أي يمن يهددون؟ بعد محاولات لإصلاح سيارته قال السائق الذي أقلنا إلى تعز إن "السيارة حين تكون بلاعزم تجعل من السائق ذليل". سمعت جملته وأنا في وادي الانتخابات الرئاسية التي ننتظرها أو تنتظرنا لافرق. فكان أن فتحت أمامي صورة عن اليمن ورئيسها القادم. ترى على ماذا يتنافس فرقاء هذه البلاد؟ ولماذا هم ممسكون بخناق بعضهم، أقصد من أجل ماذا؟ في العناوين فإن مستقبل اليمن هو الذي يريد الفرقاء تحسينه، غير انه في التفاصيل فإن هذه اليمن ليست في السياسة سوى مائة شخص وقد يزيدون خمسين. أيها القارئ العزيز أرجو أن لاتفهم أي اتهام لا للسلطة ولا للمعارضة بأنهم احتكروا موارد اليمن لمصالحهم الشخصية، فليس هذا ما أقصده. فلدى المعارضة بعض قيادات هي أنزه من النزاهة نفسها وإن كنا نختلف معهم كليا أو جزئيا، الذي أتحدث عنه هو الاهتمامات التي تشكل هذا المستقبل. ويمكن للقارئ أن يعود للصحافة لمدة عشر سنوات وسيرى أن اليمن حلا وأزمة، رأيا ورأيا آخر، اتفاقا واختلافا ليس سوى هذا العدد من الناس من أصل عشرين مليون إنسان بالتأكيد أن لكل منهم اهتمامه ومتطلباته. بل والآكيد أنهم هم اليمن على الأقل من حيث الغلبة العددية، وهم هم الذين يقررون حاجات اليمن. في اليمن عشرات الآلاف من سائقي النقل: من الدراجات النارية إلى الشاحنات الكبيرة. فيها عشرات الآلاف من الحرفيين والمهنيين، فيها من المعلمين وحدهم ربع مليون، فيها أطفال ليس لهم حتى الشارع في المدن، وإلا الشمس والريح في القرى. اليمن هي موظفو اليوميات في القطاعين العام والخاص، اليمن هي مايزيد على ثمانين ألف تجمع سكاني، ليس المدينة منها سوى 13%، وصنعاء هي كل مانعرف من مدن، أما عتق والجوبة والراهدة وحيس وتريم فمدن مجهولة، خاصة في السياسة حين تكون تصريحات وخطابات وكلمات. هذا كله مع أنه مهم كأصوات انتخابية لكنه أصوات على ذات الطريقة المشائخية ماقبل اليمن الحديث مجرد غرامة في موكب للفشرة. يرهق الناخب أياما وأسابيع، وفيما يرى بعد أسابيع من فاز بنتيجة المعركة وبسببه وقد أصبح له سيارة جديدة ومرافقون، وزادت ألوان ملابسه، وبرنامج أهله اليومي، لايكسب هو إلا شخص يتسلم مرتبات شهرية مقابل قدرته على إجمال شكاويه، وليس من يفصلها. من سبق لهم مطالب ليس منها إصلاح النظام السياسي، ولاحتى الحوار السياسي، هم لهم تفاصيل يستحقون الانصراف إليها، فيما تزيد قدرتنا على الإجمال والعموميات، ويمكن لولا المؤسسة الرسمية المدنية التي تعد إنجازا كبيرا لليمن المعاصر لكان على هؤلاء اليمنيين أن يعودوا لأكثر الأنظمة بدائية لكي يديروا يومياتهم، ويبقون الانتخابات جمالة للأحزاب الحاكمة والمعارضة. يحدثني سائق شاحنة بين المكلا وأبين على مأساة النقاط الست في الأخيرة التي ترهقهم كناقلي بضائع، قلت له "شوفوا مشائخكم"، هل تتذكرون سائقي الدراجات النارية.. لقد بح صوتهم ولو كانت مشكلة نظرية خلافية لاحتشد لها الإعلام صحافة أو منابر مسجدية. لذا ينصرف اليمنيون يوما بعد يوم عن السياسة، ويزيد عدد المصوتين منهم للحاكم (لقد أفزعتني مقارنة قمت بها لنتائج الانتخابات حين لاحظت المنحنى كيف يتصاعد للمؤتمر الشعبي العام في كل محافظة ومديرية).أيها الأعزاء في المعارضة صدقوني الأمر ليس مجرد تعبير عن استغلال المؤتمر للمؤسسة الرسمية بل هو أيضا تعبير عن فقر دم في دماغ هذه المعارضة الذي ينتج خطابا بلاخيارات تعني ناجي الرداعي، وعبده قاسم الصلوي، وباحشوان الحضرمي الخ. لذا ينصرف الناس عن أحزاب كانت لهم أملا في كونها أداتهم لتمثيل قضاياهم. إنه وبدون رؤية هذا الميدان، فإننا بحاجة لنسترشد بسائق البيجوت اليريمي مع تحويرها أن الشعب المرهق بقضايا لايشتبك معها السياسي، ستنتج قيادة ذليلة لأنه لن يكون مكترثا بها *نقلا عن صحيفة الوسط |