![]() الصالـــح والطالــح! على مدى الأيام المنصرمة تسابق الكثيرون من مرشحي الانتخابات إلى إنكار كل شيء تحقق لليمن خلال العقود الثلاثة الماضية بهدف كسب ثقة الناخبين والإساءة إلى المرشحين الآخرين. وبقدر ما يمثل ذلك اختراقاً لقانون الدعاية الانتخابية؛ بقدر ما يمثل سلوكاً يندرج تحت مسمى الحمّى الانتخابية التي لا تدخر وسعاً في إنكار الحقائق على الأرض لمجرد أنها تُحسب لطرف في المعترك الانتخابي في محاولة لاستهدافه ومعه سجل حافل بالمنجزات. وتهدف مثل هذه الأساليب في الدعاية الانتخابية إلى إشاعة مناخ من التشاؤم والسوداوية لدى الناخب في محاولة لتغيير قناعاته تجاه مجموعة التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الشاملة في المجتمع. ولا تدخر مثل هذه القوى ـ التي تدخل المعترك الانتخابي بهدف الوصول إلى السلطة ـ شتى أساليب التأثير على الناخب؛ غير آبهة بانعكاسات ذلك على سمعة التجربة والوطن، فهي تحشد كل قواميس الإساءة ومفردات التحقير، مستفيدة من المناخ الديمقراطي القائم لتمرير خطاب تشاؤمي ينكر كل شيء تحقق للوطن. وبالنظرة المجردة لا يستطيع هذا الفريق السياسي إغفال حقيقة التطور الملحوظ في مسار العملية الديمقراطية التي أتاحت أمام كافة القوى الحزبية هذا السجال القائم والتنافس الشديد في المعترك الانتخابي الذي بات مشهداً غير مسبوق في الممارسة الديمقراطية وانتقالة كبيرة في التجربة؛ خاصة بعد أن كان هذا التنافس مقتصراً في حراكه السياسي والإعلامي على الجمهور المحلي المحدود إلى إتاحة تغطية أوسع ليصل هذا الحراك إلى المشاهد والمتابع خارج الوطن. وبالنظرة المحايدة أيضاً لا يستطيع طرف سياسي ـ مهما استخدم من أساليب الدعاية السلبية ـ إنكار المتغيرات الإنمائية برغم شحة الموارد وتزايد متطلبات السكان وأعباء المديونية التي ورثتها دولة الوحدة خاصة أن مشكلات اليمن الاقتصادية ليست حالة خاصة؛ بل تكاد تكون مشتركة في عدد من الدول التي تعاني تدنياً في مواردها القومية. أما مشكلات البطالة والفساد فهي من الحقائق التي لا ينكرها أحد، ويعترف الجميع بضرورة تضافر الجهود لمجابهتها؛ وهي الأخرى ليست حالة خاصة. ويكفي أن الاعتراف بها نصف الطريق لاجتثاثها، لكن على الأطراف السياسية التي تدين مثل هذه المشكلات الاعتراف أولاً بأنها جزء من تلك المشكلات، وعليها أن تضع برامج عملية لاجتثاثها في خطابها الانتخابي بدلاً من اعتبارها مدخلاً لإنكار كل التحولات التي تحققت على الأرض وإذكاء حالة السخط والتشاؤم على جمهور الناخبين بهدف كسب أصواتهم!. نشير إلى كل ذلك لتوضيح جانب من الصورة بعد أن استنفرت بعض أطراف العمل السياسي في المعترك الانتخابي كل أدواتها لطمس الحقائق وإنكار كل شيء؛ وذلك بهدف إثارة السخط لدى العامة، وهي أساليب تخترق الضوابط القانونية والأخلاقية للدعاية الانتخابية، فضلاً عن أنها لا تقدم حلولاً عملية لتلك المشكلات التي ظلت مجرد خطاب في يد أطراف سياسية تستخدمها كلما لاحت لها فرصة الانقضاض على السلطة. وإذا كانت العملية الديمقراطية حقاً متاحاً لكل القوى والأفراد على الساحة للتعبير عن أفكارها وآرائها ـ وهذا ما أثبتته التجربة عملياً ـ إلا أن المنطقي أيضاً ألا يتحول الوطن بأكمله إلى علبة كبريت يتم إشعاله متى ما تبدى لهذه القوى أو تلك أنها لا تستطيع كسب ثقة الناخب والاقتناع بنتائج صندوق الاقتراع طريقاً للوصول إلى السلطة بعد أن استنفدت كل أساليب إثارة السخط، فتلجأ إلى التلويح بإحراق الوطن بأكمله، وهي حالة بدت تظهر في ملامح خطاب طرف سياسي لا يرى في الوطن شيئاً جميلاً. على أن المهم في مجمل هذا الحراك هو الوعي المتنامي لدى المواطن في سبر أغوار خطاب المتباكين على الوطن، وبمقدور هذا المواطن البسيط التفريق بين الغث والسمين وفرز الصالح بأعماله والطالح بخطاباته!!. |