشبر، وذراعا بذراع. وهؤلاء الذين سميتهم (عبيد الفكر الغربي) يريدون أن نفنى في الغربيين، ونسير في ركابهم، ونأخذ حضارتهم كلها، بجذورها الفلسفية، وخلفياتها العلمانية، وتناقضاتها التاريخية، أو كما قال قائلهم: بخيرها وشرها، وحلوها ومرها، ما يحب منها وما يكره، وما يحمد منها وما يعاب.

ونريد من (العقل المسلم) اليوم أن يتحرر من التبعية والتقليد للغرب وفلاسفته، كما دعوناه أن يتحرر من التبعية والتقليد للشرق وأئمته. بل هذا التحرر أحق وأولى، فإن أئمة الشرق هم منا ونحن منهم، نشاركهم في الأصول الكلية، وفي الفكرة المبدئية، ولكن زماننا غير زمانهم، ومشكلاتنا غير مشكلاتهم، وظروفنا غير ظروفهم.

نريد للعقل المسلم أن يفكر ويبحث، ويتحرر من التبعية والتقليد، وألا يتعبد إلا بمحكمات النصوص الربانية، التي تضيء له الطريق، وتهديه سواء السبيل، وهي في الحقيقة منارات تهدي، وليست قيودا تكبل، تسدد العقل ولا تقيده، وتحرره ولا تستعبده.. “ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم”.

*الخليج









أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "دين"

عناوين أخرى متفرقة
جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024